الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة في الرأس

رامي معين محسن

2014 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


4 مارس 2014

ما من عاقل في مجتمعنا الفلسطيني يقول بأننا قوم غير مأزوم حتى النخاع، ومن كل النواحي وعلى رأسها قيادياً، سياسياً، اجتماعياً، واقتصادياً ... الخ، هذه الأزمات الفادحة بطبيعة الأمر قد ألقت بظلالها على كل مكونات شعبنا المنهك، أولاً بفعل جرائم الإحتلال المستمرة، وبوتيرة متصاعدة تستهدف كل ما هو بطبيعته فلسطيني، وثانياً جراء تداعيات تلك الأزمات على عموم مناحي الحياة اليومية حتى طالت متطلبات المواطنين الأدنى من الدنيا، والتي ربما شغلت بال الكل بكيفية توفير ما يبقيهم أحياء ولو بالقهر، الأمر الذي يتطلب معه بدايةً التدخل العاجل لتغيير المعادلة، لصالح إحترام كينونة الناس كبشر لهم حقوق في ذمة المجتمع ومن يقف على رأسه أي كان شكله .
إن الأزمة التي حلت بنا هي من نوع خاص وفريد أكسبها نكهتها السوداوية القاتمة، إذ هي مستقرة في الرأس تماماً، وما أخطر وجودها في تلك الجهة، فالرأس كما نعلم مركز الحياة، ومستقر العقل، ومبضع التغيير، ومسطر الحلول، والقادر على الإنتصاف، والجهة المتنفذة صاحبة النفوذ والسلطان، الناهية والآمرة، القامعة والمسيطرة، المكلفة والمتنصلة من مسئولياتها وأكثر، .. الخ، وبنفس المعنى يقول المثل الشعبي "إذا الضربة تخطت حدود الرأس فهي سهلة"، وهو ما يدلل بما لا يدع مجالاً للشك على أهمية تعافي وسلامة الرأس من الضربات والعلل، بفعل حساسيته وأهميته، كيف لا وهو الجزء الذي يحتوي على ما يميز الإنسان عن غيره من سائر المخلوقات .
ربما يتسائل القارئ ما هي الفرادة في أزمتنا؟ باختصار إن أزمتنا أفقية وعمودية، قاعدية وفي رأس الهرم، رأس الهرم بدوره يضيق على القاعدة الخناق، ويتنصل من مسئولياته تجاهها، ويعفي نفسه من كامل دوره المفترض بناء على رابط العقد الإجتماعي بيننا، والمظاهر كثيرة تدلل على صدق القول، أعداد المتسولين في إزدياد، البطالة وصلت أعلى مستويات، المرأة تقتل لحرمانها من الميراث وتنسب للشرف كدريعة للإفلات من العقاب، الحريات تتآكل، العمال لهم الله، المصالحة بيفرجها الكريم، الحالة الوطنية رهينة مشاريع خاصة، الاستيطان تغول في القدس والتهويد طال كل أجزائها ويرد بأن للبيت رب يحميه، المتابع لتدخلات رأس الهرم يلاحظ وقوفه إلى جانب كل قضايا الكون على امتداد هذا العالم رفي المقابل تجده يهرب من وجه قضيته العادلة واستحقاقاتها، والمبرر لكل تلك النماذج المصلحة الوطنية، والمصلحة العليا لشعبنا كما يحاولون إيهامنا دائماً، سواء من قبل جماعة غزة أو من جماعة رام الله، فكلاهما على ما يبدو مرسوم في رأسه جملة من الوهم المريح، أو التبريرات القائمة على التعليق على الشماعات والفزاعات وما أكثرها، ويظل المواطن في المحصلة يشعر بما يشعر به الآن في وطنه، مطحون في لقمة خبزه المغموسة بكذر العيش، والأمور في إعتقادي ستزداد بؤساً مع الأيام القادمة، ليس تشاؤماً وإنما قراءة واقعية للحالة، فنوعية المدخلات تدلل على المخرجات يا سادة .
وفي المقابل الأزمة قاعدية أيضاً، فهي في رأس القاعدة، رأس المواطن المطحون الذي مازال يجهل دوره في عملية التغيير، في رأس المواطن الصامت الذي مازال لا يعلم حتى اللحظة بمسئولية إنتصافه لذاته، من خلال دفاعه المستميت عن رزمة حقوقه ورفضه الانتقاص منها، في رأس المواطن الذي مازال كعملة معدنية بوجهين يقضي وقته في التنقل بين جيوب المتنفذين والمسئولين بغية الرضا ورغيف الخبز الموهوم، في رأس المواطن الذي يدافع عن حزبه أو تياره حتى لو أمسى "يبيع الحشيش" في ميدان فلسطين بالساحة حسب ما قال به أحد الأصدقاء، أعتقد أنه وبعد تفاقم كل الأزمات وعلى كافة الأصعدة وتفجر تداعياتها، أننا نقف أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما إما أن نرضخ ونستكين ونسلم بأنه لا يمكن الوصول لأفضل مما هو موجود، أو أن نحلم ونحلق ونقول بأننا نستحق ويمكننا الوصول لأفضل مما نحن عليه، وللقاعدة الإجابة، فإن قالت بالأول فعليها أن تكف عن سياسة التكفف والشكوى والرقص في العتمة أو بين الجدران، وإن قالت بالثانية فعلينا حينها أن نسلم في أنه لا يحك جلودنا إلا أضافرنا، وعليه فإننا مطالبين بلفظ كل بائعي الهوى وإبر التخذير، وإسقاط الوهم من قاموسنا وكل من يرد أزماتنا اليومية المتصاعدة إلى سبب غير منطقي في محاوله للتهرب من مسئولياته، والإطلاع على تجارب الآخرين من الأمم والشعوب والتي مرت بأسوأ مما نحن فيه، وفي المقابل استطاعت مبارحة مربع التخلف والمصادرة من خلال الوعي، النقد الجرئ، تشكيل جماعات المصالح، والثقة بأن التغيير عملية طويلة ومعقدة تبدأ مند اللحظة التي ينتصف أو ينتصر فيها المواطن لذاته، من خلال رفض التعاطي معه كنكرة، مع عدم إغفالنا بأن الأفضل والمطالبة به تحتاج إلى تضحية، على قاعدة أن لا نار بلا دخان، ولا متعة بدون ألم، وهو ما تحدثنا عنه التجارب فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تعرض للإيذاء الشديد بداية دعوته للحياة على يد رافضي التغيير في مكه، وأفلاطون باعوه في سوق العبيد لأنه خرج عن سياسة التنميط والجهل، ومارثن لوثر كنج قد أغتيل برصاصة في العنق لنضاله ضد العنصرية، والنماذج كثيرة وتدلل بوضوح، وختاماً على أحد الرأسين "رأس الهرم أو رأس القاعدة" الإفاقة قبل فوات الآوان، ولن يفيد الندم بعد الإنحذار الجارف، والغوص في المجهول، والتاريخ يسجل ولن يرحم .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24