الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل

حفيظ بوبا

2014 / 3 / 6
الادب والفن


وأَذْكُر خرسة قلم على ورق شاحب، عقارب ساعة جامدة على السادسة صباحا، نافذة مطبقة تزجر بصيص ضوء الشمس من المرور. كأن الوقت لا يأذن لي بالرحيل والمكان ينشد البقاء، لا تُعدي طعام الفطور يا أمي فبؤبؤ عينيك سيخوض غمار السفر مبكراً، تكفيني صورة محياكِ المشرقة داخل قلادتي وهمس دعواتكِ الخافتة لتبارك هذا الرحيل سأمضي حيث يروم لي القدر، سأمضي حاملاً في وجداني كل صورنا معا، فإن حال بيننا الدهر في هذه الدار سيجمعنا المولى في دار الأزلية والخلود..على ضفاف الرحيل أخرج لألقى ضياء الصباح وحشة ليلٍ لأعبر الدرب الكئيب فأرى صفاء الجو غيماً وأسمع هديل الطيور نعيباً، الوجوه مغيمة والأصوات مختنقة كأن نطق لساني صادر من أعماق المحيط ودمعي كآبة في أحشاء صفحات رواية لم يُقَدر لها أن تُخَلَّد في رفوف الأَدب، أَلْفيتني غريباً في وطني وفي يدي خريطة بَحَّار يعرف البحر وأمواجه المتلاطمة وجغرافياته الضائعة ، في رصيف من الصمت والمألوف أسأل نفسي هل يسمع أحد لغتي واللحن الشجي الذي أسمعه؟ أينظر العابر إلى شبحي المتلفت إلى الخلف رغم المسافات التي تمددها الخطوات ؟ ،أيشعر أحد ما يشعر به شارب خمرة الشجن والبِعاد؟ في هذا الطريق الطويل أسير وحذائي متأفف من غياب رفيق يماثله إيقاع السير وحقيبتي تعجب لمحتواها من الورق الضائع والأسطر الخرساء والأقلام الفارغة كفراغ قلب صاحبها من الوجد وصداقة الأصدقاء.. وقفت على مرفأ الرحيل حيث صارت تتبدى معالم الغربة في الأفق البعيد.ثم طفقت أسأل في حيرة ماذا تخفي خلف ثوبك الصباحي؟ فانبرى صوت البحار يدعوني إلى صعود سفينته . صعدت عبر السلالم ثم انزويت في مكان فسألني: ما قصتك ؟.فقلت له في إحباط: أَبْحِر يا بَحار و اعفنا من حديث الألفة والرفقة يكفي أني وتر حزين في قيثارة الحياة، ريشة أضحت في مهب الريح ضائعة، ودعت قبل الآن قريتي وأمي وأزهاري لأصير عمرا متنقلا من مكان إلى مكان.. أكتب الشعر وكيف للشعر أن يحمل على متنه شجوني كما لي في النثر شغف فليت السرد أن يضبط وقائع عمري الرتيب وأصغي إلى سيمفونيات بيتهوفن لعل جرعة الإلهام تنقلني إلى عوالم سحيقة وكلما أتأفف من التأمل في أبنية مدينتي والتجوال في طرقاتها ومشاهدة الغروب ومناجاة القمر أعود إلى بيتي كعودة الفلاح التعس إلى كوخه أشرد في لحم الظلام وأصغي إلى تكتكة الساعة الحائطية مدركاً أن لا أحد يقرع الباب سوى الريح المتطفلة تنساب من فتحته والليل يدب بأغنية السهاد المعهودة ..ارحل بنا يا بحار ولا تسأل أين نقصد وأفرغ عقلك من شأن بوصلتك المنكسرة، سنتيه في المحيطات الخمسة ونكافح أمام الأمواج المندفعة وهطول المطر الغزير وسنرى معا عجائب البحر وما يختزن من أسرار في قعره المخبوء سنرى الشفق والغسق ونتنشق عطر الصبح ونهدأ إلى سكون الليل سنرى غروباً لِسَنَا الشمس وأفولاً لضياء القمر ونسأل النجم عن وجوه ألفنها وقلوب أحببناها حتى يلحقنا بها الدهر بعد الغياب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في


.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات




.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه