الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- المستنقع الميداني-

سعيدي المولودي

2014 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تهبط اللغة قعر هذا الوطن فلا تقوى على الكلام وتنام بباب الخرس.
يهبط الفقراء قعب هذا الوطن فيرتديهم النزيف، وتلبسهم الجراح ، ولا يقوون على السير.
يهبط الساسة لكعب هذا الوطن فيجعلون منه موائد للتهريج ومراقص للتضليل.
يهبط المواطن جعب هذا الوطن فيجد نفسه في نحيب من طين وأنين.
تهبط الديموقراطية رعب هذا الوطن فتستيقظ في مائه رغوة الأهوال.
يهبط الرمل شعب هذا الوطن فتهرب من يديه الصحراء وتنام الهجيرة.
تهبط الحكومات قعر هذا الوطن فتعلن أن وطنا بدون لصوص أوفياء ليس وطنا، وأن الأعمال غسيل النيات ولكل امريء ما اختلس، وأن الآلهة تجعل غناه بين عينيه...
ويلزمنا الوقت الطارف والتالد حتى ندرك عمق الانحدار، وسمْت التعب الذي ينتظرنا. كل شيء بمقدار غير معلوم، ومن باب السماء فوقنا، يأتينا الدجالون والأفاقون من كل الفجاج العريقة ويجتثون الأحلام بخطو أقدامنا الحافية، ينشرون الرعب في كل الضفاف ويتوعدون الرغبات، ولا شيء يعلو غير غبار الخرافات والأباطيل الذابلة، والرهبة الرعناء التي تجلس القرفصاء على باب الوطن ،ذات الشمال وذات اليمين، تمدح جرة الخذلان.
في الواجهات تمشي القسوة بيننا، بابها: ارتفاع الضغط الدموي، وفاتورات الماء والكهرباء،والضرائب المرئية وغير المرئية، والجنائز المتناسلة، والأسعار المسافرة، والمضاربات المخملية، وريح الاختلاسات المستطابة، وفقدان المناعات المكتسبة وغير المكتسبة.. وتتقدم الصورةَ كتائبُ الانتهازيين اللصوص المحنكين يرقبون رقصة النبع، ويرسمون منافذ خرائط النهب وقيثارات الوصول، حيث يشربون عرق الفلاحين المشمولين بأعشاب كل البلاء، ودمع الكادحين الغارقين في رجفة الإفلاس.. ولا خطو على الوطن إلا باسمهم، وما عداهم ليس إلا وهما، ولأنهم كذلك البناة الأشداء على الأعداء، فإن الوطن سيفتح أمامهم جسر المساهمات الإبرائية، للاقتراب من الجنة وأكل الباكورات، والاغتراف من المتاع الخالد، وما لا عين رأت ، ولا جيب احتوى، ولا أذن سمعت ، ولا قدم وطئت، والتبرؤ من شحوب البلاد وأنينها المتعالي.ليظل اللصوص والمهربون هم القدَرُ، السيفُ على عنق خيرات هذه البلاد المنكوسة، وتتسع دائرة الحصار ويغدو الجميع رهائن لطنين فرحة الأوغاد التي لا ترحم الوطن وتمضي به نحو سدرة الجحيم...
ولأن اللصوص يضعون نقطة نهاية الوطن، ولديهم أكثر من عادة وطريقة لاستنزاف الأحلام، ومصادرة تاريخ العشق ومرآة الأنوار، فهم الأولى بنخيل هذه الصحراء، ونواقيس النهر البارد، والحدائق المعلقة والنباتات البرية وأكاليل الخصب المذهبة، وهم يد الله التي ترصف لهفة الجماعة..
ولأن اللصوص يخرجون باكرا من الصدمة، ويرسمون بأظافرهم الفظة معالم الفجر الجديد، الذي يشرق على أنقاض دماء الفقراء الحاملين لكل المواجع ، المبللين بكل انطفاءات الوطن، ونبوءات اليأس ، القادمين من سنوات الرصاص والقصاص، واللحظات المستباحة، وصدأ المنافي التي تلقي التحية على المقابر وانكسار المحجات البيضاء، فهم بالفطرة يتوغلون في صيد هذا الوطن، ويكونون الشهداء الأبرار، المحاربين الجدد، الأبطال المغاوير الذين سيلقون بهذا الوطن في عرين الكون جثة شاردة بعد أن ترتوي شهواتهم وتهمد غرائزهم الكاسرة، ويملأون شعابه خرابا..
طوبى لكم أيها المهربون الأبرار، أيها الأنبياء الملثمون، المطر غزير حتى الثمالة في هذا الوطن، قتقدموا لجذوعه وامتطوا سحائبه. النهب عنوان الوقت، فدثروه بفيض الحضور، وتعقبوا الأحياء والأموات ليكفوا عن الدوران ويفسحوا لكم أثواب العبور، لتناموا طلقاء في حقائبكم ويكون لكم الدولار المقبرة الماجنة.
لاجناح عليكم أيها الأوغاد الظرفاء،الطاعنون في برج الخيانات، فقد علمتنا التجارب العاهرة أن الوطن بدون لصوص مجرد قمامة، ولا فرق بينه وبين الفراغ، فالشكر الغائص لكل مهرب مشَّاءٍ بالعملات الصعبة والسهلة، ولكل سارق لمتعة الوطن وخيراته الأشلاء المتناثرة.فلا تلتفتوا إلى صمتنا أو صوتنا، نحن الغرقى في هذا المستنقع الميداني نستنشق هواء المرابين والمضاربين وشر المكاسب، تكون الذئاب الجائعة حَرَساً لنا، نبني أعشاشا من الوهم، ونمضغ مآسينا الواحدة تلو الأخرى، نحن الصابرون على الجوع والنار نتطلع لبريق سماء بعيدة يطاردها المهربون ليستبدلوا طيبها بخبيثها.
قفوا صفا واحدا، يدا واحدة، في جيوب الوطن، أيها المهربون الشرفاء، سنمنحكم جميعا صكوك الغفران، ولا تيأسوا من رحمة هذا المستنقع يفتح ذراعيه لتظلوا على قيد النهب، ولتبدأ اللائمة على المتقاعدين الأبرياء، السواعد الكادحة التي تحسن العناء، فانهبوا ظلالهم، إنهم أقرب إلى الموتى يمشون في ملابسهم، ولا شيء يأتي منهم غير رائحة القبور..
***
في غسق تلك البلاد البعيدة ، البعيدة، نشتهي برد المسافات الطويلة، نزرع الفرحة في أكواب الهشيم، نبني المستشفيات الميدانية، والمدن الفاضلة، مثلما تفعل الآلهة الطيبة، ونغرس بأناملنا الحياة المقدسة في أخاديد المفازات المغلقة، ونشن حروب الأعمال الخيرية والخطوات المبجلة، ونتعهد شجر أسطورة الفاتحين الأوائل المبشرين برنين الجنات الملونة، وفي كل جهات هذا الوطن نستدير لموكب الالآم المتجددة التي تنادينا، نعيث فيها فسادا، ونقتلع في مداها حنين السنديان، لنجعل منه هذا المستنقع الميداني نَرِدُ فيه النارَ، ويقال لنا : خلود لا موت.
سعيدي المولودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة