الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أليس من الحتمي أن تكون لتونس روابط ثورجية؟

محمد الحمّار

2014 / 3 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ألقي القبض في الآونة الأخيرة في ضاحية الكرم على عماد الدغيج قيادي ما يسمى بـ""روابط حماية الثورة". وبالرغم من أنّ هذا الإجراء يدخل في إطار تنفيذ خارطة الطريق التي تعهدت بها حكومة المهدي جمعة قبل تسلمها مقاليد تسيير شؤون البلاد، إلا أنّ هذه الحادثة أثارت مواقف مختلفة تصل إلى حد التضارب والتباين.

لكن الذي صدمني بصفتي متتبعا للشأن العام وباحثا عن أسباب التخلف وعن دواعي التقدم ليس إيقاف القيادي ولا محاولة حل الروابط وإنما سلبية المجتمع ككل، بإيعازٍ من نخبه، تجاه المشكلات الأصلية التي تتهدده منذ عقود والتي كلما طفت على السطح وأضحت واضحة للعيان إلا وتمّ تعويمها أو إغراقها مجددا. أقصد أنّ ما كانت لهذه المليشيات أن تتكوّن لو لم تكن مستجيبة لحاجيات مجتمعية دفينة وبالتالي أعجب كيف يترك المجتمع الحبل على الغارب لهذه المليشيات حتى تتشكل ثم تتجذر في النسيج المجتمعي على امتداد أعوام، وحين يأتي اليوم الذي يتوجب استئصالها لا يراجع نفسه ولا يستخلص العبر من أصل وجودها.

فمن الحتمي أن تكون لتونس مثل هذه المليشيات وهي التي تأسست لتخدم سلطة الترويكا المتخلية عن الحكم أي لتخدم حزب حركة النهضة الذي هو محرك الترويكا، ذلك لأنها تخدم فكرة خاطئة من أساسها: توظيف الدين في السياسة، بل العمد إلى حكم بلادٍ بطُمّ طميمها بواسطة توخي سياسة سلطوية تؤخَذ على أنها هي الدين.

كيف لا تكون لنا ميليشيات وهي أطراف اختارها باعثوها لكي تذود عن السلطة بواسطة العضلات والحال أنّ الدين الحنيف _ الذي تمّ التلاعب به _ ليس له من يذود عنه بالعقل وبالرصانة وبالحكمة وبالموعظة الحسنة، وإن وُجد من يؤدي هذه المهمة فهو محكوم عليه بالعزلة في مجتمع نخبوي تقليدي ومحافظ وجاهل حداثيا؟ كيف لا تعوّض العضلات العقل والحالة تلك؟

كيف لا تكون لتونس روابط عضلية والحال أنّ الفكر الإسلامي _ وهو فكر يعطي الحق لكل من له قدرة على الإسهام فيه بأن ينقده ويطوره_ محتكرٌ من طرف فئة لا تُري الشعب إلا ما ترى وتأبى أن نفتح على مصادر جديدة لهذا الفكر؟

إنّ النخب السياسية والمثقفة _ بما فيها نخبة الفكر الإسلامي النخبوي المشايخي_ من جهة والنخبة الإعلامية من جهة ثانية هي الراعي _ شبه الرسمي _ للقمع الفكري عموما والفكر الإسلامي على الأخص. وإذا كانت الإسلاموية جهلٌ مقدس فسلوك هذه النخب ينمّ على جهلٍ مُكرَّس:

وإلا كيف يصادر صاحب مجلة "إصلاحية" الرأي القائل إنّ "أبرز الفرقاء لحزب النهضة، وهُم ذوو تمثيلية شعبية عالية (الاتحاد من أجل تونس؛ الجبهة الشعبية؛ التحالف الديمقراطي)" سائرون نحو أخذ مكان حزب حركة النهضة في صدارة المشهد السياسي، وتتمّ المصادرة بتعلة أن التعبير (بين معقفين) ليس مدعوما بشواهد؟ مع العلم أنّ هذا مما استوجب أن يفضل صاحب الرأي سحب مقالته المتضمنة للرأي (وهي بعنوان "هل النهضة ستبقى النهضة؟") على الاستسلام للمصادرة، و أنّ بضعة أشهر فقط كانت كافية بعدئذ لتثبت على الميدان صحة التوقع وليتأكد القاصي والداني أنّ النهضة لم تبق هي النهضة.

وإلا كيف تحاول إقناعَ جامعيٍّ مختص بالفكر الإسلامي، بالأدلة والحجج العلمية، أن الإسلام السياسي مؤشر على علة عميقة أكثر منه علاجا للعلة وأن سياسة الإسلام لا يمكن أن يعبّر عنها من داخل حزب ديني وإنما يعبر عنها في كل رحاب المجتمع فيقرر هذا المختص النأي بنفسه عنك وعن رؤيتك للمسألة؟

وإلا كيف تقابل جامعيا في بيت للعلم أثناء ندوة تتناول إحدى أخطر قضايا الفكر الإسلامي (الفقه المعاصر) ويتبين أن الرجل يدير مركزا للبحوث الإسلامية، لكن حين تشير له باستعدادك للحضور في ندوات ينظمها هذا المركز (الوطني) يقوم السيد العالم الباحث الوقور بانقلاب بـ 180 درجة ويغير وجهتك من باحث في الفكر الإسلامي _ سواء أحبّ هو ذلك أم كرهه_ إلى تذكيرك بمهنتك الأصلية كمدرس لغة فيُحيلك _بكل اعتداد وغرور_ إلى قرب موعد انعقاد ورشة لـ"تكوين" المدرسين؟ أوَصلنا إلى هذا الحدّ (المستتر والمتستر) من الوضاعة الفكرية والأخلاقية؟ أم هو الشكل الجديد لتواضع علماء الإسلام؟

وإلا كيف يؤسس تلميذ سابق لك جمعية تعنى بالفكر وبالتحولات المجتمعية فيستجير كل مرة بجمعية أجنبية _ تحشر أنفها بكل وقاحة في مسائل فكرية تهمّ لتونس والمجتمع العربي الإسلامي دون سواه_ للإسهام في عقد الندوات المعتنية بالموضوع ويتجنبك أنت مهما كانت أعمالك صائبة في مسّ صميم الإشكالية، وذلك (ربما) بحجة "أنك فالح في اللغة الأجنبية فما دخلك في "اللغة الإسلامية؟" "؟ فهل شبابنا أصبح يبجل الأجنبي وفكر الأجنبي ومساعدة الأجنبي على حلحلة مشكلاته الذاتية المتعلقة بالفكر الإسلامي على معلم عربي مسلم مختص باللغة والآداب والحضارة الأجنبية لكنه في الآن ذاته باحث في الفكر الإسلامي سيما أنه سبق أن درّسه؟ من هم في هاته الحالة أصحاب الفكر المتداعي، الكهول المجتهدة أم الشبان المستساغين من أجل العمالة اللاواعية؟

كيف لا تكون لتونس ميليشيات تدعي الدفاع عن الثورة وعن قيم العروبة و الإسلام لمّا نعلم أنّ ثلاثة أو أربعة من خيرة الجرائد الورقية التونسية أوصدت منذ أشهر عدة أبواب أعمدتها أمام مساهمات القراء (المنشورة دون مقابل مالي)؟ أليس هذا مؤشرا على اتفاق سري في ما بينها على أنّ الرداءة هي قدر الشعب التونسي؟

كيف لا تكون للبلاد روابط دموية حين نعلم أنّ هذا الإعلام يقرر فجأة الانتحار الفكري حيث إنّ أحد رموزه البارزة في مجال الحريات والذود عن حرية الصحافة _زياد الهاني_ عمد إلى الاصطفاف إلى جانب القيادي الموقوف عوضا عن مواكبة أعمال من يبحثون عن سبل تحريك الفكر المتوقف؟

بانتظار الهداية الربانية، لا أتمالك نفسي عن ترديد الحديث النبوي "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"، مع الاستطراد: لن يغيّرك لا إلقاء القبض على رمزٍ ميليشياتي ولا حتى على الروابط كلها، طالما أنّ رابطة التفكير والفكر لديك محكمة الغلق و بواسطة قفلٍ صدئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الشرطة الفرنسية تعتدي على المتظاهرين الداعمين ل


.. فلسطينيون في غزة يشكرون المتظاهرين في الجامعات الأميركية




.. لقاءات قناة الغد الاشتراكي مع المشاركين في مسيرة الاول من اي


.. بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه..شرطة جورجيا تفرّق المتظ




.. الفيديو مجتزأ من سياقه الصحيح.. روبرت دي نيرو بريء من توبيخ