الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرباب الصِغار

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 2 / 27
كتابات ساخرة


"سيكون مصيرك النار إن لم تتوقفي عما تكتبين و عما تروجين له من أفكار"!!..هذه الرسالة تصلني كثيراً..يختلف الأشخاص و الأسلوب و تختلف الأخطاء الإملائية و لكن المضمون في الأغلب يكون واحداً..المضمون الذي يريد أن يُخبرني عن غفلتي و الذي يحمل بين حروفه المعوجةِ نفسياً تهديداً بأن جهنم تنتظرني بكل وَلَهٍ لا لشيء و لكن فقط لأني أنظر للأمور بطريقةٍ مختلفةٍ كثيراً عن كاتب الرسالة.

حسناً لا بأس سأذهب إلى النار..لا أنكر أني حزينةٌ لهذا المصير الذي لم أتوقعه يوماً و لكن لحظة ماذا أفعل!!..يبدو أن الأمور اختلطت عليَّ قليلاً بسبب الصدمة و بدأ عقلي المسكين يصدق تلك العبارة كحقيقةً ستقع بلا أدنى شك..لهذا فلأتوقف قليلاً عن الكتابة و لأجبر أصابعي على الهدوء كثيراً و لأُعيد ترجمة ذلك النوع من الرسائل بطريقةٍ مختلفةٍ قليلاً.

يُقال أن الله سبحانه خلق لنا الجنة و النار كنوعٍ من أنواع النتيجة النهائية لما فعلناه في أثناء تواجدنا القصير نسبياً في الحياة الدنيا..و لا يسألني أحدكم:"لماذا سيكون الله بهذه القسوة مع الخاطئين؟؟"..لأن إجابتي حينها ستكون:"لا أعلم لماذا يصورونه بهذا الشكل القبيح"!!..على أية حال الجنة و النار قد لا تكون واقعاً بقدر ما هي مقياس اقترابك من الصواب أو الخطأ في حياتك الأولى..لهذا حاول البشر من مختلف الأديان منذ بدء الخليقة الوصول إلى أقرب نقطةٍ للجنة..لأن الأمر في عقول الأغلبية هو إثبات لصحة "الحياة" السابقة و ليس جزاءً لما فعلناه فيها.

و لكن الله لم يمنح مفاتيح أبوابهما العديدة لإنسان..لماذا؟؟..لأنه يعلم أننا كبشر نملك ذلك الشعور الأناني الذي لن أستغرب لو وصل حد القيام بإخلائها من مستحقيها فقط لأن المكان أضيق من أن يتسع لشخصين!!..و بجانب ذلك الشعور المقيت هناك حقيقة أن الإنسان يطمح دائماً لأن يحصل على نوعٍ من أنواع السلطة باختلاف أنوعها..فذلك النوع من السلطة يجعله يشعر بأنه تمكن من مقاربة ما يشعر به الله فوق عرشه أثناء تحكمه بنا و بمصائرنا و بقدرنا.

الله سبحانه يمتلك مزايا كثيرة..و لكن من أجملها بالنسبة لي أمران..أولهما أنه لم و لن يفكر مثلي بالارتباط يوماً..هكذا سيتخلص من تبعات أن يرى طفلاً يحاول ابتزازه بطريقةٍ ما طوال الوقت فقط لكي يستولي على سلطاته التي استأثر بها لنفسه..لهذا لم يرتبط الله ليجلب لنا في الدنيا أرباباً صغاراً يمارسون على البشرية ما يشبه التدريب الأولي على أبجديات الربوبية.

و ثانيهما أنه لن يضعف في يومٍ ما و يصيبه الخرف أو التعب ليمنح كل سلطاته في لحظة ضعفٍ لبشري ليسيرها نيابةً عنه ليذهب هو إلى التقاعد..فالله يعلم علم اليقين أنه لو فعلها يوماً ما فلن يبقى في جهنم موضعاً لقدم..و سيكون دخول الجنة إما بطريقتين لا ثالثة لهما..الأولى أن تدفع قيمتها بالجسد و الثانية أن تدفع قيمتها بالعقل.

الكثيرون سيرون أن أسلوبي في الحديث عن الله وقحٌ جداً و لا يُطاق..و لكن الغريب أننا لا نشعر بذات الشعور بالغضب و الاشمئزاز مع من يمارس في حياتنا دور الإله الصغير أو الوصي عنه المتحدث باسمه!!..لا نشعر بالغضب تجاه من ينتهك الرب يومياً بكلمةٍ تفوق جميع ما يزعمه الآخرون في كلماتي وقاحةً و كُفراً..كلمةٌ تخبر الآخرين و لو ضمنياً أن الرب قد أصابه الخرف و أنه آن الأوان ليتولى الأرباب الصغار مقاليد الحكم نيابةً عنه.

عندما أقرأ هذه الرسائل لا أنكر أنه تفلت مني آهةٌ و ضحكة في نفس الوقت..الآهة لأنه مجتمع هش ضعيف مثير للشفقة..جزء منه -و لنقل بتواضعٍ زائف أنه قد يكون شخص واحد منه- يُصاب بالصدمة التي لا يملك أن يُعبر عنها إلا بالسُعار اللفظي..و السبب؟؟..فتاةٌ مستلقيةٌ بكل هدوء على سريرها تستمع إلى هبة القواس و هي تُحرك أناملها سريعاً على شاشة كمبيوترها المحمول لتكتب كلماتها بكل انسيابية و دون تفكيرٍ طويل في تنميقها "فكرياً" أو لأكون صادقةً أكثر دون أن تكلف نفسها عناء ارتداء أقنعةٍ نعشق ارتدائها فقط ليمنحنا شخصٌ ما برسالةٍ ما مقعداً في جنةٍ لا يملكها.

و الضحكة لأن هناك من يؤمن حقاً أن الله سبحانه ينتظر منه الإذن لكي يحدد مصير روحي إلى أين ستذهب!!..السلطة مُسكرةٌ كالخمر..مقولةٌ مشهورةٌ جداً..لهذا من يمتلكها -أي السلطة- في الأغلب لا يستطيع أن يوجهها بطريقةٍ سوية..بل يعمل على التخبط بها و السير بها مُتطوحاً..و لكنه لا يعلم أنه كذلك و لو كان يعلم لألقاها بعيداً عنه تجنباً على الأقل لسخرية الآخرين منه..لهذا أرى في الأرباب الصغار و سُكرهم في حضرة الرب جرأةً غريبةً معه و تجاهه..جرأةٌ تليق فعلاً بمن نعتقد أنهم "ربما" سيكونون يوماً حطباً لجهنم عوضاً عنَّا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطة تخطف أنظار الحضور بعد صعودها على خشبة المسرح أثناء عزف ا


.. عوام في بحر الكلام - علاقة الشاعر فؤاد حداد وسيد مكاوي




.. عوام في بحر الكلام - فؤاد حداد أول من حصل على لقب الشاعر في


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 10 يونيو 202




.. عوام في بحر الكلام - حفيد الشاعر الكبير فؤاد حداد مع الشاعر