الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكولوجية الحرب في مجموعة عطش الماء

سعاد جبر

2005 / 7 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


سيكولوجية الحرب في مجموعة عطش الماء للكاتب سمير الشريف

ترصد مجموعة عطش الماء أبعاد الحرب ولغاتها المتنوعة في بعد الأنا والمجتمع ، عبر نصوص متنوعة فيها ، سواء في لغة النخر الاجتماعي ومفرزاتها السلبية في لغة العرض وفقدان الأباء، كما وردت في نص" محاكمة " ، من خلال تجسيدها عبر متتاليات زمن ـ يمر على طفل في الخامسة من عمره ـ تؤول إلى استفهام حائر حول الرجال الذين يزورون أمه كل ليلة ، لتنتهي الحكاية عبر متتاليات عمره إلى مفأجاة صارخة مفادها :
" صرخ في وجه المرأة التي كانت أمه ، قبل أن يضع حافة السكين على عنقها ويسأل: من أبى ؟؟ " ( 1 )
فهنا تؤول البيوت إلى مهب الريح ، وتعصف أعاصير انحرافات الذات عليها ، في ظل مفرزات استلاب الأنا ، التي تحيلها إلى الارتماء في أحضان المتضادات ، هروباً من الواقع وازماته والتصاقاً بالذات ونزواتها المستعرة المعتكفة بلا نهايات على جدران الإهتراء الاجتماعي .
ويشير نص" تحد " إلى حالة إرهاب الذات عبر الأسلحة ووحشية الرعب الذي يكسر جدران الأمن، في حالات الهيمنة العسكرية وانقضاضها على حرية الذات وكسرها حواجز الأمن والاستقرار، وانعكاساتها على الذات الضحية في انسحابها من كل معطيات الحرب وادواتها ، وإعلانها حالة استلابها في لغة سيكولوجية الحرب ؛ وأنها لا تحمل إلا حالة الوعي المغيبة التي تسكن الأعماق الرافضة ؛ بحاثة عن الحرية واستقرار الذات في الجسد والوجود ، إذ ينطق السارد بقوة الرفض :
" لا احمل سلاحا غير هذا الرأس " ( 2 )
ويعكس نص " وداع " أتون حرب ترتحل منها شريعة القانون الشكلية تحت مسميات " هيئة الأمم " هروباً من أجواء المعركة وتركها الضحية تحت انتثارات السلاح عليها ، ويسلط النص الأضواء على تلك اللحظة المقتنصة في لغة سيكولوجيا الحرب؛ من حيث وداع القبور وماتحمله من رسالة تدمير للضحية في تلذذ تعذيبها وحرمانها الأمن ، ومرأى الطفولة المغيبة في النص :
"وكومة من بقايا لعب أطفال تنادي على أصحابها " ( 3 )
واسقاطات تتماهي لتبلغ قطة تذرف الدموع حتى أورقت شجرة الصبار ، وهنا تتشكل تصاعدات اسقاطات الأنا على موجودات الطبيعة ؛ بكل معاني الحزن والقهر والعذابات التي تخلفها الحرب على الأنا في الجسد والوطن في الذاكرة .
وتنفتح استار نص مصير لتركز اضاءاته في لحظة هادئة بعد توقف القصف وما تحمل من لغة التأملات ونسمات راحة تسدل غيمات بردها على الصدر ، لاتنفك أن تتحول إلى لحظة حمراء تتدفق فيها المشاعر مع تدفقات الدم عبر حراك العساكر وصفارات الأنذار وتدافعات الأجساد وتعاليات صوت الذات في لحظة الوداع ، ليؤول في نهايات المطاف إلى جثة هامدة تشكل نواتج الدمار ووحشية القصف ولغة الرصاص التي تتتشر مساحاتها في لغة اسقاطات الذات على النص
" لم يسمع صوت الرصاصة التي ردته للداخل مضرجا بدمه " ( 4 )
ويقدم نص دائرة الصمت اخطر مترتبات الحروب في بعد السيكولوجيا المتأزمة ، والتي تحيل الأفراد إلى ساحة الجنون المطلقة ، من اثر بطش الاستبداد في تعذيب الضحية ، التي تغادر فيها البتة حدود العقل إلى هستريا الجنون :
" تركناك وحيدا ..تحرس أماني القرية ومعطفك الرث ... اقتربت دبابة وقف ثابتا ...مددت ذراعيك ...فرشتهما غير أبه
عبرت بعد أن هرستك
..أدركنا أن جنونك لم يكن إلا نتيجة التعذيب " ( 5 )
وهنا تتماهي هذه الحقيقة في ظل مفارقة بين الواقع والمتخيل ، فيرنو السارد في ظل تلك المفردة المهمة في سيكولوجيه الحرب إلى امتطاءها عبر مواكب الأخيلة التي تأخذه في لحظة اصطدام نظراته بعيني المدرس :
" وبدأت عيناي تبحثان بارتباك أين يقرأ التلاميذ .." ( 6 )
ويسرد نص " بلا عنوان " منظومة استفهامات في لغة الأنا وتناثراتها في الحيرة عبر مترتبات الحرب ومعطياتها السلبية ، وتتماهى لتدور حول ذاتية السادي الذي يتلذذ بلغة التعذيب والدمار
" ـ هل يدلوني على الفرق بين الهزيمة والتدمير ؟
ـ لماذا لاتستعيدين مقولة المسيح (( ماذا تربح إذا كسبت العالم وخسرت نفسك ؟ )) " ( 7 )
وفي النص أيضا تتعالى لغة الرفض لماهية ثقافة الصمت التي تخيم على العالم ، في برود عن مرأى مشهد تعذيب الضحية ودمار المكان والزمان ، فيصف السارد هذا العالم بأنه
" محض عاهرة تتفرج على آلامنا وتتباكى من بعيد "
وتنتظم التساؤلات في تصاعدات ينبعث منها الألم والانكسار
" ـ أي مهزلة ذبحونا بسكين وابتاعونا بفلوسنا ويقدمون لنا الدواء
ويسدل النص ستاره على لحظة متضادة تتشكل فيها ظلال فرح بأن الحرب انتهت ، تواكبها متتاليات حيرة في لغة السارد تتشكل في تماهيات ألفاظ متقطعة مبهمة هائمة على وجهها ؛ تعبر عن وجه الواقع المتخم باللاوعي ولغة الصدمة في كل أطيافها المتخيلة من الألم وهدوء العاصفة
" أين ..ماذا ..لماذا ." ( 8 )
وتعتري النص في نهاياته انعكاسات الحرب في انكسارات الذات وهستريا آلامها في الذات
" دوي يملأ الأصداغ ، موجات ألم تجتاحني ..صدمات كهرباء ...يهتز لها وجداني " ( 9 )
ويقدم نص" غضب " استطرادات وصفية بشأن واقع الحرب وانعكاساتها السيكولوجية ، في رسم أزيزها في الأنا والجسد ، ومترتباتها من لغة الرعب وامتناع الأمن ، وضياع الحقيقة حيث لا يولد من رحم الواقع إلا المرارة والعذابات
" ـ حلقت طائرات ..دخلت آليات ..جمع جنود رجال البلدة ..أركبوهم شاحنات عادوا بعد أسبوعين ولم يعد أبوك
ذاب جليد الحقيقة ..أين ..كيف ؟ " ( 10 )
وتنضج حالة تماهيات المتخيل في نص" اختيار " لتشكل رسالة اللاشعور في أعماق السارد ، ومعها ثورة الأعماق في الرفض التي تتعالى على أتون صرخات الحرمان وانكسارات الوجدان أمام مرارة المعاناة وعذابات الاستلاب ، لتحيل السارد إلى فيوضات الحيرة وتماهيات الحقيقة في اللاحقيقة من الأشياء ، في ظل عالم سادي عابث واستلاب ضحية في الأنا ، الزمان ، المكان ، وتماهيات اللغة في الأستفهامات
" انبلجت في خيالك بندقية مكسورة الكعب تمنيت لو أنها بين يديك ..صرخة طفل أعادتك إلى واقعك تساءلت بمرارة لاتستطيع ابتلاعها : أي السبل تسلك وأي الأزقة تسير". ( 11 )

وتناولت مجموعة عطش الماء السردية موضوعات عدة في آفاق هموم اجتماعية ولغة التشرد ومساحات رومانسية دافئة وابعاد الحرب على الأنا والمكان والزمان ، وهي التي سلطت الدراسة إضاءاتها حولها في ظل قراءة سيكولوجية لها في مجموعة عطش الماء .
ولايسعني في نهاية مطاف هذه القراءة السيكولوجية لمجموعة " عطش الماء " إلا أن أزجي تحايا التقدير الياسمينة لمبدعنا الألق : سمير الشريف ، وكل لحظة وأنت مبدع وكل إبداع وقلمك إبداع حر منساب .
........
( 1 ) سمير الشريف ( 2005 ) ، عطش الماء ، ص 13 ، أزمنة للنشر والتوزيع . عمان
( 2 ) المصدر السابق ، ص 14
( 3 ) المصدر السابق ، ص 16
( 4 ) المصدر السابق ، ص24
( 5 ) المصدر السابق ، ص 36
( 6 ) المصدر السابق ، ص 37
( 7 ) المصدر السابق ، ص 43

( 8 ) عطش الماء ، ص 44
( 9 ) المصدر السابق ، ص 45
( 10 ) المصدر السابق ، ص 54
( 11 ) المصدر السابق ، ص 75








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يغير نتانياهو موقفه من مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟ • فر


.. قراءة عسكرية.. اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال




.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول