الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبءُ السؤال..

عائشة مشيش

2014 / 3 / 1
الادب والفن


كان السرير يدور ويدور بسرعة لم تترك له مهلة للتفكير في كنه الموضوع !
جلس مفزوعاً من هول الدوران الذي كاد أن يقطِّع أنفاسه ، ما هذا ؟!
تدويرات لا حدَّ لها ، يا إلاهي ! أحسَّ كأنه يمتطي هرماً مقلوباً ، عيناه خطوط مرتعشة ، يتنفس بصوت كأنه صفير قطار ، أحجام غير واضحة حوله في تداخل ، أجسام لأناسٍ تحيط به يعلوها لون ترابي متدرج القتامة ، وهذه الأضواء الذهبية التي تغيب وتأتي كلما حاول فتح عينيه ..
أينَ أنا ..؟ هل ليل هو أم نهار ..؟ كانت الغرفة مظلمة حتى أنه لم يعرف أين موقعه من المكان ...
ترى أين أنا ...؟ قبض بأصابعه بحافة السرير محاولاً إعادة توازنه ، أغمض عينيه ، لا فائدة ، يرى كل شيء وهو مغمض العينين ، آية ملامح تتراءى له، ملامح وجوه تكسوها عظام بارزة فاقدة لطعم الحياة ..
فتح عينيه بعد أن هدأ قليلاً وهو لا يزال يمسك بأصابعه على حافة السرير، حاول معرفة وضع السرير في خريطة الغرفة ، تلمس بيديه على جانبيه ليرى إنْ كان يوجد شيء ..وجد طاولة وفوقها بدأ يتحسس ما عليها ثم عثر على شيء ربما هو الذي يبحث عنه ،إنه مفتاح ضوء الأباجورة ، ضغط عليه فإذا بالضوء يشع في المكان ..
آه هكذا أفضل ...ليخمِّد الضوء الأشباح المترائية وليأتي ويشع ضوء الأباجورة أكثر.
بدأ يعي تفاصيل المكان ، آه... إنه في غرفة يعرفها ، سريره مقابل باب الغرفة، هناك وجه كلب يحدَّقُ فيه ، وامرأة حسناء تمسك بشريط يلف عنق الكلب في إطار معلق على الحائط ، ترى مَنْ هي ..؟
تراجع إلى الوراء على سريره وهو يفكر لمن تلك النظرة ، حاول استعمال حدسه لمعرفة من تكون ..؟ فالحدس هو الطريق السليم للمعرفة، لا فائدة ! حتى حدسه تخلى عنه هذه المرة ...!!
مَنْ هو ؟ وماذا يفعل هنا ؟ وكيف جاء ..؟ بدأ يشتغل بحافة إصبعه في خفة وحدق ...لا لا ..قليلاً من الضغط وبدون بصمة على حافة الفراش ، آه هكذا ألطف ..جميل ... جميل ، صاح وهو يجلس من جديد منتصباً ثم جسَّ نبض معصمه المعرَّق ، واحد/ اثنان ..حسناً انتظم نبضه .
نهض واقفاً ، أزاح الستائر عن النافذة، آه ... لاشك هذا الصباح صباحٌ جميل، استنشق هواء عليلاً تسرب إليه من النافدة بعد فتحها ، ثم خرج من الغرفة يتلمس طريقه بين أثاث البيت محاولاً التعرف عليه ، عاد الى السرير بعد أن أعيته الأسئلة ولا أجوبة ..
كان يرى وجوهاً عدة هناك على تلة هادئة يعفِّرون وجه السماء بغبار أقدامهم وهم صاعدون ، يمدحون الله بمواويل عذبة، يصفرون ويغنون ، إني أراهم هناك يوقدون النار ويطهون عليها طعامهم ويعدون شايهم ، ينتشون بما جادت به عليهم يد "الإله" الحانية...
حسناً ، رأيتهم ولم أرَ الإله ، كانوا يملأون المكان صياحاً حتى يتأفف منهم شيخهم ، فيبدأ في قص حكايات ليمتلئَ الجو بعبق الخرافات ، جنيات وعفاريت وساحرات ، يمرر بيده على رأس أحدهم فينتفض كمن لدغته أفعى، يأتون بحركات غريبة وهم يغمغمون ثم يتفرقون كل إلى مكانه ...
كان الشيخ يصرخ فيهم : "الإله سيغضب إن لم تمتثلوا ، وقد يأخذكم في شاحنات محملة ضيقة ليمر عليكم عفريت فيشقكم نصفين ثم يشويكم...
كانوا يذهبون الى خيامهم حانقين فقد غنوا وموّلوا ولم يرضَ الإله ..ماذا عساهم فاعلين ...؟
من هو الإله ..؟ اشتدت به الرغبة لمعرفته ..سأل بواب العمارة فلم يعرف،سأل صاحب دكان فلم يعرف ، وسأل الشيخ فقال له : أنظر
إليَّ فأنا ظل الله على " الأرض "....!!
ما هي الأرض ؟ هل هي هذا السرير الذي كان يدور به كل هذه الدورات الجنونية ..؟
لِمَ يلاعبنا بدورانه لنا ونحن نلهث لكي نلحقه ؟! خطواتنا قصيرة لا تلائم خطواته ، ثم هل يمشي كما نمشي ..؟ قال الشيخ أن ننظر في وجهه لنرى الله ..أيشبهه ..؟
نهض مرة أخرى من مكانه في قلق ، ماذا لو كان الله هو ذاك الذي تراءى له في الصورة يمسك بشريط يلتف حول عنق ذاك الكلب ؟ لكنها أنثى...
ألا يتراءى لنا الله على شكل أنثى ..؟ ما باله يتراءى في صورة شيخ ولا يكون أنثى ...؟
يا إلاهي أحسُّ بدماغي سينفجر ! الشيخ ابن الغامض ، أو ابن الواهي ، أو ابن السراب ، لا أدري من أين استقوا هذه الأسماء ..؟
هل هي أسماء الله ..؟ سألت شيخاً مرة ثانية ..ما هي الأرض ..؟ قال هو الكون ..بكل ما فيه ..!
الكون ..أليس سريره هذا كوناً ..؟ أختلطت عليه الأشياء ، توقف متحسساً أعضاءه يتأكد من سلامته ، مجيباً سؤال الشيخ له .."عمن تبحث؟"
أبحث عن ..اس ...اسم....اسمه ..الله .. نطقت الاسم دون أن اعرف من أين انبثق ؟! هل انفلت من ذاكرة الأسامي ؟ أم انسل من ذاكرة الخرافيين أصحاب العفاريت وألافاعي ....؟ المهم أني تخلصت من سؤاله ...
" تعال معي " قال له الشيخ ..أشار بيده إلى السماء وقال : " هنا يقيم" تعجب من إشارة الشيخ ! ألم يقل إنه يسكن ملامحه ..؟ فكيف يسكن " السماء " ؟ ... السماء ؟ تجمدتُ وحلاً في ورطتي فلم أعرف الأرض ولا الكون فكيف أعرف السماء وهي بعيدة عن يدي ؟ فيدي لا تلمس حتى جرس الباب ...!!
ثم مَنْ ؟ .. وماذا ..؟ كيف ..؟ أين ؟ ومتى ...؟ بجميع صيغ الأسئلة والقريبة منها أو المشتقة عنها أسأل ما الكون؟ الأرض؟ السماء؟!!!!
نهض واقفاً ، مشى خطوات إلى اليمين ، ثم عاد إلى اليسار ناظراً إلى صورة الأنثى والكلب ، وإلى المساحة الخضراء وراءهما ، ثم نظر إلى المرآة متفحصاً وجهه .. أنا هذا الواقف أمامي ، بعينيه الحمراوين وبشعره الكث المنفوش وبوجهه الأحمر ، أنا وفقط ... وتلك التي في الصورة ورفيقها الكلب ..هذه هي الحقيقة الوحيدة التي أمامي ، حتى الشيخ مجرد أكذوبة ، نعم إنه أكذوبة ...
مضى إلى النافذة ، أطلَّ قليلاً قبل إقفالها ،كان هناك ضباب يقف كلوح حديد خارج نافذته ، يتسلل بينهما خيط النور لعوالم لامنتهية، ملأ صدره بهواء المكان ثم أغلق النافذة وأسدل الستائر ثم عاد إلى سريره وقد نامت تلك الوجوه والجماجم الفاغرة فاها ، الحاضنة لعيون حمقاء وشفاه تردِّد كلام الشيخ كالطوفان ، وأنت ، أنت فقط الحقيقة ... نَمْ، وقد عاد السرير إلى دورانه، لكنّه نام.....

عائشة مشيش ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس