الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المأساة والمهزلة في -معركة السيادة على الأقصى-!

جواد البشيتي

2014 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
غيومٌ، أراها تبرق، وأسمعها ترعد، في سماء السلام بين الأردن وإسرائيل؛ ومع أنَّنا الآن في الشتاء، أردنياً وإقليمياً، ولَسْنا في الصيف وسمائه الصافية الأديم، والتي لا تُعَكِّر صفوها غيمة هنا، وغيمة هناك؛ فهل نرى ما يشبه "الغيمة الصيفية" في "الأزمة الجديدة"، التي افتعلتها إسرائيل، أو بعضها، على ما يبدو، في السلام مع الأردن إذْ شرع الكنيست يناقِش مشروع قانون، تقدَّم به النائب موشي فيغلين، وهو عضو في حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويَنُص (مشروع القانون هذا) على "بسط السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى"؟
البرلمان الأردني "قرَّر" طرد السفير الإسرائيلي، واستدعاء السفير الأردني؛ ودعا النواب الحكومة إلى تقديم مشروع قانون يلغي اتفاقية وادي عربة، إذا ما أَقَرَّ الكنيست السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى؛ وكان للسلطة الفلسطينية موقِفاً يَعْدِل الموقف الأردني في غَضَبِه من إسرائيل، وعليها. وبموجب اتفاقية وادي عربة، يتولَّى الأردن الإشراف على المسجد الأقصى.
"القدس الشرقية"، وفي القَلْب منها يَقَع "الحرَم القدسي"، الذي يَضُم المسجد الأقصى، وقُبَّة الصخرة، والفناء الواسع بين المسجد والقُبَّة، هي جزء من أرضٍ فلسطينية، احتلتها إسرائيل من الأردن، في حرب 1967؛ ثمَّ وسَّعَت حدود "القدس الشرقية" بضَمِّها مناطق مجاوِرة لها إليها؛ ثمَّ وَحَدَّت القدس الشرقية والقدس الغربية ، التي كانت جزءاً من إقليم دولتها قبل الحرب، مُعْلِنَةً "القدس الكبرى الموحَّدة" عاصمة أبديةً لها؛ وهذا عَنَى ضِمْناً بسط السيادة الإسرائيلية حتى على المسجد الأقصى؛ وإسرائيل لم تُعْلِن قَطْ ما يمكن أنْ يُفْهَم منه أنَّ "الأقصى" مستثنى من سيادتها هذه.
حتى في اتفاقية وادي عربة، التي أسَّست للسلام بين الأردن وإسرائيل، لم نَرَ ما يمكن أنْ يُفْهَم منه أنَّ الأردن قد اقْتَطَع "المسجد الأقصى" من القدس الشرقية المشمولة بالسيادة الإسرائيلية؛ ولَمَّا صَوَّر السلام مع إسرائيل على أنَّه نُتاج تفاوض، أساسه مبدأ "الأرض في مقابل السلام"، لم يَقُلْ قَطْ أنَّ "الأقصى" جزء من تلك الأرض التي استعادها، أو كان يعتزم استعادتها؛ فكل ما حَصَلَ عليه لم يتعدَّ قبول إسرائيل إشراف الأردن على المسجد الأقصى؛ وهذا الإشراف (الإداري الشكل والمحتوى) لا يتناقَض مع استمرار السيادة الإسرائيلية (والتي هي في أصلها "احتلال") على "الأقصى"، بصفة كونه جزءاً من "القدس الشرقية"، بصفة كونها جزءاً من "القدس الكبرى الموحَّدة، والعاصمة الأبدية لإسرائيل".
بين ملك الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية وُقِّعَت، في عَمَّان، "اتفاقية" في شأن "الأماكِن المقدَّسة في القدس"، وُصِفَت بأنَّها "اتفاقية تاريخية". وهذه الاتفاقية عُرِّفَت، مع موقِّعيها، على النحو الآتي: "اتفاقية بين جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدَّسة في القدس، وفخامة الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية".
الملك، وبصفة كونه "صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدَّسة في القدس"، وقَّع "الاتفاقية"؛ فَلِمَ لَمْ يوقِّعها بصفة كونه، أيضاً، ملك المملكة الأردنية الهاشمية؟
إنَّه سؤال أحسبُ أنَّ إجابته لن تكون ضئيلة الأهمية؛ فـ "الرئيس (أيْ عباس)" وقَّعها بصفة كونه، أيضاً، "رئيس دولة فلسطين".
وأتساءل، أيضاً، عن كلمة "الوصاية"، لجهة معناها الذي يرتضيه "منطق الاتفاقية"، أيْ "منطق كل اتفاقية" تُبْرَم بين "أطرافها السامية".
وفي عبارة، أو عبارتيِّ، "الأماكن المقدَّسة في القدس"، أتساءل قائلاً: "عن أيِّ قدس تتحدَّث الاتفاقية؟"، و"هل الأماكِن المقدَّسة هي الإسلامية والمسيحية فحسب؟"؛ وإنَّ إجابة التساؤل الثاني يجب أنْ تأتي بما يؤكِّد، أو بما ينفي، وجود أماكِن مقدَّسة يهودية في القدس، أيْ في القدس الشرقية. لا بدَّ من إجابة هذا التساؤل الثاني؛ لأنَّ الاتفاقية نفسها عَرَّفَت "المسجد الأقصى"، المشمول برعاية "صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدَّسة في القدس"، على أنَّه مُقام على مساحة 144 دونماً، ويضم الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة، وجميع مساجده ومبانيه وجدرانه وساحاته وتوابعه فوق الأرض وتحتها والأوقاف الموقوفة عليه أو على زواره (ويُشار إليه بـ "الحرم القدسي الشريف")".
وإنَّ "حائط المبكى"؛ وهذا أمْرٌ لا ريب فيه، ليس إلاَّ جزءاً من تلك "الجدران"؛ وما يشمل "الكُل" يجب أنْ يشمل "الجزء"؛ فهل "الوصاية" تشمل، أيضاً، "حائط المبكى"؟
أمْرٌ ثانٍ أثار حفيظة إسرائيل هو عبارة "تحتها"؛ لأنَّها تعني أنَّ "الاتفاقية" ترفض، ضِمْناً، حلاًّ من قبيل أنْ تكون لإسرائيل التلمودية السيادة على "تحت" هذا "الحرم القدسي الشريف".
"الدور الهاشمي" في القدس إنَّما هو، على ما ورد في "الاتفاقية"، "دور الحماية والرعاية والإعمار للأماكن المقدَّسة (منذ سنة 1924)".
وهذا إنَّما يعني أنَّ "الحماية"، وبمفهومها، أو معناها، "التاريخي"، لا تعني حماية هذه الأماكن من إسرائيل، التي لم تكن موجودة سنة 1924، وإنْ كان وجودها، مع مخاطره على هذه الأماكِن، كامناً في "وعد بلفور"، وفي "الممارسات اليهودية" لسلطة الاحتلال البريطاني في فلسطين.
الرئيس عباس، وبصفاته الرسمية الثلاث، وقَّع هذه "الاتفاقية"؛ فهل هذا يعني أنَّه هو الذي مَنَح الملك صفة "صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدَّسة في القدس"؟
كلاَّ، لا يعني؛ فالرئيس عباس، بتوقيعه هذه "الاتفاقية"، اعترف للملك بِمِلْكِيَتِه (الحصرية) لهذه الصفة، التي شرحت "الاتفاقية" كيفية اكتساب الملك لها إذْ قالت: "بناءً على دور الملك الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية الأماكن المقدَّسة في القدس وإعمارها منذ سنة 1924، واستمرار هذا الدور.. في ملك المملكة الأردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي حتى اليوم، انطلاقاً من البيعة (أيْ بيعة أهل القدس وفلسطين له في 11 آذار سنة 1924) التي بموجبها انعقدت الوصاية على الأماكن المقدَّسة للشريف الحسين بن علي؛ وقد آلت الوصاية على الأماكن المقدَّسة في القدس إلى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين..".
مَنْ بايَع مَنْ؟
أهل القدس وفلسطين هم الذين بايعوا الشريف الحسين بن علي؛ فهل كان دور عباس "تجديد هذه البيعة"؟
كلاَّ، لم يكن؛ فهذا الدور الهاشمي، وعلى ما ورد في "الاتفاقية" ظلَّ مستمراً، لا انقطاع فيه، منذ 1924 حتى يومنا هذا.
عباس، بصفاته الرسمية الثلاث، إنَّما اعترف بديمومة واستمرار "الدور" و"البيعة"؛ وأحسبُ أنَّ هذا هو أوَّل موقف مهم لعباس بصفة كونه "رئيس دولة فلسطين".
ووجه الشبه بين اليوم والبارحة، في هذا الشأن، إنَّما هو "الاحتلال"؛ ففي سنة 1924 كانت فلسطين خاضعة للاحتلال البريطاني؛ وفي سنة 2013، كان إقليم دولة فلسطين (الافتراضي) والذي يشمل، أيضاً، القدس الشرقية، خاضعاً للاحتلال الإسرائيلي.
السيادة على القدس الشرقية لِمَن؟
إنَّها ليست (أو ما عادت) لله؛ وإنَّها ليست لإسرائيل، ولا للأردن؛ إنَّها، وُفْق هذه "الاتفاقية"، لـ "الدولة الفلسطينية"؛ فهذه الدولة هي التي يحقُّ لها فحسب بسط سيادتها على كل القدس الشرقية، وعلى "الأرض المقام عليها المسجد الأقصى (الحرم القدسي الشريف)"، بصفة كونها جزءاً من إقليم هذه الدولة. وهذه السيادة تشمل حتى "حائط المبكى"، و"تحت" الحرم القدسي.
لإسرائيل التي ما زالت تحتل القدس الشرقية، مع الحرم القدسي، تقول "الاتفاقية": الملك هو، وحده، صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدَّسة في القدس، و"دولة فلسطين" هي، وحدها، صاحبة السيادة على القدس (الشرقية) والحرم القدسي.
في "الاتفاقية" وَرَدَ الآتي: "تأكيد حرية جميع المسلمين في الانتقال إلى الأماكن المقدّسة الإسلامية.."؛ فهل هذا يعني تمكين مسلمين من مواطني دول عربية ودول أخرى من الذهاب إلى المسجد الأقصى حتى قبل رَفْع الاحتلال الإسرائيلي عنه؟
قبل هذه "الاتفاقية"، اعترفت إسرائيل للأردن (في معاهدة وادي عربة) بحقِّه في رعاية (أي في الاستمرار في رعاية) الأماكن المقدَّسة (الإسلامية والمسيحية) في القدس؛ وقُبَيْلها، اعترفت القمة العربية في الدوحة بالدور الهاشمي التاريخي في القدس.
لكن كل ذلك يَفْقِد أهميته، أو كثيراً منها، ما بقي الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية؛ وهذا إنَّما يشدِّد الحاجة إلى "اتفاقية" لحلٍّ نهائي ودائم لمشكلة القدس (الشرقية) مع حرمها القدسي.
ومِنْ قَبْل رَأَيْتُ "سادات" يلبس عمامة؛ فمفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة "أفتى" إذ زار، على حين غرة، القدس (الشرقية) وصلَّى في المسجد الأقصى؛ وأقول "أفتى"؛ لأنَّني دعوت، غير مرَّة، "المُفْتين"، وفي مقدَّمَهم هذا المفتي "، إلى أنْ يُكلِّفوا أنفسهم عناء الاجتهاد (الديني الإسلامي) في أمْر "الأقصى"، فيُبَيِّنوا للعامَّة من المسلمين "حُكْم الشَّرع" في "سلامٍ (وتطبيع للعلاقة)" مع إسرائيل (التلمودية) يقوم على بقاء المسجد الأقصى على ما هو عليه (الآن، ومنذ سنة (1967.
وفي تلك "الزيارة ــ الفتوى"، قال مفتي مصر إنَّ احتلال إسرائيل (المستمر) للقدس (الشرقية) وضَمِّها (مع أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين) إليها، واعتبارها جزءاً لا يتجزَّأ من عاصمتها الأبدية، هو أمْرٌ (أو هي أمور) لا يمنع، ويجب ألاَّ يمنع، زيارة "قادة مسلمين"، دينيين أو سياسيين..، لها، والصلاة في مسجدها الأقصى؛ فهذا عَمَلٌ "غير مُحرَّم دينياً (أيْ إسلامياً)"، ولا "قومياً"، على أنْ يَحْرِص "الزائر (والمُصلِّي) الكبير" على أنْ يوضِّح ويُبيِّن أنَّ عمله هذا "شخصي صرف"، يؤدِّيه بَعْد خَلْعِه "صفته الرسمية"، امتثالاً لقوله تعالى: "فاخلع نعليك إنَّكَ بالوادي المقدَّس طوى".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزايد القلق بشأن صحة الرئيس الأمريكي بايدن والبيت الأبيض يحا


.. الخلافات في الداخل الإسرائيلي.. تشابكات تعقد المشهد بسبب حرب




.. تركيا تغلق الحدود مع سوريا عقب اندلاع أعمال عنف في البلدين


.. حصانة الرئيس.. بايدن يعلق على قرار المحكمة العليا بشأن ترامب




.. كلمات صمود لطفلة من غزة تتشح بعلم فلسطين