الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة کوردية لمظفر النواب

نزار جاف

2005 / 7 / 1
الادب والفن


في عقد السبعينات من القرن المنصرم، لم يکن هناک شاعر عربي له شهرة الجواهري و محمود درويش و مظفر النواب بين المثقفين الکورد، وقد کان الاشهر بينهم و الاقرب الى القلب الکوردي، مظفر النواب، رغم إن الاخير لم يقل شعرا کالذي قاله الاخران في حق الکورد"مع ملاحظة أن محمود درويش قد تنصل فيما بعد عن موقفه الشعري ذلک"، بيد أن النواب مع ذلک کان الاکثر حضورا و تألقا في الذاکرة الثقافية الکوردية، وکانت رائعته"وتريات ليلية" و قصائده التي کتبها باللغة العراقية الدارجة ولاسيما قصيدتا"حمد" و "براءة"، اللتين کان الکثيرون من المثقفين الکورد يحفظون مقاطع طويلة منها عن ظهر قلب، بمثابة محطات خاصة و إستثنائية للمثقفين الکورد. وأتذکر حينها زميلي الناقد الکوردي الراحل"أميد ئاشنا"، کيف کان يتألم ويردد دوما "حتى لو ترجمنا شعر النواب الى الکوردية، فليس بمقدورنا نشره في أية مطبوعة کوردية." إذ أن جميعها بدون إستثناء کانت خاضعة للرقابة البعثية الشديدة. لقد کان شعرا مظفر النواب بمثابة تأشيرة دخول عربية قوية للدخول الى داخل القلب الکوردي، وکانت أهمية هذه التأشيرة متأتية أساسا من حقيقة کون السياسة البعثية الشوفينية الهوجاء ضد کل ماهو کوردي، قد ساهمت بإرساء موقف شعبي کوردي سلبي جدا من هذه السياسة. مظفر النواب إستطاع من خلال قصائده المملوءة برجم واقع الحال المزري للعرب بکل لعنات"الشتم و اللعن"، والطافحة بفضح کل الانظمة العربية المتاجرة بکل شئ في سبيل بقائها زمنا أطول في دفة الحکم، أن يوضح للکورد ببساطة و شفافية"لازالت غير متوفرة حتى في هذه الايام"، إن من يجلد الکوردي هو ذاته الذي يجلد العربي، وأن من يصادر هوية و کرامة الکوردي، هو ذاته الذي يسحق کل المبادئ و المثل و القيم العربية بأحذية أجهزته القمعية. وليس هذا فقط وإنما کان للنواب الفضل في تعريف المثقف الکوردي بالعديد من الجوانب المهمة للتأريخ العربي، وحين يقول النواب في وترياته الليلية:
"أنبيک عليا!
مازلنا نتوضأ بالذل و نمسح بالخرقة حد السيف
مازلنا نتحجج بالبرد و حر الصيف
مازالت عورة بن العاص معاصرة
وتقبح وجه التأريخ
مازال کتاب الله يعلق بالرمح العربية!
مازال أبو سفيان بلحيته الصفراء،
يؤلب باسم اللات
العصبيات القبلية
مازالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها
وتراک زعيم السوقية!"
في هذا المقطع من القصيدة الانفة، والتي يکشف النواب فيها بجلاء عمق تأصل المفاهيم الشيعية في أعماق ذاته، يطرح على بساط البحث مرحلة مهمة و حساسة و خطيرة جدا من التأريخ العربي ـ الاسلامي عندما يتصدى لمواضيع من قبيل "الشورى"، و"حروب الامام علي مع معاوية أبن أبي سفيان" والتي کان لعمرو بن العاص دورا کبيرا و مؤثرا في مساراتها و حتى خواتيمها. والحق أن لمظفر النواب موقف خاص جدا من "عمرو بن العاص"، يبدأه في مستهل قصيدته "وتريات ليلية" حين يشير الى مسألة التحکيم التي دعى إليها أساسا معاوية أبن أبي سفيان بمشورة من بن العاص، وفيها إستطاع بن العاص"ممثل جيش معاوية" أن يخدع "أبو موسى الاشعري"، ممثل جيش الامام علي بمسألة الخاتم المعروفة. هذه المحاور التأريخية المهمة تعرف عليها المثقف الکوردي و هو يخوض صراعا داميا و مريرا مع أشرس نظام في تأريخ العراق الحديث. لقد علم الکورد حينها أنهم ليسوا لوحدهم يتعرضون لحملات التنکيل و الابادة، بل هناک آخرون في جنوب و وسط العراق يعيشون نفس المأساة. وعندما کان النواب ينادي:
"وطني انقذني
رائحة الجوع البشري مخيفة
وطني انقذني
من مدن سرقت فرحي
انقذني من مدن يصبح فيها الناس
مداخن للخوف و للزبل
مخيفة
من مدن ترقد في الماء الآسن
کالجاموس الوطني
وتجتر الجيفة"
عندئذ فقط کان المثقف الکوردي قد أدرک بيقين أبعاد و حجم المأساة التي لفت کل العراق، إنه يتحدث عن مدن يصبح فيها الناس"مداخن للخوف وللزبل" في جمهورية الارهاب البعثية التي مازال أيتامها في العراق يقدمون فصولا تراجيدية دموية منها وبشکل مباشر! لقد شرح النواب ببساطة متناهية جوهر القضية للمثقف الکوردي والمتعلقة بفلسفة نظام مبنية على القمع و التنکيل و کل أشکال الجريمة. وجاءت غالبية قصائد النواب مفعمة بنقد يجنح الى التجريح لکل مفردات الواقع العربي ولاسيما الرسمي منه على وجه الخصوص، وهو يمضي في کثير من الاحيان حتى يضع ذاته أيضا ضمن تلک المفردات التي لايستثني منها أحدا:
"الان اعريکم
في کل عواصم هذا الوطن العربي
قتلتم فرحي
في کل زقاق اجد الازلام امامي
اصبحت احاذر حتى الهاتف
حتى الحيطان و حتى الاطفال
أقئ لهذا الاسلوب الفج
وفي بلد عربي کان مجرد مکتوب من أمي
يتأخر في أروقة الدولة شهرين قمريين
تعالوا نتحاکم قدام الصحراء العربية کي تحکم فينا
اعترف الان امام الصحراء
بأني مبتذل و بذئ و حزين
کهزيمتکم ياشرفاء المهزومين
وياحکاما مهزومين
وياجمهورا مهزوما
مااوسخنا.. مااوسخنا..مااوسخنا
ونکابر
مااوسخنا
لااستثني احدا"
في المقطع الشعري الانف يکشف مظفر النواب الواقع العربي و يعريه حتى من ورقة التوت، إنه يوغل في شرح مرارة و فجاجة و قسوة النظام العربي البدائي في کل شئ حتى في قسوته. في فترة السبعينات و الثمانينات من القرن العشرين، کان النظام البعثي يمارس أبشع حملة هوجاء ضد الشعب الکوردي بوجه عام و ضد المثقفين الکورد بوجه خاص، وکان المثقف الکوردي مطارد في کل مکان وکان النظام يضيق عليه الخناق حتى يدفعه في النتيجة الى الرضوخ لمشيئته أو دفع حياته ثمنا، کما حدث مع الشاعر الکوردي المعروف"دلشاد مريواني"، ومع الفنان و الشاعر الکوردي"برزان عثمان"، والفنان المطرب"قادر کابان"، وآخرين عديدين لايتسع المجال لذکرهم. لقد ظن الکثير من المثقفين الکورد أن تلک الحملة الارهابية المغالية في اسلوبها الهستيري کانت موجهة ضد الکورد فقط، لکن جاءت الوتريات الليلية للنواب لتوضح للمثقف الکوردي أن هناک شريک له في المعاناة و المطاردة و القتل. وليس هذا فقط، وإنما يمضي الشاعر الذي قضى معظم حياته بعيدا عن وطنه، في قصيدته ليبين وساخة الواقع العربي بحکامه و جماهيره وحتى ذاته، رغم أن وساخة الشعب و وساخة الذات بحسب مايأتي في سياق قصائد النواب تختلف إختلافا جذريا مع وساخة الحکام العرب ذلک أنهم:
"منذ قرون يشوون الشعب على نيران مناقلهم
قردة
سلطات القردة
احزاب القردة
اجهزة القردة
کلا.. اشرف منکم فضلات القردة"
ولازلت اتذکر کلما کنت اردد هذا المقطع أمام الشاعر الکوردي الراحل"عثمان شيدا"، کان يقول "عظيم هو النواب حين يستدرک و يجعل القردة اشرف منهم". هکذا حکاما و"سخين" و "قردة" کانوا يمارسون لعبة شوي الشعوب على مناقلهم لالشئ إلا لضمان بقائهم في السلطة. وإذا کان الشعب الکوردي في ظل جور و تسلط و عنجهية الحکم البعثي البائد يحس بالغربة في وطنه، فإن هذه الغربة کانت على أشدها لدى المثقف الکوردي. بيد ان شاعر"الريل و حمد"، کان يواسي المثقف الکوردي حين يذکره بأن هناک غرباء کثيرون في وطن الاغتراب و الارهاب:
"ياغرباء الناس
بلادي کصناديق الشاي مهربة
ابکيک بلادي
ابکيک بحجر الغرباء
وکل الحزن لدى الغرباء، مذلة"
هذه المواسات الشفافة العميقة في تعاطيها مع الصدق، کانت لاتقدر بثمن من حيث الربت على الکتف الکوردية و شرح قذارة الواقع بالنسبة للکل و ليس جزء من الکل. وبين أن الغربة قائمة و باقية ببقاء أنظمة"الحسبة" المشيدة أساسا على جماجم الشعوب المغلوبة على أمرها. ولقد وصل مظفر الى قمة مواساته للکورد"وقبلهم للامة العربية جمعاء"، حين يدلف في المقطع الاهم في وترياته الليلية الى موضوع القدس:
" القدس عروس عروبتکم؟؟
فلماذا ادخلتم کل زناة الليل حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الابواب لصرخات بکارتها
وسحبتم کل خناجرکم، وتنافختم شرفا
وصرختم فيها ان تسکت صونا للعرض؟؟؟
اولاد القحبة هل تسکت مغتصبة؟؟؟"
مظفر النواب يقول بصراحة لاتجاريها أية صراحة، أن حکاما مهزومين، مبتذلين، بائعي الاوطان"وهم کبائعي الاعراض"، ليسوا جديرين بجعلهم ولاة امور ولو على نعجة! وهو حين يرميهم بکل ذلک السب المقذع، فإنه يريد أن يشفي غليل أمة تموت غيظا و کمدا على حکاما لايجيدون سوى تلقي کلام المديح من المداهنين و إذلال شعوبهم. الحق أن مافعله شعر النواب من حيث شرحه حقيقة الواقع القائم في العراق"وعموم البلدان العربية"، لم يکن بمقدور کل الاجهزة الاعلامية العربية فعله"بإفتراض سيادة الاجواء الديمقراطية".
کاتب و صحفي کوردي
مقيم في المانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل