الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث ذلك بعد الموت بسنوات

سعدي عباس العبد

2014 / 3 / 6
الادب والفن


قصة قصيرة __ حدث ذلك بعد الموت بسنوات !!!! __

** في نهار ما , من نهارات الحرب , وجدتني اجري بكامل ذكريات الجندي واحلامه ومعدّاته .. اجري بكلّ ما اوتيت من خوف , لكني لا اتذكّر تحت اية سماء من سماوات الحرب او اي قاطع من قواطع الجبهة كنت اجري !! . . بيد إنّي كنت اتذوّق حرارة غبار يخرج رطبا من زفيري , كنت اتشمّم رائحة جثث تتصاعد في نكهة الغبار ! . فيخيّل ليّ انّي اسمع لغطا فاترا يتدفق من بدني ومن ذاكرتي ! . لغطا يأتي عبر سنوات غابرة , فاحس بيدٍ تمتد عبر الغبار , عبر تلك المديات من السنين , تمد ليّ ضماد الميدان , فتضوع رائحة دم نفّاذة . فينشر الصدىء اشرعته في المدى , فتزداد وحشة الطريق وبعد المدى . فاستدير برأسي فتطالعني الجهات كلّها تكتظ بالغبار والتيه .. في حين مكّثت الريح تقودني وحفيفها لما يزل عابقا برائحة الجنود الموتى ممن سبقوني .. انصت اليهم عند مداخل الجهات المغبرة , كانوا يهتفون باسمي , فتصيبني الدهشة .. كيف لا اجدني بينهم . _ او هكذا كان يترأى ليّ __ . فلا ارى حواجز في الريح تنأى بي او تفصلني عن يقظتهم .. كم رغبت انّ اطل بكامل غيابي على مرافئهم .. فانا مازلت اتذكّر بعد ان ابتعدت بي الحرب زمنا مهولا عن سنوات طفولتي .. اتذكّر كنت في ذلك الشتاء المدمّى الوذ بكنف شجرة شاخصة عند طرف الخندق , افكّر بالمرأة التي ساتزوجها في إجازتي الدورية القادمة فيشتد خوفي فيضيق بي الخندق والسفح . فيما كان الوقت يسيل مثل عصير عنب اسود مر !! كان وقتا دميما !! كأنه وقت قديم مرّ عليَّ من قبل , ولكن لا اتذكّر متى واين ؟ فالنسيان اتّلف ذاكرتي وانا في غمرة انشغالي بالبحث عن اسبوع طويل ينمو فيه الوقت دون حروب , لمحت من بعيد شيئا غامضا يخفق في الظلام , فافقت من شرودي وفزعي .. كأني لم ازل في اوّل الخراب , وجعلت افكّر بايامي القادمة التي سوف تذهب ادراج الضّياع .. فغدا عند اوّل الفجر ساكون اوّل الحاضرين في مقر اللواء لاستلام إجازتي الدورية , في تلك اللحظة لاح ليّ طيف المرأة . هل سأراها مساء الغد ؟ وهل اقوى على تقبيّل شفتيها ؟ العق فمّها الرطب الناعم الريان الطري بشفتيّ المجفّفتين المتيبّستين المتشقّقتين والمّلم طراوة خدّيها المورّدين وانا امص رحيق الرغبة بشفتيّ وباصابعي المتجمّدة على الزناد ... تفوّست اسفل الشجرة حالما لمحت ذلك الشيء الغامض يتدحرج في ضوء القمر الشحيح . ويغلق الممشى المنفذ الوحيد المفضي لسرّية الاسناد , فيعتريني إحساس مخيف بان مساء الغد بات بعيدا وضربا من الوهم , تقوّست كثيرا فانحسر الهواء ! وضاق بي فضاء الخندق , فاغمضت عينيّ فامسيت لا ارى ذلك الغموض المريب .. ولكني لا اتذكّر متى فزّزت مرعوبا على اثر صرخة تصاعدت في الظلام , ولما التفتُّ بالكاد لاح لعينيّ في نور القمر المفروش على السفح , جندي صديق واقفا فوق رأسي ! , انّ ما حدث جعلني اوصم نفسي بالعمى والغباء والخوف .. رأيت الجندي يفرش بدنه على السفح لم يرفع نظره وهو يحادثني , بكلام مبهم كأنه يأتي من بعيد , وهو يرى إلى المدى .. فيما كان الفضاء يضّج بوشيش قصف الهاونات ... فلم تعد تعينني ذاكرتي في تصور ملامح الغد , فمكّثت ازداد دهشة وقلقا كلما شعرت بالرعب ينمو قوّيا . فاجدني اتضأل كأني غير جدير بالمرأة التي تنتظرني عند المساء الذي بات بعيدا .. فخيّل ليّ إنّي اتذكّر المرأة في يوم لا مثيل له وهي تنتظرني في المساء , مساء لا وجود له !! او ما عدت اتذكّر ملامحه من شدة الخوف والنسيان والحرب ! , . بيد اني مازلت اتذكّر زفير المرأة وهو يلاحقني في ذلك الظلام ! . كدت اخرج من بدني , واموت مرات عدة حيال شبقها فكنت اصهل بقوّة وهي لا تمسك عن نسج خيوط لذائذها . ولكن متى حدث ذلك ؟ فانا ارتاب واشك في سلامة ذاكرتي التي لا تكف عن نسج الحكايات الملفّقة .. أكان ذلك المساء وهما ؟ ام واقعا ؟ لا ادري ! .. ولكن الذي ادريه أنّ الجندي الذي لم يزل مفروشا كاسمال رثّة مات , مات فوق السفح , على مقربة منّي !! اما كيف فالسماء وحدها تعرف .. انتظرت وقتا عصيبا انّ يلتفت ناحيتي ولكنه لم يجرؤ , كان الموت اقوى من انّ يتيح له ذلك . لا ادري متى اكتشفت موته , اظن عندما توارى طيف المرأة عني . فساد صمت ثقيل , فلبثت طوال مدّة الصمت والقصف المتنامي في البعيد افكّر بالجندي الذي مات وبالمساء المتخيّل وبالمرأة التي ما غادرت ذاكرتي في احلك الظروف والموت ! وانا متربّع على عرش الذكريات الممحوة .... كنت اشعر باللاجدوى وانا ابحث عن منبع الألم , ابحث عنه في رائحة نوم قديم ! , كنوم الجندي العميق . الذي كان يرنو صوبي بعينين منطفئتين , فامدّ يدي اتحسس بدنه .. لما يزل طرّيا ينبض بالموت . كانت جبهته باردة كأن حرب شتاءات طويلة مرّ عليها ! . فما زال الموت في اوّله يتحلّل متباطئا . كأنه يشد على يدي بقوّة الألم . الألم الذي ذهب بطفولتي نحو منافذ مغلقة بحواجز من اسابيع من الشقاء والذكرى . جمعة وراء جمعة واسبوع يعقب اسبوع , في مسيرة مهولة من الحرمان والدخان والخوف المتصاعد من عويل النساء المغادرات لرؤية الجنود في المحطات . كنت احدهم محمولا على اكتاف الريح , احلّق عاليا في سماء من البكاء الحار , بكاء امّي . واتلاشى على مهل في القطارات الصاعدة صوب الاسابيع المغلقة بجدران من الغربة والخوف ..حالما اترجل نازلا عند المحطة . محطة انتظار الأمهات المح امّي وسط ارهاط من الامهات المنتظرات , وهي تشد على قامتها . الامر ذاته يحدث للامهات الاخريات ,, المردّدات في تشكيلة عاصفة باللاجدوى دعاءا جماعيا يكتظ بالتضرعات والقلق .. المحهنَّ عبر نوافذ عديدة , اشدّها وضوحا , نافذة اوجاعي , المحهنَّ يرفلنّ باسمالهنّ , ابصر وسطهن أمّ الجندي الميت , الذي نفق عند السفح في الارض الحرام , ابصرتها _ او هكذا خيّل ليّ _ واقفة عند اقصى حافات الجبهة او الارض الحرام .. سمعتها هناك تهتف باسم الجندي الميّت _ او هكذا يخيّل ليّ __ فاعتراني الفزع فسمعتني اطلب إلى الجندي الميّت الذي لم يزل مفروشا عند السفح , انّ يصحو من موته ولكنه كان مستغرقا في موت عجيب , يعوم في مجرى من الصمت العميق , ومن شدة عمق الصمت . بدا ليّ كأنه لم يمت , او كأني لم اره في اي مساء من مساءات الحرب !! ..
مرّت سنوات عديدة على موتي , لما وجدتني اجري في نهار ما , من نهارات الحرب !!!!!!!!!! / انتهت /








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر