الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتماد على الذات الوطنية أولاً

بدر الدين شنن

2014 / 3 / 9
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


القول أن الأزمة السورية ، التي انفجرت ( 2011 ) قد بدأت منذ انهيار المعسكر الاشتراكي وانهيار التوازن الدولي ( 1991 ) ليس بعيداً عن الصواب . إذ أن هذا الانهيار لم يكن محدوداً في المكان والأبعاد والمنعكسات ، وإنما هو انهيار ، سياسي ، وعسكري ، واقتصادي ، و " فكري " . شمل العالم كله ، بأشكال مختلفة ، آنية ومؤجلة ، وأثر سلباً على البلدان المسماة بالعالم الثالث ، وخاصة تلك التي موضوعة ، لاعتبارات جيوسياسية وثروات حيوية ، ضمن الأهداف الستراتيجية للإمبريالية ، ومنها سوريا . ما أدى إلى انزياح وخضوع شبه " كوني " إلى القطبية الدولية الأحادية الأميركية .. وإلى التعامل مع طروحات وإملاءات هذه القطبية ..
وكان أخطرها ما سمي بنهاية التاريخ .. أي نهاية الخيارات الاجتماعية الاشتراكية وأبدية الرأسمالية .. وبدء عهد العولمة الأميركي ، الذي يرمي إلى إلغاء الحدود السيادية للدول ، وإلغاء الخصوصيات الفكرية التي تبنى عليها الهوية المستقلة ، وإلغاء حق خيارات الشعوب الوطنية في بناء هياكلها السياسية ونمط اقتصادها وتحديد مستقبلها .
وقد عزز هذا التحول الدولي الجديد ، أن من آلت إليه القطبية الدولية ، وأتاحت له فرصة الهيمنة على العالم ، أن كافة مؤسساته وآلياته ، ومنظوماته السياسية والعسكرية والاقتصادية ، وملحقاته الدولية ، ظلت قائمة ، ولعبت دوراً أساسياً في ارتفاع مستوى قدراته للهيمنة على العالم .

لقد فتح التحول الكبير في الوضع الدولي مرحلة جديدة ، معاكسة .. مزورة .. لحركة التطور الاجتماعي التاريخية .. ومعاكسة لمصالح الشعوب .. والطبقات الشعبية بشكل خاص .. امتدت عقدين من السنين .. أحدهما ختم قرناً مضى والثاني دشن قرناً أتى . وقد تمثلت هذه المرحلة بالعديد من الحروب الإمبريالية اللصوصية بذرائع واهية ، أو مصطنعة ، في مختلف مناطق العالم ، في أوربا وآسيا وإفريقيا . وبانعطاف العديد من النخب السياسية و" الفكرية " ، المتسمة تاريخياً ، بالموضوعية واليسارية نحو التعاطي السيء المنسجم مع التحول العولمي الجديد ..
أسوأ منعكسات هذا التحول ، هو ما وقع على البلدان العربية في المشرق وشمال إفريقيا ، وذلك لأسباب جيوسياسية اقتصادية تتمتع بها هذه البلدان ، لاسيما كونها تحتوي على مخزون هائل من البترول والغاز ، وسوق استهلاكية واسعة ، حيث جرى استهدافها عبرمخططات التدخل في شؤونها واستغلال فواتها ونواقصها السياسية ، لتفكيكها ، والهيمنة عليها ، وسرقة ثرواتها . فمنذ ( 1991 ) تعرضت بلدان عربية عدة للحروب العدوانية الإميريالية والإسرائيلية ، شملت العراق ولبنان وغزة والصومال وليبيا وسوريا . وآخرها الحرب الإمبريالية الإرهابية المتواصلة منذ ثلاث سنوات ، والتي أدخلت مصر مؤخراً في قوس عملياتها واستهدافاتها .

من المؤكد أن عدداً محدوداً فقط من المختصين والمهتمين ، يعرف حجم الخسائر المادية والبشرية والاجتماعية الهائلة ، التي وقعت نتيجة هذه الحرب على البلدان العربية ، والتي طالت بناها التحتية ومعالم حضاراتها وعرقلت ، أو أوقفت عمليات الانتاج فيها . لكن السؤال الواجب هنا .. هل ما أعلن من أهداف لهذه الحروب يستحق هذا الثمن ؟ .. وهل تحقق هذه الأهداف مرتبط حصراً بمثل هذه الحروب ؟ ..

العقدة الرئيسية .. الخديعة الكبرى .. في لعبة التغييرالأجنبي من الخارج في البلدان العربية تكمن ، في استسلام النخب الناشطة والأنظمة القائمة ، لنظرية نهاية التاريخ وأبدية النظام الرأسمالي وسيدته أميركا ، الذي فرض إعادة قولبة العقل والوعي في فهم أسس الاجتماع السياسي ، وأسس القيم الوطنية والقومية ، لبناء قناعات بحتمية الهيمنة الأميركية على العالم ، وبتوزيع النفوذ والمصالح بين ضواري الرأسمالية ، وبكل ما يترتب على ذلك من آثام وخطايا وضحايا ولو طالت حياة الملايين من البشر .. والقبول ببقاء وهيمنة إسرائيل .. بل واعتبارها حزءاً راسخاً من منظومة الشرق الأوسط ، كأمر لابد منه ، لانخراط الدول والمجتمعات العربية في فضاء العولمة الأميركية .
بمعنى أن الجزء الوطني صار متطابقاً مع الكل العولمي ، في الاقتصاد ، والاجتماع السياسي ، والمصلحة تتطلب المصالحة الشاملة ، الإقليمية والدولية ، وإسقاط العداوات السابقة والخلافات الموروثة والعصبيات الوطنية والقومية .. وبالتالي إسقاط الحدود السيادية .

وعلى خلفية هذه " القناعات " الجديدة ، تشكل قطاع سياسي عربي واسع ، يعمل على تحقيق سيرورة العولمة المزيفة . ويضم هذا القطاع خليطاً من القوى السياسية التي كانت سابقاً ، متعادية ، وأحياناً متذابحة . مثل القوى الليبرالية ، والماركسية المستقيلة من اليسار ، والأخوان المسلمين ، وتيارات قومية ودينية ثأرية متطرفة . وهذا ما يفسر أن يقبل الأخوان المسلمون " جورج صبرا " رئيساً لمجلسهم الوطني . ويفسر مخاطبة " محمد مرسي رئيس مصر السابق " شمعون بيريز رئيس دولة إسرائيل ب " صديقي العزيز .. ويختم التودد إليه بعبارة صديقك الوفي " . كما يفسر تلاشي روح العداء لإسرائيل في صفوف " المسلحين الجهاديين " وعدم القيام بما يش بشيء من العداء لها .

وقد تزعزع كل هذا التحصن بالقناعات العابرة البشعة ، عندما أفضت قوانين الرأسمالية التنافسية ذاتها ، كما هو متوقع علمياً ، إلى ظهور مشروع دولي جديد عولمي آخر ، ليس طامعاً بتقاسم نفوذ هامشي هنا أو هناك مع السيد العولمي الأحادي ، وإنما يرفض كل المشروع المبني على الأحادية القطبية .. وبدأ الصراع لبناء عالم جديد متعدد الأقطاب ، تنتفي فيه كل الطروحات ، التي مهدت وسوغت لأبدية الهيمنة الأميركية ، وبدأت منعكسات التحول الدولي الجديد تهدد مشروع العولمة الأميركية وأدواته السياسية " والفكرية " بالفشل .. وحدث الفراغ السياسي " والفكري " .

وانكشفت الخديعة الكبرى ، وتجردت القناعات من غطاء القوة المطلقة ، وظهر أنها خيانات ، للعقل ، وللسياسة ، وللوطن ، وللإنسانية . وانكشف فراغ عالمي سياسي شبه تام . وتبين أن الحكومات والأنظمة القائمة ، لم تعد هي وحدها ، فاقدة للصلاحية ، وإنما طبقة واسعة من النخب السياسية " والفكرية " ، التي تتحرك ضمن الأطر الحزبية وخارجها ، قد فقدت صلاحياتها أيضاً ، ولم تعد جميعها مقنعة للشعوب .

وقد انكشف هذا الفراغ في البلدان العربية ، بصورة فضائحية مثيرة . إن النخب وأحزابها ، التي تطبعت ، والتزمت ، بمفاهيم ومتطلبات العولمة ، وتصالحت مع أعداء الوطن التاريخيين ، مقابل تسنمها السلطة ، قد فقدت أقنعة مصداقيتها المزيفة ، والحد الأدنى من القدرة على التأثير في مجريات الأحداث حولها ، ما أدى ، في السنوات الأخيرة ، إلى أن تطرح القوى الدولية الداعمة لها ، الإرهاب ، المتمثل بالجماعات المسلحة الداخلية والخارجية ، للقيام بالمهام الصدامية الحاسمة ، التي ترمي إليها المخططات الإمبريالية في هذه البلدان .
بيد أن الدول الكبرى ، التي تتعامل بمسؤولية مع المتغيرات الدولية ، تشتغل في كل الأحوال ، على أن تظل مسيطرة على تفاعلات الفضاء الدولي الناشئة ، وتشتغل على تدويل المناطق الساخنة ، بوضعها قيد التداول فيما بينها ، والبحث عن قواسم مشتركة في الحلول الإقليمية والوطنية ، تحت سقف صفقات وقرارات ومصالح دولية .

إن صراعات الشرق الأوسط تعبر بوضوح عن هذه السمة الجديدة في العلاقات الدولية ، حيث فقدت دول المنطقة ، وقواها المتصارعة ، القدرة على اتخاذ قرار مصيري حاسم ، في صراعها مع الآخر الخارجي ، أو الآخر الداخلي ، دون أن تأخذ بالاعتبار الموقف الدولي من قرارها ، أو تأخذ مسبقاً موافقة " الصديق " الدولي من هكذا قرار . والحالة السورية أكثر تعبيراً عن كل التطورات الطارئة في التوازن الدولي ، في صراعها مع إسرائيل ، وفي حربها ضد الإرهاب ، وفي حوار( سلطة ـ معارضة ) . إن أهل الحكم ، وأهل المعارضة على اختلاف تلاوينهم ، لايخفون ، بل يعلنون ، ويتفاخرون ، بمساندة الأطراف الدولية لهم . ويجتهدون جيداً ، في قراءة التجاذبات ، والتقطعات ، الدولية ، ومدى انعكاساتها ، السلبية ، والإيجابية عليهم .

وكما يقال لكل بداية نهاية . إن مرحلة القطبية الدولية الأميركية قاربت على نهايتها ، واقتربت معها نهاية ما بنيت عليه العولمة من أفكار وسياسات ومسوغات . علامات هذا الاقتراب من النهاية كثيرة . منها الأزمة الرأسمالية المالية العالمية ، التي زعزعت في الأربع سنوات الماضية ، اقتصاد بلدان رأسمالية عدة وعلى رأسها اميركا ، وعززت توجهات التكتلات الاقتصادية والسياسية ، المستقلة عن هيمنة القطبية الأحادية . وظهور دور دولي هام لمجموعة " بريكس " ، ومحور شنغهاي ، والسعي الحثيث لإقامة اتحاد أوراسيا . وفوز اليسار بالحكم في عدد من بلدان أميركا اللاتينية ، وفشل وقف المشروع النووي الإيراني .
لكن المواقف المتباينة من الحرب السورية ، هي الأكثر وضوحاً ودلالة . إذ لم تستطع القطبية الأحادية الأميركية أن تستخدم مجلس الأمن الدولي ، كما حدث في ليبيا ، 2011 ، لتمرير عدوان " أطلسي " بقيادتها على سوريا فحسب ، بل لم تستطع تجنب اختراق هيبتها وسطوتها بالفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن دعماً لسوريا . ثم كانت علامة أخرى ، سورية الطابع أيضاً " حيث أعدت هذه القطبية الجيوش والعملاء ، والأساطيل ، والصواريخ ، في آذار 2013 ، للهجوم على سوريا ، لكنها في اللحظات الأخيرة ، لم تستطع ، تحت ضغط ميداني ، ورفض طرف دولي وازن آخر للهجوم ، أن تنفذ هجومها ، وانكفأت تعزي النفس باتفاق ثانوي ، لايحقق ما كان مخططاً للهجوم الكبير أن يحققه .

ما مفاده ، أن من كان خياره العولمة والأحادية القطبية الدولية الأميركية ، أن يفكر ، بأن نهاية هذه السيرورة الدولية ، آتية غداً وليس بعد غد . ما يتطلب عند العقلاء ، إعادة النظر بهذه التجربة الشاذة الخاسرة ، والعودة إلى الخيارات ، الوطنية ، والقومية ، والديمقراطية ، المرتيطة جذورها وحركتها بالمجتمعات التي ينتمون إليها .. فقط الأغبياء .. ولن نقول الخونة .. الذين يستمرون في رهانهم ، لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية وفئوية ، على هيمنة الإمبريالية العالمية عامة والأميركية خاصة ، وعلى الإرهاب التدميري الدموي الرجعي ، ويربطون مصيرهم ومصير وطنهم بمصالحها ومخططاتها المتعارضة مع مصالح الشعب .. ليفوزوا بالمزيد من المكاسب المادية الشخصية .. وليدنون أكثر من تسنم السلطة .. هم ليسوا عاجزين عن التفكير بذلك ، بل إنهم لايريدون .

لكن هذا لايعني ، بالنسبة للسوريين ، أن نهاية الأزمة السورية ، ونهاية الحرب الظالمة التي تدور فوق الأرض السورية ، ستواكب بالضرورة ، تلقائياً ، انهيار القطبية الأحادية الأميركية ، التي تقف وراء ما يتعرضون إليه من أزمات وحروب وتدمير ودماء . ومثلما ’يتوقع أن يحد الصراع حول القطبية الدولية ، من حجم الإنتشار الإرهابي ، ومن الأضرار المادية والبشرية ويمهد لإنهاء الحرب ، ’يتوقع أيضاً أن يحدث تصعيد في الحرب ، لاستخدام حصاده في حوارات وصفقات دولية ، أو في حوارات سورية ـ سورية .

إن كل ما تقدم ، حول التحولات الدولية ، ومنعكساتها الإقليمية والوطنية ، لايدعو إلى الاتكالية ، كشكل من أشكال القدرية ، أو الرهان على التداعيات الدولية ، التي لاتخلو أحياناً من مفاجآت مؤسفة . وإنما يدعو إلى الاعتماد على الذات الوطنية الموحدة .. المتآخية .. أولاً .. وثانياً .. وثالثاً .. ثم العمل على الاستفادة ، برؤيا واضحة ، مما يجري في البلاد وحولها وفي العالم .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا


.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟




.. اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي في فر