الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الجيوسياسي و الجيوستراتجي بين روسيا وأمريكا فى الشرق الاوسط

حمدى السعيد سالم

2014 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في لحظة المخاض التي تمر بها الأحداث المتعلقة بالأزمة السورية باسم الثورة على نظام الاسد ، و ظهور اراء و مواقف متناقضة عربية للأسف يؤيد بعضها العدوان الغربي ، و كأن الامر مجرد مباراة لكرة القدم و ليست مأساة شعوب و دماء أبرياء ستسيل و مصير أمة ستضيع....نجد اللاعبين الكبار يفكرون بطريقة مختلفة تماما لا مجال فيها لمشاعر الانسانية و الاخلاق... و هذا كافر شيعي... و ذاك بار سني....يجب تحليل المعركة الحالية من اجل النفود الجيوسياسي من وجهة نظر الحرب التقليدية بين القوى القارية، المتمثلة في روسيا، و القوى البحرية، المتمثلة في أمريكا و الناتو..... و هده ليست ظاهرة جديدة، إنها استمرار للصراع القديم الجيوسياسي و الجيوستراتجي.... حيث مثلت التسعينيات فترة الهزيمة الكبرى للقوى القارية المتمثلة حينذاك بالاتحاد السوفييتي .....جورباتشوف رفض الاستمرار في الصراع..... كان دلك بمثابة خيانة و هزيمة امام العالم الاحادي القطب....و لكن مع بوتين ،في بداية القرن الواحد و العشرين، ثمة اعادة تفعيل الهوية الجيوسياسية لروسيا كقوة قارية.....

انها بداية منافسة جديدة بين القوى القارية و البحرية... بدأت منذ الحرب الثانية بالشيشان (1999-2009) .... روسيا في هذا التاريخ كانت تواجه هجمات ارهابية من الشيشان، و تخشى من انفصال شمال القوقاز.... بوتين فهم ان كل العالم الغربي، أمريكا و الاتحاد الأوربي، يؤيد الانفصاليين الشيشان و الارهابيين المتأسلمين الدين يحاربون الجيش الروسي..... ما أشبه الليلة بالبارحة ..كان المخطط يشبه تماما ما يقع اليوم بسوريا و البارحة بليبيا ومصر .... فالغرب كان يساند المجموعات المسلحة الشيشانية و كانت تلك هي اللحظة التي ظهر فيها مرة أخرى الصراع الجديد بين امبراطورية البر و امبراطورية البحر.... مع بوتين ، القوة القارية اعادت احياء نفسها.... و التجلي الثاني كان في غشت 2008، حين هاجم النظام الجيورجي المؤيد للغرب مدينة زشينوالي بأوسيتيا الجنوبية..... اذا لم تتدخل واشنطن و قبلت بشروط روسيا و الصين، فهذه نهاية أمريكا كمرشحة لمنصب القوة العظمى الوحيدة في العالم... فلهذا السبب، أعتقد أن اوباما سيتدخل بسوريا ..... و لكن من جهة أخرى، اذا بقيت روسيا في منأى و قبلت بالتدخل الامريكي و تخون بالتالي، نظام بشار الاسد، فستكون تلك صدمة كبيرة للهوية السياسية الروسية .....ستكون الهزيمة العظمى لإمبراطورية البر.... بعدها، سوف يكون من الممكن مهاجمة ايران ثم شمال القوقاز... من بين الجماعات الانفصالية في شمال القوقاز، هناك العديد من الافراد الدين يتوصلون بالدعم الأنجلوأمريكي و الاسرائيلي و السعودي.... إذا سقطت سوريا، سيتحولون مباشرة لمحاربة روسيا ...و بالتالي، فبوتين لا يمكنه أن يبقى محايدا و يتخلى على الاسد... لان هدا يعني، الانتحار الجيوسياسي لروسيا...

من الممكن القول، بأننا نعيش حاليا، الأزمة العظمى في التاريخ الجيوسياسي المعاصر.... حاليا ليس هناك حل بديل .....لا يمكننا ان نجد أية تسوية أخرى.... في هذه الازمة ، لا يوجد أي حل يمكن أن يرضي الطرفين.... و نعرف ذلك من المثال الارميني-الأذربيجاني و الاسرائيلي-الفلسطيني..... من المستحيل أن نجد حلا يقبله طرفا الازمة.... هذه هى نفس الوضعية ، اليوم، في سوريا...و لكن على نطاق أوسع.... الحرب هي السبيل الوحيد لتغيير واقع الحال...يجب ان نتخيل هذه الازمة كلعبة البوكر.... اللاعبون لديهم امكانية اخفاء قدراتهم، و ممارسة ضغوط نفسية على خصومهم، و لكن حين تبدأ الحرب، كل الاوراق تصبح فوق الطاولة..... حاليا، نحن في نهاية اللعبة، في اللحظة التي تسبق سقوط الاوراق فوق الطاولة..... إنها لحظة مصيرية، لان الرهان هو النفوذ العالمي.... إذا انتصرت أمريكا فستحقق ما عجزت عنه حتى اليوم، الهيمنة المطلقة على العالم...... و توطيد استمرارية النفود الاحادي القطبي و الليبرالي العالمي.... و في المقابل، اذا انهزم الغرب في هذه المعركة الثالثة (الاولى كانت حرب الشيشان، و الثانية حرب جورجيا)، سوف تكون نهاية أمريكا و هيمنتها... لهذا السبب، فمن المستحيل ألا يكون هناك أي رد فعل من القوتين المتواجهتين في سوريا....

لا يجب ان نسقط في خطأ القيام بتحليل نفسي لأوباما... لقد بدأت الحرب مند مدة في الكواليس.... و احتدمت الحرب حول بوتين... انه يتعرض لضغوط شديدة من طرف موظفين ليبراليين، مؤيدين لامريكا و اسرائيل، في محيطه.... انهم يحاولون اقناعه بالبقاء محايدا... الوضعية في روسيا مختلفة تماما عن نظيرتها في امريكا.... رجل،و هو فلاديمير بوتين، و الغالبية العظمى من الشعب الروسي التي تدعمه من جهة، و محيط بوتين من جهة مقابلة، يمثل طابورا خامسا للغرب .... هذا يعني ان بوتين اصبح وحيدا ... معه الشعب الروسي، لكن ليس معه النخبة السياسية.... و لهذا يمكن ان نعتبر ذهاب أوباما للكونجرس نوعا من الانتظار لمزيد من الضغط على بوتين... فالغرب يفعل كل شبكاته داخل النخبة السياسية الروسية للتأثير على قرار بوتين.... انها حرب خفية تدور حاليا....ففي الماضي البعيد، كانت القبائل البدائية تحاول التأثير على رؤساء الاعداء بواسطة أصوات قوية، و صراخ و طبول الحرب.... و يضربون على صدورهم ليخيفوا أعداءهم.... و محاولات أمريكا للتأثير على بوتين، ماهي الا شكل حديث للحرب النفسية قبل بداية المعركة الحقيقية...... فالادارة الامريكية تحاول أن تكسب هده الحرب دون مواجهة مع روسيا في الميدان.... و لهدا تحاول اقناع بوتين بالبقاء بعيدا..... و لها العديد من الوسائل للوصول لهذا الهدف....

أعتقد بان كل المظاهر الشخصية هي بدون أهمية تذكر لا في الجانب الامريكي و لا الروسي..... في روسيا، شخص واحد يأخذ قرار الحرب أو السلم..... في أمريكا، أوباما عبارة عن رئيس ادارة.... قراراته أكثر قابلية للتنبؤ بها..... قراره ليس بيده، انه يتبع فقط مسار السياسة الخارجية لأمريكا..... فيجب أن نقر بأن أوباما لا يقرر أي شئ..... انه فقط ممثل نظام سياسي، هدا النظام هو من يأخذ القرارات المهمة.... فالنخبة السياسية تقرر، و أوباما يتبع السيناريو الدي كتب له.... و بوضوح، فأوباما لا شئ.... أما بوتين، فهو كل شئ.....أعتقد بان بوتين سيفقد دعما أكثر لو بقي على الحياد اذا تدخل الغرب في سوريا.... أولئك الدين يساندونه يقومون بذلك من أجل نفوذ أقوى لروسيا.... و بقاؤه محايدا سيفهمه الشعب على أنه هزيمة شخصية له.... و لهذا فهذه الحرب هي من الاهمية بمكان بالنسبة للرجلين...و لكن اذا تدخل في سوريا، فعليه أن يواجه مشكلتين..... اولا، فالشعب الروسي يريد نفوذا قويا، و لكنه غير جاهز لأداء الكلفة.... حين يعلن عن كلفة أي تدخل، هذا من شأنه أن يصدم الشعبالروسى... ومن جهة ثانية، فأغلبية النخبة السياسية الروسية تدعم المعسكر الغربي.... فأعضاؤها سيعارضون بقوة قرار الحرب ضد حلفائهم، و سينتقدون بشدة قرارات بوتين.... هذا من شأنه أن يتسبب في أزمة داخلية.... و أعتقد بأن بوتين يعرف تماما ذلك...هذه وجهة نظرى حول ما يقع و ما سيقع على بساط أراضينا...و الخلاصة أن العرب في خطر ، و على أولئك البله الذين يؤيدون العدوان على الشام، أن يبكوا كثيرا ...فلا مجال للنحيب بعد سقوط الاوراق قريبا. ...


لعبة الإيلوميناتي هي لعبة تفضح خطط النخبة الصهيونية المتحكمة في العالم قام بوضع هذه اللعبة شخص يدعى ستيف جاكسون منذ عام 1995 يقال أنه كان ينتمي إلى المنظمات السرية ثم تركها و قام بفضح خططها أول كروت للعبة كانت 9 ثم يتم تحديث عدد الكروت كل فترة حتى تعدت 400 كارت .. ذكرت اللعبة أحداث و تفاصيل هجوم 11 سبتمبر 2001 بالتفصيل قبل الحادث ب6 أعوام !...و لمعرفة المزيد عن لعبة الإيلوميناتي و علاقتها بأحداث 11 سبتمبر و كونها حقيقة أو خيال شاهد رابط الموضوع التالي و قرر بنفسك :http://revfacts.blogspot.com/2011/05/blog-post_31.html ...لذلك الامريكان واليهود يعدون المسرح للحرب عن طريق الثورات وشعار القوة في يد الشعب .... هذه الاستراتيجية مستوحاة من مقاومة غاندي و المسلمين السلمية في الهند ضد قوات الاحتلال البريطاني حيث تم حشد ملايين من الهنود أمام آلاف من قوات الاحتلال فما كان لقوات الاحتلال إلا الانسحاب أمام هذه الأعداد المهولة فقرر الشعب مصيره دون حرب فأصبحت: القوة في يد الشعب...ولكن لاحظ أن مقاومة غاندي كانت ضد الاحتلال البريطاني وليست ضد دولة الهند نفسها، ويتم الآن تطبيق هذه الاستراتيجية لكن عن طريق طابور خامس داخل الدولة المستهدفة يقوم بمحاربة واستهداف مؤسسات الدولة ذاتها وجيشها بدون تدخل عسكري خارجي وبدون قطرة دم أجنبية واحدة بل وبقبول واسع من الشعوب المستهدفة في اعتقاد سائد بأن ما تقوم به هو ثورات شعبية مباركة في وجه الظلم والطغيان وفي سبيل "الحرية المزعومة والديمقراطية"، فيما يعرف بحروب الجيل الرابع أو القوة الناعمة أو حرب اللاعنف أو الكفاح السلمي.....

من ينفذ هذا النوع من الحروب هم عملاء خونة معادية للدولة من أبناء الدولة ذاتها أي جواسيس وعملاء داخل الدولة يعرفون باسم الطابور الخامس ومصطلح الطابور الخامس ظهر لأول مرة في الحرب الأهلية الأسبانية عندما قال الجنرال مولا: "ان اربعة ارتال تتقدم على مدريد لاحتلال المدينة ولكن هناك رتلاً خامساً داخل الدولة له القدرة على انجاز مالا يستطيع أي رتل عمله"....وهذا لأن الطابور الخامس ينخر في كيان الدولة من الداخل دون أن يعرف ذلك كافة المواطنين داخل الدولة، واسلوبهم في ذلك الاشاعة وزعزعة استقرار الأمم وتفتيت شملها وبث الشكوك والأراجيف في أركانها....رمز قبضة اليد المعبر عن القوة في يد الشعب هو الرمز الذي اتخذته حركات الطابور الخامس التي تطبق أيدلوجية الجراس روتس....البرادعي هو قائد تجربة الجراس روتس في مصر ....استراتيجية القوة في يد الشعب قد تؤدي إلى الفوضى الخلاقة لأن تحكم الشعب في مقدرات أمور الدولة على اختلاف أفراده وأحزابه وطوائفه دون ضابط ولا رقيب سيؤدي إلى الاختلاف و الافتراق وبالتالي البقاء في حلقة مفرغة من الصراعات والثورات بلا عمل و لا بناء....هذا هو التكتيك المستخدم الآن لغزو الدول المستهدفة عن طريق قوة شعوبها لتدمير أنظمة وأعمدة الدولة بدون الاضطرار إلى التدخل الأجنبي، حيث يقوم عناصر الطابور الخامس بالضغظ على الدولة من الداخل ويقوم المجتمع الدولي بالضغط من الخارج حتى تخضع الدولة في النهاية لقوانين المحتل الأجنبي الغير مرئي للشعوب في العملية برمتها !...

حرب اللاعنف هو التكتيك الجديد للغزو بلا تدخل عسكري إلا لو فشل هذا التكتيك في تحقيق الأهداف المطلوبة فيلزم حينئذ التدخل الخارجي العسكري بعد إضعاف مؤسسات الدولة وتدمير جيشها عن طريق عناصر الطابور الخامس الذي يعمل كجواسيس لصالح الغرب المعتدي داخل دولته بعلم أو بجهل !....الجراس روتس أو حروب الجيل الرابع هو تكتيك جديد وتطبيقه في الدول لازال تحت قيد التجربة خاصة بالعالم العربي .. نجح هذا التكتيك في كثير من الدول وفشل في البعض الآخر مثل إيران وفنزويلا وروسيا والذي يحدد ذلك هو الشعب نفسه وقياداته لأن القوة في يد الشعب وإذا تمت توعية الشعب واستخدام قوته لصالح مستقبله ولصالح دولته وترابط مؤسساتها وعن طريق توجيه قوة الشعب للعمل والبناء والمشاركة في المشاريع القومية بدلاً من الهدم فقد يتم انقلاب السحر على الساحر....حاول أن تتخيّل عالمًا حيث يكون الإرشاد الثقافي وسمات المستقبل تُصنع على نطاق واسع محلياً لا خارجياً..... حاول أن تتخيّل شباب بلادك – الذين هم رمز الأصالة والحماس والوعي السياسي – يرسمون طريقًا جديدًا للمفاهيم القوميّة استناداً على غرائز مقدمة إليهم من الداخل وليس من الخارج....بالطبع كلّنا نعرف أن حكومات الغرب تأمل فى قلب الخطط السياسيّة الطموحة للدول والكيانات المنافسة لكي تحافظ على هيمنتها العالمية وتحبط التوزيع المتكافئ للقوى على الصعيد الدولي...وبالرغم من أنّ هناك مستويات عدّة للاستكشاف والفهم، وطرق مختلفة لمكافحة هذا الخطر، الا انه لابد أن نوجد آفاق لعالم حيث يتم استبدال الخوف من الشباب والأفكار الجديدة بتبني الاحتمالات، تلك الاحتمالات التي يجب لهؤلاء الشباب تجسيدها بحق....

والفرضية هنا أنّه غير صحيح على الإطلاق (وكارثي) اعتقاد أن يكون المعارضون من كل دولكم "عملاء واعيين" للغرب أو فاسدين إلى حد كبير أو غير وطنيّين – ونقصد هنا جنود الشباب المحليين المدعومين من الغرب بأجندات سياسية – الخصائص المحدِّدة لنموذج المعارضين المموّلين من الغرب أنهم من الشباب، وعديمي الخبرة والفطنة، ومستواهم التعليمي مرتفع نسبيًا، ولديهم طموح شخصي، ومطلعين على الوسائط الإعلامية والتكنولوجية، ويميلون بشدّة إلى التمرّد على الأوضاع الراهنة (اعتقادهم عدم جدوى الثقافة الاجتماعية والسياسية الراهنة).....بكلماتٍ أخرى، إذا لم يكن هناك تمويل أجنبي ولا تدريب فني ولم تكن هناك مطامع أو أغراض للغرب وراء هذه الأحداث، لكانت ثورة هؤلاء المتظاهرين موجهة ومستوعبة من الثقافة الاجتماعية والسياسيّة المحلية، بل ولساعدت في إثراء هذه الثقافة بخصائص تحتاجها كل حضارة عظيمة كالتفكير الذاتي والسخرية والضحك والفن واللامبالاة والسمو، شئ يتعدى مجرد الثبات على الذات.....و لكن هذه الحركات "لسوء الحظ" لا تشكل مخاطر منعزلة لدولة محددة، بل إنّهم يهددون الأمن الدولي..... يستخدم الغرب الآن كلاً من الأزمات الإنسانية، والثورات الاجتماعيّة المزيّفة كجزء من خطته الإستراتيجيّة...... وهذا يجعل من الحركات السياسية المحلية أسلحة محتملة لصالح القوى الخارجيّة... وكما قال "ألان واينشتاين" (الرئيس الأوّل لصندوق الوقف الديمقراطي نيد NED) : "كثير مما يفعله صندوق الدعم الديمقراطي اليوم كانت تقوم به المخابرات الأمريكية CIA بسرية من خمس وعشرين سنة".....

وهذا يوصلنا إلى التحدّي الرئيس: كيف ننشىء استراتيجية فعالة للدفاع عن النفس.... الخدعة تكمن في توفير حلاً لا يغذي المزيد من النزاعات أو الاضطرابات؛ فالقهر يزرع الخلاف.... ولكل حركة معارضة تقنيّين يقومون باستخدام أساليب بسيطة وأدوات خرقاء ولكنّها تجعل السلطات النظاميّة يردّون عليهم بطرق مقولبة قسرية، فيستمد هؤلاء النشطاء قوّتهم من ذلك الرد الرادع ولا يضعفوا.... في النهاية يكون ذلك الرد الرادع بمثابة وصفة سحرية للهزيمة... وإذا كان ذلك الرد القهري واجبًا أو لابد منه، فيجب أن يتم بقدر من التوازن...من الأفضل لنا أن نتعلم كيف تُدار اللعبة الإمبرياليّة الآن، فساحة المعركة في وقتنا هذا أصبحت المجال المعلوماتي والمجال النفسي.... فالحرب الآن أصبحت في المقام الأول حرب إعلامية أكثر من أي وقتٍ مضى على مدار التاريخ ... وسبب أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية –على وجه الخصوص– أصبحت ذات تأثير بالغ فى هذا النوع من الحروب يرجع إلى أنّ الهيكل الكلّي للمجتمع الأمريكىّ قائم على أساس "الترويج والاستهلاك" كوسيلة للثراء والسلطة... ففي الولايات المتّحدة نجد أن صناعة الدعايا والإعلان والتسويق قد تم مزجها بسهولة في النماذج التنفيذية للسياسيّة الخارجية.... هناك فرق بسيط بين التسويق لمنتج كـ "كوكاكولا" والترويج لمبادرة سياسية خارجية ما، فالشركات تبيع بضائعها عن طريق حملات إعلانيّة وتسويقيّة، والحكومات أيضًا تسوّق لسياساتها عن طريق عديد من تقنيات التحكّم في المعلومات والتحكّم أيضًا فى نشرها وتسويقها....مثلما تسوّق الشركات لمنتجاتها، فإنّ الدعايا تكون مؤثرة في المقام الأول من خلال رسالة عاطفية لا تحليل انتقادي... والغرض هو تعزيز سلوك معين، سواء كانت النتيجة ستكون تعزيز شراء بنطلون جينز أزرق، أو دعم مبادرة اجتماعيّة أو الدعوة إلى ادراج المرء بين كتيبة من المتظاهرين، كل منهم تم جره إلى الشوارع طوعاً لإضعاف أركان حكومة ما....

أحد التقنيات المتبعة التي يتبناها مروّج الأفكار أو أخصائي الدعايا أو المسوق (الموظف للإطاحة بحاكم غير مرغوب به بالنسبة للغرب) هي نفس الطريقة التى تتّبَع فى عالم الشركات والتسويق والإعلان، وهي: "العلامات التجارية"، ففي الأساس يقوم المروّج بطرح ما يدعم العلامة التجارية لحركة معارضة بينما يقوم في نفس الوقت بطرح ما يُضعف العلامة التجارية الخاصة بالنظام الحاكم المستهدف (التسويق لبضاعة مقابل إضعاف بضاعة أخرى ليس لمصالح الثراء والبيع للسلع الاستهلاكية بل للمصالح السياسية)...كل التفاصيل الحرجة أو الدقيقة يتم استبعادها من الحملة الإعلاميّة للمروّج، ويتبقّى فقط تلك الأحداث أو اللقطات التى تمس الجانب ذو التأثير النفسي أو العاطفي للعلامة التجارية (كتعدّى الشرطة على متظاهر بالضرب، أو سحل آخر و تعذيبه).... نادرًا ما سيتناول المروّج القضيّة بشىء من الموضوعيّة أو يتحدّث عن مشكلة مجتمعية أو حلولٍ ملموسة، ولكنّه سيروّج في المقابل للقضايا بمصطلحات عاطفية فضفاضة... فحركة المعارضة يتم الترويج لها بشعارات مثل (المرح أو التمرّد أو الثوريّة، إلخ...) بينما تكون المشاكل لمجتمع كامل غير محدّدة، ومختزلة فقط في مصطلحات (الفساد، الطمع، حب السلطة، الديكتاتورية)، والهدف من ذلك إرسال هذه الرسالة ببساطة وباستمرار لتجعل الرأي العام يؤمنون أنّ هذه هي الحقيقة....يقول إيفان ماروفتش (المؤسّس المساعد لحركة أوتبور الصربيّة، وخبير دولي بمجال إسقاط الأنظمة الحاكمة): "أنا أكره السياسة، إنّها مقرفة ومملّة، وليست ممتعة.... الناس العاديّون يكرهون السياسة، ولكنّك تحتاج إلى أناسٍ عاديّين لتحدث تغييراً، ولتحقيق ذلك عليك أن تجعل السياسة شيئاً مثيرا وجذابا ومرحا، وتحوّل الثورة إلى موضة"....

هذا المنطق التسويقي لدى الغرب يعمل بنفس الطريقة لإقناع شعوبهم بشرعية التدخّل السافر لدولتهم في الشئون الداخليّة لدولةٍ أخرى وفق أهداف السياسة الخارجية... وعلى سبيل المثال، رئيس بلاروسيا الأسبق "ألكساندر لوكشنكو" معروف لدى شعوب الغرب "كآخر دكتاتور بأوروبّا" وهذا هو الشعار المميز له في الغرب، وهذا الشعار تمت صناعته لتمهيد الجمهور الغربي لتقبل عزله المفاجئ عن السلطة.... وكذلك معمّر القذّافي في ليبيا ظلت مزاعم تبنيه الفساد ورعاية الإرهاب تلاحق صورة القذافي لسنوات عدّة، حتى أصبحت حقيقة استطاعت تمكين حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليس فقط من إسقاط القذافي الغير قانوني بل وقتله، حيث ينبغي أن يُنظر لذلك بأنه أمر عادي غير مفاجئ.... فقد تمّ التسويق لهذا المصير سلفًا وتم بالفعل تهيأة المجتمع الغربي للتفاعل مع الحدث دون تدقيق لهذا الانتهاك الصارخ للعدالة الدولية... بل كان مقتل القذّافى بالنسبة للغالبية من الشعوب الغربية بمثابة "انتصار للشعب"....الحل الوحيد لإنشاء خط دفاع ضد هذه التقنيات التسويقيّة القوية، هو منافستها وتحدّيها بالمِثل....لا ينبغي أبداً تقييد الإعلام المعارض أو حظره، بل يتعيّن على الحكومات تقديم إعلام محلّي وتزويده بالأدوات المطلوبة للقيام بهجوم مضاد فعّال.... يجب أن ترعى الحكومات وسائط إعلاميّة أحدث وأفضل، يجب أن يغرقوها بالدعم المادي، ويروجوا لها ثقافيًا واجتماعيًا، ويجب عليهم أن يقوموا بتنمية المبادرات التعليميّة التي تطوّرها.... ويجب أن يجعلوا الوسائط الإعلامية أكثر متعةً وترفيهًا وإثارة، وأن يمزجوها بالموضوعيّة والنقد البنّاء....ينبغي أن يُستخدم الإعلام لتفكيك السلعة التي يبيعها الغرب، ويجب أن ينجح في تقديم سلعة بديلة....

الفكرة هنا تكمن في توظيف الشباب بدلاً من القبض عليهم... وتوظيف مسؤولين في الحكومة ذوي مصداقية، يمكنهم استغلال الطاقات الشبابية العنفوانية....إنّ تنمية الوعي القومي وحب الوطن لدى الشباب لن يكون فعالاً أبداً بالتغاضي عن تصرّفات الحكومة والركوع أمام قراراتها.... بل الطريقة الأهم والأمثل لاستغلال الشباب في تقرير مصير وطنهم أن يصبحوا جزء من الهيكل الداخلي للسلطة، وإلا سيُترك هؤلاء الشباب للتيهة والتشويش وسيكونوا عرضة للوقوع في الشباك القادمة من الغرب...على صعيد أخر الإعلام المستقل أيضًا يمكنه أن يساعد، على المستويين المحلي والعالمي...فمن خلال العدسة الناقدة للإعلام الغربي المستقل، فإن النظرة الحالمة للحياة في الغرب التي تُباع بخدع الدعايا، يمكن الطعن فيها بطرق مشروعة.... المصداقيّة ضرورية في هذه الحالة... فإن هذه الانطباعات الحالمة للحياة في الغرب، إذا تم انتقادها بواسطة الحكومة المحلية سيمكن بسهولة وصفها بالشائعات المغرضة.... بينما إذا صدرت نفس المعلومات من إعلام غربي مستقل، فإن الانطباعات ستكون أن المعلومات شيقة وغنية... وهذه الأصوات المستقلة كثيرة في الغرب، ولكن الصعوبة تكمن في العثور على هؤلاء المستقلّين الغربيين والانتفاع بهم....

كيف ينظر إلى دولكم في الغرب؟ ما عليك معرفته أنّ الجماهير بالغرب (وبأميركا بصفة خاصّة) لا يسمعون بوجود دولةٍ ما ومشاكلها الداخليّة إلا عندما تُستهدف تلك الدولة للعدوان عليها علناً، وعلى الرغم من أنّ نسبة صغيرة من الجماهير الغربية بتلك البلاد يمكنهم في يوم ما رؤية ظلم ذلك العدوان، ولكن بحلول ذلك الوقت يكون قد فات الأوان....هذه السياسات والدوافع الخفيّة التي تقف خلفها، يمكن التكهّن بها واستباقها من الحوارات الدائرة بالوسائط الإعلاميّة الغربية....المنطق هنا يحتم على واضعي السياسات والزعماء المحليين في كل دول العالم إدراك أهمية العثور على الأصوات الإعلامية الغربية المستقلة وتقويتها، وتوسيع التواصل معهم؛ بعبارة أخرى مساعدة الصحفيين الغربيين على استخدام برامجهم الأكثر فعالية لتقديم رؤية أكثر اتزاناً عن بلادكم، وعليكم ضمان أن يكون المسئولين فى الدولة والدارسين متاحين للحوار مع هؤلاء الصحفيّين والإعلاميّين كمصادر للمعلومات، وتشجيع المؤتمرات الحساسة والتبادلات الثقافية.....أي مساعدة الأصوات الأجنبية المستقلة لتغييرالصورة التي يتم تسويقها لبلادكم في الغرب....

روسيا قدّمت مثالا يُحتذى به ببث الشبكة الإعلامية الانجليزية "روسيا اليوم" ، فهي تقدم منبر إعلامي رفيع المستوى للمحلّلين الغربيّين. وأصبحت "روسيا اليوم" تقدّم انتقادات خطيرة للسياسة الغربية مع القدرة على تحدي وإفشال الحملات الدعائية التي يقدمها صندوق الوقف الديمقراطي نيد NED والمخابرات الأمريكية CIA.....ومن خلال هذه المساهمة أصبحت "روسيا اليوم" فى العديد من الدوائر ذات رؤيا إعلاميّة متقدّمة بل على القمة في الغرب، وبالإضافة إلى ذلك ينبغى الآن على الحكومات الغربيّة -حتى التي ليست مستهدفة- مكافحة الإخبارات الإعلامية المدمرة، حتى في المناطق التي عمل عليها المسوقين الغربيين قبل ذلك.... العالم الآن حيث تسوده الحرب الإعلاميّة والمعلوماتيّة، فإن جوهر حماية السيادة الوطنية يكمن في التغيير. ليس تغيير القيم بالضرورة، بل تغيير المواقف ووجهات النظر، ومن شأن السياسة الحكيمة تبني هذا التغيير واحتضانه....لماذا لا نقود النضال من ساحات المعارك التقليدية إلى عالم الإعلام -التلفاز ومحطات الراديو والكتب والبلوجرز والمنشورات البحثية؟...لماذا لا نأخذ المعركة إلى الساحة المؤثرة؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احسنت واجدت
غانم ( 2014 / 3 / 9 - 10:43 )
مقالة وتحليل رائعين وما احسن ماقلت ان ما سيقع على اراضينا العربية والعرب لخطر كبير وعلى البله ممن يؤيدون العدوان على الشام ان يبكوا كثيرا ولا مجال حينها للنحيب بعد سقوط الاوراق قريبا

اخر الافلام

.. 3 خطوات ستُخلّصك من الدهون العنيدة


.. بمسيرات انقضاضية وأكثر من 200 صاروخ.. حزب الله يهاجم مواقع إ




.. نائب وزير الخارجية التركي: سنعمل مع قطر وكل الدول المعنية عل


.. هل تلقت حماس ضمانات بعدم استئناف نتنياهو الحرب بعد إتمام صفق




.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل