الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة ضايعة .. ضيعة ضايعة 2-2

عادل أسعد

2014 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في بداية الحراك السوري كان هناك الكثير من السوريين ممن التزموا الصمت المريب و لم يصدروا حكماً على أحد ، و كان هناك أيضاً من انتابهم القلق و الشك من ماهية المحرك الفعلي للمظاهرات و حملوا بعض التساؤلات دون اطلاق حكم و سمحوا للحراك بخطأ آخر يضاف إلى خطيئة المتظاهرين في حمص عندما لبسوا الأكفان البيضاء و ساروا في الصفوف الأولى في التظاهرات حاملين رسالة فيها وعيد بالقادم أكثر مماهي رسالة تضحية لأجل الحرية . كنت وقتها من فئة القلقين من الحراك و المرتابين من محتواه ، و ممن يتسألون في دواخلهم عن أمور متناقضة فيه و ليست منطقية أو منسجمة مع شعارات الثورة و أهدافها المعلنة . و في أول مقال كتبته حول الأزمة السورية طرحت فيه تساؤلات عن تظاهرات يوم الجمعة كانت و مازالت تحمل تشكيكاً بما كانوا المتظاهرون ينادون به من مثاليات اجتماعية ترفع من قيمة الانسان السوري . و كان من تساؤلاتي وقتها : ان كانت لحياة المواطن هذه القيمة التي تدعيها المعارضة لماذا لم نسمع يوماً أن معارضاً واحداً قد طالب مرة بتحسين الخدمات الطبية أو نادى بتحسين الطرقات و قوانين السير مما كان سينقذ سنوياً آلاف السوريين من الموت ، أي ما هو أكثر بأضعاف مضاعفة من السوريين التي تسعى الثورة لانقاذهم من براثن أجهزة المخابرات ؟؟ و لكن يبدو أن للمعارضة مزاج عام خاص بها .. مزاج له بوابات متعددة ، كل واحدة منها تفتح و تغلق حسب رغبة الراعي لها و حسب نوعية البواب القائم عليها ان كان دينياً أو مدنياً أو ميدانياً .
في بداية الأزمة أفرزت لنا المعارضة السورية بواباً دينياً فريداً من نوعه ، هو داعية و زعيم معارض ذو أوامر مطاعة ولو كانت انتحار ، و له كلمة مسموعة ولو كانت هلوسات أو ترهات و هرطقات . هو منظر غاضب و خطيب منفعل لم تعرف مثله معارضة و لم تأت بمثله ثورة من قبل و لا حتى في بلاد الواق واق. إنه الشيخ العرعور صاحب نظرية قرع الطناجر لقهر الجيش السوري و مطلق صرخة الحرية العتيدة (سنفرم لحمهم و نطعمه للكلاب).. و المذهل في أمر المعارضة أنها قد قامت فعلاً بقرع الطناجر في محافظة حماة !! و مارست الفرم بالسواطير و المفخخات ، كما و سرقت جثث لأعدائها و رمتها إلى الكلاب الضالة لتنهش بها !!.
العرعور جسد مثالاُ عن الزعامات الدينية للثورة أما زعاماتها المدنية أو (القشرة البراقة) من حملة الشهادات أمثال ميشيل كيلو و الغليون فهؤلاء لهم حكاية أخرى . فكيلو الشطيح (نسبة إلى شطحاته التي لا تنتهي) قد ظهر في أحدث مقابلة تلفزيونية و هو متفائل جداً و سعيداً بما حصل عليه من معلومات سرية من جهات سرية سوف تغمر المعارضة بالسعادة لو اطلعت عليها و لكنه لا يستطيع البوح بها الأن . و تحت الحاح معد البرنامج تلحلح قليلاً الأخ المطلع ميشيل و سرب معلومة صغيرة هي فترة زمنية تقاس بعدد من الأشهر و بعدها سوف تنتهي معاناة المعارضة و سوف تشرق شمسها من جديد و سوف تعود إلى سورية زقزقة العصافير و ستأتي النهاية السعيدة بانتصار المعارضة و سقوط النظام المدوي ... و يا سلام ، و لكن مالم أفهمه حتى اللحظة هو أنه كيف لمعارض رومانسي و بواب ثورجي عتيق كميشيل كيلو أن ينسى أن هناك رؤساء لدول عظمى و رؤساء لدول اقليمية و لتنظيمات من كل حدب و صوب قد وقعوا قبله في حفرة (بعد شهرين سوف يسقط النظام السوري) و أن وقوعه في نفس الحفرة هو أمر يعتبر حسب البوابة السياسية كارثة معنوية و انتحار اعلامي لمصداقيته هو و ثورته .
أما الغليون فلم يقصر هو الأخر بالمفارقات فقد هب علينا مؤخراً بدخانه فاتحاً للمعارضة باباً جديداً و مبشراً مقاتليها المحاصرين و المتهالكين بوصول سلاح جديد فعال سوف يقلب الموازين عاليها واطيها و قادر على نفخ العضلات و انبات الأجنحة التي ستحلق بمقاتلي المعارضة عالياً و تطلقهم إلى قصر قاسيون ... و لو فكرنا قليلاً في فحوى الكلام السابق لرأينا فيه دعوة من "البروفيسور" غليون لتغليب الاقتتال و الاستنزاف و سفك الدماء على أي خيار آخر في توقيت بدأت فيه الأطراف المتقاتلة تعيد حساباتها من جدوى هذه العبثية التي هدمت أكثر من نصف البلد ، و بدأت تظهر في الأفق بادرات لاتفاقات تقرب بين الطرفين تترجمت بمصالحات تتوالى بين المسلحين و الحكومة السورية .
أما ثالثة الأثافي أو الكارثة الثالثة فهي تخص الزعامات الميدانية و قد جاءتنا من حمص العدية (بلد البوابين الميدانيين) بزعيم قد فاقت شعبيته تلك التي كانت للمفضوح عبد الرزاق طلاس . زعيم يمون على الحياة و السلاح و لم يتردد في أن يمون على الفتاوى أيضاً . زعيم حمل من الألقاب و المراتب أكثر مما حمله قائد جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية و هو حارس المرمى أو حارس الثورة السورية أو المنشد أو قائد كتيبة البياضة في حمص العدية أو المقاتل المؤمن عبد الباسط الساروت .
أذكر أني قد شاهدت في اليوتوب منذ حوالي السنتين مشهد لعبد الباسط هذا و قد ترجل من السيارة ليتهافتوا عليه أطفال الحي من كل حدب و صوب بغية لمسه و هم ينشدون أغنية تمجده . و الغريب ان للساروت الكثير من المريدين أو الأنصار من البالغين و من حملة الشهادات العليا ، فقد حققت صفحة واحدة للمعجبين به على الانترنت أكثر من ثلاثة آلاف مشترك . و عندما كانت الفضائيات الخليجية تعرض للساروت و تطلب منه التكلم في السياسة كان يصر دائماً على التحدث باسم طائفة و مذهب معين و يصف نفسه بالمعارض السوري و يقر في نفس الوقت أن هذا المذهب هو فقط ما يهمه من كفاحه في سورية !!. و عندما دب الخلاف بين مقاتلي حمص و قياداتهم في الجيش الحر و كتيبة الفاروق بسبب هزائمهم المتكررة في حمص لجأوا قادة المعارضة إلى الساروت كي يلقي كلمة على الحماصنة يهدء النفوس بها و يصلح ذات البين .. أما ما هو استثنائي و طارئ في مسألة عبد الباسط الساروت هذا هو أنه ليس بذاك الشخص المحنك و الرصين من أصحاب العلم و حملة الشهادات ، و هو ليس بذاك الرجل الهرم الذي أمضى حياته في السياسة و بين دهاليزها ، بل هو شاب عشريني لم يكمل تعليمه قد نما و ترعرع في أزقة و زواريب حمص العدية و انتهى بتطور طبيعي كمقاتل معارض ليكمل مشواره وصولاً إلى شعبية و زعامة تقارب حد التقديس بالرغم من أن أحدث تسجيل له على اليوتوب قد أظهره و هو ينوح على أخويه الذين قتلا في عملية تسلل بينما يقوم شخص بجانبه بتهدئته عن طريق .. (جرعة بالوريد) .
نعم ..هؤلاء هم منظري و قادة المعارضة السورية ، و هؤلاء من يمثلون الحراك السوري و يعطون صورة دقيقة عن طبيعة مريدي الثورة و عن سطحية النظرة التي لمثقفيها و عن عقلية الحواري و الزواريب التي لمقاتليها الميدانيين . فالأمثلة المذكورة أعلاه هي لأكثر الشخصيات شعبية و رمزية في المعارضة و بعد كل هذا يأتينا المعارضون ليبحثوا عن أسباب خارجية لفشل حراكهم في كل مكان من حولهم ، فتارة هي المخابرات السورية و تارة أخرى هو حزب الله و ايران و في نفس الوقت هي أميركا المتخاذلة ، و أهم من هذا و ذاك هي الشيطان الأكبر روسيا حارقة قلوب المعارضين السوريين الذين فجروا شماتتهم بها في انقلاب اوكرانيا الأخير و منوا أنفسهم بسقوطها سياسياً أو سقوط حلفائها في المنطقة و تأملوا أن تكون اوكرانيا هي ورقة الضغط التي ستخضع الدب الروسي و تسقط الدولة السورية .. و لكن لو تأملت المعارضة السورية قليلاً في المرآة و تمعنت فيما حدث في اوكرانيا لاكتشفت بسهولة ثلاث حقائق تواجه و تقابل كارثاتها الثلاث . أولها هو أن المعارضة الاوكرانية قد استطاعت على قلب الحكم بزمن قياسي في بلد حيوي بالنسبة لروسيا و ملاصق لها ، و يحوي فوق ذلك بين سكانه نسبة كبيرة من المواطنين الروس و من العساكر و المخابرات الروسية هذا عدا عن مليارات الدولارات التي تضخها روسيا سنوياً لاوكرانيا ... و الحقيقة الثانية هي أن الاستيلاء على الحكم في اوكرانيا من قبل المعارضة اليمينية قد كلف داعميها من الجهد و المال ما هو أقل بمائة مرة مما قدموه داعمو المعارضة السورية لها ... أما الحقيقة الثالثة فهي أن من تواجههم المعارضة السورية من جيش نظامي و جيش شعبي و حزب الله في الميدان هم ليسوا بالفريسة السهلة كما يتوهمون المعارضون ، و هم ليسوا بالطريدة الجاهزة للالتهام حالما تتوفر الأنياب و المخالب المناسبة التي تنتظرها المعارضة من أمريكا و اسرائيل . بل ان سرعة سقوط اوكرانيا قد أثبتت أن من يقاتل على الجغرافية السورية ليبقي سورية بعيدة عن فلك الغرب و الخليج و اسرائيل يملك من الاصرار و العناد و الانضباط ما استطاع أن يفل كل الدعم العسكري و اللوجستي الذي تلقته المعارضة حتى الأن ، كما و يملك من "الدهاء الحضاري" ما استطاع أن يتحمل سخونة كل الطبخات المخابراتية العالمية التي تجهز على أرضه على مدار ثلاث سنين و يفككها إلى موادها الأولية ليتم حرقها ... على ناره الهادئة .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح