الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفلة زنا للبيع

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تخيلوا معي طفلةً يتم إيجادها على قارعة الطريق في قريةٍ صغيرة..الطفلة مُلقاة في ذلك الصندوق الكرتوني الخالد الحاضر في مثل تلك المشاهد..إذاً هي ثمرةٌ لخطيئةٍ أُلقيت لمن سيجدها فيشفق عليها إما بالتقاطها و إيصالها إلى أحد دور الرعاية أو بقتلها فيريحها من مستقبلٍ لا إنساني ينتظرها في مجتمعٍ يدعي دائماً الإنسانية أو بالقيام بالحل الأصعب و هو نسب تلك اللقيطة لنفسه.

قلت أنه أصعب الحلول و لكنه في الواقع أسهلها لأن كل ما يتطلبه الأمر هو بعض الشجاعة فقط لإنجازه..و لكن في بعض الحالات يصبح الدافع لهذا العمل ليس الشجاعة فقط و لكن الرغبة في الظهور بالمظهر البطولي خاصةً لو كان المجتمع يعجُ بالجبناء..فهنا تصبح البطولة سلعةً أغلى من الشجاعة بعدة دنانير إضافية.

و لكن لنترك تلك الطفلة و مصيرها قليلاً و لنقفز لما قبل مولدها بثلاث سنوات..فقد ولدت ما تُسمى اعتباطاً "الثورة اليمنية الحديثة" في الـ 11 من فبراير من عام 2011 م..و كانت عبارةً عن ثمرةٍ محرمة لعلاقةٍ أكثر حُرمة بين أفرادٍ من الطبقة الحاكمة و بين ثلةٍ من الثائرين على أمرٍ رضخوا له لعقودٍ طويلة باختيارهم و برغبتهم..و هنا تبرز السخرية بعنقها في أكثر صورها قسوة..أي في الثورة على واقعٍ أنت صنعته بكامل إرادتك الحرة و رسمت تفاصيله بكل سعادة!!.

سيقول لي البعض و لكن في سبيل إنجاب تلك الطفلة قُتل الكثيرون..و لكن لنكن صادقين كثيراً و لنكف عن التجمل قليلاً..هم لم يُقتلوا حقيقةً و لكنهم و بكل قسوة مارسوا الانتحار بكل عبثية..فلقد كانوا تجسيداً لليأس في أبشع صوره..ذلك اليأس الذي يحاول الآخرون تجميله بلفظة "شهيد" المُستهلكة لدينا حد النفاذ..أنه اليأس الذي جعلهم يستقبلون الرصاص بصدورهم العارية من الحياة مُسبقاً..و ليس لأن أرواحهم كانت مليئةً بالشجاعة أو لأنهم كانوا تجسيداً للبطولة و لكن لأنهم علموا علم اليقين أن حياتهم ستظل بلا قيمة طالما أنهم أحياء يُرزقون..لهذا فلنجعل لها قيمةً بالموت..فالموتى دائماً على حق..و لهذا و حتى لو كانت قيمةً وهمية لهم فلا بأس فسيظل هناك من يتغنَّى بهم و ببطولتهم و شجاعتهم بعد موتهم لعدة سنواتٍ إضافية.

حسناً حدث ما حدث و تم إنجاب تلك المولودة بولادةٍ مُتعسرةٍ مليئةٍ بالدماء و لكن ماذا عن النسب؟؟..هنا من الطبيعي -و أقصد بالطبيعي هو ما يحدث تلقائياً في العالم العربي- أن يفر الجميع هارباً من نسب تلك الطفلة إليه و لكن في اليمن حدثت تلك الحادثة بالعكس..أي تصارع الجميع على نسب هذه الطفلة المُعاقة اجتماعياً قبل فكرياً إليه..و هكذا فجأة و بدون مقدمات بدأ الجميع بالتحدث عن أنه هو من كان موجوداً في ليلة زرعها في رحم تلك البائسة..الجميع بدأ في سرد تواريخ علاقته بها ليثبت للآخرين ذلك النسب المُقدس..الجميع أصبح يقاتل من أجل إثبات نسب تلك الطفلة إليه.

راقت لكم القصة؟؟..رائع ففي الأسبوع القادم سنشاهد جميعاً بقية أحداثها بشكلٍ مباشر..و لأني أعلم مدى تعطشكم لتتبع فضائح الآخرين فأراهنكم أنها ستحصد متابعةً عريضة..فقط تذكروا أن أحداث قصتنا الفضائحية الصغيرة سيتم استكمالها في الـ 11 من فبراير..حيث سيتم القتال على إثبات نسب تلك الطفلة ذات الثلاثة أعوام..فبعد عدة أيام قليلة ستبدأ تلك المعركة المهزلة بنزول الجميع للمطالبة بنسبها إليهم.

فالمؤتمريون سينزلون في ذلك اليوم للمطالبة بتطهير طفلتهم من فساد حكومة الوفاق و لمحاسبة الفاسدين في تلك الحكومة..متجاهلين حقيقة أن الفاسدين كانوا من حزبهم بشكلٍ رئيسي و شبه حصري لمدة 33 عاماً و ظلوا دون محاسبة بل بالكثير من التغنَّي..و لكن لا بأس فالشرف في اليمن يأتي حسب الهوى و المصالح و حالياً هو وقته و موسم أمطاره.

و الاشتراكيون سينزلون هم أيضاً للمطالبة بأن يتم إعادة تأهيل طفلتهم فكرياً عن طريق محاسبة الفاسدين لعل و عسى أن يتمكنوا بتلك الشعارات المُكررة من استعادة ورقة النضال الثوري التي فقدوها منذ زمن طويل..منذ أن وافقوا كقيادات ممارسة الصمت تجاه أي فساد أخلاقي مالي و حتى وطني يمارسه شركاؤهم في التحالفات السياسية طالما أن صمتهم سيجعلهم يحافظون على مقعدهم الوحيد معهم في تلك الشراكة.

الإصلاحيون أيضاً سينزلون للمطالبة بختان طفلتهم لتعميدها على طريقتهم..فهم أكثر من قدم لتلك الطفلة من تضحيات و القتلى في سبيل معركة النسب أغلبهم من حزبهم..و إن تساءلت هل قاموا بسؤال الجثث عن إنتماءاتها الحزبية سأقول لك و هل سنكذبهم فقط لأن الجثث لا تنطق!!..يجب أن نتحلى بمزيداً من الثقة و الإيمان بأقوالهم أفلا يكفينَّا أن الله معهم شاهداً!!.

فقط الحوثيون لن يطالبوا بها..و هنا أقف احتراماً "مؤقتاً" لهم..و لكنهم لن يطالبوا بها ليس لأنهم لا يرغبون بنسبها إليهم و لكن لأنهم يملكون طفلتهم الخاصة بهم..طفلةٌ تنمو ببطء و لكن بقوة..فليسوا بحاجةٍ لخوض معارك مع الآخرين لإثبات نسب طفلةٍ إضافية إليهم خاصةً و هم المتهمون دوماً بأنهم جميعاً نتاجٌ لعلاقاتٍ مُحرمة..فلديهم سلفاً مُعضلة إثبات نسبٍ "دائمة" لا تحتاج للمزيد من التعقيد.

الجميع سينزل للمطالبة بنسب تلك الطفلة إليه و لكن الوحيد الذي لن يطالب بها أبداً هو من كان سبب وجودها..لأنه كلما رآها سيتذكر أنها طفلة الزنا التي يتمنى لو كان بيده قتلها فيمحيها من الوجود كما خطيئته..و لهذا ستظل طفلة زنا القرية قابلٍة للبيع لمن يدفع أكثر..و أثق أن من سيدفع أكثر هو من سيحصل عليها ليس مؤقتاً و لكن لتاريخٍ طويل يرويه لأبنائه..فالتاريخ دائماً ما يكتبه من يملك أموالاً أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق