الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة المعارضة بين المقاطعة والمشاركة (3-3):المبررات والأوهام

عبدالله هاشم

2005 / 7 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


المقاطعة جاءت على أرضية واقع الصدمة العاطفية فدستور 2002م جاء ليكرس سلطة تشريعية منتقصة الصلاحيات والسلطات بإنشاء مجلسين متساويين من حيث عدد أعضاؤهما ومقدار سلطاتهما في التشريع وكانت آمال جماهير الحركة الدستورية وقادتها في وارد أن التعديلات سوف تأتي بدستور متقدم عن دستور 1973م وكانت التضحيات الجسام أمام أعينهم ولم يجف دماءها ولم تهدأ نفوس ناشطيها ، فاستشاطت ردة الفعل لديهم في لحظة التعديلات وانكفأت بعد ذلك على مدى خمسة أشهر وهو مدى زمني حرج جداً بدأت خلالها اعتمال وإعمال التغييرات السياسية الواعية وغير الواعية من قبل الحكم من ناحية وقوى المعارضة من ناحية أخرى وتمثلت في التالي : -

أولا : إرساء دعائم النظام الملكي في الداخل والخارج وأتت على أصعدة عديدة ونوجزها في التالي : -
1. اجراءات اقتصادية ومعيشية عديدة منها ما أطلق عليه مكرمات ومنها ما يأخذ صفة قانونية لمنح علاوات وتشغيل أعداد كبيرة من المدرسين وشباب في وظائف عديدة . ومعالجة أمور معاشية تجد صداً كبيراً لدى المتضررين منها .
2. تفعيل أكبر لموضوعات حقوق الانسان وخصوصاً إعادة عوائل المنفيين ومنح الجنسية لمن سحبت منهم أو لمن كان لا يحوزها وهم أعداد كبيرة .
3. خلق بنية من العلاقات الخارجية وصلت في بعضها الى صداقات شخصية مع قادة بعض الدول مما جعل الاسناد الاقليمي والدولي في أعلى درجاته وحتى تمكن المملكة من قيادة مؤتمر قمة عربي ، ومساندة الولايات المتحدة للنظام الملكي الجديد في الاتجاه الديموقراطي – استناداً الى توافق في العديد من القضايا الاقليمية والسياسات الدولية .


ثانيا : الانتخابات البلدية وما أفرزته من واقع : -
وهي عملية أحدثت حراكاً سياسياً إذ برزت القوى الاسلامية السنية المحسوبة على الخط الرسمي كرقم مؤثر في المعادلة السياسية وهي تعمل على أرضية القبول بما تحقق ، وهو أمر مؤثر بشكل كبير جداً خصوصاً مع وجود قيادات للمعارضة لا تقيم وزناً للقوى التي تتخلق على الأرض وتعتقد أن العمل من مواطن الذات الطائفية كاف وسوف يلزم باقي القوى والشخصيات التابعة بأن تتوافق ومناهجها ومواقفها وهي بهذا لا تقيم وزناً للقوى الاقليمية والدولية .

وهم اجبار النظام على التراجع بانتهاج مقاطعة الانتخابات : -
وعلى الرغم من أن تحولات سياسية جوهرية حدثت من فبراير الى بداية أكتوبر 2002 وأوجدت معادلات جديدة إلا أن أول ما تبادر الى ذهن بعض من قيادات الحركة الدستورية أن هناك امكانية ماثلة لتراجع النظام إذا ما أعلنوا موقفاً رافضاً يتمثل في مقاطعة الانتخابات وخصوصاً بأن الحكم لم يرفض أي طلب لحركة المعارضة وهو الأمر الذي شجع البعض بأن يتصور بأن هذا الطلب كغيره من الطلبات من الممكن الاستجابة له إلا أن النظام كان يعرف ما يريد فهو لم يكن ليسلم القرار السياسي والتشريعي الى حركة معارضة قادرة على السيطرة على المجلس التشريعي هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هي حركة معارضة ليست ذات أساس وبناء ديموقراطي وإنما تتعدد عناصر بناؤها من طائفي وثوري وجهادي وهو الأمر الذي يخشى معه النظام إدخاله في تعقيدات على مستوى السياسة الاقليمية والدولية . لذلك فإن الاعتقاد بأن النظام كان سوف يتراجع بمجرد المقاطعة كان وهماً فادحاً وهذا أحد جوانب القصور في استشراف وتقدير ما يمكن ومالا يمكن لدى النظام ووفقاً لهذا التصور أتت الاجراءات التحشيدية في نوع من استعراض القوة عشية الانتخابات في ندوة الجفير كخطوة أخيرة لإجبار النظام على التراجع ولكن الأسس في التعاطي السياسي لدى النظام كانت واضحة وترسمها عقلية ذات مقومات سياسية على نقيض ما يحدث في المعسكر الآخر الذي ترسم أسس مواقفه وبالتالي مواقفه عقلية ذات مقومات عاطفية ومناكفات ذاتية وتموضع واستجابة لوعي الشارع إذ تتماثل فيها مقومات العقلية الشعبوية التي يصوغ لديها المشهد العام مرتكزات الفكر والمنهج والموقف فهي لا تمتلك أدوات تخترق بها ما وراء المشهد الشعبوي .

مقولة المشاركة تمنح الدستور الجديد شرعية تاريخية ما هي إلا مبرراً لسقوط الوهم ..
وبعد أن سقط تصور تراجع النظام بمجرد حلول موعد الانتخابات بدأ يخرج الى النور مبرر آخر وهو التاريخي المبدئ السرمدي وفحواه أن مجرد الموافقة على المشاركة في الانتخابات هو منح شرعية ضمنية تاريخية لدستور 2002م ، وهو مبرر ذو طبيعة أخلاقية صالحة للنخب والمتعلمين قرين بما أطلق للعوام من الشيعة بأن المقاطعة تكليفاً شرعياً .

وما أطلق للعوام من السنة بأن المشاركة واجباً دينياً ، أما بمنطق القانون والسياسة فإن التعبير عن الإرادة متدرج يأتي في مقدمتها التعبير الصريح عن الإرادة وفي الدرجة الثانية التعبير الضمني عن الإرادة أي أنه من يشارك في الانتخابات ويقول بأن دستور 2002م لا يتوافق والإرادة الشعبية وهو يصادر عليها من خلال تشكيل السلطة التشريعية فإنه لا يمكن أن يقال بأنه موافق لأنه شارك في هذه الانتخابات . وأن مطلقي مفهوم المشروعية التاريخية أرادوا أن يبرروا التصور - الوهم حول أن موقف المقاطعة سوف يجبر النظام على التراجع وهم يخطئون مجدداً لأنهم بهذا التبرير يضعون الموت في أحشاء هذا الكائن - المفهوم . حيث أن مشاركتهم مستقبلاً وهذا مآل مؤكد سوف يضعهم في موضع المحاسب من الناس لأنهم سوف يحللون ما كانوا يحرمون ويعلنون الشرعية التاريخية للدستور الجديد بمشاركتهم في الانتخابات المقبلة المحرمة دينياً وطائفياً وأخلاقياً وسياسياً .




التهافت للخروج من المأزق وتخريجات تمنح الشرعية للدستور الجديد :
إلا أنه بعد أن بدأت المقاطعة تدخل النفق بدأت محاولات سياسية للحصول على ما يمكن الحصول عليه دونما التفات للمبدئ الأمثل السرمدي وهو دستور 1973م . فبادر المقاطعون بطلب حلحلة الوضع باستجداء تأجيل الانتخابات وهنا بالتحديد أيقن النظام أنهم أصبحوا على مشارف فوهة النفق فالتفت عن الطلب لكون الاحداث المرسومة بوعي تجري الى مستقراً لها وكان على الحركة أن تعيها ، وانهالت بعد ذلك التخريجات بطلبات مثل أن تجري تعديلات وبمرسوم ملكي ينعقد بموجبها مجلس النواب قبل مجلس الشوى بستة أشهر ليقترح تعديلات أو المطالبة بإجراء تعديلات دستورية وبمرسوم ملكي أيضاً يقضي بتقليل عدد أعضاء مجلس الشورى وهذا يتضمن موضوعياً وفعلياً إقراراً بدستور 2002م وتخلياً صريحاً عن دستور 1973م أو مكتسباته وأن هذه المبادرات السياسية كانت قد بدت متهافتة تلغي الاخلاقي الديني وهو الطابع المقدس للمطلب الذي زرع في الناس بعد استشراف جاهزية القطاع الأكثر حيوية من الجماهير واستعداداته للوقوف مع أي موقف يمثل سقفاً أعلى للمعارضة ويوحي براديكالية وأن كانت عمياء من الوجهة السياسية .

وإن مطالبات كهذه توحي أن هناك من تورط في المقاطعة ويريد الخروج منها بأي شكل وبأقل قدر من إراقة ماء الوجه ومن الخسائر على المستوى الشعبي وإن هناك من صدق حقيقة صوابية الموقف وظل مخلصاً له باعتباره ما يحقق مصلحة الطائفة والشعب وربما رضى الخالق عز وجل . وهذا في حد ذاته أوجد واقعاً سياسياً معقداً إذ أن هذين المعسكرين يتجهان الى الاختلاف حول ما يعتقد بأنه استراتيجي ، وهو ما يحقق نوع من المقاربة فيما بين المشاركة والمقاطعة . حيث أن المقاطعة سوف تتحول الى مقاطعتين الأولى مرنة تطرح حلولاً للخروج من المأزق أما المقاطعة الثانية سوف تحاول البقاء والابقاء على الطابع المخلص الراديكالي بغية المحافظة على تعاطف الناس معها بأي ثمن سياسي ومعاشي وحياتي يلحق بالناس كما هي المشاركة مشاركتين مشاركة تعتمد أن هذا الحائط وهذا الظل وأننا سوف نسير بقربه مع بعض المناكفات مع النظام لإيهام الناس بثبات الاخلاص ومشاركة تنطلق من بعد تحقيق التراكم الساعي الى تثبيت قواعد ونظم يحترمها النظام لعملية نمو حركة دستورية وديموقراطية وتنمية مجتمعية مستدامة والتوصل الى سن دستور تتماثل فيه بجلاء الارادة الشعبية ويحقق القاعدة الدستورية أن الشعب مصدر السلطات جميعاً بأن يكون هناك سلطة تشريعية من مجلسين الأول منتخب بالكامل وتنعقد له جميع سلطات التشريع والرقابة ومجلس ثان معين تكون له صلاحيات إبداء المشورة والراي وهذا يتطلب عمل طويل وشاق تتوحد فيه المعارضة القادرة على الفعل وتقادر بالضرورة مواقع المواقف ذات الطبيعة العدمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام