الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقهى على زاوية الحطام

حسام سلمان بركي

2014 / 3 / 3
الادب والفن


في المكان
أعني في المقهى
على زاوية الحطام
دون تجلي واضح للعنوان
قرقعات نرجيلة
صوت غناء
ودخان
مرمي على كرسي كان جسد سنديانة
ربته السنين ليصير سرير طفل
وبالمصادفة جئت كغيري السابقين
أريح ثقل هزائمي عليه
أرنو حيث يأخذ الدخان شكلا للظلال المنهكة
وأقلب من تعبت الذاكرة من استحضاره كلما مسني الحنين
في المكان ...
ازدحام للكلام
فقر في التعبير
وسوسنة مهملة
أقلب يومي بين المكرر والمشتهى
لا أعرف هنا أحد
لا أرى هنا أحد
وأنا المبدد كالحقيقة في الكتب
بين هراء الكاتب وصمت التاريخ
أخاصم عنترة والزير
لأعشق عبلة في المنام
على الطاولة رائحة مهزومين
حاولوا الخروج من الرؤى
على الطاولة حطام أحلام من ترك الكرسي لأشغله
وترك لي حيزه المحاصر بالأوهام
اقتفيت أثر الملح في الهواء
حول هموم الآخرين ورؤآهم
حول بدايات الأشياء
في المكان ....
خذلني التاريخ ليغتالني حاضري
هنا عاشق ضيعته حبيبته في اللهاث خلف واقعية الحياة
هنا موظف يضع يده على رأسه بين التعب والصمت
ويرى طريقه الرمادي دون عنوان
خارج الزجاج الهرم
صور تسير مسرعة إلى مواعيد قاتلة
إلى هويات زائفة ...
تسير وأفكارها تسبق أقدامها
سيدة بكامل تفاحها
تحاول أن ترضي صاحب العمل بلون مميز لشالها
وترضي غرورها بعطر يشمه الحبيب عند اللقاء
رجل أربعيني يهده إيقاع الأقدام المسرعة
يفكر بالمقتول من أحلامه المهملة
وولد في أول صيفه
يرتديه الأخضر لونا للمواسم المقبلة
خارج الزجاج الهرم
مئات الظلال والمرايا والأشكال المشوهة
مئات العيون والرؤى والصور المنهكة
هناك ...
لا أحد ...
لا بلد ..
ولا سبيل للضوء المقتول على المقصلة
هناك ...
كنت انا ...
والآن أنظر من خلف الزجاج
أرتب انتكاسات الياسمين في دمي
لأعرف أن حدودي غير واضحة
وأعرف أن التردد جلد المكان
لا ذاكرة تغتاب هذا النسيان
لا كلام يغري صمت اللسان
أول الطريق هو آخر فكرة يحكمها التردد
هو بداية الجديد في المخيلة
ضيعتني السنين اللاهثة وراء المستحيل في الذاكرة
ضيعتني أحلام رؤى عابرة
لأقتفي شكل الملح في جسد المدينة
حول أسوار حزينة
خوف يردد نبضا تمرد
وضحكات مصلوبة بأيدي كهنة المعبد
عليك أن تؤمن
عليك أن تسجد
لإله المعبد
لا أبواب أمامي في الجدران
لا ندى يراكم حلم الليل في قطرة
أو همسة تعبر بندقية السلطان
كل يوم في المقهى أرى ما أرى
على جلد الهواء المتوج بالدخان
على صوت الحديث ذاته
والخوف ذاته من خدم الطاغية
كل يوم أحاول أن لا أكرر المشهد
أحاول الغناء في خيالي
أو التمدد على شاطئ بحره أزرق
في المكان ...
عينان تلونان البنفسج الذابل ..
يدان تدلكان خصر المواعيد المنتظرة
وترسمان فضاء آخر
مرآة أمام الوجوه الخائفة
وسعال يختفي خلفه الكلام
كانت أساطير الأولين تنعش التراب بالحكايات
وكنا زادها ...
كانت حروب الأولين في سبيل الحياة
وصرنا نشتهيها..
لا فراشات هنا
لا مواسم مقبلة
لا أمل معلق على الضوء المكسو بالغبار
في اول المساء
كالعادة ...
هنا وجوه متشابهة
هموم متشابهة
ومقصلة للغد
صوت الأنين يكتمه صخب قابع داخل الجدران
في المكان ...
في جفاف يغزو الشطآن
هنا ...
على نفس الطاولة
منذ زمن
حلمت بها
لونت عرائش الياسمين دمي
حلمت بها
زيتا يعطي ملامحا للوقت
كنت أستل سيفي في المنام
فارسا سليل الحروب والأساطير
عاشقا يخضب المدى بأحمر الورود
كنت أرتكب الحب ..
كلما حلمت بها ..
هنا على نفس الطاولة
غزتني الخيبات
ورمت علي الجبال ثقلها
توجت بالصخرة
بعيدا عن طريق الجلجلة
لا أرى صورتي في المرآة
لا تفاصيل ممتعة أو أفكار مرتجلة
حولي كل احتمالات الهزيمة
وانا المبدد على سراب المدينة
يكسوني الغبش الأولي
ورماد نار حزينة
كل ابتهالات الريح
كل تفاصيل الرؤى
صور معلقة على الجدران
وزيت خيف الوخز يرشح من أقحوانة
تربي في حماقة الانتظار
في المكان ..
وعلى عباءة الوقت المنقوش في الذاكرة
عبرت القوافل فجاة أمامي
رحت أفتش في الوجوه الشاحبة
عن ما اقترفته من حكايات الفرح لأطفالي قبل النوم
أفتش عن لون غائب من المرايا
ووجوه ضائعة في انعكاس التردد على زجاج النافذة
هنا ..
خوف يردد صهيل المقصلة
هنا ...
انكفاء على ذوات ترخي أجسادها على الكراسي متعبة
هنا ....
أربعيني يكتم رفضه تجاعيد جلده الواضحة
يكتم رفضه بياض لحية بعشوائية نابتة
تشبه أحلامه الخائفة
هنا...
خمسيني ضاعت مواعيد الحصاد
واكتفى باليباس لونا للمواسم
خسر العمر ولا زال يحاول أن يقاوم
هنا ...
ستيني لا أحب أن أكونه
أخاف أن يصير غدي القادم
هرب إلى ذاكرة الطرق العتيقة
ليرى كيف كانت الحبيبة
ويعيش قليلا مع القهوة والذكريات
على خشب الطاولة تحت يديه أسماء
وعلى قميص الضوء الخافت حكايات
من كانوا يربون الوقت على إيقاعهم
ومن عبروا إلى الضفة الأخرى مع العاصفة
سلم مفاتيحه للقدر ...
وأراح تعبه المورث على خشب الطاولة.
هنا ...
انا .. أو أنا هنا ...
المهم أنني والمكان جلد وجسد
لا أخرج منه إلا ليدخلني في أغنية هاربة من حولي
لم تجد أحد ..
وهناك خلف الزجاج المتعب
مارة دون ملامح
حطام لأرواح الفراشات المتوجة بالضوء
آثار حروب الذوات واضحة أكثر من ركام المنازل
وأجساد ترفض التقابل
رمادية ظلالهم
رمادية سماءهم
والعيون ..
ابتهالاتهم المكتومة
وأنين جراح مدفونة
تحت الحطام
خلف الكلام
وفي أول الطرق
أقدام مبتورة , أعين حائرة , وموسيقا للرحيل
في أول الطرق وطن على مشنقة وليل طويل
كانوا يربون الأمل كاولادهم
وجاءت الحرب على عجل
لتأخذ الاثنين وتبقي الغبار
لا نهار
لا قمر يسهر على نافذة صبية
لا هوية ..
جاءت الحرب على عجل
لتأخذ الوجوه من المرايا
علها ترحل ...
كلهم يصلي لترحل
كلهم يصلب على خشب الفوضى
في الزاوية أمام الركام
فراغ يحكم المشهد
خوذات تسبح بسلطان المعبد
لا حيز للاختلاف
لا موسيقى غير صدى الجنازير الصدئة في جوف البيوت الفاحمة
هناك خلف الزجاج
حطام ...
وبقايا أحلام ..
وأنا على الكرسي هنا
في المقهى المركون خلف الزمان
أرتب انتظاري بين غرباء الأرض
في مقهى على زاوية خرساء
أبحث عن عنوان ..
أرتب ما بعد الهزيمة
حتى أعيد ظلي إلى مكانه
حتى يصير الآن ماض يروى في الحكايات
مثقل بهدير الجنازير
أنا الآن ..
أحلم بحقول الأقحوان ...
في الزاوية المهملة ..
على شكل آخر للمكان ...
مقهى وانا صورة ومرآة
جدار وباب ..
يدان ترتبان فوضى الهروب
عينان ترى غد المواسم ....
مقهى واحتمالات سفر
عشبة على حجر
لترحل كل الهزائم
لترحل قوافل السراب ومنافي الأحلام
وتبقى هنا على زاوية الحطام
ياسمينة في يد صبية
تربي الحلم في المكان
هذا هو العنوان ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب