الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل , وما يترتب على ذلك مستقبلاً

عبيدة خطيب

2014 / 3 / 10
القضية الفلسطينية


مع إنطلاق محادثات السلام في الأشهر الماضية , أضحى مصطلح "الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية" ذو وقع على مسامعنا بعدما كثر ترديده من قبل الجانب الإسرائيلي وفي مقدمته رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو . ربما طرحه ليس سابقة , إنما وليد عقد مضى ولكنه وبشكل استثنائي أصبح ذو مركزية هامة هذه المرة بحيث يتصدر قائمة المطالب - أو العراقيل إن صح التعبير - الإسرائيلية مرافقاً محاولات المضي بعملية التسوية السلمية . مهارة إسرائيل في وضع العراقيل أمام الجانب الفلسطيني هي سياستها المعهودة حيث وإن كان هناك من تشبث ببعض الأمل عقب محادثات أوسلو عام 1993 بحسن النوايا الإسرائيلية , سرعان ما أيقن خلاف ذلك مما تخفيه هذه النوايا من خباثة سياسية وأهداف لا تسعى إلا إلى تثبيت إحتلالها للأراضي الفلسطينية . ولا جديد في ذلك هذه المرة , إلا أن ما يميز هذا الشوط من المحادثات عن سلفها شدة وغرابة هذه العوائق الإسرائيلية , أحدها مطلبها بالإعتراف الفلسطيني بيهودية دولتها . فماذا يخفي الجانب الإسرائيلي وراء هذا الالحاح ؟ وما يترتب على اعتراف من هذا القبيل ؟ وماذا يدفع القيادة الفلسطينية - المعروفة بتساهلها - إلى رفضه واستنكاره بهذه الشدة ؟

يدرك المتابع لسلسلة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية التي امتدت على مدار 20 عاماً الرفض المطلق من قبل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لفكرة وجود دولة فلسطينية مستقلة بجوار إسرائيل أو مجرد التقدم بخطوة واحدة نحو ذلك . حتى ومع كل التنازلات التي تقدمها القيادة الفلسطينية لم تفلح في اشباع شراهة الشهية الإسرائيلية , التي ما تحصل على إحداها حتى تختلق الأخرى فقط لعرقلة كل خطوة أو مسعى نحو حل نهائي يضمن استقلال فلسطيني . لربما بمجرد التدقيق في الكم الهائل لخطابات الرئيس الاسرائيلي بنيامين نتانياهو فيما يخص العملية السلمية - وهو الحريص كل الحرص على استخدام العبارات الدقيقة في مواضعها المناسبة - يمكن محلاظة خلوها من عبارة "دولة فلسطينية مستقلة" فلا يمكن أن تنطق من فمه أكثر من عبارة "دولة فلسطينية مستقبلية" , وأحياناً بتأكيده على أن تكون "منزوعة السلاح" مما قد يعطي انطباعاً أولياً إلى أي مدى تحمل وعوده المصداقية . سعي إسرائيل نحو عرقلة المفاوضات , فيما قبول الخوض فيها من قبل الطرف الفلسطيني من الأساس رغم إدراكه شبه المؤكد لفحوى النوايا الإسرائيلية يعود إلى سبب رئيسي ألا وهو "عامل الوقت" فهو بمثابة العامل الرئيسي المتحكم بمجريات الواقع السياسي اليوم . مروره مثير للقلق بالنسبة للجانب الفلسطيني وموسعاً لجراح أبناء شعبه , فيما هو بمثابة كنز ثمين بالنسبة للجانب الإسرائيلي . فمرور الزمن وبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه يعني بالنسبة للإسرائيليين - تعزيز بناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية , العمل نحو شرعنتها وتعزيز الدعم لها , كما واستقدام المزيد من المستوطنين بوسائلها الاغرائية , وليس بالغريب أن طرح جدول محادثات السلام والذي قدّم بوساطة أمريكية تضمن عدة نقاط تفرض إلتزامات على اسرائيل - لم تكن أي منها إيقاف البناء الإستيطاني , فقد دأبت اسرائيل على ذلك فيما لم يقدّر الفلسطينيين مغبة النتائج التي تنفتئ عن تغاضيها في هذه المسألة . مرور الوقت يمكّن إسرائيل كذلك من إستيعاب المتغيرات , ودراسة واقع الأراضي الفلسطينية بشكل أفضل ما يمنحها الوقت لترتيب أوراقها والإستمرار في توغلها سعياً في إبعاد أي إمكانية لوجود فلسطيني مستقل مستقبلاً .

عامل آخر لا بد من التطرق له هو ظهور قضية اللاجئين الفلسطيين على الطاولة من جديد , خصوصاً أن حق العودة الفلسطيني مطلب شرعي معترف به دولياً , ويهدد مستقبل الدولة الإسرائيلية بصيغتها الحالية . عدم إيجاد المنفذ اليوم , قد يضع إسرائيل أمام خيار مفروض يوماً ما حين تكون ملزمة باستيعاب عدد كبير من الفلسطينيين - خطوة ستضعها أمام عائق ديمغرافي يهدد وجود أغلبية يهودية ما يعني بلا شك سقوط ما سعى له المشروع الصهيوني نحو إقامة وطن قومي . اسرائيل تدرك تماماً رفض الفلسطينيين أي حل عدا حقهم الطبيعي في العودة , وأن التفاوض في هذا الشأن وطرح بديل ما هو إلا هباء ومضيعة للوقت , كما أن أخذ قرار في موضوع كهذا ليس تحت تصرف القيادة , ولا هي بالجرأة الكافية لأن تشرع به أو وتساوم فيه , إنما هو بأيدي فلسطينيي الشتات أنفسهم . لذا فلا تجد إسرائيل خياراً إلا أن تلجأ إلى حيلة تهدف إلى "الإلتفاف حول حق العودة" , فبلجوء السلطة الفلسطينية إلى الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية فإنها تمنحها مبغاها من ذريعة لرفضها عودة الفلسطينيين مستقبلاً بحجة أن ذلك يهدد يهوديتها الأمر الذي سيكون الفلسطينيين قد أقروا وقبلوا به مسبقاً , ما يمكنهم من خطف الرأي العام لصالحهم ويضع الفلسطينيين في مواجهة أخطاء أنتجتها هفوات الماضي بحيث لا مجال بعد للتكفير عنها . بل ليس الأمر متوقف عند فلسطينيي الشتات , فحتى فلسطينيي الداخل ذوي نسبة التكاثر السكاني الأكبر مقارنة مع الوسط اليهودي وفق الاحصائيات الاسرائيلية يشكلون خطراً ديمغرافياً , وأكثر من ذلك كابوساً لدى افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلية الذي يواظب مراراً على ترديد إلحاحه بعدم قبول أي خطة لإتفاق سلام لا تحمل بين طياتها مشروع تبادل الأراضي بين اسرائيل والسلطة الفلسطينيية - أراضي مستوطنات الضفة الغربية وسكانها اليهود بأراضي اسرائيلية ذات الأغلبية العربية - لما يساهم ذلك في تعزيز التفوق النسبي لصالح اليهود . وإن كان مطلبه منافي للقانون اليوم , وحتى أنه يلاقي الرفض في بعض الأوساط اليهودية فإنه سيصبح مبرراً في حال الاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل , تحت حجة الحفاظ على الأغلبية اليهودية . هذا إن لم تكن تعطي الحكومة الإسرائيلية كذلك مزيداً من حرية التصرف في التضييق على مواطنيها العرب في الداخل .

ولا بد إلا الى الإشارة بأن الاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل هو بحد ذاته اعتراف ضمني بصدق الرواية الصهيونية وبأحقية اليهود بمطالبهم , بل أنه يغير ويزيل شرعية كثير من خطوات وقرارات اعتبرت في السابق "حق فلسطيني" وكلفت نضالاً , دماءاً وأرواحاً . وفرق كبير بين الاعتراف الحالي بإسرائيل - الذي يمكن اعتباره على الأقل لا يتعدى اعترافاً بواقع - مقارنة بالاعتراف بهويتها اليهودية - أي تدمير كل ما يحمله مفهوم القضية الفلسطينية وبأيدي الفلسطينيين أنفسهم . ولا شك في أن خطورة هذه الخطوة تظهر جلياً من خلال الإصرار الإسرائيلي فحجمه يوازي ما تحمله خطوة كهذه من كوارث وتبعات يتكبدها الفلسطيني وتزيد من مكاسب الإسرائيليين بإسم "السلام" المشع للمعان , وبأسلوب ابتزازي على حساب أبناء شعبنا وقضيتنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرق الأوكراني في قبضة روسيا.. الجيش الأوكراني يواجه وضعا -


.. رأس السنوار مقابل رفح.. هل تملك أميركا ما يحتاجه نتنياهو؟




.. مذكرة تعاون بين العراق وسوريا لأمن الحدود ومكافحة المخدرات


.. رئيس الوزراء الأردني: نرفض بشكل كامل توسيع أي عمليات عسكرية




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام تنفذ سلسلة عمليات نوعية في جبالي