الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية .. بين أن تكون مستبدة ، أو مصلحة وبنّاءة

ياسين الياسين

2014 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


العلمانية مصطلحاً يعد من أهم المصطلحات في الخطاب التحليلي الاجتماعي والسياسي والفلسفي الحديث ، ولكنه ما يزال وإلى الآن مصطلحاً غير محدد المعاني والمعالم والأبعاد ، والعلمانية ككلمة أومفردة هي ترجمة لكلمة (سيكولاريزم) الأنكليزية ، وأصل الكلمة لاتيني (سيكولوم) وهي بمعنى الدنيا أوالعالم ، وقد تم إستخدام هذا المصطلح ولأول مرة أثناء توقيع صلح وستفاليا في أوربا سنة (1648م) ، والذي به إنتهت وقائع الحروب الدينية في أوربا ، وعندها كانت بدايات ظهور الدولة القومية الحديثة أي بمعنى ( الدولة العلمانية) ، والتي تم من خلالها وتحت غطاء الدولة المدنية أوالعلمانية نقل كل ممتلكات الكنيسة الكاثوليكية إلى سلطات الدولة المدنية (غير الدينية) ، وسمي هذا الأجراء حينها بالعلمنة ، وقد عرّف جون هوليوك (1817ـ 1906م) العلمانية بأنها : الأيمان بأمكانية إصلاح حال الأنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الأيمان سواءاً بالقبول أوالرفض ، ولغرض أن نكون موضوعيين جداً في دراسة العلمانية أو أي مبحث من مباحثها هو أن لانأخذ بعين الأعتبار العلمانية الجزئية وحسب بأعتبار أنها تدغدغ في مواضع كثيرة نوازع الأنسان وتفضي به إلى القبول بها كمحرك أساس في المجتمع نحو التحرك به إلى شواطيء حياة أكثر مدنية بجانبيها النظري والتطبيقي فضلاً عن مساريها السياسي والعلمي معاً ضمن المفهوم الجزئي للعلمانية ، ونتغاضى عن طرح المفهوم الآخر لها وهو العلمانية الشاملة ، وهو المفهوم الذي نرفضه بشدة وفقاً لثوابتنا الأنسانية ونزعتنا ذات القيم والأبعاد الروحية ، وعليه يجب أن ندخل أولاً المعترك الصعب لها ونتبيّن منه مواقفاً قد تمليه علينا ثوابتنا الوطنية أولاً وأبجديات روحانية نشأنا عليها وتصيّرنا بها خلقاً آخر يرفض بخصاله التي جبل عليها كل عرف جديد أوسلوك شائن أوغريب يتطفّل على دعائم وركائز تستند إلى مفاهيم إنسانية صرفة تتحدد لنا بمسارات لانستطيع الحياد عنها مهما كانت إشتراطات ذلك السلوك ، وبما أن العلمانية الشاملة تفسّر بأنكار المعاني الأنسانية وترتكز إلى مجموعة قيم ومعارف وضعية منها على سبيل المثال لا الحصر .. التشيّؤ .. والذي يعني تحويل الأنسان إلى مجرد شيء وأي شيء آخر في الوجود ، وبالتالي يتحدد من خلال شيئيته ضرورة وجوده من عدمها ، فيعامل بعد ذلك على هذا الأساس ، ومثال ذلك ماحدث من إبادة للهنود الحمر ، وكذلك ما أقدم عليه أدولف هتلر من عمليات إبادة جماعية ضد الساميين ، وهو هنا تعامل مع هؤلاء من البشر كشيء غير مرغوب فيه ، وفي غاياته وأهدافه التي لاتخلو من إشتطاط في منحى خطير على مدى البعد الأنساني بأعتبار أنه كان مطلوباً التخلّص منهم ، وهناك من الأمثلة ماهو أكثر من ذلك بكثير في تجلّي وقائع أكثر بشاعة من خلال الممارسات العلمانية الشاملة تتجسّد تلك في واحدة منها بقيام هتلر بأبادة المرضى الذين لاأمل لهم وكبار السن بأعتبار أنهم يأكلون ولاينتجون ، ونحن هنا قد أتينا باب الحديث في مبحث العلمانية الشاملة لنكون أمام حقائق لانغفلها لكي لانترك مجالاً للآخرين في الدق على ناقوس يحفّونه بالخطر المحدق بالأمة جراء العلمانية ومفاهيمها التي لايغوصون بها بقدر مايحاولون ذر الرماد في العيون ، وإيهام الآخرين بمدى الخطر المحدق بهم وبدينهم من خلال إذكائهم بأنها أي العلمانية وبحسب إذكائهم إيّاه وحشد السخط والأستياء العام بأتجاه في أن العلمانية لاتألوا جهداً ولاتدكر وسعاً في محاربة كل قيم السماء في الأرض أو أنّهم يرون في العلمانية ذاك المستبد الذي ينظر إلى المتديّن بدونية ، ونحن هنا إذ نستذكر بالضبط وبالتفصيل ماترمي إليه العلمانية في مفهومها الشامل لكي نوصد الأبواب أمام كل محاولات إيقاع الآخر في وهم أفكار طوباوية وسوداوية تعكّر مزاج الشعوب ، وتجعل من ذاك الحشد النفسي والمعنوي بأتجاه العلمانية سداً وحاجزاً منيعاً من خلال حرمان الأمة في الأخذ بناصيتها في جوانبها المشرقة الأخرى في العلمانية الجزئية بمساريها السياسي والعلمي ، والغريب أننا نجدهم اليوم هم أنفسهم أولائك الذين يقفون للعلمانية ومريديها بالند أكثر خطراً على الدين نفسه من ذاك الخطر الذي يحذرون الآخرين منه ، وتراهم قد وظّفوا الدين وسخّروا كل إمكانياته من خلال إستغلال عقليات بسطاء الناس لتحقيق أغراض دنيئة لهم بالحصول والأستئثار بالمناصب والغنائم بأسم الدين والهيمنة على كل مقدرات الأمة وثرواتها ، وإذا كانت العلمانية الجزئية بمسارها السياسي تعني وترتكز إلى قاعدة فصل الدين عن الدولة نجد أن هذا المفهوم قد عملت به الأحزاب المتأسلمة بكل صراحة ووضوح ، وقد إفتضح أمرها في أكثر من جانب خاصة في مخالفاتها الكثيرة والصريحة للمرجعيات الدينية التي ملأت الدنيا صراخاً في أنها غير راضية تماماً عن الأداء الحكومي والوظيفي لتلك الأحزاب والتيارات التي تحتسب نفسها تنضوي تحت خط المرجعية الدينية بل أنها عمدت في مواقف كثيرة إلى الوقوف بالضد تماماً من رغبة وإرادة المرجعية خاصة في الأصرار والتصويت بالأجماع على قانون التقاعد الموحّد الذي كرّس إمتيازات خاصة لأعضاء البرلمان رفضتها المرجعية الدينية الرشيدة جملة وتفصيلاً ، وإذا ماعدنا إلى المسار الآخر وهو المسار العلمي للعلمانية الجزئية نجدها تركن إلى الأحتكام إلى قواعد العلم الحديث ، والأخذ جدياً وعملياً بكل متبنيات العلوم الحديثة في كل مظاهر وظواهر الحياة التي نعيشها ونحياها ونراها أمامنا في هذا العالم ، وهنا تتجلّى وبوضوح غايات إنسانية نبيلة في البحث والتقصّي عن مكامن السعادة والحياة التي ترقى إلى مراقي سيد الخلائق وهو الكائن البشري على وجه الأرض ، فما الذي يعيبه أعداء كل مفهوم علماني على العلمانية مادامت هي تجسيد حي لأرادة الأنسان على الأرض بالحرية والعيش الكريم وهي هنا مصلحة وبنّاءة تنشد الخير والصلاح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس