الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطالة .. والبطالة المقنعة في العراق.. وآفاق كارثة اقتصادية

فارس حميد أمانة

2014 / 3 / 3
كتابات ساخرة


لست محللا اقتصاديا .. لكن نظرة متأنية لما يحدث في العراق حاليا تجبر الجميع على التوقف والتمعن ومن ثم استلهام الحلول لما يبدوا في الأفق كأكبر كارثة اقتصادية ستحل بالعراق ان لم تكن قد حلت به فعلا .. ولنبدأ من بداية القصة ..

ماهي البطالة ؟ ومن هو العاطل عن العمل ؟

البطالة Unemployment كما عرفتها منظمة العمل الدولية تعني " وجود فرد في المجتمع قادر على العمل وله القدرة على العمل وسلك طرق كثيرة للبحث عنه ولم تمنح له فرصة لايجاد العمل لأسبابٍ كثيرة منها قلة فرص العمل في المجتمع الذي يعيش فيه " .. أما منظمة العمل الدولية فتعرف العاطل عن العمل بأنه : " كل من هو قادر على العمل و راغب فيه ، و يبحث عنه ، و يقبله عند مستوى الأجر السائد ، ولكن دون جدوى " الا انه ليس كل من لا يعمل يعتبر عاطلا عن العمل فهناك الطلاب وكبار السن والمعاقون جسديا ... الخ .

ان من نتائج البطالة الكارثية في العراق فقدان الثقة بين الشباب المنتج والقادر على العمل وبين الدولة واحداث فجوة كبيرة بين الاثنين وما تزال تلك الفجوة في العراق في اتساع .. لقد استغلت التنظيمات المعارضة والارهابية تلك الفجوة لكسب الكثيرمن العاطلين عن العمل الى صفوفهم بل وحتى زجهم بأعمال ارهابية وتخريبية مستغلين الوضع الاقتصادي المتردي لهؤلاء الشباب وأوضاع أفرزتها سياسات حل هيكلية ومؤسسات الدولة من قبل بول بريمر الحاكم المدني للعراق أبان سلطة التحالف المؤقتة راميا الى الشوارع بجيش من العاطلين والمهمشين اللذين تحول القسم الأكبر منهم الى التخندق ضد الدولة .. ان كسب هؤلاء ( ما عدا المتورطين بدماء الشعب وهم الأقل ) واخراجهم من حالة السقوط بحفرة التهميش وفي الوقت المناسب كان سيمثل الحل الأنجع لهذه المعضلة .. لكن هل كان بامكان الدولة حينها فرض رأيها على بول بريمر؟

ان هناك أسبابا كثيرة تتسبب في ازدياد نسبة البطالة ولكل سبب هناك حل أو مجموعة حلول وسأمر مرورا سريعا بتلك الأسباب مع اهمال وضع تسلسل حسب الأهمية .

تعتبر هجرة الأفراد من الريف الى المدينة والتي تتسبب بتكوين ضغط شديد على فرص العمل المتاحة والمحدودة أصلا في المدن سببا مهما سواء كان الدافع شحة المياه المتوفرة للزراعة أو تناقص دعم الدولة للمزارعين أو تدني مستوى الخدمات في الريف وبالتالي تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي المؤدي الى تولد الرغبة لدى الأفراد بالبحث عن العمل في المدن في حال وجود السببين الأول والثاني أو توفر رؤوس الأموال المتاحة لدى من يسكن الريف لاستثمارها في المدينة والعيش في مستوى اجتماعي أفضل فيما يخص السبب الثالث .. ومن الجدير بالذكر ان الحالة الثالثة هنا غير موجودة أساسا لدى المجتمعات المتقدمة ولا سيما الغربية منها اذ ان الفروقات بين الريف والمدينة لا تكاد تذكر لتوفر كافة الخدمات المطلوبة مجتمعيا مع وجود بنى تحتية رصينة حتى في الريف .. ان الحلول لهذه الحالات متوفرة ومفهومة حيث ان على الدولة دعم قطاع الزراعة ورفع مستوى الخدمات في الريف ليلحق بالمدن الكبرى للبلد وهو أمر ليس بالمستحيل لبلد نفطي كالعراق لديه ميزانية ضخمة .
هناك سبب مهم جدا وهو عدم التكافؤ بين الفرص المتاحة فعلا من ناحية النمو الاقتصادي المتمثل بالمشاريع الجديدة سواء التي تنشئها الدولة متمثلة بوزاراتها المختلفة أو التي ينشئها القطاع الخاص متمثلا بالمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال من جهة وبين تزايد نسبة النمو السكاني للعراق .. لقد ساهم الوضع الأمني المتفجر في العراق بسبب أجندات سياسية عالمية ومناطقية وحتى داخلية محلية بتراجع شديد في النمو الاقتصادي .. وأفضل مثال لذلك هو الهجمة العالمية على البنى التحتية في البلد بحربين شرستين وتحطيم وتدمير المصانع والمعامل بحجج وذرائع مختلفة متسببة برمي عدد كبير من العاملين فيها في الشوارع ودون عمل .. ان التفات الدولة الى اعادة اعمار وتحديث المصانع والمعامل ولاسيما الستراتيجية منها كمعامل الصلب والحديد ومصانع البتروكيمياويات والأسمدة وتجميع السيارات ومعامل الزيوت النباتية والكثير الكثير غيرها هو أفضل الحلول للنهوض بالاقتصاد الوطني وحل مشكلة البطالة المجتمعية بدلا من تحويل العراق الى بلد مستهلك يعتمد على دول الجوار في الحصول على أتفه البضائع لكن أخطرها كالبطاطا والطماطم ناهيك عن الطاقة الكهربائية وغيرها .. هل سنجوع ان حدثت أزمة سياسية بين العراق من جهة وبين ايران أو تركيا مثلا من جهة أخرى ؟

يلعب التمييز العرقي أو الديني أو الطائفي بشكل عام وفي كل بلدان العالم دورا فاعلا في خلق بطالة مفتعلة تلعب دورا سيئا جدا في اضعاف اقتصاد أي بلد من البلدان .. أضف الى ذلك سياسات وأفعال انتقامية لأحزاب وتنظيمات متصارعة والمتسببة بتوفير أجواء تجبر ذوي الكفاءات على الهجرة خارج البلد ولا أدل على ذلك من تهجير وقتل مفتعلين لكوادر علمية عراقية لم تجد من يشغل مكانها .. حيث تعاون العاملان المذكوران التمييز الديني أو الطائفي المولد للبطالة وسياسات الانتقام بالقتل أو التهجير على وضع اقتصاد البلد على شفير كارثة اقتصادية ..ان الحل السياسي هنا هوتقارب الفرقاء أحزابا أو تنظيمات مما يعيد التوازن بشكل تدريجي للاقتصاد حتى وان بعد حين .. ان الأنوية في التفكير وسياسة الاقصاء وكذلك التشدد الديني تعتبر الصخرة الكبيرة التي تتحطم عليها الشعوب .. اقرأ مقالتي المعنونة " أنا .. والآخرون معي " (*)..

كما ان العمالة الأجنبية الوافدة ولاسيما من الآسيويين اللذين يقبلون بالعمل باجور متدنية عن الأجور التي يطلبها أقرانهم من العراقيين والخبرة العلمية والعملية التي تتمتع بها العمالة الوافدة تزيد من تفاقم المشكلة هنا .. ان اقتصاد العراق بعد تغيير النظام السياسي أصبح يتبع تدريجيا النظام الاقتصادي العالمي من حيث تحقيق الأرباح الأكثر عبر تقديم الخدمة الأفضل اعتمادا على التنافس .. ورغم ان ذلك غير واضح تماما حاليا الا ان المؤشرات تدل على زيادة تأثير النظام العالمي على نظام الاقتصاد العراقي .. النتيجة هي خلل واضح وكبير يتأتى من الاعتماد على خبرة فنية أو طبية وافدة واهمال جوانب تدريبية لا مناص منها للعاملين العراقيين للارتقاء بمستوى أدائهم الفني ..

لا تزال البداوة تسيطر كثيرا على المجتمع العراقي مما سبب ويسبب عزوف الكثير من الأفراد القادرين على مزاولة أعمال معينة عن مزاولتها بسبب احتقار المجتمع لتلك الأعمال فالكثير من الحرف البسيطة كالتنظيف وخدمة الزبائن في المقاهي والمطاعم والكثير من المهن غيرها ينظر اليها باحتقار .. وأذكر كمقارنة بسيطة اقتصار مثل هذه الأعمال على فئات محدودة جدا في العراق مسببا فرقا كبيرا جدا بين مستوى الخدمات السياحية في لبنان أو مصر أو المغرب العربي عن العراق وبالتالي تناقص شديد في المردودات الاقتصادية للبلد والأفراد ناهيك عن الأسباب الأخرى المؤدية لتردي قطاع السياحة عموما والمتسببة بالتالي لخسارة فرص عمل كثيرة ومن ثم التسبب بالضغط على فرص العمل المتاحة أصلا .. لقد ساهم الموقع الجغرافي للعراق والمختلف أساسا عن بقية البلدان التي ذكرتها والتي لها سواحل ومنافذ بحرية كثيرة جدا ساهمت بتمازجها وتفاعلها مع حضارات ديناميكية كحضارة الرومان والاغريق حيث ان الاحتكاك والتفاعل مع تلك الحضارات والمدنيات ساهم باضعاف النزعة البدوية لسكان تلك المناطق ولاسيما الساحلية منها حيث تقوى تلك النزعة قرب السواحل في مصر وبلدان المغرب العربي الا انها تضعف تدريجيا كلما تركنا السواحل واتجهنا للداخل حيث الصحراء والنزعة البدوية .. لقد ابتلي العراق باستعمار الدولة الفارسية التي نصبت ملوكا من الصحراء ليحكموا العراق باسمها وليقفوا حائطا تطوعيا ضد هجمات البيزنطيين غرب العراق ثم الدولة العثمانية التي أهملت العراق اهمالا شديدا ثم البريطانيون الذين كان همهم الوحيد هو استغلال ثروات البلد دون الاهتمام بتطويره اقتصاديا وبالتالي اجتماعيا. الحديث في هذا الموضوع طويل الا ان التغيير يحتاج عقودا طويلة .. وطويلة جدا ..

ولعل أخطر أنواع البطالة في العراق تلك البطالة المسماة بالبطالة المقنعة التي تعرفها منظمة العمل الدولية بانها : " حالة من يؤدي عملاً ثانوياً لا يوفر لهُ كفايتهُ من سبل العيش ، أو إن بضعة أفراد يعملون سوية في عمل يمكن أن يؤديه فرد واحد أو اثنان منهم ".. أي ان البطالة المقنعة باختصار شديد تعني تكديس العاملين في المؤسسات الحكومية بدون الحاجة الفعلية اليهم ودون ان يكون هناك انتاج حقيقي ملموس من عملهم .. ان موضوع الولاء للوطن التي تحدثت عنه في مقال سابق تحت عنوان " مشاهدات من المانيا – الجزء الثالث " (**) قد تحول الى الولاء للطائفة أو الحزب أو التنظيم والتي أفرز جيشا من الموظفين المعينين لأغراض انتخابية أو سياسية أفرزها الوضع الجديد وهم من غير المؤهلين لمسك العمل في الوظائف التي زجوا بها لأغراض تخدم المرشحين لانتخابات قادمة أو لتعزيز موقف حزب معين أو تنظيم معين في مفصل ما من مفاصل الدولة وأصبحوا بين ليلة وضحاها من الذين تصرف لهم الدولة مبالغ ضخمة ترهق الميزانية العامة دون استثمار فعلي لقدراتهم الفنية أو الادارية .. وأذكر هنا مجالا آخر لارهاق ونهب الميزانية الوطنية بالحمايات التي لا مبرر لمعظمها من السياسيين والقادة وكبار الموظفين وحتى لمن هم خارج العمل الوظيفي بحجة كونهم من الشخصيات الوطنية ويحتاجون للحماية .. والأنكى من ذلك ابتداع مؤسسة ضخمة باسم قوة حماية الشخصيات الوطنية .. وهكذا بات البلد بعد كل دورة انتخابية يتناسل مفرزا مجموعات جديدة من الشخصيات " الوطنية " التي تحتاج للحمايات وبالتالي هدر المزيد من الميزانية الوطنية التي تكون بنى البلد التحتية في أمس الحاجة لها للارتفاع بمستوى البلد ورقيه ..
ان تلك الجيوش من الحمايات ومن الموظفين اللذين لا ينجزون شيئا يذكر ينطوي تحت خانة البطالة المقنعة التي تجر البلد لكارثة اقتصادية محتومة .. ما الحل اذن ؟ ان تطبيق علم ادارة الموارد البشرية Human Resources Management في مؤسسات الدولة جميعها عسكرية كانت أم مدنية ولاسيما الجزء الهام من ادارة الموارد البشرية والمتعلق بمهام الوصف الوظيفي Job De-script-ions الذي يحدد بشكل دقيق مواصفات ومؤهلات و خبرة كل شخص يشغل وظيفة معينة مع وصف لمهام العمل المتعلق بتلك الوظيفة والذي عليه أداؤه ليستحق عليه راتبا سيكون الحل العلمي والتطبيقي الأمثل وهو ما تطبقه كل المؤسسات الحكومية أو الخاصة في العالم المتمدن ..

ان موضوع اعادة التعيين للمفصولين السياسيين يندرج تحت هذا الموضوع .. لا يختلف اثنان ان لهذه الخطوة أبعاد انسانية تعيد لهذه الشريحة حقوقها حيث ان هناك الكثير من الموظفين ممن كانوا معتقلين لأسباب كثيرة أو من المطاردين ممن هربوا خارج حدود الوطن .. لكن هذه الالتفاتة الانسانية الرائعة أسيء استغلالها من قبل الكثير وبتهاون وتساهل من قبل الجهات الرسمية .. ان معظم من أعيدوا للخدمة هم من اللذين اختاروا ترك الوظيفة لممارسة العمل التجاري الحر لتحسين وضعهم المعاشي وقد نجحوا بذلك الى حد بعيد .. كانوا مخيرين بعد ان أجبرتهم الظروف المعيشية القاسية .. أو أجبروا على ترك الوظيفة مختارين لذلك .. وبعيدا عن التفلسف الذي لا يغني ولا يشبع أقول ان بقية الموظفين ممن تصرمت بهم السنون العجاف وهم يعملون موظفين بدولارين أو ثلاثة دولارات شهريا ومن بينهم كاتب هذه السطور هم الأحق بالمطالبة بالتعويض عن تلك العجاف الماضيات .. لا أقول ذلك من باب التحامل على هذه الفئة مطلقا بل من باب النظرة المهنية العلمية .. كان يمكن للدولة حل الاشكال بالتمييز بين من حوكم أو سجن أو اعتقل أو من طورد لمختلف الأسباب ثم أدى ذلك لفقد وظيفته وبين من ترك الوظيفة ليعمل تاجرا ثم رجع ليجد وظيفته بانتظاره مع تعويضات مالية كبيرة .. وحتى من ترك الوظيفة ورغب بالرجوع اليها كان يمكن وضع قانون خاص لاعادتهم مع التعويض المالي بدلا من ارجاعهم بعناوين وظيفية قيادية عالية .. لنأخذ مثالا حقيقيا وقاسيا جدا : مهندس عمل سنتين فقط ثم ترك الوظيفة ليعمل عملا حرا في السوق المحلية لا يتناسب مع شهادته الأكاديمية ثم أرجع للوظيفة بعد سنوات طويلة بعنوان وظيفي عال جدا يؤهله ( نظريا ) بحكم استحقاقه العجيب لقيادة مجموعة من المهندسين ممن هم أدنى منه درجة لكنهم كسبوا الخبرة الفنية الجيدة من خلال سنوات عملهم الطويل .. كيف يستطيع هذا قيادة هؤلاء ؟ سيستلم هذا المهندس راتبا ضخما نظير تفرجه على زملاءه ممن يعملون تحت امرته وهم ينجزون عملا ما دون أن يفقه شيئا مما يعملون .. الكثير الكثير من أمثال هذا الموظف الآن هم أسوأ الأمثلة للبطالة المقنعة المؤدية للكارثة الاقتصادية المتوقعة.

أما الخدمة الجهادية للنواب التي لا يمكن اقناع طفل بها فتعتبر مهزلة المهازل للدولة العراقية التي قامت على يد الآلاف من الأكاديميين والعلماء والسياسيين المحنكين .. وهي أسوأ تمثيل لجرح جديد ونزف شديد في الميزانية العامة للبلد تصرف مقابل هواء في شبك قدمه السياسيون الجدد .. مردودات مالية ضخمة مقابل لاشيء .. هل سيطلع علينا الغد بمطالبة البعض من هؤلاء السياسيين الجدد بالتعويض عن المبالغ التي أنفقوها في الغرب يقرعون كؤوس الويسكي الفاخر وهم ينظرون صوب الوطن الجريح منشدين له ؟ وهل سيطلع علينا الغد الذي بعد هذا الغد ليطالب البعض من هؤلاء بالتعويض عن المبالغ التي أنفقوها وهم يزخون أمطار شهواتهم الحقيرة في أرحام عاهرات أوربا ؟

لعلني في هذا المقال لم أحط بكل جوانب الموضوع ان أسبابا أو تحليلا أو حلولا .. ستغني الموضوع بالتأكيد تعليقات القراء وخبراتهم ..

----------------------------------
(*) اقرأ المقال ان أحببت في الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=369870
(**).. اقرأ المقال ان أحببت في الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372199








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-