الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجه العنصري في ضحايا ليبيا

شوكت جميل

2014 / 3 / 1
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


لعل من أبسط التعاريف القانونية للعنصرية،هو اختلاف موقف القانون من المواطن باختلاف "هويته"،و كيفما كانت حالته القانونية التي وجِد فيها إزاء القانون؛ فسيان أكان ذلك المواطن جانياً أم مجنياً عليه،و سيان أكان في موضع إثابةٍ أم موضع عقوبة..و بعبارة أخرى فانه من العنصرية البواح،مثلاً، أن تختلف عقوبة القتل باختلاف هوية أياً من القاتل أو الضحية_سواء في عقيدته أو عرقه أو جنسه_ فتتبدل تبعاً لها موازين العقوبة، و تصبح نصف عقوبة أو ثلث عقوبة أو لا عقوبة،و إن شئت فقلْ باللغة العتيقة"دية"و"نصف دية" و"ثلث دية"ونحو ذلك من السخام و الغائط اللا أنساني..و كما الحال في العقوبات كذا الحال في الحقوق،فمن العنصرية البواح أيضاً،أن يُغْمَط أمرؤٌ كائناً من كان حقاً له، لا لشيءٍ سوى هويته،فيحرم من المناصب و المراكز القيادية أو"حق الولاية كما في الكتب الصفراء الميتة"،فتستأثر بها دون غيرها هويةٌ بعينها؛ ترى في نفسها التفوق و الاصطفاء.

و إذا اتخذنا من تعريف العنصرية الذي قدمنا مقياساً لنا_و لهو حقيق بأن يُتَّخذ_،لتيسَّر لنا أن نصنف الأنظمة ما بين عنصرية و غير عنصرية،و لتيسر لنا أيضاً أن نصنف القوانين و الشرائع ،و نضع أيدينا على ما بها من عنصرية،سواء كانت في الشرائع الوضعية أو في ما يطلق عليه البعض شرائعَ سماوية...و قس بها ما شئت من الشرائع و ستجد عجباً!

ولعلنا ننظر الآن بعين الرضا و الغبطة؛و قد كادت جميع الدساتير و القوانين الوضعية "المكتوبة"،أن تخلو من العنصرية،و تنبذها عنها نبذاً،و تدفعها عنها دفعها للأجرب،بل و أكثرها سنَّ التشريعات التي تجرمها،و تضع العقوبات لها...وحقيقة الأمر أن ذلك لم يكن وكدنا،و لا الغرض من المقال؛إلا أن المقدمة التي رأيتها لازمة كادت تغلبنا و تجنح بنا بعيداًعن قصدنا،إنما ما يعنينا حقاً فهو العنصرية على الأرض أكثر منها في بطون كتب القانون؛و لعل أيسرها رصداً و أظهرها على أرض الممارسة: ما كان في سلوك نظامها الحاكم....ثم سلوك نخبتها و إعلامها...ثم سلوك مجتمعها المدني و الذي يعبر بالضرورة عن مزاجها الشعبي.و هذا ما حاولت رصده في الدولة المصرية على الأرض،و قد حدثت حادثتان أحسب أنهما كاشفتان و فيهما الدلالة الناصعة على الحالة العنصرية..فما هما؟

الأولى: هي حادثة قتل السيدة المصرية الكريمة/مروة الشربيني،قبل عدة سنوات،في المانيا،بيد مواطن ألماني من أصول روسية،لا يمثل إلا نفسه و غير تابع لأي منظمة عنصرية،و قد جاء في التحقيقات آنذاك أن إرتداء الضحية للحجاب هو الدافع للقتل،أو لمشاحنة عابرة بينه و بينها بسبب النزاع على أولوية أرجحة الأطفال في حديقة عامة!و كيفما كانت الحقيقة،فقد نُظر للجريمة كقتل على الهوية.

الثانية:هي الحادثة الراهنة لقتل سبعة عمال من المسيحيين المصريين في ليبيا،و قد إقتادهم نفرٌ ممن ينتمون إلى تنظيم "أنصار الشريعة"،و من ثم لقوا حتفهم رمياُ بالرصاص،و قد تم إنتقاؤهم من بين باقي العمال تبعاً لهويتهم،طبقاً للشهود،و شهادة الثامن الناجي الوحيد من المذبحة..إذن هي جريمة قتل على الهوية كسابقتها.

و الآن نلقي الضوء على تباين ردود الأفعال المختلفة ما بين الحادثتين:

اولاً:النظام الحاكم:
بادرت الخارجية المصرية في الحالة الأولى بتقديم استنكار رسمي و إدانة للحادث،و أخذت على عاهلها توفير المحامين للحفاظ على الدم المصري الكريم الذي أريق،و متابعة المحاكمة أولاً بأول للوقوف على الأمر،حتى نال الجاني القصاص،و قامت الحكومة الألمانية بتقديم تعويض مناسب،و الحق أغبط هذا الفعال من الخارجية المصرية،لأنها واجبها التي قامت به خير قيام،و الذي يجب أن يظلل كل من حمل الجنسية المصرية ..فماذا حدث في الحالة الثاني؟
في الحالة الثانية كل ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية إدانة باهتة، و أعلن أن الضحايا لا يقيمون في ليبيا إقامة شرعية!و هذا ما ثبت عدم صحته بشهادة الناجي الوحيد،و بشهادة ما يحمله من أوراق،و نسأل ما علاقة الإقامة الشرعية أو عدمها من قتل مواطنين مصريين،فما أعلمه أن الإقامة غير الشرعية تعني ترحيلهم إلى أوطانهم،لا إرسالهم في توابيت الموتى إلى ذويهم...ثم تبرع سيادته و سارع بالقول بأن القتل يعزا إلى خلافٍ مادي،محاولاً أن يدفع أن القتل جرى على الهوية،و هذا ما ثبت كذبه أيضاً،و أن الملثمين الجناة من"أنصار الشريعة"لم يكن لهم بطبيعة الحال أي معرفة سابقة بالضحايا،و قد هاجموا السكن مطالبين بإخراج المسيحيين دون غيرهم منه،أما الشيء المثير للدهشة،فهو ما اتضح بعد ذلك بقيام هذه المجموعة الأرهابية قبلاً،بنشر ملصقات في أنحاء المدينة الليبية،و قد حددت فيها مكأفات مالية سخية،لمن يدل على مسيحيي العقيدة بها لصطيادهم!ألم يكن من واجب الخارجية المصرية،أن تعلن على وجود حالة من العداء ضد مواطنيها،محذرة إياهم بالرحيل،أو مناشدة الدولة الليبية بتوفير الحماية،كما تفعل كافة الدول "المحترمة" مع رعاياها،أم أن هذه الطائفة المستهدفة لم تكن من رعاياها؟!.

ثانياً موقف الإعلام المصري:
تبنى الإعلام المصري الحالة الأولى كقضية قومية_و لهي جديرة بذلك_،و كانت الأنباء تترى وقتها،و في النشرات الأخبارية اليومية وعلى القنوات الخاصة و العامة،بحيث تصلنا مستجداتها اولاً بأول،أما في الحالة الثانية،فقد ألتفتت بعض القنوات الخاصة للحدث،كنتيجة لتركيز القنوات القبطية على الحدث في المقام الأول،بينما أغضى الإعلام الرسمي الطرف عن الحادثة أو كاد،و لا تعرض لها بما يناسب فداحة الحدث،إلا لمحات خاطفة و ذراً للرماد في العيون.

ثالثاً المجتمع المدني:
في الحالة الأولى تكونت مجموعات ضغط على النظام، لتحريك القضية،و أنتشرت صفحات على شبكات التواصل الإجتماعي متخذة منها قضيتها الأساسية،أما في الحالة الثانية فالذي تحرك بالأساس هي المجموعات القبطية و حسب،و أنضم لها على إستحياء القلة من منظمات المجمتع المدني.

و رغم سعادتي حينها برد الفعل في الحالة الأولى،إلا أنه تبين لي الأن ،أن دافع الأمر لم يكن الوطنية أو كرامة المواطن المصري،بقدر ما كان حمية دينية،أو قل عصبية قبلية دينية، فإنما نثأر لأهل قبيلتنا و عشيرتنا،أما غيره فثأرهُ على أهله!و من هنا نعود إلى مقدمة المقال في تعريف العنصرية...قد يبدو كلامي هذا فجّاً بعض الشيء لبعض الناس،ولا يحمل القدر الكافي من الكياسة،و لكن الحق فوق كل شيء.

بيت القصيد
هذا و إن كنا لا نحب أن نتخذ دور الغربان التي تنعق مبشرةً قومها بالخراب...فاننا بالاكثر لا نحب أن نكون أجنحة الترويح على وجه الغارق في نومه و حيزوم الخفافيش مغروساً في صدره حتى آخر قطرة دم...أليس من الحق علينا أن نقرع الأجراس على الآذان النائمة و إن ازعجتها،أليس من الحق علينا ان نقرع الطبول..لعل هؤلاء ينتبهون..و لعل أولئك ينتهون؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بودكاست تك كاست | شريحة دماغ NeuroPace تفوق نيورالينك و Sync


.. عبر الخريطة التفاعلية.. كتائب القسام تنفذ عملا عسكريا مركبا




.. القناة الـ14 الإسرائيلية: الهجمات الصاروخية على بئر السبع تع


.. برلمانية بريطانية تعارض تسليح بلادها إسرائيل




.. سقوط صواريخ على مستوطنة كريات شمونة أطلقت من جنوب لبنان