الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرة هويدا عطا والإنتحار بالحنين .. في .. صباحات القش * ( دراسة )

محمود الزهيري

2014 / 3 / 3
الادب والفن


لعل صباحات القش برمزية ومزية قصاصاتها المصنوعة من تراكيب كيميائية تؤدي في النهايات إلي صناعة الورق لكتابة تاريخ الإنسان وتاريخ أوجاعه وهزائمه وانكساراته , وكتابة أفراحه ومسراته وانتصاراته , عبر قصاصات ورقية صنعت من القش بالتداخل الإنساني في تحويل القش ليصير ورقاً للكتابة والتدوين , ونطالع تلك القصاصات يومياً في صباحاتنا التي نبدأها مع تصفح تلك الأوراق لتغير من كيمياء دماءنا , فتضطرب القلوب وتذداد ضرباتها , وتتوزع المشاعر أشلاء علي أرصفة حياتنا التعيسة , والتي تبدو دوماً , وكأنها حياة مختلفة عن حياة الأفراح والسعادة والسرور , وكأن حياتنا صارت خلواً مما يسُر ,ويسعد , وكأننا خلقنا للتأوه والتحسر والدموع والندم ..
أصبحت مشاعرنا بئيسة تضارع قمم البؤس والتعاسة , وأمست أحاسيسنا وكأنها متخاصمة مع الشوق ولهفة الحنين , وصار الوجدان كطفل يتيم فقد أسرته بالكامل ولم يتبق له إلا التوحد من انكسارات ذاته , وتأوهاته المبحوحة في سرداب رطب مظلم , لايري للشمس ضياء , ولا للقمر نور ..

حياة بلاحب , تكون جهنم أرقي منها , فرمزية الذنوب ترث جهنم , ولكن رمزية فقدان الحب , وفي حالة توفر مناخه ,و يتم الهروب منه والتنكر له بخسة ونذالة تفوق كل حدود الحقارة , لتكتمل المأساة الوجودية لإنسانة تتعذب , وتتلظي ألماً وحنيناً , وتتلظي إحتراقاً لمشاعرها علي عتبات الخسة والنذالة والحقارة , لدرجة تكتمل معها دوائر البؤس التي تضيق عليها وتستمر في التضييق حتي مسار الإختناق , وتترجي الموت , وكأنه لايعرفها , ولايلبي لها رجاء , فتتقوع في ذاتها , وتتكوم وتنكمش كطفلة مشردة في ليلة شتاء باردة من غير شيء من غطاء يطرد عنها غائلة البرد والصقيع القاتل , متخذة من تأوهاتها فراش ومن حزنها وسادة , ومن دموعها صديق .

وتشير بالسبابة إلي البحر , قابضة باقي أصابع يدها في إشارة لرمزية الغدر والخيانة , وتعاتبهما وهما لايستحقان العتاب , وكأنها تصر علي تذللها ومهانتها برغم الإنكسار والهوان الذي صنعه لها وهيأ لها أسبابه , وكأنه هو الهواء والماء والطبيعة والكون : أو كأنه الحياة , وهو ليس كذلك ..

حالة إنسانية غريبة في قبولها بالإنكسار والمذلة وهوان ذاتها في مواجهة إنسان هي من وصفته بزيف الوعود , ومع ذلك تزرف عليه بحر من الدموع لهجرانها , والقبول بفراقها من أجل أخري رامت له , ورام لها , وصمما علي الهجرة بعيداً , إلي أوطان تؤمن بالمصلحة فوق العقل , والمال قبل المشاعر , والجاه فوق الأحاسيس , والإعتقاد بالرفاهية قبل اٌلإيمان بالوجدان , والإنشغال بأرقام الرصيد في البنوك , قبل الهروب إلي الحنين والماضي ..

هكذا هو , آمن بقيم غير القيم , ومباديء غير المباديء , وصنع لنفسه منظومة قيم ومثل ومباديء عارية من قيم الأخلاق وقيم العقل ومتخاصمة مع إنسانية الإنسان .

... ... ...


هذا البحر
دموعي التي زرفتها بالأمس
حينما غرب وجهك
وتساقط خلف المحيط
في قبضة امرأة اخري



... ... ...

وهو من اختط طريقه , ورسم مسار حياته , واستبدل قلباً بآخر , ومشاعر بأخري , وهي مازالت في إصرار علي التمسك به رهباً , ورغباً , كأنه صار إله للحب , وهي تؤدي له طقوس المشاعر والأحاسيس في محراب الوجد والحنين , وهو الكافر بها , والمصر علي إستبدالها بأخري مثله وشبيهة له في غدره وخسته ونذالته , وكأنه يعلم مدي هشاشة إرادتها , وهوان وضعف مشاعرها تجاهه , وكأنه يريد لها أن تسكن نيران جحيم فراقه كأشد ألوان العذاب لها ..

وهي تنساق بلا عقل , وبلا إرادة خلف أوهام وخيالات ..

وتناجيه وترجوه في نبرات ممسوسة بالتذلل , وكأنها تستعطفه , وتصر علي أنه لن يفلت أبداً من قلبها أينما حل أو ارتحل , وتلح عليه في التذكر لذكريات السعادة والفرح , والأن يتخفي من الذكريات برغم من الإيماءات التي تشير برمزية الغموض المستتر بينهما , متخذة منها لغة لايصح منها إلا التحسر , فالإيماءات غالباً ماتكون بين من احتل التفاهم مساحة شاسعة بينهما , وهما الأن في حالة لاتسمح بالإيماءات , ولكنها فعلتها , وكأنها تتخذ منها مكيدة ضد من خطفته منها , وجعلت منه مثار صراع بينهما , لدرجة أنه تستدرجه لتذكر الصباحات الندية في حينها , والتي يتخفي منها ويعبث بقصاصات القش هارباً من ذكري الوسائد والأرائك التي صارت وكأنها ذكريات مؤلمة له , وهو علي عكس مؤشر الإحساس والحياة .

... ... ...


لن تفلت أبداً
من قلبي
يتبعك أينما وليت
وعاديت وتجاهلت الإيماءة
كلما التقينا
غطيت رأسك
بكومة من قصاصات القش
تعبث فيها
عن صباحاتي الأولي
المخبأة بوسائدي الغامضة
والممسكة بزيف وعودك

... ... ...


مازالت تستجدي , وتستعطف من لايجدي معه إستجداء , ولا عطاء , ولا استعطاف , ومازالت تبحر في بحر الدموع الذي صنعته لتعوم فيه مراكب أحزانها وأتراحها , وتعتقد أنه سيأتي اليوم الذي يهرول إليها هارباً من عذابات ضميره , ومطاردة الذكريات , وأوجاع الحنين لماضيها العذب الفرات , ليرجو العفو والصفح والسماح عن خطايا لاتغتفر , وأخطاء لاتمحي , وذكريات من الحزن والألام لاتنسي ..

إلا أنها .. وفجأة وفي نهاية المطاف تستجمع العجز والضعف والخواء , وتذكره بما قدمته له , حتي تاجها الأشقر المتمثل في شعرها الذي صنعت منه ضفيرة وأهدته إياها لتكون وكأنها ذكري متماثلة مع ذكريات القص الشعبي بين ناعسة وأيوب , مع الفارق الزماني والمكاني والموضوعي , ومدي صبر ناعسة علي مرض أيوب والذي ابتاعت شعر رأسها لتوفر له العلاج والطعام حينما ضاقت بهما الدنيا بما رحبت , ليعود أيوب برمزية الصبر , وناعسة برمزية الوفاء , ولكن هيهات أن يكون هو في الصبر كأيوب , بالرغم من أنها رمز الإيثار والوفاء والتضحية ك "ناعسة "..

وكأنها صباحات من القش في الحقيقة وليست في المجاز, وكأن حمي القش اصابتها , واستبدلتها بـ " حمي المشاعر والأحاسيس " , التي ارتبكت كثيراً حال اصابتها بها , ليتحول ظنها إلي مرتبة الإعتقاد والإيمان به , ظناً منها أنه سيأتي اليوم الذي يمل فيه من الرجاء والتذلل , وسيتذكر ضفيرتها الشقراء التي قصتها لتصير بمثابة ذكري الوفاء بينهما ..

ولكنها تتململ في الهوان وتقدم ضفيرتها الشقراء , بيدين بضتان , ناعمتان بالخير والإيثار والتضحية , قرباناً تحت قدميه اليابستين , وكأنها في مرتبة العبودية , وهو في مقام السيادة والتأله علي كيانها ومشاعرها ؛ بل وجدانها وضميرها ؛ وأسر لباب عقلها , وكأنها بذلك تنتقم منه بهذه الذكريات التي لايلقي لها بالاً , ولاتنشغل ثمة مساحة من عقله وتفكيره , أو , وجدانه تجاهها , وحنينه !
ورغم التنازلات المُذِلة , تري وتتوهم أن ضفيرتها في النهاية لن تكون له حتي بمثابة الذكري , لأنها ستكون في مهب الرياح العاصفة, وأمواج البحر الغاضبة , وكأنها تتمني في عقلها الباطن أن هذه الضفيرة الشقراء التي قدمتها تحت قدميه قرباناً لرضاه وسعادته , سوف تسافر عبر الأمواج , ليلتقي بها عبر الشاطيء الآخر , فيذكرها ويعاود الحنين إليها من جديد .. وهذا صعب المنال , وصار في لائحة المستحيل ..

... ... ...

عندما تمل الرجاء
ستجد ضفيرتي الشقراء
قصصتها
قرباناً
تحت قدميك
اليابستين
ملقاة علي حافة الريح
والبحر


... ... ...


ليس لها في النهاية إلا أن تعود بخفي حنين إلي السماء , وتنظر إليها بمذلة واستكانة وخضوع , حيث أوصدت كل أبواب العقل والإرادة في التحرر من ربقة إستعباد المشاعر والحنين , وكأنها تنتحر بالحنين , لتلقي مصير مجهول مع الدموع والألم والأرق والسهر وسهد الليالي , وصباحات القش , التي احترقت وتطاير دخانها أشتاتاً مع أشتات الرياح , ولم يبقي منها إلا رماد الذكريات , التي تزرف عليه الدموع , لدرجة الإنتحار حنيناً , وهو مازال متجاهل هذا الموت بصورة من الصور الموت بالحنين .

... ... ...


يا الله
كل هذه دموع
ذرفتها عليك
وأنت تتجاهل موتي


... ... ...

غالبية من يعرفونها يشفقون عليها , لأنها معهم في أفراحهم وأتراحهم , وكم يتأسوا لروحها الشفيفة العفيفة, وفطريتها اللطيفة , وعفويتها الجميلة البسيطة , فهي لم تتعلم الكذب والغش والنفاق ولم تبدو منها طقوس الخداع , ولم ترتدي أبداً علي وجهها قناع , وتحنو وتساعد من احتاج لحنوها وعونها , ولم تضمر الشر والسوء أبداً لإنسان , ولم يتأذي منها طير أو حيوان , وكأنها صديقة للنباتات والأعشاب , لدرجة أنها تصف صباحتها الأليمة بالقش ..

إنهم مازالوا يرونها مسكينة بائسة حزينة مشلولة العقل مفتقدة للإرادة , ومازالت تبكي علي العصير المسكوب مع علمها أن الكوب لن تعود بعد كسرها , ولن يعود العصير في الكوب التي كانت بيدها , وما عليها إلا أن تستعيد قواها , وتستجمع إرادتها , وتعود لتبحث عن كوب جديد وتبحث عن فاكهتها المحببة إليها وتصنع منها كوباً من العصير, تستمع بطعمه , وتتلذذ بحلاوته ومذاقه , لتبدأ بدايات جديدة في الحياة مملوءة بالحبور والبهجة والفرح والحب والسعادة , مع من تحب , ومن تريد , وتصنع من صباحات القش أوراقاً تكتب فيها تاريخ للفرح والسعادة !



قراءة وترجمة شعرية / محمود الزهيري

صباحات القش* _ نص نثري من ديوان " حرير الحزن " للكاتبة والشاعرة والأديبة " هويدا عطا " ص_43 , 44 , 45 _ الطبعة الأولي _ دار رمانة للطباعة والنشر _ الإمارات _ مصر 2011 _ طباعة مطابع الغرير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهة وتلاسن بكلمات نابية بين الممثل روبرتو دي نيرو وأنصار


.. المختصة في علم النفس جيهان مرابط: العنف في الأفلام والدراما




.. منزل فيلم home alone الشهير معروض للبيع بـ 5.25 مليون دولار


.. إقبال كبير على تعلم اللغة العربية في الجامعات الصينية | #مرا




.. كل الزوايا - وزارة الثقافة تعلن أسماء الفائزين بجوائز الدولة