الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرؤية الكونية بعَيْنَيِّ -الساعة- و-المتر-!

جواد البشيتي

2014 / 3 / 8
الطب , والعلوم


كلُّ مُراقِب في الكون لا يرى الأشياء إلاَّ بـ "عَيْنَيِّ ساعته ومتره"؛ فحركة عقارِب السَّاعة متغيِّرة، وطول متره متغيِّرٌ أيضاً. وسبب هذا التغيُّر، وذاك، يكمن في "جاذبية"، أو "سرعة"، المَوْضِع الذي منه يرى المُراقِب ويَنْظُر ويقيس. وكُلَّما اشتدَّت "الجاذبية"، أو عَظُمَت "السرعة"، تباطأت حركة عقارب الساعة، وتقلَّص طول المتر؛ لكنَّ هذا المُراقِب لا يرى شيئاً، ضِمْن موضعه، من هذا التقلُّص، ومن ذاك التباطؤ، أو من عواقبهما؛ فكلُّ شيء عنده يسير ويَحْدُث كالمُعْتاد.
"العالَم الخارجي"، أيْ سائر الكون، أو كل ما يَقَع في خارج موضعه، ويكون مستقلاًّ عنه، هو ما يختلف ويتغيَّر، على ما يرى هو (أيْ من وجهة نظره، أو بالنسبة إليه). إنَّ "عَيْن" المُراقِب (وأدواته في القياس) محكومة حتماً (ومن وجهة فيزيائية موضوعية) بموضعه، وبجاذبية وسرعة هذا الموضع، أو بـ "نقطته المرجعية (إطاره المرجعي، زمكانه)".
لو كنتَ في موضعٍ هو الأشد جاذبية (أيْ الأشد انحناءً في زمكانه) لرَاَيْتَ كل شيء في "العالَم الخارجي" أسْرَع وأَطْوَل؛ فبُطْء الزمن لديكَ يُتَرْجَم بسرعة الأحداث والأشياء في سائر الكون؛ وتضاؤل طول المتر لديكَ يُتَرْجَم بزيادة الأطوال في سائر الكون. أمَّا المُراقِب الكوني الآخر، فيرى البُطْء في كل شيء في موضعكَ؛ كما يرى فيه الانكماش في الأطوال. أنتَ فحسب الذي ترى كل شيء عندكَ كما اعتدت رؤيته، ويَحْدُث كالمعتاد، وكأنْ لا جديد (بهذا المعنى) تحت شمسكَ. ولا فَرْق لو كنتَ في موضعٍ هو الأسرع.
تخيَّل أنَّ كوكب الأرض قد تحوَّل بغتةً (وبقوَّة ما) إلى "ثقب أسود" Black Hole. إنَّ كتلة الكوكب لن تتغيَّر؛ لن تزيد، ولن تنقص. وهذه الكتلة ستتركَّز الآن في نقطة صِفْريَّة الحجم، لانهائية الكثافة Singularity. أمَّا نصف قطر هذا "الثقب الأسود"، وهو المسافة بين تلك النقطة وبين "سطحه"، فلن يزيد عن 0.9 سم. ومع ذلك، يظل قمرنا يدور في المدار نفسه.
أنتَ الآن تعيش (تخيُّلاً) على "السَّطح" من هذا "الثقب الأسود". قلبكَ ما زال (من وجهة نظركَ أنتَ) ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة. طولكَ، الذي تقيسه بمتركَ، لم يتغيَّر؛ لم يَزِدْ، ولم ينقص. مشياً على قدميكَ، ما زلت تقطع مسافة 5 كم في الساعة الواحدة. سرعة الضوء عندكَ (أيْ في موضعك) لم تتغيَّر؛ لقد ظلَّت 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. طول "خط الاستواء" لم يتغيَّر؛ لم يَزِدْ، ولم ينقص.
أمَّا "العالَم الخارجي"، أو سائر الكون، فهو الذي اختلف وتغيَّر من وجهة نظركَ (أو بالنسبة إليكَ).
إنَّ الشمس الآن لا تبعد عنكَ 150 مليون كيلومتر؛ وإنَّما 5000 مليون كيلومتر (مثلاً، أو افتراضاً). وإنَّ نصف قطرها قد استطال كثيراً. وإنَّ الضوء يسير في فضاء بعيد عنكَ، وعن مصادِر الجاذبية، بسرعة 1000 مليون كيلومتر في الثانية. ولو كان لكَ توأم على سطح كوكب المريخ (مثلاً) لرأَيْته يشيخ أسرع منكَ بكثير؛ فكلمَّا زاد عُمْرك َبضع ثوانٍ، زاد عُمْره بضع سنوات؛ وقلبه ينبض (على ما ترى أنتَ) 1000 نبضة في الدقيقة الواحدة.
توأمكَ يرى أنَّ الثانية الواحدة عندكَ تَعْدِل سنوات عنده، وأنَّ كل شيء عندكَ أصبح أصغر بكثير من ذي قَبْل، ويَحْدُث في بُطْء شديد؛ فقلبكَ، مثلاً، ينبض 3 نبضات في الدقيقة الواحدة (بالنسبة إليه).
تَخَيُّلاً، أنتَ الآن قرَّرتَ السَّفر إلى الشمس التي تبعد عنكَ 5000 مليون كيلومتر؛ ولقد انطلقتَ نحوها بسرعةٍ، ازدادت تدريجاً حتى قارَبَت سرعة الضوء؛ وإنَّكَ لمتأكِّد تماماً أنَّ سرعتكَ القصوى لن تَعْدِل أبداً سرعة الضوء، وستظل دون 300 ألف كيلومتر في الثانية.
وبمغادرتكَ موضعكَ، انتقلتَ من "زمكان" إلى آخر؛ والآن ينكمش مترك، ويبطؤ الزمن لديكَ، لسبب آخر، هو تَعاظُم سرعتكَ إلى ما يُقارِب سرعة الضوء.
كان تقديركَ، قبل الانطلاق في رحلتكَ إلى الشمس، أنَّ وصولك إلى هذا النجم سيستغرق نحو 6 ساعات؛ فإذا به يستغرق 6 ثوانٍ. لدى انطلاقكَ، أَطْلَقْتَ نقطة ضوء نحو الشمس، وشَرَعْتَ تراقبها وأنتَ تسير وراءها؛ ولقد تبيَّن لكَ أنَّ تلك النقطة قد وَصَلَت إلى الشمس قبل وصولكَ أنتَ إليها بثانيتين مثلاً. وهذا يعني فحسب أنَّ المسافة التي تقطعها في سَفَرِكَ إلى الشمس قد اخْتُصِرَت وتقلَّصت في اتِّجاه حركتكَ أنتَ. ولو سُئِلْتَ الآن "كم كانت تبعد عنك الشمس لدى انطلاقكَ نحوها؟"، لأجَبْتَ قائلاً: كانت تبعد 1.2 مليون كيلومتر، قطعتها في 6 ثوانٍ (إذْ سِرْتُ بسرعة 200 ألف كيلومتر في الثانية).
في رحلتكَ، انكمش مترك، وتباطأ الزمن لديك؛ وينبغي لكَ، من ثمَّ، أنْ ترى الأحداث أسرع، في "العالَم الخارجي"؛ كما ينبغي لكَ أنْ ترى الأشياء أطول، إلاَّ المسافة فتراها تُخْتَصَر وتتقلَّص في اتِّجاه حركتكَ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تسجل 5 أرقام قياسية بموسوعة -جينيس- فى الكشف والتوعية با


.. مصر تسجل 5 أرقام قياسية بموسوعة -جينيس- فى الكشف والتوعية با




.. لقطات من الأقمار الاصطناعية للإعصار -بيريل-


.. شركة تكنولوجيا تابعة لغوغل تنسحب من -إسرائيل- وتغير وِجهتها




.. إخلاء المستشفيات والمجمعات الطبية في خان يونس وآلاف المواطني