الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


8 /مارس تمردٌ ونجاح

عائشة مشيش

2014 / 3 / 6
الادب والفن



نهضت باكراً ، كانت تحس بنشاط وهمة لما هي مقبلة عليه في يومها هذا، فاليوم هو الثامن من شهر مارس ، عيد المرأة السنوي ، " اليوم العالمي للمرأة " وعليها أن تتهيأ لاحتفالهم بهذه المناسبة في جمعية نساء العرب الحرائر...
بعد أن غسلت وجهها وارتدت ملابسها : بنطلون أزرق وقميص أبيض وبلوفر أزرق ، ثم عقصت شعرها كدائرة وراء رأسها وشدته بمقبض للشعر ومرَّرت على شفتيها بمرهم لترطيبهما فهي لا تحب الروج الأحمر ومررت قلماً أسود في عيونها بخفة ، أخذت حقيبتها وعلقتها على كتفها ، نزلت إلى الطابق السفلي ، أخذت رشفة من كأس شاي وشطيرة خبز محمص بالمربى ، مسحت فمها بسرعة وانطلقت وهي توصي الخادمة بعمل غداء متميز ويليق بهذا اليوم ...
دخلت سيارتها ، ألقت نظرة على المرآة التي أمامها ونظرت خلف السيارة من خلالها ، رجعت قليلاً بالسيارة إلى الوراء ثم إلى الأمام مباشرة وهي توجه مقدمة السيارة إلى الطريق العام التي ستقودها إلى مكان الاجتماع ..
منذ متى تركت خطواتها إلى الوراء وتقدمت إلى الأمام لا تلوي على شيء؟
سرحت وغابت بفكرها وهي منتبهة إلى الطريق، فهي تعودت أن تشغل بالها بأكثر من شيء واحد في نفس الوقت والساعة..
كثيراً ما كانت وهي طفلة تلاحظ وتنتبه إلى نوع المعاملة التي كان يحظى بها أخوها الأصغر منها بسنة واحدة فقط...كان يلهو ولا تلهو، كان لا يقوم بأي عمل لأنه ينتبه إلى دروسه، وكانت تساعد أمها قبل الانتباه إلى دراستها، فهي مصيرها إلى زواج !!
كان يُطلب منها أن تقوم بإعداد المائدة ولا يطلب منه ، كان يجلس إلى المائدة و لا تجلس إلا بعد أن تقوم بخدمة الكل مع الخادمة ..
كم كانت تتمنى واقعاً غير هذا في عالم أكثر حرية من عالمها هذا، وظروفاً أكثر دفئاً ، عدالة تجعلها مثل أخيها وليس ظروف تكبلها بذراعين قويتين، عدالة تجعلها تنعم باللهو مثله و تجلس لتدرس مثله دون إزعاج، رغبتها في الدراسة كانت تزداد مع واقعها هذا ولم تكن تدري لمَ ؟ ..لكنها كانت تحس أنها يجب أن تفهم ...
تريد أن تعرف لمَ أخوها يُفضَّل عليها ؟! والغريب أن وضعها الدراسي كان أحسن منه بمراحل ، مما يجعل أمها تقول ليت هذه النقط من نصيب أخيك فأنت ماذا ستفعلين بالتميز ؟ مصيرك إلى زواج..
كانت تحس بحنق وغضب وقهر ، حنقها على عالمها الشرقي الذي أوهمته التقاليد الحمقاء والأفكار الغبية : الفتاة ناقصة عن الفتى بينما ترى أنه مثلها وربما أفسداه وجعلاه أدنى منها !
في كثير من الأحيان كان يأتي أصدقاؤه إلى البيت ليصحبوه إلى الشارع ، وكانت تطالب بدورها في الذهاب إلى صديقاتها فكانت تجابه بالرفض : " أنت فتاة وعيب وغير معقول ، ماذا يقول الناس عنا ..؟ "...
لماذا لا يقول الناس عنه ..؟ لأنه فتى ..ولأنه رجل ...!!
كانت تهتم لكل شيء ، تستفسر عن كل شيء ، ومع ذلك لم تفهم لماذا هو ملك ؟ وهي مجرد فتاة وكأن (فتاة )حكم مسبق بالإعدام موتاً حسرةً وقهراً! هل سيتهامسون فقط لأنها مع صديقاتها ؟ سيتهامسون فقط لأنها تدرس ولا تساعد في أعباء المنزل مثله ..!! لمَ لا يتهامسون حين لا يفعل هو شيء ..؟ ألا يخطئون في مستوى قياساتهم وقراءاتهم لقدراتنا الإنسانية ..؟ ألا يظلمون قدراتها حين يحكمون بأنها لن تستطيع ؟ وإن استطاعت ، فما الفائدة فهي إلى بيت زوجها راحلة !!
كان هذا التفكير يؤرِّقها ، لم تتركهم يدمرون كل آثار التحضر التي كانت تزحف على العالم عبر إخفائها عنها ، كانت تبحث وتسأل وتراقب ويزداد إصرارها على الإنعتاق فهي لم تُخلق لتدمر ولا لتكون مجرد زوجة مثل أمها التي لم يكن صوتها يعلو على زوجها، وكانت تزداد تعنيفاً لفتاتها لترضيه وليعلم أنه تزوج امرأة فعلاً تعرف أصول التربية السليمة ، وكان الأب يبتسم راضياً مرضياً عن زوجته التي هي طوع بنانه .


إصرارها يزيد مع خضوع أمها ، كان عليها أن تدخل الجامعة ولم يقبل أبوها إلا بعد أن ينجح أخوها ليذهبا معاً قائلاً إن لم ينجح أخوها فلا جامعة وإن نجح ستذهبين لمساعدته وحينها يمكنك المتابعة ..
الجامعة لم تكن في مدينتهم ولهذا كان عليهما أن ينتقلا إلى مدينة أخرى للدراسة ، قبلت على مضض أو قبلت بهدوء يسبق العاصفة ، كان عليها أن تقبل لتدرس ولتقرر مصيرها بعد ذلك ، ذهبت وابتدأت دراستها وكان الحلم أمام عينيها ..
أنتِ هناك ولستِ هنا ، أنت حيث العمل وحيث الإرادة وحيث حرية الاختيار ، أنتِ شريكة حياة ولستِ تابعة ، أنت كائنٌ اختار طريقه بنجاح مع الاحتفاظ بالكينونة أو بعضها ، أنتِ ...أنتِ ابنة المنطق ، أنت وبكل قدرة لك على التحليل ابنة المنطق ستعرفين أنك لن تستطيعي العيش على الهامش ، ولن تستطيعي اجترار ثقافة جدتك وأمك الخانعة ، أنت لا سواك يجب أن تنهضي وتثوري على لون جدتك البني لتنعمي بكل الألوان ، أنتِ وحدك الذاكرة، وحدك ستزرعين وستحصدين ما تزرعينه ، أنت يا فتاتي الرائعة سلوكٌ يعكسك وتعكسه المرآة ، أي طريق تمشينه حتما ستذوقين طعم خسارته أو ربحه لكنه سيكون خيارك ، قد تخسرين الأرصفة ، وقد تربحين تجارب ونكهة الأرض وما فيها ، إلا أنه طريقك ، جزء منك وبلون جلدك أنتِ لا لون جدتك ، أنتِ من ستكونين وبخطوط عقلك ودهاليز إحساسك ..
تعرفت إليه ، أحبَّته وأحبَّها ،كان نصفه عربياً ونصفه الآخر أجنبياً ،فقد كانت أمه فرنسية ، كان يؤمن بالمرأة وبقدرتها على أن تكون هي لا غيرها،تقدَّم لخطبتها ، رفض والدها فقد كانت والدته نصرانية ، كيف لها أن تتزوج رجلاً أمه نصرانية ..؟ سيضحك الناس عليهم ، كيف تفعلين بنا وبنفسك هذا ..؟ ها قد جاء من سيفتح في وجهك أبواب الانعتاق ، فماذا ستفعلين ..؟
جاء وقت الاختيار ، إن اختيارها لطريقها سيفتح أمامها كل أبواب التيه، والتردد سيعيق التجربة وتراكمها، واختارت أخيراً ، كانت راشدة وكان لها أن ترتبط بمن اختاره قلبها وعقلها ، وبدأت رحلتها مع التمرد وخلع جلد جدتها لترتدي جلدها هي ولتكون هي وليس غيرها ، وكانت ولم تندم ، وها هي الآن تساعد من يُردْنَ التحرر من جلد آبائهنَ وأجدادهن ، وهي عازمة على المضي قدماً نحو طريق لا تلتقي مع مَنْ كُنَ ، بل مع مَنْ سَيكُنَ ، نظرت إلى ساعتها وقد قاربت على الوصول إلى نهاية الطريق وقد حان موعد الاجتماع مع نساء قرَّرنَ خوض التجربة ، ابتسمت وفتحت راديو السيارة لتسمع المذيع وهو يقول:
" نقدم لكم وصلة غنائية لِتصدحَ أم كلثوم بأغنية الأمل. "

عائشة مشيش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لبلبة ربنا تاب عليها واتحجبت-??‍?? لما لبلبة مشيت في الشارع


.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف




.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين


.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص




.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة