الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما تكون رائحة الموت مكاناً للحدث

فرات إسبر

2005 / 6 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


رواية "منزل القردة"
للكاتب جون فولر تون:
حينما تكون رائحة الموت مكاناً للحدث

تدخلنا رواية " منزل القردة" إلى عالم الحقيقة، حقيقة عالم ملئ بحروب تقوم تحت شعار العقائد الأيديولوجيات والتي دائما ضحيتها الإنسان في كل الحالات والاحتمالات .
أننا نعايش في هذه الرواية للكاتب البريطاني "جون فولرتون " والتي ترجمها إلى العربية الدكتور "جورج جحا" أحداثا حقيقة حدثت في حرب البوسنة والتي راح ضحيتها آلاف من البشر بأحلامهم وأطفالهم وأمانيهم عدا عن الخراب الروحي والنفسي الذي تركته هذه الحرب وراءها .
أحيانا يتبادر إلى الذهن ونحن نقرأ الرواية ، ما أهمية الرواية التي تكتب في زمن الحرب ؟
هل تعيد الرواية ما خربته الحرب ؟
هل تفيد الرواية في كشف الحقيقة ،حقيقة الأديان والعقائد والأيديولوجيات التي يقتتل البشر بسببها !!!؟
في هذه الرواية تتجلى جوانب من مآسي حرب البوسنة والتي دفع ثمنها شعب برئ لا ذنب له ،حروب صنعتها العقائد والأديان ، ليقتل الجار جاره ، ليطرد الإنسان من أرضه وبيته ، لتهاجر النساء والأطفال كقطعان تهيم على وجهها ، لا تدري إلى أي الحدود تتجه ، بلاد ينتظرك الموت فيها ،في كل بوابة أو مخفر للحراسة أو نقطة تفتيش ، إذ تذكرنا بما جرى في لبنان ونعيش ما يجري الآن في العراق
هذه الرواية تطرح الكثير من التساؤلات ، عن جدوى مثل هذه الحروب .
وما نقصد في طرح مثل هذه التساؤلات هو الوقوف عند ضرورة وكيفية معالجة "موضوعة الحرب" إذ أن أهم ما يمكن أن يشار إليه في هذه المرحلة الراهنة التي نعيشها هو ما يؤكد عليه البروفيسور انتوني اولكوت والذي ثبته الأستاذ جورج جحا على الغلاف الثاني :
إذ يقول :إنه لم يعد متاحا لنا كما كان في روايات من سبق فولرتون في هذا النوع من الكتابة الأدبية أن نتمتع بترف يتمثل بطرح سؤال هو: " من فعل ذلك "؟؟؟……….فتصوير فولرتون لساراييغوا يذكرنا بشكل شديد القسوة بأنه قد يكون علينا كي نحقق العدالة في هذا العالم من حولنا أن نجيب أولا عن سؤال هو" من يهتم "؟
ولعل اولكوت بتساؤله هذا يمنحنا مفتاح للدخول إلى "متعة القراءة الأليمة لـ"منزل القردة" ، القراءة التي تفتح الأبواب الواسعة أما م عين القارئ ، العين البصيرة التي ليست عدسة فحسب ،أنها راصد للألم والدمع والمعاناة لمدينة سراييغو، مدينة يتحكم فيها بشر يقتلون بشكل وحشي على الاسم والهوية والمعتقد .
وبقدر ما تكون العين راصدة بقدر ما تكون الرواية بارعة في كشف عالم يعيش تحت أضواء الحرب الصاعقة ، تكشف خفايا النفوس وما تتركه الرصاصات الغادرة في الأجساد ، ما تتركه الحرب في النفس البشرية على اختلاف مستوياتها ،لبشر لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون في ظل حكومات طاغية تعتبر الحروب الجبارة غزوات قبلية تنتهي بمصالحه ومصافحة !!!!
الرواية كانت قادرة على كشف البشر بمختلف مستوياتهم الاجتماعية ، بشر جرحتهم الحروب وما زالت ،منهم من خسر الصديق والحبيب والأرض والبيت وأعزهم النفس هذا ما حدث في شوارع سرايغيوا المكان الذي جرت فيها الأحداث .
أن أهم عنصر في الرواية من حيث الجمالية والمصداقية هو المكان بوصفه عنصرا أساسيا في الرواية ، المكان الذي جرت فيه الأحداث لم يكن يحتاج إلى هذا الوصف الجمالي الذي يتحدث عنها غاستون باشلار والذي يسميه " جمالية المكان "في العمل الروائي ولكن في منزل القردة لا يتبادر إلى ذهننا الأمكنة والوصف الذي يثير الحنين إلى المكان لأن الأمكنة متعددة والموت يعرف من الرائحة التي أخذت شكل المكان ، حيث كان للموت طعم خاص ولون خاص وهذا ما نراه ونشعر به في صفحة 54: "الجثة موجودة هناك إذا صح الاستدلال بالرائحة .للموت رائحة نتانة ناعمة متخمة أنها في كل مكان لايمكن حجبها بالعطور والأزهار أو بمحرمة توضع على الوجه أنها تدخل من تحت الأبواب ومن خلال النوافذ إلى الطعام والشراب "
الموت هنا كما تصور الرواية صارت رائحته كالخبز اليومي إذ تعود عليه البشر كجزء من حياتهم اليومية ،مع تصوير الأحداث بواقعيتها وما جرى ويجري من بدء الحرب إلى وصول مبعوثي الأمم المتحدة .
منزل القردة تتكون من ستة عشرة فصلا تحضها أربعة أيام
اليوم الأول يحمل الفصل الأول حتى السادس واليوم الثاني يحمل الفصل السابع حتى الثاني عشر
اليوم الثالث يحتوي الفصل الثالث عشر حتى الخامس عشر
اليوم الرابع تضمن الفصل السادس عشر والأخير
إذ تتوالى الأحداث تباعا بشخصية رو سو لنصل معه إلى الفصل الأخير والمشهد الأخير الذي ينتظره الجميع سواء أكان العرض في أرض الحرب أو المسرح والبطل الخاسر فيها هو الإنسان الذي يترك وراءه الأرض التي لم ترث منه إلا الخراب ونشهد الفصل الأخير من دور روسو بطل الرواية أذا نجد فيه دلالات عظيمة على خسارات الإنسان وقيمه في هذه الأرض وهذا ما يبدو في صفحة" 387 "أحس برعدة الخوف تسري فيه …….عندما شاهد العدو وجها لوجه . قال لنفسه أرفع بصرك لا تنظر إلى جلا ديك وإذا كان عليك أن تموت فمت وأنت تنظر إلى المدينة لا إلى وجوههم فإنها ستبقى موجودة بعد أن نذهب جميعا ، نحن وهم ."
من هنا تتجلى أهمية الرواية بقدرتها على ترك بصمات حقيقة في الإبداع الذي يجسد الواقع ، الإبداع الذي يصور الحقائق ويكشف عري البشر وبشاعاتهم وبالإضافة إلى أن رواية منزل القردة بواقعيتها وبسردها للأحداث لا تشعرنا بأننا نقرأ رواية مترجمة لأنها تمتعت بمزايا عدا عن كونا عملا إبداعيا تجلى هذا في قدرة الكاتب وبعمله الإبداعي. إذ كان
للترجمة التي قام بها الأستاذ جورج جحا دورا كبير في معايشتنا للأحداث بحيث نشعر ونحن نقرأ هذه الرواية أننا نقرأ عالمنا العربي وكأنه هو الذي كان يكتب الأحداث مرورا من شوارع بيروت إلى شوارع بغداد .
الرواية التي تصور الحرب لا تحتاج إلى خيال لصنع أبطالها لان الحرب بحقائقها تغني عن الخيال ، تغني عن عناء البحث عن خيال أو إلهام .
الرواية تقع ضمن 390صفحة من القطع الوسط
صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر
ترجمها إلى العربية جورج جحا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار تدفق الحجاج على منشأة الجمرات رغم هطول الأمطار


.. للقمر حركة ظاهرية من الغرب إلى الشرق، فما مراحل تكوينه؟




.. معهد ستكهولم لأبحاث السلام يحذر: 9 دول نووية حدثت ترسانتها


.. نشرة الرابعة | انسيابية حركة الحجاج في الحرم والمشاعر.. والأ




.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: كان على نتنياهو حل ال