الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجاب الإسلامي من منظور كاتب أميركي لاتيني

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2014 / 3 / 6
ملف - المرأة بين النص الديني والقانون المدني الحديث، قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ولغير المسلمين،بمناسبة 8 مارت -آذار عيد المرأة العالمي 2014


ولكنها تدور، (يا أرض الكنانة).
Galileo Galilei: Eppur si muove, (Egitto)


ما من مشاهد مرناة أو قارئ صحف أو متجول في مواقع التواصل الإجتماعي بطول الكرة الأرضية وعرضها إلا ويصطدم يوميًا بمآسي العالمين العربي والإسلامي، إما بصور الدماء التي تُسال على مدار الساعة، وتحت مسميات وذرائع مختلفة، أو بلقطات البؤس والظلم الإجتماعي بتفسيرات ومبررات ترضي الأذواق كافة. وتشكل المرآة، بما تمثله من بؤرة صراع إجتماعية تدور حول شرف حملتها إياه مجتمعات يعلوها الصدأ والركود، نسبة كبيرة من هذه الأخبار. وفي هذا السياق يشغل ملبس الأنثى حيزًا عظيمًا، انطلاقًا من تدثير الجسد حتى الرأس والوجه اتقاءً للمساس بشرف لا يصونه رجال فرضوا وأتقنوا حجب المرأة بصور شتى وكلهم رغبة في الانقضاض عليها في دائرة المحرم، بينما يريدونها نسخة من العذراء الطاهرة في دائرة الحلال.
جدلية حجاب المرأة وعلاقة الإسلام بالسياسة يطرحها الكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا Mario Vargas Llosa في كتابه السلس "حضارة الفرجة" La civilizacion del espectaculo (1). ويعلم كثيرون أن هذا الكاتب من بيرو، أميركا اللاتينية، القارة القريبة البعيدة عن العالم العربي، القريبة في تجاربها السياسية والإجتماعية، في معاناتها من الغرب الإستعماري والطغاة، في ماضيها وحاضرها اللذين نُهبا بأيدٍ أجنبية ومساعدة داخلية، والبعيدة جغرافيًا وفي النهوض من كبوتها بينما لا نزال نراوح مكاننا، نجتر الماضي وأمجاده الغامضة.
منذ أن بدأ بارغاس يوسا الكتابة حصد جوائز عديدة ومهمة، ولعل أبرزها جائزة أمير أستورياس عام 1986، وجائزة ثيربانتس 1994، أهم جائزتين إسبانيتين، واختتمها في عام 2011 بحصوله على لقب ماركيز من ملك إسبانيا. كما سبق له أن ترشح للرئاسة في بلده بيرو في مطلع التسعينات.
ينتمي إلى جيل من الكتاب حملوا أدب أميركا اللاتينية إلى آفاق عالمية منذ ستينات القرن العشرين، فنال كثيرون منهم استحسانًا كبيرًا وجوائز عالمية، من بينها نوبل الآداب التي حازها عام 2010. إلا أن طريقه إلى النوبل كانت أكثر وعورة إذ اضطرته إلى الإرتماء في أحضان الفكر الغربي الليبرالي بعد بدايات يسارية تمثلت في كتاباته الأولى، لعل أبرزها قصة "المدينة والكلاب"، سنة 1962، التي استلهمها المسرح والسينما، وكلها تدور عن صعوبة التربية العسكرية التي يتلقاها طلاب الأكاديمية العسكرية لتمحو تطورهم الإنساني الطبيعي وتنمي فيهم العدوانية والفظاظة والرجولة بمعناها الأحادي والجنسانية. وهي في مجملها إدانة لحياة ضباط الجيش والشرطة من منظور يساري بينما كانت الإنقلابات العسكرية والنظم الديكتاتورية تفت في عضد الكثير من دول أميركا اللاتينية. ومع الأيام حدث تطور نحو الليبرالية في أفكاره ومواقفه السياسية، فكان وراء ابتعاد أصدقاء قدامي عنه من مثقفي ومفكري تلك القارة.
العالم العربي والإسلامي ليس غريبًا على هذا الكاتب، فقد سبق أن كتب عن فلسطين والاحتلال الإسرائيلي ومعاناة الفلسطينين في بلدهم، وتردد مرات على إسرائيل، لكنه يرى أن الحل الأمثل يكمن في دولتين للشعبين، وهذا ما سنعود إليه في مقال آخر.
في كتابه هذا يخص الإسلام بفصلين. الأول تحت عنوان "الحجاب الإسلامي" والثاني بعنوان "أفيون الشعوب"، مستغلاً واقعة مشهورة حدثت في فرنسا في نهاية الثمانينات، ثم تكررت لاحقًا في دول أخرى وما أثير حولها من جدل مجتمعي وإعلامي، وهي ارتداء بعض الفتيات المغاربيات للحجاب في المدرسة واعتراض إدارة تلك المدارس من منطلق أن هذه الدول علمانية، لا يُسمح برفع أو لبس علامات دينية في الأمكنة العامة.
يعيد هذا الكاتب والمفكر البيروفي إلى الأذهان مقولة كارل ماركس "أفيون الشعوب". ويؤكد أن طبيعة التحجر الفكري وتشدد الدين تتجلى في حالة الإسلام السياسي لأن المجتمعات التي ترعرع فيها هذا الدين لم تشهد عملية العلمنة التي مر بها الغرب، ويفصل الدين عن الدولة ويجعله أمرًا شخصيًا، ويحوله إلى حق فردي بدلاً من واجب عام، ويجبره، أي الدين، على أن يتماشى مع الظروف الجديدة، أي قصره على أن يصبح نشاطًا ذا خصوصية أكثر، وذا عمومية أقل (2).
بيد أن بارغاس يوسا لا يستثني المسيحية المتشددة والمتسلطة ممثلة في كنيسة ليست بأحسن حال من الإسلام. ويراهن على فرضية استرداد الكنيسة لسلطتها في المجتمعات الغربية الديمقراطية فهذا الأمر سيعني أن هذه المجتمعات ستفقد مكتسباتها كمجتمعات حرة ومنفتحة. ويضرب المثل على ذلك بدول العالم الثالث حيث لا تزال الكنيسة تتدخل في الدولة وفي القوانين والحريات لنرى أن ما يحدث من رقابة على صناعة السينما والطلاق وتحديد النسل، هذا دون الحديث عن تحرير الإجهاض. وعليه فإن المسيحية، الكاثوليكية، لا يرجف لها جفن لثانية عن فرض حقائقها على المؤمنين وغير المؤمنين بها.
ويرى الكاتب البيروفي أن الدين في حقبة ما بعد الحداثة، التي نعيشها، لم يمت ولم يُدفن ولم يتحول إلى صندوق الذكريات: إنه يعيش ويتحرك، وهو في مركز الأحداث. هذا دون أن ينسى أن العدالة التامة لا وجود لها في هذا العالم. الكل يعلم أنها لن تكون واقعًا ملموسًا وفي متناول الجميع بحيث تحمي الفرد العادي، المواطن البسيط من أن يصبح موضع تعسف الأقوياء وسوء معاملتهم، وعرضة للتمييز، فلا تهم عدالة القوانين ولا احترام سلك القضاة القائمين بإدارة العدالة. ولهذا فليس غريبًا أن نجد الدين والممارسات الدينية متجذرة أكثر في طبقات المجتمع وقطاعاته الأكثر حرمانًا (3).
وبما أن غالبية حالات الإساءة والإذلال التي يقوم بها الأقوياء ضد الفقراء تحدث دون عقاب، فإن الدين يضطلع بسذاجة بمهمة حل هذه المعضلة، الظلم. الدين يسوغ هذا الظلم ويقنع المستضعفين والفقراء بأن العدالة ستكون يوم الحساب. يتمسك البشر بفكرة وجود إله قادر على كل شيء وآخرة، البعض أكثر من الآخر، إلا أن غالبيتم تشك في أنه إذا اختفت تلك الفكرة وتثبت كحقيقة علمية فكرة أن الله لا وجود له وأن الدين ليس أكثر من هراء خالٍ من جوهر وواقع، لترتب على هذا، عاجلاً أم آجلاً، همجية معممة على الحياة الإجتماعية، عودة إلى قانون الغاب، قانون الأقوى، وغزو الفضاء الإجتماعي من قِبل الاتجاهات الأكثر تدميرًا وقسوة التي تعشش في الإنسان (4). إنه الدفاع بعينه عن الخوف المقدس، وقد عاشت البشرية هذه النهاية ولم تختفِ ولم ينتهِ العالم.
واتساقًا مع أفكاره في هذا السياق يلخص بديهة مفادها أن البشر يصرون على الإيمان بالله لأنهم لا يثقون في أنفسهم. إنه الترويع بحلول البربرية، الهمجية، إذا اختفى الدين، كما لو أنها، لا تعيش داخل البشر بشكل يومي، مرة متخفية في ديمقراطية نيابية وأخرى، عندما تنفجر التناقضات العصية بسبب الأزمات الدورية الناجمة عن تراكم الثروات، في الحل الذي يجده الأقوياء في متناول أيديهم ممثلاً في النظم الملكية، سواء أكانت مطلقة أم لا، الديكتاتوريات، المسيحية كمملكة مؤقتة وروحية مع محاكم التفتيش مثلها مثل الإسلام الحالي، والفاشية والنازية وليبرالية العولمة الجديدة اليوم.
كل هذه البراهين يستخدمها بارغاس يوسا لانتقاد الإسلام، بالمعني الإيجابي للكلمة. إنه يريد من الإسلام أن يتحرر، أن يخرج من محليته، أن يصبح كونيًا مثل الفاتيكان، أن يضطلع بعلمانية حقوق الإنسان، وألا يقوم بدور محاكم التفتيش التي عانى منها الغرب في الماضي، ألا يفرض على الطفلات والنساء البرقع ولا الحجاب، ألا يعاقب المرأة، على غرار ما يحدث في السعودية، لخروجها إلى الشارع وقيادة سيارتها، أن يقضي على عادة الزيجات المتقف عليها لمصالح إقتصادية بين الأباء، إذ يحكمون على الفتيات الزواج برجال لم يرينهم في حياتهن ويحكم عليهن بالقتل في حالة الخيانة الزوجية.
هذا بينما هؤلاء الجلادون والأمراء والحكام الفسدة في هذه النظم الملكية والجمهورية الإسلامية في آسيا وإفريقيا يذهبون إلى مونت كارلو أو بيروت للتنفيس عن أنفسهم جنسيًا، ولعب القمار في الكازينوهات، وتعاطي النبيذ والويسكي، وشراء سيارات مترفة يصل سعر الواحدة منها إلى ملايين الدولارات، وتحفظ في مرائب خاصة في البحر المتوسط، والنوم في القصور الفخمة المدفوعة من أموال الفقراء، وفي يخوت راسية في أغلى المرافئ، بينما حساباتهم مصابة بالتخمة في مصارف سويسرا أو في جزر باهاماس.
القراءة الهادئة، تحت دثار المنطق والعقلانية، من شأنها أن تجعلنا نفهم ما يحدث وأن نبدأ في مسايرته وركوب قطار الحضارة الذي يوشك أن يغادرنا مجددًا رغم الدماء التي سالت في دول الربيع العربي. وفي هذا السياق يرى ماريو بارغاس يوسا أن العلمنة –إضفاء العلمانية على المجتمع- لا تعني الإضطهاد وحظر المعتقدات والعبادات، بل الحرية المطلقة للمواطنين الذين يمارسون ويعيشون إيمانهم دون أدنى عائق بشرط أن يحترموا القوانين التي تقرها المجالس النيابية والحكومات الديمقراطية (5). العلمانية ليست ضد الدين، بل إنها ضد تحول الدين إلى عائق للحريات وإلى تهديد ضد التعددية والتنوع اللذين يميزان أي مجتمع منفتح. الدين في هذا المجتمع ينتمي إلى سيطرة ما هو خاص ولا يجب أن يعيق وظائف الدولة، وهي التي يجب أن تبقى علمانية تفاديًا للاحتكار في المجال الديني، وهو، أي الإحتكار، مصدر دائم للتعسف والفساد.
حري أن نشير هنا أن بارغاس يوسا الذي تأرجح بين اليسار في شبابه والليبرالية في كهولته لم يفته أن يصوب سهامه إلى الليبرالية الجديدة في محاولتها تدمير الوطن العربي، وفي أحسن الأحوال مواصلة تقزيم بعض دوله، بغية الحفاظ على تفوق الغرب وإغراق الأسواق العربية بفوائضه، وفي خضم هذا السعي الحثيث يعيش الإنسان العادي غموضًا في فهم الدور الحقيقي للدين والحفاظ على الأمن.
ويستطرد المؤلف قائلاً إنه ليس من الضروري أن يكون الإنسان عرّافًا كي يفهم أن الحجاب هو غيض من فيض، وأن ما هو على المحك في هذا الجدل طريقتان مختلفتان لفهم حقوق الإنسان وتفعيل الديمقراطية. فمن منظور ليبرالي –ويؤكد أنه موقفه- لا يوجد أدنى شك في أن احترام حقوق الفرد يتطلب أن أي شخص، طفلاً أو راشدًا، يمكن أن يلبس كيفما يشاء دون أن تتدخل الدولة في قراره، وهذه السياسة بعينها تُطبق في المملكة المتحدة حيث أن ضواحي لندن تعج بطفلات مسلمات يذهبن إلى مدارسهن بالحجاب كما لو كن في الرياض أو عًمان. إذا كان التعليم قد أصبح خاصًا لما أثيرت هذه المشكلة: فكل مجموعة كانت ستنظم مدارسها طبقًا لمعاييرها وقواعدها، ولاكتفت بالالتزام ببعض التدابير العامة للدولة المتعلقة بالمنهج الدراسي. لهذا فإن هذا لا يحدث ولن يحدث في أي مجتمع في المستقبل المنظور.
إلا أنه يخلص إلى القول إن وجود صليب أو صورة المسيح في مدرسة حكومية يمثل تعسفًا لمن ليسوا مسيحيين، والشيء نفسه ينطبق على فرض الحجاب الإسلامي في قاعة دراسة حيث توجد طالبات مسيحيات وبوذيات، إلى جانب المسلمات، وكذلك بالنسبة للكبة اليهودية في قاعة مورمون (6). لهذا فإن موضوع الحجاب الإسلامي ليس بسيطًا إذا ما فُحص عن قرب وفي إطار المؤسسات التي تضمن دولة القانون والتعددية والحرية. والشرط الأول والضروري لمجتمع ديمقراطي هو الطابع العلماني للدولة، إستقلالها أمام المؤسسات الدينية، وهي الطريقة الوحيدة التي تمتلكها الدولة لضمان تسيد المصلحة العامة على المصالح الخاصة، وحرية المعتقدات المطلقة والممارسات الدينية للمواطنين دون تمييز ولا تفرقة من أي نوع.
ويعرج مرة أخرى على الدروس المستفادة من فرنسا السباقة في طليعة الحضارة إذ أنها إذا كانت قد تميزت في البداية عن باقي المجتمعات فيرجع هذا إلى ركوبها قطار العلمانية مبكرًا. ففي مطلع القرن القرن التاسع عشر مع ظهور المدارس الحكومية العلمانية سجلت فرنسا قفزة هائلة نحو خلق مجتمع منفتح، يشجع البحث العلمي والإبداع الفني، والتعايش الجماعي للأفكار والنظم الفلسفية والتيارات الجمالية، وتطوير الروح، إلى جانب روحانية عميقة. وإنه لمن الخطأ الاعتقاد أن دولة محايدة في مجال الدين وأن مدرسة عامة من شأنهما أن يمثلا تهديدًا لبقاء الدين في المجتمع المدني.
ثم يؤكد أن الطفلات اللائي تبعث بهن أسرهن إلى المدارس العامة في فرنسا وهن يرتدين الحجاب يمثلن أكثر مما يظهر أمام العين المجردة، فهن طليعة حملة ينظمها الأكثر تشددًا داخل التطرف الإسلامي في فرنسا، في بحثهم عن نقطة إرتكاز ليس فقط في النظام التعليمي الفرنسي بل في مؤسسات المجتمع المدني كله. ويكمن هدفهم في أن يُعترف لهم بحقهم في الاختلاف، أي التمتع في تلك الفضاءات العامة بحدود ذاتية تتماشى مع تطالب به هذه القطاعات تطالب به وهو هويتهم الثقافية، القائمة على المعتقدات والممارسات الدينية. هذه العملية الثقافية والسياسية تختبئ خلف تداعيات طيبة، خادعة كالتعددية الثقافية، و"احترام هويتهم وثقافتهم"، الأمر الذي يمثل أحد أقوى التحديات التي تواجه ثقافة الحرية في أيامنا. هذا التبرير، في حالة قبوله، من شأنه أن يخلق سابقة قوية لقبول ممارسات تبدو خادعة في ظاهرها وجوهرها تتعلق بالثقافة الخاصة مثل تعدد الزوجات وختان البنات (7). هذه الظلامية ترتدي قناع الخطابات التقدمية: بأي حق تريد النعرة العرقية الإستعمارية للفرنسيين القدامي أن تفرض على الفرنسين المحدثين الذين يدينون بالإسلام عاداتٍ وأخلاق مخالفة لتقليدهم، ولأخلاقهم ولدينهم؟
من هذا المنطلق، يرى بارغاس يوسا، فإننا إذا قبلنا هذا فسيعني أن العصور الوسطى من شأنها أن تُبعث ويقام غيتو خارج التاريخ، لا إنساني ومتعصب في المجتمع الذي أعلن لأول مرة في العالم حقوق الإنسان. وعليه فمن الضروري مقارعة مثل هذه المبررات المخادعة، تبرير الاختلاف، إذ تمثل خطرًا محدقًا لمستقبل الحرية.
ويخوض الكاتب في الأثر السلبي لمثل هذه الطروحات على المهاجرين أنفسهم إذ ترفع من شعبية الأصوات اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين، وضرب مثالاً على ذلك بشعبية جان ماري لو بان زعيم الجبهة الشعبية الراحل.
ويختتم آراءه الشائكة في هذا الصدد قائلاً إن حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة التي تضمن مجتمعًا ديمقراطيًا تفرض مجموعة من امكانات الحياة من شأنها تسمح بالتعايش للأديان والمعتقدات كافة، إلا أن على الأديان، في الكثير من الأحوال، كما حدث مع المسيحية، أن تتخلى عن حدودها القصوى -الإحتكار واقصاء الآخر والممارسات التمييزية والضارة لحقوق الإنسان- كي تكسب الحق في مجتمع منفتح. وذهب إلى تأييد مفكري فرنسا مثل آلان فينكيلكرو وإليزابث بادنتر ورجيه دبري وجان فرانسوا ريفيل ومؤيديهم في هذا المشكل: الحجاب الإسلامي يجب أن يُمنع في المدارس العامة الفرنسية باسم الحرية.
قبل الرحيل أود أن أذكر في هذا السياق حادثة مماثلة وقعت في بلد أوروبا آخر، بينما كنت هناك في زيارة، إذ أصر الأب على ذهاب ابنته إلى المدرسة بحجابها، بينما منعتها إدارة المدرسة ، وتلقفت وسائل إعلام ذلك البلد الواقعة وأفسحت لها فضاءً واسعًا. الفتاة كانت مغاربية، وكان معنا في المؤتمر سنتئذ زميل مغاربي يعرف والد الفتاة. وعندما شاهده على شاشة التلفزيون بانت عليه علامات الدهشة والإستياء: الأب كان تاجر مخدرات هرب من بلده وواصل نشاطه في أوروبا!!! هناك واقعة أخرى عشتها في أيام الدراسة في كلية الألسن، في النصف الثاني من السبعينات. إذ لا تزال صور الزميلات بلا حجاب يقفن في لقطات مختلطة مع الزملاء، بينهم الشيخ أبو اسحق الحويتي –حجازي شريف- الذي كان مرشحًا لشغل وظيفة معيد لولا تدخل أمن الدولة فحرم عالم الدراسات الإسبانية من مشروع أستاذ نبيه وحسن الطلعة. كن جلهن بلا حجاب باستثناء واحدة خطبها قريب لها كان يعمل في السعودية فارتدت الحجاب ونحن في الصف الثالث فكانت موضع تندر في الكلية كلها و"فرجة" لكل الزملاء، ونالت من النعوت المضحكة ما لم تسمعه آذاننا حتى ذلك الوقت، وكلها تصب في رفض هذه "البدعة" الدخيلة على مصر. تلك الفتيات السافرات كن يحظين باحترام داخل الكلية وخارجها، ولم يجرأ أحدنا على مجرد التغزل بهن رغم جمال كثيرات منهن، ولم ينتقص زيهن شيئًا منهن ولا من شرفهن الذي يجتره المجتمع ويجعل منه دائرة إهتمام كبرى في زمن التراجع والانحطاط.
هوامش:
(1) Mario Vargas Llosa, La civilizacion del especataculo, Alfagura, Madrid, 2012.
سبق أن كتبت عن الجزء الأول من هذا الكتاب وكان عن وسائل الإعلام وتضليلها للمتلقي في مقال تحت عنوان "حضارة الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطنة الآخر"، بتاريخ 23/10/2013، العدد رقم 4254، من الحوار المتمدن، ورابطه: http://www.ahewar.org/debat/show.art.aspaid=383680
(2) الكتاب نفسه، ص. 192.
(3) المصدر نفسه، ص. 166.
(4) المصدر نفسه، ص. 167.
(5) المصدر نفسه، ص. 175.
(6) المصدر نفسه، ص. 193.
(7) المصدر نفسه، ص. 98-100.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 6 - 20:02 )
دكتوره مسلمه محجبه , سألها الصحافيون مستغربين (أن لباسها لا يعكس مدى علمها) ظناً منهم أن الحجاب رمز تخلف و رجعيه! .
فأجابتهم بكل بساطه و ذكاء قائله :
إن الإنسان في العصور الأولى كان شبه عاري , و مع تطور فكره عبر الزمن بدأ يرتدي الثياب , و ما أنا عليه اليوم و ما أرتديه هو قمة الفكر و الرقي الذي وصل إليه الإنسان عبر العصور , و ليس تخلفاً .
أما العري , فهو علامة التخلف و الرجوع بفكر الإنسان إلى العصور الأولى , و لو كان العري دليل التقدم ؛ لكانت البهائم أكثر تقدماً! .


2 - تحدي لعبد الله خلف
نور ساطع ( 2014 / 3 / 6 - 22:36 )


يعني هل المرأة المسلمة إن لم تحجب ساقطة؟؟؟


: )


3 - تحية طيبة للدكتور المبدع خالد سالم
مكارم ابراهيم ( 2014 / 3 / 7 - 07:36 )
الصديق العزيز الدكتور خالد تحية عطرة والف شكر لطرح الموضوع الجدلي الذي سبب مشاكل جمة لمجتمعات العالم اجمع عربية واوربية واتفق في كل ماجاء في طرحكم انا اعتبر سبب تخلف الدول العربية فتاوي الشيوخ ولكن الحكومات العربية التي تسمح لهم ببسط سلطتهم ونشر فتاويهم هي المسؤول الاكبر ومن اختار لحكومات الرجعية هم الشعب الامي المتخلف هم من اختار في النهاية حكم الرجعية من الحكومات ورجال الدين والمراة اذا ارادت استرجاع كرامتها عليها بالنضال ضد الرجعية حتى لو دفعت حياتها ثمنا للكرامة
تقبل مني خالص المودة والاعتزاز


4 - مشكلات يشارك فيها المجتمع كله
خالد سالم ( 2014 / 3 / 8 - 10:58 )
المحترمة أ. مكارم:
أتمنى لك يومًا هادئًا في عيد المرأة العالمي.
أشكرك على كلماتك.
المشكلة الكبرى تكمن في أننا مجتمعات لا تريد أن تمسك الداء بيدها رغم مشاهدتها له يوميًا، إذ نتبع سياسة النعام والإستمراء كل يوم. خذي مثال المرأة وقمعها: فالمجتمع الذكوري يفرض معاييره والنساء ينصعن صاغرات، دون مقاومة. لعل مسألة الحجاب خير مثال على ذلك.


5 - الحجاب ليس الحل
خالد سالم ( 2014 / 3 / 8 - 11:01 )
إلى نور ساطع:
أحسنت في سؤالك الذي لم يجد ردًا من أ. عبد الله خلف.
المسألة ليست اخفاء ولا تعرية، فلب مشكلاتنا يكمن في العمل بروح الدين والأخلاق، وليس بالشكلليات.


6 - الديمراطية هي الحل!!
خالد سالم ( 2014 / 3 / 18 - 20:29 )
النجيبة أسماء عاطف:
طاب مساؤك.
بداية أود أن أخبرك أن لاحساب لي على الفيس بوك، وقد اطلعت على تعليقك اليوم صدفةً...
لا شك أن ارتداء الحجاب أو أي رداء آخر يدخل في حيز الحرية الشخصية للفرد، لكن إذا فرضه المجتمع لأسباب تتعلق بثقافته الذكورية فهذا أمر مرفوض. فقد ذكرت في مقالي واقعة عدم وجود الحجاب ونحن في طلاب، لأدلل على أن الحجاب لا يمنع التعدي على المرأة، نقطة الاغراء الذكورية في المجتمعات الغير ديمقراطية. هذا يحملنا إلى سؤال المليون: لماذا يعد شعر المرأة ووجهها عورة بينما الرجل لا يعد هكذا؟ أليس في سيقان ووجه وشعر رجل الجميل غواية للمرأة وللمثليين؟
الأديان منذ فجر التاريخ، سواء أكانت وضعية أم سماوية، كانت درجة لتحضر الإنسان والأخذ بيده في مرحلة من تطور البشرية لترتقي أخلاقه وتجلعه سويًا في تصرفاته اليومية تجاه المجتمع، لكن أن نتخذها ذريعة لاخفاء عوراتنا والتستر وراءها فهذا لا يقبله العقل ولا المنطق. فكم من مصائب ترتكب يوميًا والحجاب والنقاب يعمران أجساد النساء؟
اليوم الذي سنؤمن فيه حقًا بالديمقراطية سنتغلب على كثير من مشكلاتنا، ويصبح الدين أمرًا شخصيًا بين الفرد وربه.


7 - الحجاب
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 3 / 29 - 08:59 )
أصبح العالم كله في حيرة من أمر المسلمين ولسيما المتطرفين منهم
أتذكر حينما كنت خلال أواخر الستينات وأوائل السبعينات في أوربا لم
يكن الغرب حينئذ يعاني من هذا المشكل فقد كان المسلمون متأقلمين مع
حضارة الغرب وعصره فكانت النساء تلبسن اللباس الأوربي كما كانت
المرأة لا تقوى أبدا على وضع النقاب لأن ذلك كان حينئذ سيخلق الطوارىء في البلد فكانت المرأة تضع فقط غطاءا على الرأس وكان ذلك مقبولا عند الغرب فلا يكاد أحد أن يلتفت لذلك
ولم يكن في أوربا جاليات من الجزيرة العربية فقط كن قليلات ونادرات
من جئن من المغرب العربي حتى أنك لكي تصادف إمرأة مسلمة
كان يعد من النادر جدا
لكن بعد استفحال إحضار الزوجات من طرف أزواجهن وحدوث فيضان بشري على الغرب نساءا ورجالا وبسبب ديمقراطية الغرب تحول المشهد إلى فلكلور يشبه كرنفال إسلامي يتفرج عليه الغرب كما
أن السعودية كانت هي السبب في إصدار الوهابية ونشرها بين المسلمين
تابع


8 - الحجاب
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 3 / 29 - 09:09 )
لنصل إلى الواقع الحالي الذي وصلنا إليه فشوهنا أنفسنا وشوهنا البلد
الذي يستضيفنا
فالسعودية جندت دكاترة وأغرتهم بالمال ودخلوا أوربا من أجل نشر الوهابية بين المسلمين المتواجدين في الغرب وتم إستغلال سداجة المسلمين وأميتهم وجهلهم ليعم هذا الوباء الخطير وينتشر في العالم كله ووصل حتى إلى المجتمعات السنية المعتدلة
هذا كله من أجل المصالح المقيتة للطغمة الحاكمة حفاظا على مصالحها بينما هي حينما تحل بالغرب تتعاطى الجنس والخمور وكل الردائل المزمنة ولا يخفى على أحد حضور الخليجيين إلى المغرب
وتعاطيهم للفساد مع بناتنا وحينما يلقى القبض عليهم يطلق سراحهم
والآفة التي أصابت العرب كلهم مصدرها من الخليج فالثروات الهائلة
لديهم هي من خربت عقول العرب وشوهت سمعتهم وأججت النواعر
بينهم وفضائية الجزيرة هي واحدة من السياسات البراقة شكلا بينما
مضمونها وجوهرها خطير على العرب في كل مكان هؤلاء الناس
أفسدوا عروبتنا


9 - ليتحجب الرجل المسلم كي يتطور!!
عماد العراقي ( 2014 / 3 / 29 - 18:21 )
الى السيد عبدالله خلف ....لو كان الحجاب والنقاب والبرقع هو السلسلة الهرمية للتطور فيفترض ان يقع نفس الشيئ على الرجل المسلم والا لكنت في تعليقك احاديا ..هل افترض تخلف الرجل المسلم عدم ارتدائه للحجاب والبرقع والنقاب ..كلامك مردود وبلا اي قيمة


10 - الأخ عماد العراقي - ت 9
د. ضياء العيسى ( 2014 / 3 / 29 - 20:40 )

منطق هذه -الدكتورة المسلمة المحجبة- يجعل النقاب وليس الحجاب -قمة الفكر والرقي الذي وصل إليه الإنسان عبر العصور-.

وأضيف لماذا لا يتحجب خلف!؟ بل لماذا لا يتنقب!؟

تحياتي لك وللأخ الكاتب.
….


11 - حجاب ونقاب الرجل!!!
خالد سالم ( 2014 / 3 / 30 - 22:47 )
أمام هذه المداخلات المتقابلة، ما رأيكم في تبني حملة تدعو إلى إلباس الرجال حجابًا؟!!!
ربما بهذا نحل مشكلات كثيرة في عالمنا العربي الإسلامي ونختصر الطريق نحو التحول إلى هنود حمر جدد في القرن الحادي والعشرين، !!!
على أية حال أشكركم جميعًا على مداخلاتكم.

اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش