الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمالية السرد النسائي

محمد يوب

2014 / 3 / 9
الادب والفن


جمالية السرد النسائي
قراءة في رواية"نهر الصبايا"
للروائية سمية البوغافرية
عند قراءة رواية "نهر الصبايا" للأديبة سمية البوغافرية نشعر وكأننا أمام سرد روائي يجمع بين جمالية السرد الروائي و فتنة السرد الحكائي حيث إن الرواية تتحدث عن مجموعة من الحكايات الغابرة في التاريخ الانساني
و التي تتناول قصة نهر الصبايا الذي وقع تحت سيطرة المرأة/العجوز"عطوف القطوف" وبدأت ترمي فيه الرجال الذين يرفضون الخضوع لأوامر المرأة يكون مآلهم هو التعذيب و التنكيل بهم أمام مرأى من أعين أبنائهم،وهذا ما حدث لأم شموسة التي كانت تنال من زوجها الذي يقاسي كل أنواع التعذيب و السب و القهر المادي و المعنوي،غير أن شموسة الشابة لم يكن يعجبها هذا المنظر وكانت تريد أن تكسر هذا التقليد حيث دخلت في علاقة غرامية مع شبور الذي دخلت معه جنان الحب بعدما اجتازت معه امتحان العشق ،عكس أخيها صحصوح الذي كان ضحية خديعة شقشوقة التي اتخذته وسيلة للعبور مع حبيبها شبلول إلى جنان الحب بينما صحصوح وقع في البحر وظلت أخته شموسة تنتظره طيلة حياتها لتلتقي به في الأخير على شاطئ البحر منكس الرأس وتنتهي الرواية بتسليم الكتاب الذي يحمل سر نهر الصبايا لحفيذي شموسة التوأم صحصوح الصغير وشمس ،هذا الكتاب الذي يسجل تاريخ نهر الصبايا وما احتواه من حكايا...
رواية"نهر الصبايا" تطرح مسألة العلاقات الحميمية بين الرجل و المرأة من منظور معاكس لما اعتاده القارئ العربي،حيث إن المرأة عكس المرأة ذاتها التي تتصف بالحنان و بالعطف وبالحب،المرأة في هذه الرواية متسلطة جبارة،تكون هي الفاعل وليست المفعول بها،هي التي تبادر بالحب وليس الرجل الذي يغازل ويحب،فكانت أم شموسة قاسية على زوجها لأنهما لم ينجحا في امتحان الدخول إلى جنان الحب فكان مصيره هو التعذيب و الرمي به في نهر الصبايا الذي يتغذى من جثامين الرجال المغضوب عليهم،وكذلك كان مصير أخيها صحصوح الذي نفته أمه في أحد الكهوف إلى أن انتشلته شقشوقة من ظلام وقهر الكهف ،وليس ذلك حبا في سواد عيونه وإنما رغبة في اتخاذه مطية للدخول إلى جنان الحب مع عشيقها شبلول.
إن الرواية من هذا المنظور وكأنها تعالج موضوعا إنسانيا من وجهة نظر مخالفة،كانت شموسة واعية بخطورة هذا النوع من التعامل فكانت نعم الجدة التي تمكنت من تكسير هذا السلوك القبيح السيئ الذي يفقد الحب معناه ويدخله في نفق مظلم ملئ بالحقد و الكراهية،لقد كانت شموسة المرأة التي أحبت شبور وأنجبت منه أولادا دون الدخول معه في صراعات من أجل الزعامة ،لأنها كانت تعرف بأن الحب قاسم مشترك بين الرجل و المرأة ،لا يمكنه أن يستقيم دون تناغم وتكامل،فكانت نعم المرأة وتعم الأم بل نعم الجدة لأنها كسرت قانون التعذيب الذي آمنت به الجدة"عطوف القطوف"،فكانت الرواية عكس أفق انتظار المتلقي حيث إن القارئ كان ينتظر من شمسة أن تسير في نفس طريق والدتها غير أنها لم تكن كذلك وإنما كانت نعم الزوجة المحبة لزوجها و المتناغمة معه تتقاسم معه الواجبات و المسؤليات.
لقد حاولت سمية البوغافرية النبش عميقا في المسكوت عنه في الثقافة الانسانية،وهي الحديث عن المجتمعات الأميسية حيث كانت المرأة/الأم هي المسيطرة في المجتمع،وكان لها الحل و العقد في النهاية،مهما كانت النتيجة،كانت هي التي تختار الزوج المناسب بالشروط التي تريد،وتخلعه متى ما أرادت ذلك.
رواية نهر الصبايا بقوة لغتها وبألفاظها الساخنة في تتبع تفاصيل العلاقات الغرامية /لعبة العري ،لم تكن خادشة لحياء الكتابة وإنما كانت كاشفة لحالات خاصة من الهيام كان لابد من تتبعها ورصد تفاصيلها،وخاصة أننا أمام نوع من الكتابة التي تريد تكسير مايسمى بإجناسية النوع،أو الجندر،الذي يقول بأن المرأة المبدعة تكتب بجسدها،هنا في هذه الرواية المرأة المبدعة تكتب بلغتها المميزة،وهكذا فإن الابداع لايعرف الحدود ولا الفوارق الأجناسية،فنحن عندما نقرأ هذه الرواية لانشعر بالأنثى وهي تسرد أحداث روايتها وإنما نشعر بالكاتبة تعيش الرواية وتنقلها أدبا روائيا جميلا،بل نشعر بها وهي تورط القارئ وهو يساهم في عملية الانكتاب،لأن الرواية كما يبدو كتبت بثلاث أياد،يد الكاتبة ويد الرواية ويد القارئ.
وبهكذا أسلوب تحكي رواية "نهر الصبايا"، الماضي الحكائي لتعالج الراهن الذي يضمره المخزون المعرفي و الموروث الثقافي الذي تحمله الكاتبة ويعيه جيدا القارئ،إنها تنفتح على الماضي الحكائي لتلتقط لحظات متباينة بين السعادة أحيانا و الحزن في أحايين كثيرة ،هذا الحزن الذي كان ذات يوم شديد الوخز، لكنه الآن يعتبر جمالا عندما يصاغ أدبا،يعكس رؤية جمالية من الماضي،رؤية استيطيقية،من خلال آلية الحضور الحكائي،واختيار الألفاظ المعبرة و الدالة على حساسية المشهد، بتعابير تنتمي إلى عالم الحكاية و إلى درجات متقاربة مع الأسطورة،الذي يثير فضول القارئ ويدفعه إلى متابعة القراءة وشد انتباهه لمعرفة المزيد من الأحداث.
كما أن أبطال الرواية متعددوا الوجوه و الطبائع بين الإنساني و الإلهي يمكن أن نقول بأنهم حداثيون من ورق ، يتمططون ويتمددون حسب سير الأحداث وحسب الفضاءات الزمنية و المكانية، أبطال زئبقيون يصعب تحديدهم وتموقعهم في إطار محدد،يتعايشون بشكل إيجابي مع طبيعة السرود وطبيعة الأحداث وطبيعة الأزمنة و الأمكنة، بل قل إنهم أبطال يساهمون في خلق هذه الفضاءات و تأثيثها بل تكييفها حسب الكيفية التي يريدون أن تسير عليها الرواية.ولذلك فإنهم أبطال متواطئون مع الروائية يقدمون أدوارهم ومشاهدهم الروائية وكأنهم يمثلونها في فضاء الرواية.
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو