الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة .. والسلوك الثقافي بين أتون وترّهات المتثيقفين

ياسين الياسين

2014 / 3 / 4
الادب والفن


جاء عنترة بن شداد العبسي يوماً لحداد وكان يستعد لمعركة فقال له : هاك سيفي فثقفه لي ، وهو هنا يقصد جدّده لي أي إجعله حاداً بنصل وكأنه جديد ليباشر به حدثاً جديداً ، والثقافة حس ووعي إنساني عالي ، وهذا الحس لايتولد مع الأنسان بفطرة أو بسيمات وراثية ، وإنما هو سلوك متحضّر واعي في أوّله مكتسب من خلال الأقتران برفاق درب من متحدرات طبقية مختلفة ومن منابت شتى ( وكل قرين بالمقارن يقتدي ) فتكون عند ذاك له فرصة أن يستجلب لنفسه ذائقة منوّعة تملي عليه إكتساباً لسلوك واعي قبل أن يكون حضارياً أول الأمر وسرعان ماتتطوّر هذه الذائقة والهواجس ويتحسس جمال مافيها مع تقادم الأيام والسنين عليه ومن خلال مشاهد ومصادفات وأحداث حياتية تشكل له مراناً ودربة فضلاً عن الأطلاع بكثب عما يقع بين يديه من منشور أودورية أوكتاب فيأخذ عند ذاك منحى آخر بأتجاه حضاري ، وقد إمتلك حينها ولابد مفردة بدأ يصوغها بحس جديد ونمط جديد ويكون قد دخل حينئذ حيّز جديد يملي عليه إشتراطات البحث عن الحقائق والمعلومات وكياسة المتحضّر لتتناسب وإمكاناته الجديدة ، وهذا الأمر كله وبهذه المراحل فلم يعد مثقفاً بعد طالما هو في طور التعلّم ومن ثم الأنتقالة السريعة إلى طور التعليم ، وهنا المشكلة والأشكالية التي يتحلّى بها وللأسف القسم الأكبر ولاأقول الأعظم من هذه الشريحة أوبالأحرى هذا القطاع الكبير من أبنائنا وأخوتنا حينما يقعون في الوهم فيتشكل له الأحساس المريض بأنه أصبح بين العارفين سيّداً ، وبين المثقفين نمطاً ، وبين العلماء فطحلاً علاّمة ، وبين الفقهاء مجتهداً فهّامة ، وبين الأحبار حبراً أعظماً ليست عليه ملامة ، فيأخذ بفلسفة ليس لها قواعد ولا يعرف لها منشأ لافي الفلسفات المشّائية ولافي الأحكام الوضعية فتراه يستسيغ السمع لنفسه المريضة ويصدر منه مالاتعيبه عليه ، والأمرّ من ذلك محاولاته الدائمة في فرض فلسفته الفارغة أصلاً على الآخرين وتراه يملأ كل فضاءات الأمكنة التي يرتادها بفضول دون دعوة صخباً وضجيجاً وحضوراً له ثقيل يتملّله الآخرون ، ويترجمه هو بجهله ترحاباً وتهليلاً كبيرين بشخصه الفذ اللامع كما هو يرى في نفسه ذلك ، وتراه لنفسه متعباً وبفضوله مصراً وعنيداً ويتأبط كتاباً لم يقرأه بعد ويديم حضوره كل مجمع في مركز أو مكتبة عامة أو منتدىً أونادياً ثقافياً ، وهؤلاء لاتصح بهم تسميات إلاّ غوغاء الثقافة أي المتثيقفون بدون هدف أو سمّهم في أحسن حالاتهم أنصاف المثقفين ، وهؤلاء هم أقرب الناس إلى الصنف الثالث الذي وصفه أمير المؤمنين وسيد البلغاء والمتكلّمين علي بن أبي طالب (ع) بالهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح ، وهنا مفارقة كبيرة جداً ، وهو أن من الخطأ جداً أن يسمي بعض أخوتنا من الكتاب المحترمين عامة الشعب من البسطاء بأنهم هم المقصودون بكلام الأمام علي (ع) بالهمج الرعاع ، وللحقيقة فأنهم ليسوا رعاعاً وإنّما هم السواد الأعظم من الناس ممّن لم تتسنى له ظروف التعليم والتعلّم ، ولكنّهم عاشوا حياتهم كراماً يتحلّون بالقيم الرفيعة المكتسبة والأخلاق الفاضلة التي أملاها عليهم دينهم الحنيف ، وأن تلك الشريحة من أنصاف المثقفين في أحسن حالها هم الهمج الرعاع بدليل نعقهم وصخبهم ومن فراغ ومحاولاتهم الأملاء على الآخرين فيضيعون عليهم الطريق القويم من الطريق الأعوج ويشتتون عليهم أفكارهم فيلوّثون كل طيب ويدنّسون كل رأي شريف معتد بثوابت وطنية وعقائدية عند تلكم البسطاء من الناس الذين سرعان ماتخدعهم المظاهر المتزلّفة لأولائك الأنصاف فيرون فيهم من خلال تأبّطهم لمجلة أوكتيّب لم يعرف مؤلفه بعد بأنهم سادة المجتمع وعلّية القوم ورجال العلم والبحث والثقافة ، وقد تطوّر الأمر ببعضهم أن يلملم له أوراقاً وقصاصات من دوريات قديمة ويستجمع صوراً ويعمّدها بإهتمام فيما يشبه الكتاب ولقّب نفسه واصفاً إيّاها بالبحّاثة الكبير والمؤلّف العتيد ، وهذا هو المرض بعينه لأنهم لايعرفون أن البحث الأكاديمي معتمد علمياً وله قواعده وأصوله في الأستهلال بالعنوان والأهداء والمقدمة والتمهيد والمتن والخاتمة والفهرس ومعزّزاً بالوثائق الرسمية وماشاكل ذلك ، ومنهم من حسب نفسه شاعراً وهو لايعرف بحور الشعر وغير ملماً بها ، وآخرون ناقدون وليس لهم بقواعد النقد ، وقد سألت أحدهم يوماً : هل مررت بكتاب الأسلوب والأسلوبية فأجابني أنه لم يسمع به ، وقصّاصون لم يعرفوا كيف يكون متن القصة وحال شخوصها وأبطالها ، وأما كونهم ناعقون ويميلون مع كل ريح فأولائك شهدناهم بأم عيوننا كيف كانوا يتسابقون إلى ( المايك ) على منصّات الذل والمهانة في مناسبات البعث المنحل وكيف كانوا يتملّقون النظام وأزلامه وجنّدوا أنفسهم أبواقاً له تزمّر ليل نهار وتطبّل له مزعجة الأسماع وصوتها تعافه النفوس ، وهم اليوم أنفسهم وجدناهم يملؤون كل محفل ويصرّون بعناد أن يتصدّروا المجالس والمحافل وفي الصفوف الأولى بل وأن بعضهم وجد له متنفّساً في منظمات شتى بمسمّيات مدنية وأخرى غيرها لتكون له نافذة مشرعنة وجديدة للأطلالة على المجتمع وخداع ضعافهم به من جديد ، وهؤلاء هم الأكثر خطراً في مجتمعنا من غيرهم لأنهم هم من يساهموا في تفتيت اللحمة الوطنية ولايجعلون المواطن مقتنعاً بأداء حكومته وإن كان في بعض من قراراتها جيداً أوعلى الأقل راضياً بالتغيير وعصر الأنفتاح والحرية ، ومثل أولائك كمثل الشجر الخاوي فأنه منتصب شامخاً بقامة مرفوعة وأما الشجر المثمر فتراه منحنياً متواضعاً لثقل حمله وثمره النافع للأمة ، وهؤلاء علّة العلل في مجتمعنا ، وهم لايقوون على صناعة حرف واحد جميل ولايفقهون قولاً في المعارف جليل ، والمصيبة الكبرى عندما يحاول أحدهم أن يكتب ، وإن كنت في جهلهم عارف فتلك مصيبة .. وأن كنت به غير عارف فالمصيبة أعظم ، وقد طالعني موضوع لأحدهم على صفحات الفيسبوك وهو يصف موقعاً أثرياً زاره مع رفاق له ، وقد كتب مشاهداته على ذلك الموقع وهو يصوغ كلماته بتؤدة ورصانة وبألق المثقف الواعي الذي لايجارى في الكلم ولايضاهى في الصورة ورسمها الأدبي ذات الحس الخرافي العالي .. وأختم مقالتي بمقدّمته الفطحليّة لتكونوا على بيّنة لواحد من أولائك المهووسون بالثقافة ممّن لاثقافة لهم أصلاً وإليكم نص ماكتبه في مقدّمته الشبيهة بمقدمة إبن خلدون وربما زادت عليه .. وهو يقول : ـــ
ان هذا النصب يمثل الخلفية المتداركة للاسس التي انبثقت منها توافقات الزمن المتناغم مع الواقع المكاني ضمن الفضاءات المتساوقة مع التقارب الغائي في اولويات متباعدة تجمعها حالات الزمكان الساكن والمتحرك المنتمي الى خلفية حضارية تتكأ على نظريات التوافق الهارموني للتنسيق المشتت.))))؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .
إنتهى نصّه المبارك ، وليس لي أن أقول إلاّ أن لاحول ولاقوة إلاّ بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الثقافة منا السلام وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي