الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفكيكية

خضر محجز

2014 / 3 / 1
الادب والفن


التفكيكية (Deconstruction) هي مدرسة فلسفية في الأصل، تنحو إلى القول باستحالة الوصول إلى فهم متكامل ــ أو على الأقل متماسك ــ للنص، أيا كان. فعملية القراءة والتفسير هي عملية اصطناعية محضة، يقوم بها القارئ.
من هنا يستحيل في الواقع وجود ذلك النص، الذي يؤدي رسالة واحدة متماسكة ومتجانسة.

انطلقت التفكيكية، كمنهج في الفلسفة والنقد الأدبي، منذ اليوم الذي قرأ فيه الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا (Jacques Derrida) بحثه التأسيسي، في جامعة جونز هوبكنز، في أكتوبر 1966، بالولايات المتحدة، تحت عنوان: (البنية والعلامة واللعب في خطاب العلوم الإنسانية)، وفيه قرر أن هناك تفسيرين للتفسير، أحدهما تقليدي من صنع مركزية اللوغوس، والآخر قلق باحث عن تناقضات النص، ويقرر وجوب اللعب، دون أن يحقق حضوره الكامل.
فما هي مركزية اللوغوس؟.

مركزية اللوغوس:

مركزية اللوغوس (Logocenterism) مصطلح مكون من كلمتين، هما: (المركز Center) و(اللوغوس Logoc). واللوغوس لفظ يوناني يشير إلى سلطة العقل، من حيث هو مبدأ للوجود ــ على نحو ما يتجلى في الكلمة ــ أو سلطة الحضور. وقد قد اعتبر ديريدا مركزية اللوغوس هذه نوعاً من المقدس الغيبي، الذي يجب هتكه، وتبيان تأثيره الطاغي على التفكير؛ كونه يمثل شكلاً من أشكال الأصل الثابت، الذي يمكن الرجوع إليه عند الاختلاف(1).
لقد تقرر في الفلسفة الغربية ــ قبل ديريدا ــ أن كل كلمة تحيل إلى معنى، أو على الأقل تنشئ تصوراً ذهنياً لدى السامع، عما يقصده المتكلم، بهذه الصورة أو تلك: فعندما نقول (شجرة) تنشأ لدى السامع صورة عن شجرة ما. صحيح أنها سوف تكون مختلفة من شخص إلى آخر، لكنها بالتأكيد لن تكون قصراً أو قطاراً يسير على السكة الحديدية. فما الذي يجعل السامع يتصور ذلك؟. إنه حكم العادة، وهو حكم مقرر سلفاً ويحمل صفة لاهوتية غيبية، سببها الإيمان بوجود مركز.
التأجيل والاختلاف:

مصطلح آخر، ابتكره ديريدا، هو التأجيل والاختلاف (differance)، حين عمد إلى الكلمة الفرنسية (difference) التي تعني الاختلاف، فاستبدل الحرف (e) الموجود في المقطع الأخير منها، بالحرف (a)؛ محملاً الكلمة الجديدة (differance) مدلولات تشير إلى التأجيل، إلى جانب الاختلاف الذي حملته الكلمة الأصل. وهذا الاختلاف هو اختلاف سلبي ينفي مبدأ تحقق الدلالة، كما تعودناها لدى مؤسس علم اللغة الحديث: فرديناند دي سوسير. لقد أراد ديريدا التأكيد ــ على العكس من سوسير ــ أن العلامة اللغوية تؤدي وظيفة مزدوجة؛ فهي:

1ـ مختلفة عن المرجع ولا تشبهه.
2ـ ومؤجلة التحقق إلى ما لا نهاية.

وعلى سبيل المثال، فإن كلمة (وردة) ــ في قصيدة ما ــ لا تبدأ بكشف المعنى، إلا حينما ندرك أنها ليست تلك الوردة التي نراها في الواقع؛ بل هي شيء آخر ينبغي اكتشافه. ولهذا السبب فإن العلامة نصفها وافٍ، والنصف الآخر غير وافٍ. فالوردة كدال هي كلمة وافية، أما مدلولها فغير واف. لقد تحقق الدال، لكن المدلول مؤجل التحقق.

إذن فالــ(differance) لدى ديريدا يسعى إلى تغيير نظام العلامة اللغوية. فنحن نعلم من سوسير أن العلامة هي (الدال+المدلول)، أما ديريدا فيقرر أن العلامة هي (الاختلاف+الإرجاء).
لقد ظل نظام العلامة السوسيرية يشير إلى التحقق والاتفاق: تحقق المعنى، واتفاق المستعملين له عليه. أما الآن ــ وعلى يد التفكيكيين ــ فقد أصبح يشير إلى الاختلاف والتأجيل: اختلاف الدال عن المدلول، ومن ثم تأجيل تحقق المعنى إلى ما لا نهاية.
وهكذا يتم ضرب مركز آخر طالما اطمأنت الفلسفة الغربية إلى ثباته(2).

يعلق ديريدا على هذا المفهوم التفكيكي للعلامة، بقوله:

"إن المركز... هو النقطة التي لا يغدو فيها استبدال المضامين أو العناصر أو المصطلحات ممكناً... إن المركز ــ الذي هو متفرد بحكم تعريفه ــ يؤسس في بنيةٍ نفسَ ما يحكمها، بينما يفلت من البنائية... ربما كان من الضروري البدء في التفكير في أنه لم يكن هناك مركز، أن المركز لا يمكن تصوره في شكل كائن موجود، وأن المركز لم يكن له محل طبيعي، لم يكن له محل ثابت، بل وظيفة، نوع من اللا محل، الذي يلعب فيه عدد لا محدود من استبدالات العلامة. هذه اللحظة كانت هي اللحظة التي اجتاحت فيها اللغة مجالات الإشكالية العامة، اللحظة التي غدا فيها كل شيء ــ في غيبة المركز أو الأصل ــ خطاباً؛ شريطة أن نوافق على هذه الكلمة: أعني عندما أصبح كل شيء نسقاً، لا يحضر فيه المدلول المركزي الأصلي أو المتعالي خارج نسق الاختلافات، ويجاوز غيابَ المدلول المتعالي المدى، وتفاعلَ الدلالة، إلى ما لا نهاية"(3).

وهكذا يجادل ديريدا بأن نظرية المعرفة كلها، وجميع أطروحاتها المختلفة، إن هي إلا صيغ من نظام واحد، قديم، علينا التعامل معها بالطريقة الآتية:

1ـ الرفض المبدئي لقبول مقولاتها الأولى.
2ـ ومن ثم انتقاء ما لابد منه، من مقولات نظرية المعرفة هذه، عند الرغبة في فهم سيرورة نشوء خطاب ما أو تفسيره.

ويسمي ديريدا هذا الانتقاء الاضطراري: (الموالفة bricolage) مقرراً أنه يستعير هذا المصطلح من ليڤ-;-ي شتراوس، في معارضة المصطلح الشتراوسي الآخر (المهندَس). يقول في بحثه الذي هز أركان الفلسفة:
"الموالف ــ فيما يقول ليڤ-;-ي شتراوس ــ هو الشخص الذي يستخدم (الوسائل المتاحة)، أي الأدوات التي يجدها طوع يمينه، والتي هي موجودة بالفعل، والتي لم تدركها عين من قبل؛ لاستخدامها فيما تُستخدَم له. و[هذه الأدوات هي] التي يحاول المرء ــ بالإصابة والخطأ ــ تكييفها، دون أن يتردد في تغييرها، حين يبدو الأمر ضرورياً؛ أو يحاول المرء تجربة العديد منها في وقت واحد، حتى لو كان شكلها وأصلها متغايرين في الخواص. وهلم جراً. وعلى هذا الأساس، هناك نقد للغة في شكل موالفة. وقد أصبح من الممكن القول: إن الموالفة هي اللغة النقدية نفسها... إذا سمى المرء موالفةً ضرورة استعارة مفاهيم من ميراث متلاحم تقريباً، أو متهدم، فيجب القول: إن كل خطاب هو موالفة. إن المهندس ــ الذي يضعه ليڤ-;-ي شتراوس في تعارض مع الموالف ــ يجب أن يكون هو الذي يبني الوحدة الشاملة للغته، وتراكيبه، ومعجمه"(4).

فالمهندَس هو طريقة التفكير القديمة، أو هو المركز ذاته. أما الموالف فهو آلية التعامل المنشود مع نظام المعرفة وتاريخ الميتافيزيقا.

إذن فلا أمل للتخلص من نظام المعرفة القديم، لأننا لا نستطيع التفكير خارج المقولات الأولى للفلسفة، التي تقرر أن لكل دال مدلولاً محدداً، يطمئن إليه العقل، ويعتبره نقطة انطلاقه في البحث. والحل هو أن نستعير من هذا النظام المعرفي القديم ما هو ضروري، ثم نسعى إلى تفكيكه. فما العالم إلا خطاب يمكن قراءته بطريقة تبين تناقضاته الداخلية.

سنقول أنه يوجد دال ويوجد مدلول، ولكن الدال لا يحيل إلى مدلول محدد. وبذا يتأجل تحقق العلامة، وينتفي المعنى. من هنا توصل ديريدا إلى أن هناك طريقتين للعملية التفسير: أن نتوقع حدوث تفسير أو معنى، وهذا مرفوض؛ أو أن نتحرر من كل نظام العلامات القديم، ولا نتوقع حدوث معنى بعينه. يقول:

"هناك تفسيران للتفسير، للبنية للعلامة للعب: أحدهما يسعى إلى فك شفرة، يحلم بفك شفرةٍ حقيقيةٍ، أو أصلٍ متحرر من اللعب ومن نظام العلامة... والآخر ــ الذي لم يعد يتجه نحو الأصل ــ يوجب اللعب، ويحاول أن يعبر إلى ما يجاوز الإنسان والإنسانية، ما يجاوز اسمَ الإنسان، اسمَ الكائن الذي حلم بالحضور الكامل"(5).

نظرية التفسير عند التفكيكيين:

بعد هذا العرض (المخل) لنظرية ديريدا التفسيرية، يمكننا فهم طرقة التفكيكيين في تفسير النصوص: إنهم ينطلقون من رفض المسلمات الأولى، معتبرين أن هناك تناقضاً داخلياً يحكم وعي النص الداخلي. وهذا التناقض هو ما يسعون إلى اكتشافه. فمصطلح (اللعب) بهذا يعني: التدمير، تدمير المسلمات الأولى، تدمير المفهوم السهل للنص، تدمير بنية النص الظاهرة المهندَسة. وفي ذلك يقول الناقد التفكيكي پيير ماشيري:

"لذلك ينبغي للمفسر أن يقرأ ما بين السطور، وأن يتحدث عما لا يقوله العمل صراحة. ونحن لا نستخدم عبارة (ما لا يقوله العمل) هنا لنشير إلى تلك الفراغات التي قد يتركها الكاتب في النص، عمداً أو سهواً، ويقوم القارئ بملئها وفق السياق المطروح صراحة. إننا نعني بهذه العبارة: صراع المعاني داخل النص، أي صراع عدد من المعاني المتناقضة. وهذا الصراع لا يستوعبه الكاتب أو يحسمه، في النهاية؛ ولكنه يكشف عنه فحسب. ومن خلال التفسير وحده، يتم الكشف عما لا يقوله النص"(6).
إن الأنا موجودة فقط، في نظر التفكير التقليدي، الذي رسخ مقولاته ديكارت في قوله: (أنا أفكر، إذن أنا موجود). لكن الأنا في الحقيقة هي محل شك، كما أوضح فرويد في دراساته المؤسسة. فنحن نعلم أن فرويد كان قد سبق أن قرر أن الأنا لم تعد سيدة بيتها الخاص، لأن "اللاشعور هو الواقع النفسي الحقيقي. وهو في طبيعته الباطنة مجهول منا، نجهله قدر جهلنا بحقيقة العالم الخارجي. كما أنه لا يمثل لنا ــ بوساطة معطيات الشعور ــ إلا مثولاً ناقصاً، على نحو ما يمثل العالم الخارجي بوساطة أعضائنا الحسية"(7).

وإذا كان اللاشعور هو السيد الحقيقي المتعالي على الأنا. فلماذا إذن ننطلق من مقولة الأنا، التي ثبت بطلانها، على يد علم النفس التحليلي، وهي ليست سوى خطاب إنساني، لا واقعاً مادياً يمكن الركون إليه، والانطلاق منه؟!.
هكذا يبدأ تاريخ ما بعد الحداثة في خطاب العلوم الإنسانية. هكذا تبدأ مرحلة من التشكيك المنهجي الواسع، في كل تاريخ النظام المعرفي الغربي القار، يعلق عليها جوناثان كلر بقوله: "متعة عظيمة لكل أولئك الذين تحدوهم الرغبة، ولديهم الصبر، لمتابعة أفكار نصوص، تزعزع أرسخ مقولات حياتنا الفكرية، أو تقوض أركانها"(8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات:

1ــ انظر: جوناثان كلر. دراسة بعنوان: جاك ديريدا. من كتاب لعدة مؤلفين بعنوان: البنيوية وما بعدها. تحرير جون ستروك. ترجمة محمد عصفور. سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت. 1996. ص216
2ــ انظر كلاً من: عبد العزيز حمودة. المرايا المحدبة: من البنيوية إلى التفكيك. الكويت. سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 2003. ص373ــ377. وس. رافيندران (S. Ravindran). دريدا ونظرية التفكيك1. مجلة أفق الثقافية. 15/9/2009. رابط: http://www.ofouq.com/today/modules.php?name=News&file=article&sid=425
3ــ جاك ديريدا. البنية والعلامة واللعب في خطاب العلوم الإنسانية. ترجمة جابر عصفور. مراجعة هدى وصفي. فصول. مجلد11. عدد14. شتاء1993. ص235.
4ــ انظر: جاك ديريدا. البنية والعلامة واللعب. مصدر سابق. ص238ــ239.
5ــ انظر: نفس المصدر. ص244.
6ــ نقلاً عن كريستوفر بتلر. دراسة بعنوان: التفسير والتفكيك والأيديولوجيا. في كتاب لمجموعة من المؤلفين بعنوان: التفسير والتفكيك والأيديولوجيا ودراسات أخرى. ترجمة وتقديم نهاد صليحة. الهيئة المصرية العامة للكتاب. سلسلة الألف كتاب الثاني. القاهرة. 2000. ص99ــ100.
7ــ سيجموند فرويد. تفسير الأحلام. ترجمة مصطفى صفوان. مراجعة مصطفى زيور. ط5. القاهرة. دار المعارف. دون تاريخ. ص595.
8ــ دراسة لجوناثان كلر بعنوان: جاك ديريدا. في كتاب لعدة مؤلفين بعنوان: البنيوية وما بعدها. مصدر سابق. ص235.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس


.. كلمة أخيرة - المهرجانات مش غناء وكده بنشتم الغناء.. رأي صاد




.. كلمة أخيرة - -على باب الله-.. ياسمين علي ترد بشكل كوميدي عل


.. كلمة أخيرة - شركة معروفة طلبت مني ماتجوزش.. ياسمين علي تكشف




.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب