الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتمية التقشف

شريف عشري

2014 / 3 / 9
الادارة و الاقتصاد


تذمر البعض من تصريحات السيسي الأخيرة عندما طالب الشعب المصري بشد الحزام والعمل بجدية وبوجوب زيادة ساعات العمل ساعتين عن الوقت القانوني ...والذهاب للعمل سيرا على الأقدام ..الخ من تلك التصريحات ...وقد لعب البعض على هذا الوتر ومنهم (مناضل المحافل و المنصات ) السيد / حمدين صباحي بل ان البعض طالب السيسي بالرجوع عن تلك التصريحات واللجوء لموارد الدولة من سياحة وقناة سويس وجهاز علاج الفايروس سي ...الخ على أساس أنها كفيلة باخراجنا من هذا الوضع المتأزم الذى نعيشه !!
..والحقيقة أنني ألتمس العذر للمعترضين ( الوطنيين منهم طبعا غير هؤلاء العملاء والخونة وأعضاء الطابور الخامس ) لسببين هامين :
أما السبب الأول : الأول أنهم بالفعل قد عانوا السنين الطوال من شد الحزام تقريبا منذ حكومة الدكتور عاطف صدقي ومنذ الخطط الخمسية إياها ! ومنذ الوعود البراقة ! ثم أخيرا وجدنا جميعا انفسنا أن انتهي بنا الحال لحكومة عاطف عبيد وتبني سياسة الخصخصة التى فى الحقيقة بدت وكأنها تصفية وذبح للقطاع العام وتشريد العاملين فيه ( والذى به النسبة العظمي من العمالة بمصر ) ناهيك عن ان تلك السياسة( أى سياسة الخصخصة privatization قد قضت تقريبا على أعظم الصناعات التى بدأت في عهد الزعيم الراحل ( جمال عبد الناصر) ومنها صناعات الحديد والصلب وصناعة الغزل والنسيج ...الخ من تلك الصناعات الكبري ....و تلك الصناعات تتميز بوجود روابط أمامية وخلفية كبيرة بينها وبين صناعات أخرى backward & forward linkages ..... مثلا صناعة الحديد والصلب تستلزم وجود صناعات أخرى من الخلف تمدها بمستلزماتها الإنتاجية مثل صناعات استخراج الحديد الخام وبعض الصناعات الأخرى التى تعد مخرجاتها مدخلات لصناعة الحديد والصلب وتلك هى الروابط الخلفية أما الروابط الأمامية فنقصد بها ان مخرجات صناعة الحديد والصلب نفسها تكون مدخلات لصناعات اخرى قائمة عليها مثل صناعة السيارات وفلنكات السكك الحديدية والمسبوكات والأسيجة والابواب الحديدية والجنازير ...الخ من تلك الصناعات التى ترتبط بالحديد والصلب من الأمام ...ولا شك أن سقوط تلك الصناعة ومثيلاتها بالتأكيد سوف يجر معه سقوط لبقية الصناعات المرتبطة بها من الامام ومن الخلف وهذا معناه انخفاض فى الناتج القومي وزيادة البطالة وارتفاع الأسعار وتلك هى الآفات المزمنة التى يعاني منها الاقتصاد المصري بسبب تلك السياسات الغير رشيدة والغير محسوب عواقبها !! .
أضف لما سبق ان المصريين قد وعدوا بوعود خيالية لم يتحقق منها غير الشىء الزهيد جدا حتي الآن وربما لم يتحقق شىء يذكر ..فسوء توزيع الدخل مع زيادة معدل النمو السكاني مع تزاوج المال بالسلطة مع ضرب الفساد كافة أركان مؤسسات الدولة مع بروز التواطؤ الاحتكاري monopoly collusion مع انفصال البورصة عن الاقتصاد الحقيقي بحيث اصبحت مجرد اقتصاد لتدوير العملات recycling the currency ومرتع للمضاربة والمراهنات ولم تترجم نشاطاتها لتوسعات حقيقية فى استثمارات قائمة او إنشاء استثمارات جديدة تستوعب قدر من البطالة التى خيم شبحها فى سماء مصر وبسطت ظلالها فى ارضها ! كل ماسبق وأشياء أخري قد امتص كل تقدم محقق فى مستوى الاستثمار المخطط بحيث بدا وكأن شيئا لم يكن وكأنه لم يحدث أى نموا فى مصر .

أما السبب الثاني الذى يبرر اعتراض البعض على تصريحات السيسي فيكمن فى أنهم وغيرهم لا يدركون حقيقة الاوضاع الاقتصادية من ناحية ومن ناحية أخرى غير مدركين لميكانيزم السياسات الاقتصادية الذى ينبغي تطبيقه فى مثل تلك الحالات .
فالحقيقة أن مصر ورثت بالفعل تركة ثقيلة من جراء فشل الحكومات السابقة منذ السادات وحتى الآن ...وانه قد آن الأوان لتطبيق سياسة المكاشفة وليس المجاملة ..وانه لم يعد هناك أى مجال لأى وعود براقة ...فالخروج من المأزق الذى بلغناه يحتم على أى مسئول قادم مواجهة الشعب بالحقائق ليس هذا وحسب بل ان المسئولية ينبغي ان تكون مشتركة بين الشعب والسلطة لبلوغ اهداف محددة بحيث اذا ما تطلب إنقاذ الوضع الراهن تطبيق سياسات مالية ونقدية وتجارية إنكماشية contractionary monetary & fiscal& commercial policies من شانها رفع الضرائب وخفض الإنفاق وتقليص العرض النقدي ...وهذا ما نسميه كاقتصاديين (سياسات التقشف) التى تستهدف خفض الدخل القومي الفعال الى مستوى توازنى عند دخل العمالة الكاملة ومن ثم تحجيم التضخم وتحقيق الاستقرار فى الأسعار والأسواق ...فضلا عن إدارة الديون العامة الملقاة على عبء الدولة والشعب بطريقة تحسن بها مصر مركزها المالي و تسترد بها أيضا ثقة الدول الأخرى( المانحة والداعة ) وثقة الهيئات والمؤسسات الاقتصادية العالمية وبنوك التسليف .
ذلك هو التقشف وتلك هى اهدافه ! لكن لابد من التأكيد على أن التقشف لن يتحمله الشعب وحده كما حدث فى السابق بل ينبغى ان يشارك الشعب فى تقشفه رجال الاعمال والحكومة نفسها وهذا ما أغفله السيسي فى خطابه لذلك كان ينبغي عليه التأكيد على تلك النقطة الهامة ...فالتكلفة ينبغي ان يتحملها الجميع الغني قبل الفقير الحاكم قبل المحكوم المسئول قبل السائل ...فالجميع يسير فى نفس المركب ولكى يصل الجميع لبر الأمان لابد من أن يتعاون الجميع وبصدق وأمانة ومن لا يريد الاستمرار عليه بالقفز من المركب ..فأرض الله واسعة ...أما من يبقى فيها فهو الذي يحب هذا الوطن وهو الذي تأهل لجني ثمار النجاح فى المستقبل بإذن الله .
جملة القول فى نقاط :
1- ان اقتصاد مصر يئن وان اى رئيس قادم سوف يتسلم بالفعل اقتصاد منهك ومريض .
2- لا مجال للوعود البراقة فالوقت وقت مكاشفة ومصارحة لبدء تصحيح الذات . فالإفصاح عن الخبايا أمر لابد منه و المحاسبة وتقييم الأداء علنا بدون مواربة قضية حتمية وليست ترفيهية !
3- دق ناقوس العمل فمن أراد لنفسه ولبلده الخير فلا يفكر فى أى شيء سوي فى العمل ...ونماذج كثيرة أمامنا ينبغي ان نقتضى بها فالمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة تماما لكنها وقفت على أرجلها وتزعمت دول اليورو الآن ! واليابان خرجت تقريبا مسوية بالأرض لكنها الآن غزت الأسواق العالمية بمنتجاتها التى لا تضاهى ( من حيث التكلفة والجودة ) إذا ما قورنت بمثيلتها الامريكية او تلك الاوربية ..الخ .
4- تضامن كل من الحاكم والمحكوم فى الوضع الراهن بتحمل الاثنين آلام ومعاناة التقشف! فلن يتحمل الشعب وحده هذا ما لم يجد مشاركة معه من الحكومة ورجال الأعمال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا