الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية الاجتماعية بالعراق*

محمد لفته محل

2014 / 2 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


غالبا ما تكون الكتابة عن الطائفية محصورة في جانبها السياسي أو الديني رغم قلة الكتابة الأكاديمية عن الطائفية بصورة عامة وعدم صراحة الباحث بدراسته خوفا من أثارت الحساسيات الطائفية للطرفين، إلا أن الكتابة عن الطائفية الاجتماعية هو الجانب الأكثر إهمالا والمسكوت عنه لحساسيته المفرطة لأنها تدين المجتمع، بالرغم من إنها الحديث الأكثر تداولا بين الناس في الشارع والمحلة والعمل والبيت والمقهى والكلية الخ نسمعه من كلامهم ونراه في سلوكهم، وحيث إن الطائفية في جانبها السياسي والديني هي نخبوية بين رجال السياسة أو رجال الدين، في حين إن الطائفية الاجتماعية عامة الناس، الطائفية النخبوية السياسية أو الدينية عاموديه من الأعلى إلى الأسفل، في حين الطائفية العامية أفقية، مع ذلك قلما نفكر بدراستها والإعلان عنها؟ ويبدو أن الخوف من اتهام الكاتب بالطائفية كان السبب في السكوت عنها، وحصر الكتابة عنها في جانبها السياسي ثم الديني لأنها محصورة بنخبة محدودة، إن الكتابة عن الطائفية الاجتماعية ستكون من الأسفل وليس من الأعلى كما في الطائفية السياسية، والصراحة يجب أن تكون هي أساس الكتابة عن هذا الموضوع مهما كانت الحقائق صادمة ومؤلمة ليتسنى لنا مواجهتها وتشخيصها ومحاولة طرح الحلول، والطائفية الاجتماعية التي اكتب عنها ستكون محصورة بالخطاب الشعبي السني الشيعي بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 وتصاعد لغته أثناء الحرب الأهلية الطائفية عام 2006 إلى ما بعد انسحاب الاحتلال وبقاء الحكم الطائفي، لأنه كان خطاب عفوي يحتوي ميراث لاشعوري تاريخي من الصراع السياسي الديني، وقد تسرب جزء من هذا الخطاب الشعبي إلى الخطاب السياسي المتحذلق عن خطاب العامة، بالتالي فالطائفية التي اكتب عنها ليست تاريخية وإنما معاصرة عشتها شخصيا أثناء الحرب الأهلية واستمعت لخطابها السني الشيعي، وجمعت كل ما سمعته ورأيته بنفسي أو بعض ما سمعته من آخرين في بوتقة الدراسة والبحث، هي عرض هذا الخطاب كوثيقة ثم تحليله. والخطاب الذي اقصده هو تشابه الآراء العبارات والتصورات السياسية والطائفية التي يطلقها الناس تبعا لمناطقهم الطائفية عن الطائفة الاخرى، فما إن تستمع لرأي شخص واحد في منطقة سنية أو شيعية حتى تسمعه منسوخا مرات متتالية من أشخاص آخرين من نفس المنطقة.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط نظام (صدام حسين) شعر الشيعة انه آن الأوان ليحكموا البلد بعد القمع والظلم (السني) لهم، فسمته النخب الشيعية (تغيير أو تحرير) أما النخب السنة فاعتبروه (احتلال) لأنهم شعرُ أن الشيعة أخذت السلطة من أيديهم بمساعدة الأمريكان وإسرائيل وإيران المتحالفة معهم سرا للانتقام منهم، بينما عامة الناس كانوا يسمونه (السقوط)، رفض السنة المشاركة بالعملية السياسية وحرموا التعيين في وزارات الحكومة والتعامل والتعاون معها، والحكومة من جانبها اعتقدت إنها الأقوى وغير محتاجة لمشاركتهم بالسلطة وإن السنة يجب أن يعرف حجمهم كأقلية، لكنهم تفاجئوا من قوة العمليات المسلحة (السنية) من سيارات مفخخة وعبوات ناسفة وحرب عصابات ضد الجيش والشرطة جعلت السلطة الشيعية تعرف قوة السنة إقليميا، فعوام السنة لا ترى نفسها أقلية أبدا ولا يتحدثون عن نفسهم كأقلية فيما بينهم أو مع غيرهم بل لا يعتبرون أن الشيعة أغلبية! لان كثير منهم إيرانيون وسوريون وليس عراقيون كما يقولون! كما لا يعترف السنة بالتمييز الطائفي السابق ضد الشيعة، مثلما ينكر الشيعة التمييز الطائفي ضد السنة بعد الحكم الشيعي!(1) لكن عوام الشيعة كانت تعتقد إن الحكومة أبدت صبرا كبيرا تجاه الأقلية السنية الذين يريدون استعادة السلطة وقمع الشيعة مجددا، لهذا كانت ترى إن على الحكومة استخدام القوة الحازمة مثلما استخدمها (صدام حسين) ضدهم، وايدو استخدام ميليشياتهم (فيلق بدر) و (جيش المهدي) لردعهم، وبذلك تصاعد الغليان النفسي وأصبحت الأرض مهيأة للحرب الأهلية بعدما رفع السنة السلاح بوجه الحكومة الشيعية، فما كان من تفجير الضريحين في سامراء، إلا أن حول هذا الغليان إلى انفجار اجتماعي تجسد بعمليات قتل واغتيال وتهجير من البيوت ومصادرتها أو تأجيرها أو تسكين مهجرين من مناطق فيها أو القيام بتفجيرها، وفي بدء الحرب كانت تعتقد كل طائفة أنها فرصة لإثبات القوة أمام الآخر لكي يردعه عن تماديه وصلافته، فالشيعة كانت تعتقد إن أغلبيتها العددية عراقيا مع دعم إيران المتفوقة عسكريا ضمان لانتصارها المسلح، بينما السنة كانوا يعتقدون إن أغلبيتهم الإسلامية عربيا مع دعم الخليج المتفوق اقتصاديا كفيلة بانتصارهم المسلح، فكانوا مندفعين ومتحمسين في أول الأمر، وكانت القيم البدوية تشعر كل فريق إنهم الرجال الأشجع الذين لا يهزمون، فراح كل واحد يقول (صبرنه عليهم، خل يعرفون شنو احنه، كافي عاد خل انوگفهم عد حدهم) وعندما تفاجئ كل فريق بقوة الآخر وأريقت الدماء ورميت الجثث بالمزابل والشوارع بلا رؤوس بعد تعرضها لتعذيب وحشي ومات الألوف، راح كل طرف يقول إن الآخر هو من بدأ الحرب، وان ميليشياته أكثر رحمة من خصومها في معاملة الطائفة الأخرى، وإنها لم تهجّر الأبرياء من بيوتهم، وهي لم تقتل إلا المذنبين! مقارنة بالميليشيات الخصمة، وإنها تحمي مناطقهم من الأعداء، وراح بعض الناس يقولون (هذا مو عراقي اللي يذبح ويكتل) كانت هذه العبارات تقال من شدة الدهشة والذهول على قسوة وفظاعة القتل بين العراقيين، فكانوا يحمّلون أمريكا وإسرائيل مسؤولية هذه الحرب الطائفية! وكل فريق كان يعتقد إن الأمريكان يدعم خصمه، فالشيعة يعتقدون إن الأمريكان هم من ينقل تنظيم القاعدة بالمروحيات والمدرعات لقتال الشيعة وهم من يطلق سراحهم حين تعتقلهم الأجهزة الأمنية العراقية! بينما السنة كانت ترى الجيش الرسمي وتنظيم القاعدة مدعومة من الحكومة وإيران لقتلهم ويطلقون سراحهم فيما بعد ويعتقلون الأبرياء ويعدمونهم، وادعى بعضهم أنهم وجد باجات إيرانية بحوزة القاعدة، وهي حيلة عقلية اتخذها السنة ضد القاعدة بتخوين أقرانهم بالعمالة لعدوهم، وهذه الإشاعة هي سر ظهور الصحوات ضد تنظيم القاعدة وليس عمليات القتل التي نفذتها القاعدة في المناطق السنية بذاتها هي التي أدت إلى ظهور الصحوات! إن عمليات القتل هي التي أدت إلى ظهور الإشاعة لان تنظيم القاعدة لا يختلف مع الطائفة السنة فقهيا وشرعيا بالأصول وكل ما يفعله مستمد من الكتاب والأحاديث النبوية، ثم إن (صدام حسين) قتل كثيرا من السنة ولم يثور عليه، فكان لابد اختلاق أسطورة تخرج القاعدة من الإسلام باتهامها بمساعدة (الشيعة) الإيرانيون والحكومة، فاشعيت قصة عن زواج فتاة من أفراد تنظيم القاعدة ضمن فتوى (نكاح الجهاد) وعند ليلة الدخلة اكتشفت إن هذا العريس غير مختون؟ لأنه يهودي! والمعروف أن اليهود يختنون؟ لكن الناس ألصقت اليهودية بالقاعدة لان اليهود والتشيع من أصل واحد كما يعتقد عامة السنة، وعلى هذا الأساس حاربوهم وليس لأن تنظيم القاعدة له مشروع سياسي إسلامي متطرف وكونها منظمة ذات أجندة خارجية ضد العراق! في حين إن الرواية الشيعية على ظهور الصحوات كانت ضمنيا تسقيطية تعتقد أن ظهور الصحوات جاء بعد أن اعتدى القاعدة على نسائهم فراح يشيعون عن السّنة (من وصلت لنسوانهم، يله حاربوهم)! وكلا الروايتين إشاعة فالقاعدة لازالت موجودة في المناطق السنية بعد أن خففت من إجرامها على السنة وأصبح قادتها عراقيون يعرفون طبيعة المجتمع العراقي لهذا يسميهم الناس (المجاهدين) لأنها منسجمة شرعيا مع مذهب أهل السنة والجماعة كما قلت، وهذه القاعدة تختلف عن القاعدة المدسوسة من إيران التي حاربوها كما يعتقدون لأنها تحارب الاحتلال والصفويون، ولا يعتبروها ميليشيات، بينما يعتبرون الجماعات المسلحة الشيعية والجيش الحكومي (ميليشيات صفوية)، وقد حملت أعلام القاعدة في المظاهرات ضد الحكومة لان لها شعبية في الوسط السني، والقاعدة تقوى كلما دعمت الحكومة الميلشيات الشيعية وحاربت ميليشياتهم، في حين أن الميليشيات الشيعية (كجيش المهدي) فعلت بالمناطق الشيعية كما فعلت القاعدة بالمناطق السنية من قتل وتطبيق للشريعة إجبارا بفرض الحجاب وتأديب الشباب على زيهم وشعرهم الطويل ومنع المقاهي من العاب القمار وإغلاق أو تفجير محلات التسجيلات الصوتية وموسيقى الأعراس والصالونات النسائية وبيع الخمور بمحاكم شرعية تجلد وتعّذب وتقتل في أحكامها! وقامت بعمليات تهجير واغتيالات وقتل على الهوية الطائفية والحزبية حيث قاتلت أتباع المجلس الأعلى الإسلامي وكذلك أتباع المرجع الديني (علي السيستاني)، بعدما كانت تدّعي إنها تحميها من خطر الميليشيات الأخرى، فراحت الناس تتناقل إشاعة إن الميليشيات الأولى (التي كانوا يسمونها مقاومة) قد اندس بها لصوص ومجرمين بينما المقاتلين الأوائل إما قتلو أو استقالوا فسمو المندسون ب(الخارجين عن القانون) من ِقبل الحكومة ولم يعتبروا إرهابا لأنها منسجمة مع الطائفة الشيعية شرعيا ولها قاعدة جماهيرية واسعة، في الخطاب السني الشعبي لا تلفظ مفردات (تكفيرية، وهابية، سلفية) أبدا في وصف الجماعات المسلحة بل كلمة (مجاهدين) إلا في الخطاب الشيعي الشعبي الذي يصف الجماعات المسلحة السنية بهذه الأسماء في حين يصف ميليشياته (مقاومة) ويصفها الخطاب السني (ميليشيات أو صفوية) وكلاهما يتهم الآخر بالإرهاب والإجرام، فأي سيارة تنفجر أو عبوة أو اغتيال أو عملية هجوم تعتبر من تدبير الحكومة في الخطاب السني الشعبي، بينما تعتبر في الخطاب الشيعي الشعبي من عمل السنة الوهابية أو التكفيرية أو السلفية، وعندما تحدث عملية التفجير في منطق سنية يقول الخطاب الشيعي (منهم وبيهم او بيناتهم) بينما تعتبره السنة مخطط حكومي لاتهام السنة بالإرهاب، حتى إن بعضهم يقول على الضحايا (خل نخلص من الشروگية)، فالسنة تعتبر كل التفجيرات الإجرامية (لا يستعملون كلمة الإرهاب أبدا) حكومية، لان الحكومة جعلت كلمة الإرهاب تهمة جاهزة للسنة حتى أنهم سمو المادة الدستورية أربعة إرهاب (أربعة سنة)، فما كان منهم إلا أن يردوا التهمة بتوجيهها على مدعيها بجعل كل الإرهاب حكومي إيراني أي شيعي، بينما الشيعة يعتبروه إرهاب وهابي، إن اتهام الحكومة أو السنة بالإرهاب يخدم القاعدة والبعث والمجرمين في المناطق السنية، ويخدم الميليشيات الإيرانية والحزبية بالمناطق الشيعية، وعندما يحدث نزاع مسلح بين الفصائل الشيعية يقول الخطاب السني الشعبي (بأسهم بينهم، أو بيناتهم) فالسنة تعتبر الشيعة عملاء لإسرائيل وأمريكا لمجرد إن أمريكا وإسرائيل لا تضرب إيران عسكريا بسبب مفاعلها النووي وهيمنتها بالخليج، في حين إن الشيعة ترى أن الحلف الإستراتيجي السعودي الأمريكي يخدم إسرائيل ضد الإسلام بالتالي السعودية ليست دولة مسلمة، مثلما ترى السنة إن إيران ليست دولة مسلمة، وهذا ما جعل التكفير الطائفي حصيلة منطقية، فعوام السنة يرون أصل التشيع يهودي نشأ على يد (عبد الله بن سبأ) وإن إيران متحالفة مع إسرائيل وأمريكا، بينما الشيعة يرون إن نشوء الوهابية صنيعة المخابرات البريطانية واليهودية عندما ُجند الشيخ (محمد عبد الوهاب) في الجزيرة العربية لصالحها ضد الإسلام، وإن السعودية متحالفة مع أمريكا وإسرائيل، فكل هذه المعطيات أدت إلى نشوب الحرب الأهلية بتحريض سياسي وديني وإقليمي وتاريخي.
كانت الميليشيات الطائفية تتنقل مجاميع بسيارات يركبها عادة خمسة أفراد، وتحمل بنادق كلانشكوف تجوب المناطق المسيطر عليها يكون ملثمين غالبا، طويلين اللحى وحليقين الشوارب، يستخدمون الألقاب بدل أسمائهم فظهرت ألقاب مثل (أبو درع، أبو سجاد، أبو خديجة، حسن كوبرا، ألزرقاوي، المصري، أبو تبارك) وظهرت أوصاف جديدة مثل (أمير، بيعة، قيادي، والي، إمارة، ذباح، تعزير). كان التهجير يبدأ بورقة مكتوب فيها رسالة وفي وسطها رصاصة تبدأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ثم بعض الآيات القرآنية ثم لعن وشتم طائفي باستخدام كلمات تاريخية مثل (أل أمية، بني سفيان، النواصب، الصفوية، الرافضة) مع مهلة لساعات؟ وقد يحدث الخطف والاغتيال قبل أو بعد التهديد بالتهجير، فالخطف كان يتم من قبل مجموعة خمس أشخاص أو أكثر يخطف الضحية بصندوق السيارة ويؤخذ لبيت مخصص للتعذيب حيث يتم التفنن بالضحية وأشهرها ثقب الجسد بمثقاب كهربائي (دريل) وتقطيع الأصابع وفقأ العيون وأخيرا قطع الرأس بالسكين!! ثم إلقاء الجثة وهي مقيدة من الخلف! بالمزبلة أو على قارعة الطريق أو في ساحة خالية تأكل منها الكلاب في بعض الأحيان! ثم ظهرت موجة الجواسيس الذين يتصيدون ضحاياهم من الطائفة الأخرى ويبلغون المليشيات بمكانهم بالهاتف، وكانوا يسمون (جعّاصة) في المناطق السنية و(علاّسه) في المناطق الشيعية والاغتيال يسمى (صَك)، ثم ظهرت ال(سيطرات الوهمية) وهي ميليشيات تلبس زي الجيش أو الشرطة وتقوم بإيقاف السيارات وتستفسر عن هويته الأحوال المدنية ليعرف لقب الشخص ومنطقته واسمه ثم يقوموا بقتله بسلاح ناري إذا كان من الطائفة الأخرى، أو يقومو بمداهمة بيوت مواطنين واعتقالهم بحجة أمر قضائي ثم تتم تصفيتهم جسديا، حتى صارت الناس تقاتل أي شيء يمت للحكومة امنيا، ثم تطور الأمر بعمليات هجوم ميليشيات على مناطق وبعدها تنسحب بعد قتلها عددا من الضحايا، فترد الميلشيات الأخرى بالمثل، أو تقوم ميليشيات بإطلاق هاونات على مناطق فترد الأخرى بالمثل أو تنفيذ عمليات خطف عشوائية متبادل بين المناطق وهكذا أصبحت عمليات الثأر تدور في حلقة مفرغة لهذا ابتكر الأمريكان الجدران الكونكريتية لتقوم بفصل المناطق المختلفة طائفيا عن بعضها وكان لها دور في التقليل من العنف الطائفي.
بعد الاحتلال أصبحت صور رجال الدين الشيعة منتشرة في جميع شوارع ومناطق العراق الشيعية وظهرت فصائل مسلحة إقليمية كثيرة كحزب الله العراقي، وتنظيم القاعدة بالعراق، لواء الفاروق، منظمة بدر، والجيش العراقي الحر مؤخرا، وبدأ التمييز الطائفي يأخذ شكل الثقافة الاجتماعية حيث إن البيت السني أو الشيعي يكون معروف بالمنطقة وبدأت كلمات تاريخية تنتشر على لسان الناس كروافض ونواصب وصفوية ووهابية، وكلمات فئوية مثل ذيج الصفحة وربعنه، جماعتنا وجماعتهم، احنه وانتم، وشتائم مثل (شيعي نگس، سني خايس) وكان السنة يشتمون الشيعة (ولد المتعة) انتقاصا من زواج المتعة الشيعي ويرد عليهم الشيعة بزواج النكاح وإرضاع الكبار السني، وبعضهم راح يستقذر الأكل مع الطائفة الأخرى ويحرم الزواج منهم ويصف رائحتهم بالعفنة! فشهدنا تصرفات الطائفيين حين لا يشربون الشاي من كأس شرب منه الآخر ولا يقبلونه بالسلام، وظهرت إشاعات عن الآخر بأنه يبيح فتوى زنا المحارم (المفاخذه)! وصار الفرد السني أو الشيعي في المنطقة أو الوظيفة معروف للكل، يعامل بحذر وشك ورياء، والتحرش به طائفيا بجد أو بهزل أو تلميح من قِبل زملائه المختلفين مع طائفته، وبالمقابل يكون الفرد الضحية متحفظا في حديثه لهم، يظهر غير ما يضمر لهم، يراهم يتهامسون بينهم ويتغامزون حين يمر، أو يسمع نميمة ضده أو مكائد للتخلص منه بالوظيفة أو المنصب، يعاني من التمييز الطائفي وفي بعض الأحيان يغير لقبه أو طائفته كذبا للتخلص من التمييز والانتفاع من طائفته المزورة، أو ينعزل عنهم تماما بمفرده أو مع أشخاص مماثلين لطائفته، أصبح الشخص الطائفي يعلن عن طائفته من خلال أسماء أطفاله فيسمى (أبو فلان) بدلا من اسمه، فانتشرت بين الشيعة ألقاب (أبو علي، حسين، سجاد، عقيل، جعفر، باقر، زهراء، زينب) وبين السنة (أبو عمر، عائشة، عبد الله، بكر، مصعب، أبو عبد العزيز، مصطفى، خطاب، تبارك، عبد الرحمن) أو يذكر الشخص لقبه بدل اسم أبوه مثل (فلان الجنابي، المالكي، الدراجي، الشمري، الدليمي، العبيدي الخ) ثم ظهرت فتاوى بتطليق الرجل نساءهم إذا كانوا من الطائفة الأخرى وتحريم الزواج من هذه الطائفة.
أن الحرب الأهلية أثبتت خطأ الاعتقادين، وبينت حقيقة واحدة هي توازن القوة والرعب لدى الطرفين وانه لا مجال للإقصاء والتهميش والقمع ضد الآخر، وعليه أن يعي حقيقة ضرورة المشاركة في الحكم، إلا أن السياسيين حاولوا إبقاء الوضع كما هو عليه أشبه بحالة اللاحرب واللاسلم، لهذا فالناس لديهم قلق ورعب من عودة الحرب الأهلية مرة ثانية، بعدما كانت الناس بعد الحرب الأهلية الطائفية تقول (بعد مترجع الطائفية، الناس عرفت كل شي، وبعد ما تعبر عليه السالفة مرة اللخ) وعبارات توفيقية مجاملة (كلنه مسلمين ربنه واحد ونبينه واحد) أو (ماكو فرق كلنه أخوة) لكنهم يظلون يعتقدون إن طائفتهم هي الحق والناجية وان الآخر على ظلال وانه طائفي يفرّق، هذا التناشز الفكري يفسر هشاشة خطاب التصالح مقابل خطاب الكره والتفرقة، والمشكلة ليست في نوايا الناس التصالحية وإنما في الظروف السياسية والإقليمية المنتجة للطائفية باستمرار، فوسائل الإعلام تعبئ عقل الإنسان العراقي بالفكر الطائفي بتخوين الآخر واستعداءه واتهامه بالطائفية ما يهيئ نفسيا للعنف الطائفي رغم خوف المواطن من حصولها؟ لذا نرصد التناشز في قول المواطن حيث كلامه طائفي ضد الآخر، لكنه فعليا يخاف من الحرب الطائفية ويتمنى أن لا تحدث لأنها ستقطع عمله وأمنه وحياته هو وأهله وعائلته وكما يقول (الله يسترنه وﯿ-;-چفينا شرها)، فالشيعة يبيحون استخدام العنف ضد المظاهرات السنية (الوهابية) في صلاح الدين والفلوجة وسامراء، مثلما يبيح السنة عمليات القتل ضد الأجهزة الأمنية (الصفوية) وكِلا الطرفين يتهم الآخر بالدعوة لحرب أهلية طائفية جديدة. ولا زالت الظروف تسمح بنشوب حرب طائفية أخرى أقوى من سابقتها لان سماسرة الحرب الأولى تعلموا الكثير منها ولا زالوا موجودين ينتظرون الفرصة ليعودوا في الحرب المقبلة.
إن السنة الذين لم يكونُ بوضع معاشي أفضل في زمن (صدام حسين)، يدافعون عنه ويحنون إلى عهده، لدرجة يعتقدون انه مازال حيا وسوف يعود للسلطة!! لأنهم عانو من طعم التمييز الطائفي على يد الحكومة التي تعاملت معهم كأقلية، فاصبحو متعصبين طائفيا مثلما كان الشيعة متعصبين طائفيا في زمن (صدام حسن)، والشيعي الذي لم يصبح حاله أفضل بعد حكم (صدام حسين) يدافع عن حكومته الشيعية لأنه تخلص من التمييز الطائفي على يد نظام (صدام حسين) ونال حرية الطقوس الدينية، رغم وضعه الأمني والخدمي السيئ وحقوقه المستلبة والمنقوصة، كسوء الرعاية الصحية والتنمية وتفشي البطالة والفقر والفساد الإداري والمالي، كانت الشيعة تنظر ل(صدام حسين) كسني ظلمهم فقط، والسنة تراه سني علماني نصرهم، وبعد الاحتلال أصبح السنة تتذكر (صدام حسين) كسني فقط؟ في حين كلاهما لا يراه كمستبد؟ فلو كان صدام شيعيا لما اعترض عليه الشيعة قط، ونحن نسمع كثيرا من مواطنين شيعة إن (صدام حسين) كان قويا سبع، وكان القانون محترم والأمن مضبوط في زمنه، وان الحل لأزمة البلد العودة إلى الحزب الواحد والرئيس القوي كصدام، لهذا وجدوا في (نوري المالكي) شخص (صدام حسين) فأحبوه لذلك، فلا عجب أن نرى السنة يحبوه لهذه الدرجة، إن ثقافتنا الاجتماعية بيئة خصبة لثقافة للاستبداد، وهذا كله بسبب التخلف الاجتماعي الذي يرزح تحته المجتمع جراء الحروب والحصار والقمع، ما أنتج وعيا شعبيا لا يعرف حقوقه المدنية سوى حقوقه الطائفية والعشائرية، فالشيعة تعتقد إن حقوقها هي ممارسة الطقوس الدينية، بينما السنة يرون إن حقوقها هي أن الحكومة يجب أن تكون منحازة لها. إن تعاقب الأنظمة الاستبدادية على العراق لم يتيح الفرصة لبناء ثقافة المواطنة و الحقوق والواجبات المدنية للفرد ما جعل شعبا متخلفا عنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*اكتملت هذه المقالة في الشهر الأخير من العام 2013 ، وارتأيت عدم نشرها خشية أن أضيف عليها تعديلات أضافية.
1_ يسار صالح، العراقيون والدولة المذهبية، دراسة في التمييز الطائفي السياسي والمجتمعي في العراق، دار الحكمة_لندن، الطبعة الأولى 2013، ص 193، 194.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب