الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثائر ضد الإسفلت

حسين الرواني

2014 / 3 / 3
سيرة ذاتية



حياة الإسفلت، حياة ميتة، كريهة التصور، لا أمل فيها، لا شيء فيها الا الخداع، تغر عبيدها سكانها بالأرصفة المعبدة، التي يتناسق لونها تماما مع لون اطارات السيارات، الإسفلت أسود، والاطارات سوداء.
في حياة الإسفلت، الموت شيء تافه، يوزعه من شاء متى شاء على من يشاء، الموت هنا تافه، لأن الحياة تافهة، الموت ماسخ لا مرارة فيه، لأن الحياة هنا ماسخة لا حلاوة فيها.
في حياة الاسفلت، لا صدمة بالموت ولا تفاجؤ، إنه تقليد شعبي يمارسه من لا شغل لهم.
لست من هنا، هذا واحد من أشياء قليلة جدا ما زلت موقنا ومؤمنا بها، بل يزداد إيماني بها يوما بعد آخر.
لست من هنا، أنا من الريف، أنا فلاّح، أحب الارض، أحب رائحتها، وطعم الهواء حين يمتزج برائحة الارض المبتلة تواً بمياه المطر، أحب لزوجة طينها والتشكيَ منه حين السير في الطرقات المشتقة بين البساتين والحقول، لست من هنا، أنا من الريف، أنا فلاح، أحب لون الأرض، فلون وجهي يشبهه، أحب ألوان الزرع، فهي تبدو رائعة بكل تدرجاتها في الريف، أكثر منها في مدن الاسفلت.
لست من هنا، أنا فلاح من الريف، أحب رائحة الاغنام، أحب ثغاء الشياه، وأحب لون الجمر المتقد من الحطب الملموم من البساتين والمزارع، أحب رائحة دخان الحطب المشتعل حين تضوع في الأمسيات. حين تقترب الشمس من الرحيل، حين تنثر من قصائب شعرها الذهبي، شتاتا من سِحرٍ أشقرَ يلوّن غيوم الغروب، تتصاعد أدخنة تنانير الطين، حين ذاك، تدخل روحي في معبد من الحزن، المبرقع بالجلالة، ويمتد الخشوع في شرايين روحي، وتهدأ الدنيا في نفسي، ولا تهدأ نفسي في الدنيا.
حين يجن الليل، يحيا الشعور، وتونع المشاعر، وتهتز أجنحة عصافير الأحاسيس بنثٍّ من حزن، وليل من ذكرى، وأكون أقرب ما أكون إلى أناي، أكون أقرب ما أكون الى إنسان، الطين والزروع يمتزجان في حلق روحي، ونسمات عليل الريف الباردة تلسع من جلدي بقرِّها ما تلسع، في الريف الغروب يصيبني بالذهول، ذهول بالماضي.
أنا فلاح من الريف، أهتز نشوى بكل نسمة عليل عذبة تمتص وحشة روحي، وتفك مهجتي من أسار الدنيا، والآخرة، وما بينهما، ومن الناس أجمعين. كل نجمة غسق صديقة مناجاتي، وقمر كل ليلة شاهد توحدي، لا شيء فوقي الا السماء، الا الانعتاق من سجون الحياة، سجون الإسفلت وأعمدة الكهرباء التي تشنق نظرات عيني بأسلاكها.
إنني من الريف، وحسبك بفجر الريف من فجر تغلق معه دفتر ساعات الليل، وتعد عدتك لليل آخر، وحسبك بغروبه من غروب، تضع معه عن كاهلك تبعات المحيا في دنيا يكفيها بؤسا وشرا أن فيها غيري.
إنني من الريف، حيث تقطر الحياة براءة، واخضرارا، وشروقا وغروبا، براءة تلمسها بخاطرك في أصوات بهمها، وحفيف زريعاتها، وانتساج الوان السماء، بين ملتفعة بليل تلج فيه روحي عالم روحي، وبينها سافرة بوجه شمس تستظل تحت ضوئها آماق مسهدة، شاخصة الى بياض غماءٍ في قطعان يزجيها على صفائح الزرقة نبي من هواء.
إنني من الريف، وبرئت من الإسفلت وأهله، ومن الكلام وأهله، وسلاما على طينة الريف، في ليلها ونهارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش