الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخوة بين أبناء الشعب الواحد

سميح مسعود

2014 / 2 / 27
الادب والفن


هذا كتاب جديد للكاتب فتحي فوراني ، يضم بين دفتيه ومضات أفكار نيرة ، تدعو إلى توثيق أواصر الأخوة والاحترام المتبادل بين أبناء الشعب الواحد ، وإلى تعزيز الوحدة الوطنية في مجتمع تعددي لا يستحوذ فيه أحد على أحد ، وإلى تعزيز العيش المشترك تحت خيمة وطنية واحدة تظلل الجميع ، تمتد أوتادها عميقاً في رحم الأرض الفلسطينية على امتداد الوطن ، بعيداُ عن التعصب الطائفي والديني والفكر الظلامي.

صدر الكتاب عن مركز" اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة " ، وهومركز قل مثيله في العالم ، مقره مدينة بيت لحم التي انطلقت منها رسالة النور والمحبة والسلام ، يُعنى بزيادة التقارب بين المسيحيين والمسلمين من أبناء الشعب الواحد للعيش معاً باحترام وكرامة ، كما يسعى في جميع نشاطاته واصداراته منذ تأسيسه عام 1982إلى حماية الهوية الثقافية والوطنية الفلسطينية ، وتعريف الأجيال الحالية والقادمة بالذات والأخر وبكل ما تختزنه الذاكرة الجمعية من قيم موروثة ثقافية وحضارية عن الأباء والأجداد .

يضم الكتاب مجموعة مقالات مختارة نشرت للمؤلف من قبل ، وكلمات قدمها في مناسبات دينية وندوات ثقافية كثيرة ، وفي حفلات إفطار رمضانية دعت اليها كنائس في حيفا وغيرها من المدن الأخرى ، استقا مواضيعها من مناهله الفكرية الثابتة المناوئة للغلو في فهم الدين والمعتقد ، والداعية إلى تعميق الوعي بالإنتماء القومي والوطني ، وزيادة التلاحم بين أبناء الشعب الواحد على مختلف انتماءاتهم الطائفية .

ويتضح من ألفاظ ومعاني المقالات والكلمات التي يضمها الكتاب مدى عمق الخط الفكري التقدمي الذي يلتزم به فتحي فوراني ، وعمق تجربته التربوية والتعليمية ألتي أثرت تجربته الحياتية ، وزادت من منسوب معايشته الحسية والفكرية للقضايا الوطنية ، ومكنته بالتالي من صياغة مفهوم برؤية خاصة به للتعايش المشترك بين أبناء شعبه تحت خيمة واحدة ، يساعد على سبر الذات ومعرفة الأخر ، وعلى تأجيج الإحساس بالمواطنة والإنتماء والموروث المشترك والهوية الوطنية الفلسطينية ، وكل نقاط التقا طع الكثيرة المشتركة والأهداف العامة التي تجمع أبناء شعبه ، بعيداً عن النقائض والتعصب الطائفي والمظاهر القبلية المعيقة للحياة العصرية .

وتفضي به أفكاره النيرة في هذا السياق إلى تأملات أخرى لزيادة عُرى الوصل والتعايش والتوافق بين الذات والأخر والموروث الديني في أرضه المحتلة ، يدعو بها إلى تحويل الأعياد والمناسبات الدينية المسيحية والإسلامية إلى أعيادٍ وطنية ، يحتفل بها أتباع الديانتين معاً بمحبة صادقة ، لمقاربة نقاط اللقاء المشترك بينهم في إطار التعددية المجتمعية ، وإعطاء الأجيال العربية الصاعدة من أبناء الوطن الواحد فرصة التمتع بأجواء أخوية حقيقية ، تساهم في تعزيز الألفة والمودة بينهم ، وفي تعميق وعيهم وإحساسهم بالإنتماء الوطني والقومي ، بما يساعد على جعل التشبث بالأرض والمقدسات في الواقع المعيش ممارسة يومية ومألوفة وعادية أقوى من الإحتلال وأبلغ .

وبقدر ما كان الواقع الفلسطيني الراهن جلياً في فكر المؤلف و رؤاه وتوجهاته ، كانت سبل دعوته لتعزيز التقارب الأني والمستقبلي بين أبناء الشعب الواحد واضحة أيضا ، صاغها بحس مرهف وفهم للنفس البشرية ، ودعمها بنصوص مرجعية استقاها من أقوالٍ مأثورة وحكمٍ وأحاديث نبوية , وآيات قرآنية وأخرى من الأناجيل ، وأحاديث فلاسفة وأدباء وكتاب ، تنطوي على مفاهيم دينية ومقولات فكرية وعقلانية متعددة ، تجمع مابين الإدراك الحسي والعقلي ، تم إختيارها بدقة وعناية متناهية ، وتم بها التأكيد على ما يصر عليه الفكر التقدمي التنويري من نبذ للتعصب الديني والطائفي مهما كان مصدره ومرجعياته الفكرية والعقائدية.

كما تمكن بنفس المفاهيم والمقولات أن يؤصل في كتابه إلى تجارب الأباء والأجداد في العيش المشترك ، على قاعدة احترام التعدد والتنوع في أجواء من الأخوة والتسامح الديني وسعة الصدر ، وما نشأ عن تلك التجارب من تفاعل حميم و تعايش جماعي عميق الجذور بين المسيحيين والمسلمين ، عزز النسيج الإجتماعي والقومي لدى أبناء الوطن الواحد على امتداد مئات السنين في الارض الفلسطينية .

ويعطي الكتاب أمثلة عملية بتفصيل واضح عن ذلك التعايش ، منها تألق المطران غريغوريوس حجار الذي عرف بلقبه القومي " مطران العرب " وتألق الخوري جبران ، خوري البروة الذي كان خوري المسلمين والمسيحيين معاً ، وثمة أمثلة مسجلة في الكتاب من الزمن الحديث ، تتصل بوقوف شخصيات وطنية تقدمية مسيحية على المنابر من اجل الدفاع عن المقدسات الإسلامية ، مثل حنا نقارة وحنا ابو حنا وتوفيق طوبي والقس نعيم والقس شحادة شحادة ، اقترنت مداخلاتهم بمعين لا ينضب من اللحظات المشرقة ، دشنوا بها نقلة مهمة صوب تعميق المشترك بين ابناء الشعب الواحد .

وهناك أمثلة أخرى في هذا السياق عن التعايش الأخوي المشترك بين المسيحيين والمسلمين ، منها مشاركة جميع الطوائف في إحياء المناسبات الدينية الإسلامية ، كالاحتفال بمناسبة العام الهجري الجديد في عام 1976، والاحتفال بتناول إفطار رمضاني أقيم في كنيسة الروم الكاثوليك في حيفا في عامي 2010 و2011 ، أضفى أبعاداً وطنية أصيلة على شهر الصوم والتعبد ، وأكد في كثير من الصور والمعاني على تشكيل لبنات أولى لرسالة وطنية رائدة بمضمون حضاري ، تحمل في طياتها صلات إنسانية حميمة تتجاوز المألوف إلى ما يشبه الطفرة .

باختصار هذا كتاب على درجة عالية من الأهمية ، يؤكد على فضيلة التسامح وحب الآخر واحترامه والتعايش معه بعلاقات مترعة بالأخوة والمحبة ، خالية من أي تعال أو كبرياء أو إقصاء، إنه بمثابة رد على الأصولية المتشددة وما يجري في الزمن الحالي من تكفير للأخر ، والاعتداء عليه بممارسات دموية وحشية لا إنسانية مرفوضة تمثل هجوماً صريحاً على صحيح الدين ، وتطعن النسيج الاجتماعي في كثير من الدول العربية في الصميم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي