الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين ثقافة الداخل وثقافة الجوادر..!!؟

كريم كطافة

2005 / 7 / 3
كتابات ساخرة


كتب الفنان (زياد حيدر) مقالاً بعنوان (حول المعرض المزعوم لمنظمة اليونسكو لفناني الداخل وفناني الخارج)*. كان ممتعظاً من (اليونسكو) التي أهملت العراقيين عقوداً، لتعود وكأنها تحاول تعويضهم بمعرض لثمانين فنان جرى الاتفاق حوله مع وزارة الثقافة، بتقسيم يشبه المحاصصة بين الداخل والخارج أربعين من كل متراس. له كل الحق في غضبته، خصوصاً حين يجري اعتماد العدد لا النوع، ولوحة لكل فنان لا ثلاث كما هي العادة لاستكشاف التجربة الحقيقية للفنان.
وأنا أقرأ مفردات الصديق (زياد) التي ينط من حروفها شرر الغضب والألم، نط في رأسي فجأة هذا العنوان المشاغب (بين ثقافة الداخل والجوادر). ولمن لا علم له بماهية هذه الـ(داخل وجوادر)، أخبره؛ أنهما مسميان لحيين من أحياء مدينة كان اسمها الأصلي (الثورة) لكنه ضاع بين حزمة أسماء اُختيرت لها رغماً عنها. كل أحياء هذه المدينة تسمت بأسماء اعتباطية ما أنزلت بها أمانة بغداد من سلطان. منها حيان؛ الأول تسمى بـ(الداخل) ولا أحد يعرف ولا أنا لماذا هو (داخل).. و(داخل) في أي ولأي. رغم أن الحي جغرافياً ينتمي للخارج، لأنه على حافة المدينة..!! والحي الثاني تسمى بـ(الجوادر) من (جادر) أي الخيمة، وهذا الاسم قد نجد له عذراً في أحد القواميس، لعله حاول أن يأرشف محنة سكانه الأوائل واتخاذهم من الخيام مساكناً، قبل وصول الطابوق وأخوانه من الجص والرمل والأسمنت. والمعروف في كل القواميس أن الخيمة (الجادر) هي صنو للترحال واللااستقرار وبما أن المنفى هو سفر دائم للمنفيين، لذا خرجت علي قريحتي الاعتباطية بهذا المصطلح الجديد؛ (ثقافة الجوادر)، وأريد منه ثقافة المنفيين.
شخصياً لم أعان من محنة داخل وجوادر في الثقافة، لسببين؛ أولهما؛ لأني والحمد لله لم ولن أحسب نفسي على الثقافة والمثقفين رغم أني أمارس ما يمارسون، وهذا ليس تعففاً أو هروباً، بل هو واقع حال، الوسط الوحيد الذي لا أجد نفسي فيه هو وسط المثقفين..!! لماذا..؟ لا أدري. لذلك حين يجري الحديث عن مثقفي داخل وجوادر، كأن الموضوع يدور حول جيراني وليس حولي، أعطيه إذن الطرشة، الإذن اليمنى من كتلة وجهي. أما السبب الثاني وهو الأهم، أني لم أجد في الثقافة العراقية محنة داخل وجوادر ولا هم ممتحنون، إنما هي تعاني من محن أخرى لا علاقة لها بداخل وجوادر..
حين أقرأ لـ(حميد المختار) وهو مثقف داخلي أشم روائح وطن يحترق ودماء تلعقها الذئاب وتحوير الإنسان إلى كائن في قفص ترعاه الوحوش.. وحين أقرأ لـ(غائب طعمة فرمان) وهو مثقف خارجي (جوادر) أستعيد ذاكرتي المفقودة عن حواري وأزقة بغداد القديمة، استعيد ملامح كل المنتمين إلى (صاحب أبو البايسكلات) وكل اللواتي خرجن ويخرجن يومياً من عباءة (سليمة الخبازة) .. وحين أقرأ لـ(لؤي حمزة عباس) وهو (داخلي) لا أقرأ أدباً سردياً كلاسيكياً، بل اقرأ جدلاً بين الفلسفة والسرد بين المتعة والتجهم بين الأنا المنصهر كما الرصاص في وطن الرصاص والأنا المتمرد على كل القوالب الرصاصية وغير الرصاصية. أذكر أن مخطوطته (المراحيض) التي هربها من الداخل إلى الخارج، قد فعلت فعلها معي وهربتني من الخارج إلى الداخل. وحين اقرأ لـ(إبراهيم أحمد) و(برهان الخطيب) و(نجم والي) و(جنان جاسم حلاوي) و(سلام عبود) و(سلام إبراهيم) و(فاتن نور) وهؤلاء جميعاً أدباء (جوادر) تعيدني نصوصهم إلى جبهات الحروب، إلى تلك المدن الترابية، إلى ملامح الرعب والخوف والقلق، إلى التمردات الفردية والجماعية، إلى أنواع الشذوذ الملم بالجنود والقادة.. إلى هواجس الموت في وطن الموت.. إلى ضفاف الأنهر الحزينة.. إلى عذوق التمر، إلى قصب وبردي الأهوار، إلى مقاهي أدباء العراق، إلى كل ملامح العراق. لم أعثر على نميمة تنم عن فوارز وشواخص تفصل هؤلاء عن أولئك. اختلفت الزوايا والعراق واحد. ولعل في اختلاف الزوايا غنى وليس محنة. الجميع تشربوا وامتثلوا العراق ليعيدوا إنتاجه رويداً على شكل نصوص متمردة على كل القوالب.
أما هل هناك ثقافة داخل وثقافة جوادر، أقول نعم. لكنها (نعم) أجدها قلقة، مرتبكة، ترنو برأسها إلى الاتجاهين، لأن من مثقفي الجوادر من هو كلاسيكي نمطي منشد ما زال لعقود الستينات وحتى الخمسينات، وكأنه لم يعش بين ظهراني الثقافة الأوروبية التي تنط نطاً من مدرسة إلى أخرى ومن ثورة إلى أخرى في كل أشكال ووسائل التعبير. ولأن من مثقفي الداخل من راود وبز كل صرعات التجديد والتثوير في وسائل التعبير المنتشرة خارج البلد، رغم الحصار المضروب عليه من كل الجهات.
من حيث المبدأ، حين أعرف أن (حميد المختار) إذا أراد الكتابة، عليه أولاً تدبر أمره مع العشيرة الساكنة في بيته، حيث يأخذ سلم خشبي ويرتقي به أعلى قمة في بيته (البيتونة) ومعه (واير سيار)، لينفرد بروحه ونجوم الليل.. لا أتصور إلا حجم المعاناة الجاثمة على صدور مثقفي الداخل، وبالتأكيد أن مأثرة (سلم حميد المختار) ليست هي الأصعب، لأن ما أن يختلي أحدهم مع نصه حتى تفح بوجهه حزمة فخاخ أسهلها عدم نشر نصه صعوداً إلى فرضيات القتل بالسيارة أو واقفاً أو تحت التعذيب أو مثروماً بمثرمة بشرية.. كل هذه المعاناة والهواجس ستفعل فعلها في نص الكاتب، أرادها أو لم يردها، علم بها أو لم يعلم، سلبية كانت أم إيجابية. وبالنتيجة سيكون لكل هذه المعاناة والهواجس دمغتها الخاصة بها. مثلما على الجانب المقابل؛ أن من قضى أكثر من نصف عمره خارج أسوار السجن الكبير الذي أسمه (وطن)، مترحلاً من بلد إلى آخر ومن قارة إلى أخرى، مختلطاً بثقافات وبيئات مختلفة ومتقاطعة مع بيئته وثقافته العراقية، سوف لا يسلم من مؤثرات موضوعية إيجابية في الغالب ستدمغ نصه ووسيلته التعبيرية.
لعل الاختلاف في النهاية سيدور حول فعل الحرية. بين من يشعر بها عن قرب ويمارسها وبين من يعشقها عن بعد ويسعى للوصول إليها، وبين التمتع بها وعشقها درب طويل من الإبداع تميل كفته لصالح العاشق، طالما الأول مهدد بالانطفاء في أية لحظة. الأمر يشبه أن تهيم عشقاً بسيدة جميلة تقول فيها أجمل القصائد والنصوص، لكنك ما أن تصلها حتى تطلقك أو تطلقها نزولاً أمام سجية إنسانية هي الملل. أو على حد تعبير (ماركيز) على لسان شخصيته العجيبة (ملكيادس) الذي عاد من الموت: عدت يا صديق من ذلك العالم الأبدي لأني لم أجد وراءه شيء.. لقد مللت الأبدية..!!
لكن، كل هذا شيء وما يجري التأسيس له شيء آخر. للأسف ثمة من يحفر إخدوداً يريده عميقاً في جسد الثقافة العراقية بين مثقفي الداخل ومثقفي الجوادر، ليدخلنا في ثنائية جديدة، وكأن ما يلفنا من ثنائيات ما زال غير كاف. ثمة من يتعامل مع الاختلافات الموضوعية التي فرضتها بيئات وظروف كلها شاذة وغير طبيعية سواء على مثقفي الداخل أو مثقفي الجوادر، وكأنها اختلافات عدائية تستوجب المواجهة والاحتراس وبالنهاية الإلغاء. على أحد المتراسين أن يلغي المتراس الآخر. ثقافة متاريس تكتل البشر في كتل عمياء متقابلة. من مثقفي الجوادر من لا يرى في الداخل غير كتلة بملمح وحيد شعاره (كلنا جنود القائد).. ومن مثقفي الداخل من لا يرى جماعة الجوادر غير كتلة بملمح وحيد شعاره (كلنا وراء الدولار..). لنفهم نحن المتفرجون أن الصراع ما زال يدور بين قائد مهزوم خذل جنوده مجرجراً أذيال العار والشنار على شعب (شنعار) وبين دولار أخضر بهي منتصر يجر خلفه ذيل طويل من العولمة التي لا ندري لها ملمحاً. لكن، هل هذه هي الحقيقة..!!؟؟
أدناه رابط مقال الزميل زياد حيدر
* http://www.sotaliraq.com/articles-iraq/nieuws.php?id=11050








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو