الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من نتائج رفض الدستور الآوروبي الازمة بين لندن وباريس

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2005 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


بقدر ما بدا الفرنسيون طيلة سنوات حريصين, لا على أن يحيطوا هويتهم الأوروبية بهيكلية مؤسساتية حامية وفاعلة وحسب, وإنما أيضا على أن يكونوا هم القياديون - أو جزءا من النواة القيادية - في البناء الأوروبي, بقدر ما بدوا لحظة رفضهم التصويت على الدستور الأوروبي بالايجاب , وكأنهم يسفهون أعواما من العمل المتواصل والمجهودات المبذولة من طرف قياداتهم الوطنية من اليمين واليسار, أو كأنهم - وهذا ما لن يعجبهم - يعطون الحق لجيرانهم البريطانيين الذين أبدوا الكثير من الحذر في جميع معاملاتهم مع الاطار الأوروبي, وليس أقل الدلائل على ذلك أنهم لم يرضوا باليورو.
رفض الفرنسيون الدستور الأوروبي - الذي هو في الغالب من تحرير رئيسهم السابق فاليري جيسكار ديستان. ولم يقولوا بذلك لا لجيسكار , ولم يقولوا لا لشيراك , ولم يقولوا لا لهولند
( زعيم الحزب الاشتراكي)... وإنما قالوها في الواقع لأوروبا...أو بالأحرى لطريقة لا يرونها صحيحة في بنائها. والأخطر من ذلك, أنهم قالوا كلمتهم , وهم يعلمون مسبقا أن "لا " تعني اسقاط المشروع نهائيا. أي أن أوروبا لن تقوم ولن تستقيم على أساس هذا الدستور المقترح. وإذا أرادت أن تقوم وتستقيم فعليها أن تختار دستورا آخر.
إنه صداع حقيقي بالنسبة لبروكسيل. صداع بالنسبة لأكثر من عشرين دولة أخرى, خاصة منها الدول الجديدة الآتية بأحلام الانسجام والوئام والخروج من ظلام سنوات الشيوعية والديكتاتورية. وقد بدت لا الفرنسية أيضا وكأنها - في الحقيقة - لا لهذه الدول الجديدة التي دخلت أوروبا في "الزحام" وفي لحظة من الفوران والغبطة بانهيار جدار برلين وماوراءه. وهكذا, ما أن مرت بضع سنوات,حتى بدأ البعض يكتشفون ما يكتشفه قدامى الأزواج !
أغلب الملاحظين يرون الآن أن رفض الفرنسيين والهولنديين للدستور الاوروبي سيحد من قدرات الاتحاد الأوروبي على التحرك على الجبهات الدولية الهامة. فمع اندلاع الازمة المفتوحة من جراء الرفض الفرنسي والهولندي للدستور الاوروبي، يجد الاتحاد الاوروبي نفسه امام تحدي الحفاظ على قدرته على التحرك دوليا على جبهات تمتد من ايران الى الصين مرورا بمسألة العلاقات الاطلسية.
وقد رأينا بوضوح كيف فشل قادة دول الاتحاد الاوروبي الـ25 في حوارهم حول مستقبل المعاهدة الدستورية خلال قمة بروكسل في الاسبوع الماضي.وزاد الأمر سوءا, فاندلعت الأزمة بين لندن وباريس, وعادت حليمة لعادتها القديمة (هذا نقوله لمن لا يجهل تاريخ العلاقات الفرنسية - البريطانية) .
ويرى بعض المحللين ان رفض فرنسا وهولندا للنص قد يقود الى اعادة النظر في القيادة المقبلة للبناء الاوروبي.
قال الاسدير موراي مثلا, من مركز الاصلاح الاوروبي الذي يتخذ من لندن مقرا له والقريب من فكر رئيس الوزراء توني بلير, ان "التصويت بالرفض يضر الى حد كبير بتطلعات الاتحاد الاوروبي للعب دور اكبر على الساحة الدولية". وهو يرى ان "نشوب معركة مؤسساتية داخلية جديدة هي آخر ما تحتاج اليه اوروبا في وقت تسعى لتطوير سياساتها حيال دول مثل ايران والصين وروسيا".
والتخلي عن الدستور بحسب فرضية باتت محتملة بعد رفضه في اثنتين من الدول المؤسسة للمشروع الاوروبي، سيعني في المقام الاول التخلي عن اصلاحات جوهرية تهدف الى مساعدة القارة الاوروبية على التحدث بصوت واحد مع العالم الخارجي. فمعاهدة الدستور تضع حدا للعبة الكراسي الموسيقية المتمثلة في الرئاسة نصف السنوية المتناوبة للاتحاد من خلال انتخاب رئيس للمجلس الاوروبي لرؤساء الدول والحكومات وتعيين وزير للخارجية على رأس جهاز دبلوماسي خاص به. والهدف من ذلك ايجاد حل لوضع اختزله وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر في مطلع السبعينات حين اطلق الدعابة "اوروبا، اي رقم هاتفي؟"
غير ان الممثل الاعلى الحالي للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي الاسباني خافيير سولانا الذي تم اختياره منذ حزيران/يونيو 2004 ليكون وزير الخارجية المقبل عند بدء العمل بالدستور الاوروبي، يرفض ان يرى في الازمة الحالية نذيرا بنزعة انعزالية مقبلة لدى الاتحاد الاوروبي. وصرح غداة الاستفتاء الفرنسي في 29 ايار/مايو بان "الحياة تستمر والاتحاد الاوروبي سيبقى جهة فاعلة".
وقال دبلوماسي من بروكسل ان الاتحاد الاوروبي ليس منطويا على نفسه، مشددا على المفاوضات التي تخوضها المانيا وفرنسا والاتحاد الاوروبي مع ايران بشأن ملفها النووي وعلى التحركات الجديدة في مناطق اخرى مثل دارفور (السودان).
وهذا ما نعلمه , وليس حوله خلاف, وانما المسألة كلها هي في مصداقية السياسة التي لن تتوفر دون أن تكون الدول المعنية متفاهمة فيما بينها. وليس هذه هي الصورة التي تبرز هذه الأيام عن الاتحاد الآوروبي. ونتساءل الآن : هل أن الأزمة القائمة الآن بين لندن وباريس كانت ممكنة لو لم يقل الفرنسيون والهولنديون لا للدستور؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة