الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرقص طرباً على أنغام الطائفية

محمد كمال

2014 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


لم يكن للطائفية يوماً أنغام يطرب لها السامع حتى أولئك الذين يرزحون سجوداً وركوعاً تحت عباءتها المعممة والمسترسلة، حتى هؤلاء ما كانوا يطربون لها لأن الطائفية قط لم تصدر أنغاماً شجية بل أوامر صارمة وفتاوى ملزمة ومُكَفِّرَة ترتعد لها الأبدان خوفاً وتنصاع لها النفوس منكسرة مُتَطَمْئِنَة، حتى أن الطائفية في طبيعتها ونهجها تنفر من النغم والطرب، ناهيك عن الرقص والمرح؛ والطائفية مصيدة للإنسان في الطائفة منذ طراوة البشرة ونعومة الأظافر ورقة الأنامل وفضاءٌ من العقل خالٍ من أي فكر؛ وهكذا تكون المصالح الطبقية من أعلى هيكل الهرم الطائفي قد أمَّنَتْ لنفسها جيشاً من التابعين المنصاعين المجردين من أي وعي إلّا وعي الطاعة والخنوع لإشارات الأوامر والفتاوى الفقهية، حتى أنَّ قدسية المعبود تتلاشى تحت عباءة الفقيه والمفتي. وهكذا تكون سدنة الطائفية قد أنجزت مهمة تغييب الوعي الوطني من باطن نفوس وعقول أبناء الطائفة، وهذا التغييب عن الوعي الوطني له مقوماته والتي هي في حاجة إلى دراسة معمقة لأن هذا التغييب موضوع قائم بذاته.
و رغم أن الطائفية تشغل مساحة كبيرة وفاعلة من الساحة السياسية والاجتماعية، وقد كانت هذه الساحة حكراً عليها قبل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، إلّا أنَّ هذا المشروع الذي أوجد منعطفاً في الحياة السياسية في الوطن قد فتح الباب للقوى الوطنية ومنها اليسارية لإشغال رقعة من الساحة الوطنية للتعاطي مع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهكذا برزت على الساحة جمعيات سياسية قومية وبعثية وماركسية وهذه كلها تنضوي تحت السقف اليساري بمختلف أطيافه وتصانيفه من معتدل إلى متطرف، وكانت الآمال معقودة على هذه الجمعيات الوطنية غير الطائفية والتي من المفترض عليها أن تكون على المقابل المناقض، فكراً ونهجاً ونمطاً في الحياة، للطائفية سنيتها وشيعيتها وأن يكون لها بنية تتشارك فيها لتفعيل قوة سياسية وطنية قابلة للنمو والتطوير والتوسع لإخلال موازين القوى في صالح الاتجاه الوطني، إذ أنه من الصعب على هذه القوى الوطنية والديمقراطية أن تتنفس وتعمل على تحقيق برامجها السياسية في أجواء مخنوقة بالهواء الطائفي.
لم يكن من المتوقع من هذه القوى الوطنية أن تنجز شيئاً ملموساً يتناسب مع طموحاتها ومع برامجها السياسية في فترة مبكرة من العمل السياسي العلني، فالمسيرة أمامها طويلة والتحديات قاسية، ورغم هذه الصعوبات أمام عملها السياسي إلّا أنَّ المساحة السياسية والطموحات السلطوية للقوى الطائفية قد تفتح أبواب الفرصة للقوى الوطنية بأن تلج منها إلى مساحة أكبر وفاعلية أقوى، ما يساعد على إثبات وجودها وطمأنة المواطن لأهدافها وطموحاتها الوطنية الخالصة وإثبات استقلاليتها وأن عملها يعتمد النهج الديمقراطي السلمي.
وقد خرجت الأزمة الأخيرة من تحت عباءتها الطائفية والتي أثارتها قوة طائفية وتصدت لها قوة طائفية مقابلة، ومنذ ثلاث سنوات، فتلونت الأزمة بالسواد الطائفي الصرف، وكانت هذه الأزمة أول فرصة وتجربة أمام القوى الوطنية لتثبت، من خلال منهجية التعاطي معها، على وطنيتها واستقلاليتها وكانت فرصة ذهبية لتتلاحم في بنية تحالفية للتعاطي مع الأزمة من منظور المحافظة على المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وتطوير الديمقراطية وإشغال مساحة أكبر وفاعلية أقوى على الساحة السياسية، ولكن يبدو أن هذه القوى بجمعياتها ( غير الطائفية !!!) قد أغرتها الأزمة لتتماهى مع التضاد الطائفي مما جعلها تفقد هويتها واتجاهها، فكان التحالف مع قوى طائفية، بعد أن رأت في الأزمة فرصة أكيدة للتغييرات الكبيرة والتي هي غير مستعدة لها وغير ناضجة لها، وفقدت هذه الجمعيات اليسارية والوطنية البوصلة الطبيعية وفَسَّرَتْ الأحداث على هوى الحشد الذي انصاع للقيادات الطائفية.
ومن مخرجات هذا التلاطم في مكون البنية الوطنية واليسارية أن تسبب في شرخ حاد في بنيتها التنظيمية، فانقسمت قاعدة البنية إلى هوياتها الطائفية المخزونة، ورغم الفكر الوطني التقدمي والقومي والماركسي المشترك تحت سماء اليسار، إلّا أن هذا اليسار انشرخ بفعل النزعة الطائفية المخزونة في باطن اللاوعي، ويبدو أن الضبابية التي تحجب جوهر الأزمة والوعي اليساري الطفولي ( غير الناضج ) قد ساهمتا في هذا التراجع الفكري عن الوطنية واليسارية، بمعناها الأشمل، إلى الاصطفاف الطائفي، دون وعي بأن هذا الشرخ وتحت أية ذريعة كانت وتحت أي مُسَمّى كان فهو شرخ طائفي بامتياز في جسم اليسار عامة.
إن الشرخ في البناء اليساري واضح وضوح الوعي الناضج تحت أشعة الشمس، بأننا صرنا على مشارف عهد عبثي يساري جديد، يجمع بين الكوميديا والتراجيديا في مسرحية اليسارية الطائفية، بشقيها السني والشيعي؛ وهذا الإصباغ الطائفي لليسارية ( البحرينية ) ليس مجازاً، لأننا شهود على خطاب بين متناقضين لا يخرجان عن المرادفات العاطفية المشحونة بالنزعة الطائفية وأن هذا الخطاب، الخارج عن جادة الفكر، في تسارع وتصاعد؛ وحتى أن هذا الخطاب المتبادل بين اليسار السني واليسار الشيعي قد فقد وعيه إلى مستويات الرقص على نار المذهبية وكأن أصحابها في حفلة زار أو الرقص حول النار إيذاناً بحرب ضروس.
وهكذا فإن اليسار الحقيقي في احتضار وهو يرقص نشوى على أنغام الطائفية، وهكذا تكون سنين النضال الوطني والتضحيات قد ذهبت أدراج الرياح؛ وهذه القوى - التي تلبس ثوب اليسار - والتي كان يجب عليها أن تكون السند والدعم للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك لبناء وطن ديمقراطي سليم، أصبحت مندمجة بعاطفية طائفية مخزونة في حفل طائفي عبثي راقص.
ولم يبقَ لهذا اليسار الطائفي إلّا دور واحد وحيد وهو بسط السجاد الأحمر للطائفية كي تتربع الطائفية على عرش القوة، وعندها يكون لكل حادث حديث ويتحول اليسار إلى بساط أحمر بعد أن تدوس عليه أقدام الطائفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
حميد خنجي ( 2014 / 3 / 4 - 06:55 )
في الصميم وبلامجاملات!.. مقال ضروري لكل من يريد ان يعرف محنة اليسار في البحرين، وبالتالي أسّ المشكلة في جزر البحرين

اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟