الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (11)

عبدالله خليفة

2014 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


أخذت المؤثراتُ الفلسفية والسياسية الفرنسية الثورية تأخذ لها أبعاداً جديدة مع ظهور الحركة العمالية السياسية المصرية، فتواصلت الصلاتُ بشكل جديد، وتصاعدت الحركة الاشتراكية والنقابية وظهر مفكر مثل محمود أمين العالم جعل من التحليل الماركسي للظاهرات الاجتماعية والفكرية ميدان عمله الرئيسي، وذهب إلى فرنسا واحتك بتطوراتها المختلفة، وفي الوقت ذاته ظهرت المدارسُ الشكلانيةُ والتجريبية البرجوازية التي كان رائد احداها - وهي التجريبية المنطقية - زكي نجيب محمود الذي كان ظاهرة بحثية واسعة أيضاً وغنية بالانتاج، وكان الصراع بين المدرستين معبراً عن الصراع بين طبقتين اجتماعيتين هامشيتين رغم دورهما العالمي الجديد الكبير، فقد تصاعدت قوى الاقطاع الريفي ثم المدني خاصةً في مصر وتحول العسكر إلى قوة مهيمنة اتجهت الى الالتحام مع رأسمالية الدولة وتراوح دورها بين الثورية والمحافظة.
وقد عبرت كل من المدرستين السابقتي الذكر الماديةُ الجدلية والتجريبيةُ المنطقية عن حراكها الاجتماعي السياسي الخاص، وغدتا قوتين متضادتين.
توجهت التجريبيةُ الى نقد جوانب الانتاج العقلي، واعتبرتهُ تغييراً عميقاً للواقع، فركزت على الجامعات والبحوث ونشر الفكر، فيما توجهت الماديةُ للصراع الاجتماعي السياسي وتحليل وتنظيم الجماهير، واعتبرت التجريبيةُ دورَها في تحليل لغوي لانتاج العلوم، وليس في فرض وجهة نظر معينة عليها، فغدت فلسفةً خافتةَ الصوت النقدي، تسير وراء الثقافة المحافظة، فيما جلجلت الماديةُ بالمعارك الفكرية والسياسية، مما جعل منهما خصمين مثلما حدث ذلك بين زكي نجيب محمود ومحمود العالم.
يعتبر زكي نجيب محمود أن كتاب (تهافت الفلاسفة) للغزالي وضع حداً لتطور الفكر الفلسفي العربي الإسلامي، خلال سبعة قرون، وهو استشهاد يعبر عن طريقة الباحث في التقاط حدث جزئي وسحبه من شبكته الاجتماعية الثقافية العريضة، وتحويله إلى عنصر مطلق فيما كانت أزمة الفلسفة أزمة نظام إقطاعي متفسخ.
وهو في بحثه (الفكرُ الفلسفي في مصر المعاصرة) ينطلق من هذه النقطة ليرصد كيفية ظهور وتطور الفلسفة في مصر الحديثة.
يقول:
«وكان قوام الفكر الفلسفي – في هذه الحركة الشاملة – هو الدعوة إلى الحرية وإلى التعقيل»، والقيودُ جاءت من (الحكم التركي بصفة خاصة) وهي قيود «الجهل والخرافة في فهم الناس للظواهر والأحداث وهو أيضاً قيد النص المنقول الذي يفرض نفسه على الدارسين فرضاً، بحيث لا يكون أمام هؤلاء الدارسين من منافذ التفكير المستقل إلا أن يعلقوا على النص بشروح»، «وأما التعقيل فهو أن نجعل احتكامنا إلى العقل دون النزوة والهوى».
كذلك تصبح عناصر العقل، والحرية، والنص المنقول؛ أي الفكر الديني، عناصرَ جزئيةً مفتتة، وهذه هي طريقة زكي نجيب محمود في عدم الخوض في التحليل الاجتماعي والفكري التشخيصي للواقع، وانتقاء عناصر محددة ملموسة واعتبارها هي سبب جمود الفلسفة خلال سبعة قرون، فكما أن كتاب الغزالي أوقف الفلسفة فقد جاءت كتبٌ أخرى بعد سبعة قرون لتعيد المياه إلى هذه القنوات الناضبة.
إن هذه العناصر لا تتشابك وقوى اجتماعية إلا بصفة عناصر ثقافية مُنتزعة هي الأخرى من الشبكة كعنصري (الجهل والخرافة) وتتحد هذه بـ(النص المنقول)، وهو الفكر الديني على اختلاف عناصره وتعدد اتجاهاته، فهو يحيله هنا إلى نص منقول، كتعبيرٍ عن شيءٍ ملموس، وليس باعتباره علاقات سياسية فكرية ضاربة في البُنى الاجتماعية، رغم أنه يقول (الخرافة) وهي ليست عنصراً شيئاً ملموساً بل جملة من الظاهرات الفكرية - الاجتماعية المتشابكة.
ويضيف:
«الحرية والعقل ضد الخرافة والجهل والنص الديني المنقول». هذه هي الإشارات العامة التجريدية التي يرسمُ بها زكي نجيب محمود تطورَ الفكرِ الفلسفي في مصر.
ويعتبرُ ظهورَ العلومِ الطبيعية هو الكفيل بالتحرر من الخرافة (وكانت تلك العلوم قد بدأت تفعل فعلها في حياتنا الفكرية منذ القرن الماضي)، (إلا أن الفلسفة أفعل إيقاظاً للعقل).
ويعتبر زكي نجيب محمود أن الرعيلَ النهضوي الأولَ في مصر كالأفغاني ومحمد عبده وشبلي شميل وطه حسين هم (الهواة) الذين مهدوا الطريق «قبل ظهور الدراسة الفلسفية المتخصصة».
على أن هؤلاء (الهواة) أنفسهم ينقسمون فيما بينهم الى نوعين: أحدهما يجعل الدفاع عن الإسلام محور تفكيره، والآخر يجعل هدفه الرئيسي الدعوة إلى قيم ثقافية جديدة، لكن القضية المحورية هي ما دورهم في الصراع بين الإقطاع والرأسمالية، بين البنية التقليدية والبنية الجديدة؟
أي أن أحدهما يدعو الى دينٍ من دون أن يفصله عن البناء الإقطاعي الذي هيمن عليه في أغلب الزمن السابق، والآخر يحضر عناصر غربية ديمقراطية معينة، ويقبل بأسس النظام التقليدي، من دون أن يعيد النظر في الهيكل السياسي العام وموقع العناصر التجديدية المستوردة، مما يجعل التيارين ذوي رؤية دينية (إقطاعية ليبرالية) يسيطرُ عليها النظام التقليدي العام، وبطبيعة الحال لا يبدو لزكي نجيب محمود هذا التركيب المعقد للتيارين المعروضين، ورؤيتهما في المسار التاريخي العربي -الإسلامي والعالمي.
وتبدو اللوحة الفكرية - الفلسفية المتداخلة لزكي نجيب مختلفة عما أنتجه معاصره وابنُ بلده حسن حنفي، فيقول زكي نجيب محمود عنها:
إن الفكرَ الفلسفي يغدو لزكي نجيب باعتباره عروضاً للمباحث الفلسفية العربية القديمة والغربية المعاصرة، وهو ما بدا لحسن حنفي سابقاً كإنتاج خارج الواقع، أي خارج قدرة التوجهات الفلسفية المصرية على صهر الماضي العربي والحاضر الغربي في عملية فلسفية مركبة.
ويتضحُ ذلك أيضاً في قول زكي نجيب إن الفلسفةَ المصرية تنقسم إلى مرحلتين؛ هواة، ومتخصصين، وهو أمر يشير إلى الطابع التقني، ورغم أهميته الكبيرة فهو لا يلقي تحليلاً على أسباب بقاء النظرات الفكرية والأدبية والدينية في مرحلة الهواة عند طابعها غير الفلسفي، أي لماذا لم تستطع تجاوز نظراتها الجزئية في حقولها المعرفية الثقافية وتصل إلى تحليلات فلسفية واسعة؟ أي أن تقوم باستثمار معرفتها في تلك الحقول الأدبية والدينية إلى نتائج كلية في المجتمع والطبيعة والتاريخ العالمي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً