الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة الإنجليزية ومرجعيات العولمة

ناجح شاهين

2014 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية




صدر عن مدار كتاب جديد باللغة الإنجليزية حول مفهوم الدولة اليهودية، هذا ما يقوله البريد الإلكتروني. لا يوجد إذاً نص عربي. هل يلفت هذا نظر القارئ المنتمي لعالم لاعبي كرة القدم قرب دوار الساعة بعد ساعات قليلة من استشهاد معتز وشحة؟ ولعل من واجبي أن أسأل على سبيل المداعبة: هل كان الشهيد المعتز بشجاعته الأسطورية يعرف الإنجليزية؟ صدقوني أنني لا أعرف الإجابة ولكنني مستعد أن أراهن بما شئتم أنه لم يكن يعرفها.
هناك مثلما يعلم القاصي والداني دراسات وكتب وأبحاث ولقاءات ومؤتمرات ونشرات وغير ذلك الكثير الكثير تمم باللغة الإنجليزية. أحياناً من باب التهذيب والمجاملة يتم ترجمة الخطة الاستراتيجية لكذا وكذا إلى العربية. يظل النص الإنجليزي بالطبع هو المرجع والأساس. وغالباً لا يجرؤ من لا يعرف الإنجليزية على الاعتراف بأنه لا يعرفها. لا بد للناس أن يعرفوا هذه اللغة التي تدل على العلم والمكانة والثراء في رام الله بالذات. ليس هنالك بالطبع من علم ولا من يحزنون، ولكن هكذا يتوهم الطرفان، أعني من يعرف اللغة ومن لا يعرفها. فهي امتياز طبقي مثلما كان قد أوضح شهيد آخر اسمه مهدي عامل. وهي أداة لإقناع الطبقة المسحوقة أنها أدنى عقلاً وعلماً ومنزلة من البرجوازية الكولونيالية التي تتمتع بالعلم الذي يسمح لها بالاستماع إلى المعلم الأجنبي الذي سيلقنها دروس الديمقراطية وحقوق الإنسان وخصوصاً السحاقيات واللوطيين والمتحولين جنسياً وثنائيي الجنس. وفي السياق فقد أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها الأخير حول حقوق الإنسان عبر العالم أن بلاداً كثيرة تنتهك هذه الحقوق ومن سوء حظنا أن بلادنا تنتسب إلى هذه المجموعة. أرجو أن لا يظن أحد من الناس أنني أرغب في حرمان أحد من حقه أو حقها في التفكير أو الإحساس أو التصرف بالجسد على النحو الذي يشتهيه أو تشتهيه. كل ما في الأمر أن معظم أهل بلادنا –بمن في ذلك جزء من النخب المعولمة- لا يعرف النوعين الأخيرين في قائمة الوزارة الأمريكية ولكننا مستعدون على الأرجح للقيام بحملة توعية "أدفوكسي" وتدريب وبناء قدرات من أجل أن نتغلب على هذا النقص الخطير. يشهد الله أنني لست ضد أي من ذلك شريطة أن يأتي في خضم معاركنا الاجتماعية الفعلية، ولا يسقط علينا بالمظلة عبر وحي التمويل المعولم الذي لا يرى الشهداء ولا يهتم بأن يعزيهم ب "تصبحون على وطن." أما الاقتصاد والاقتصاد السياسي، والفيزياء والصناعة فلا مكان لها في الخطة أبداً. ولكن من محاسن الصدف أن اللغة الإنجليزية سوف تحل المشاكل كلها. سوف نحقق الإنجازات الزراعية والصناعية والتعليمية والتقنية والفلسفية والصحية كلها بمجرد أن يصدر كتاب باللغة الإنجليزية، أو بالحصول على أساتذة جامعة يتقنون هذه اللغة، ويستحسن بالطبع أن لا يعرفوا العربية كيما يتحقق في أعماقنا درجة تعمقهم التي تصل حد أنهم لم يتلوثوا باللغة العربية المتخلفة.
حدثني طالب دراسات عليا في بيرزيت (أتساءل إن كان من الجد بمكان أن نصر على تسميتها بالعليا، وهي تكرار مبسط لمحتوى الدراسة الجامعية الأولى) أن زميلاته وزملاءه (لسوء الحظ) لا يعرفون الإنجليزية، في الوقت الذي يفتقر فيه من يدرسهم إلى معرفة اللغة العربية، لكن الأمور تسير على ما يرام. خطر ببالي أن من الكوميديا بمكان أن أذهب لتدريس الفلسفة باللغة العربية أو الإنجليزية في الصين لطلبة صينيين. وهل يعقل أن تقوم مؤسسة أكاديمية صينية بالتعاقد معي لهذه الغاية؟ الجواب أوضح من أن يحتاج إلى تعليق. لكن البرجوازية الكولونيالية على حد تعبير الشهيد عامل أعجز من أن تنتج المعرفة، وهي أعجز بحكم تكوينها البنيوي التبعي من أن تفك الارتباط بالاستعمار، ولذلك فإنها تتخفى تحت عباءة الثقافة الإنسانية الكونية لتستدخل الأيديولوجية الامبريالية المعولمة محاولة التماهي معها دون جدوى. فالواقع أن الإنتاج العلمي الرأسمالي في الميادين المختلفة لا مثيل له، لأن البرجوازية الصناعية مثلما اكتشف ماركس في البيان لا تستطيع أن تعيش إلا بالتجديد والابتكار والاختراع، أما البرجوازية الكولونيالية فدورها يقتصر على أن تكون ترساً صغيراً في ماكينة الأولى مع خلق أوهام حول تمثلها للعلم الذي تنتجه ولية نعمتها. وهكذا نصل إلى وضع كتاتيب لتعليم اللغة الإنجليزية لا أكثر ولا أقل، مع ترداد يشبه فعل الببغاء لعناوين النظريات والسلع المعرفية المنتجة في مراكز الرأسمالية.
من المضحك بالفعل أن الإشكاليات المثارة في التعليم في المركز يتم استيرادها حرفياً مع فهم قليل –أو دون أي استيعاب في أحيان معينة- بينما لا يتم التطرق من قريب أو بعيد إلى المشكلة الأولى التي يعانيها الواقع الفلسطيني. هل يستطيع ابن النخبة أن يقول لنا ماهية هذه المشكلة؟ الجواب بسيط ولكنه ممتنع: إنها مثلما أوضح عامل بالذات مشكلة التحرر الوطني، لكنني لا أعلم عن أية مساقات في بيرزيت أو النجاح أو أبوديس تناقش سبل التحرير أو معضلاته أو تجاربه المشابهة. بينما هناك معاهد لدراسات الجندر والمرأة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وغالباً ما تأتي الدراسات لمؤلفين من هارفارد وبرنستون وبيركلي واللغة الإنجليزية هي سيدة الموقف.
لقد ولدت المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية في سياق تحرري بالفعل، وكان لها ما لها وعليها ما عليها طوال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ولكنها تحولت بالفعل إلى ذراع للهيمنة الكونية بسبب عدم وجود برجوازية كولونيالية بحجم جدي يمكن للمرء أن يظن أن جامعاتنا تعبر عن همومها. كلا، إن الاختراق كامل ومتكامل ويصل إلى مستوى تجنيد الجامعات للقيام ببث الثقافة الكونية ما غيرها، وباللغة الإنجليزية عند من يستطيع تمثل هذه اللغة، أم البقية الباقية من أبناء الشعب فهم أبناء الطبقات الشعبية الجهلة الذين لا يأخذون موقعاً مهماً في صناعة الحدث السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وهم المادة التي يجب أن تدار بحسب قواعد المعرفة المنتجة في بلادها والمستهلكة في بلادنا.
أود أن أسجل اعترافاً شخصياً: لقد تلقيت تعليمي الجامعي الأول في الأدب الإنجليزي والفلسفة، ثم تلقيت تعليمي الجامعي الأعلى في واحدة من قلاع التعليم في الولايات المتحدة في الفلسفة والسياسة، لكنني ما زلت أواجه صعوبة ما في القراءة والكتابة في هذه اللغة الأجنبية. وليس ذلك فيما أحسب عن غباء مستفحل في تكويني العربي العربي، وإنما لأن اللغة الأجنبية تتوقف عن أن تكون أجنبية فقط عندما تحل محل اللغة الأم، وعندها يتوقف الفرد عن كونه ابن بلده ويتماهى مع هوية أخرى. في مثل هذه الحالة لا نفع فيه إلا للمستعمر من حيث المحتوى والشكل والرسالة ناهيك عن البعد الطبقي الكوني والمحلي الذي يتقنع من وراء ذلك كله. ولا بد أن معلماً للفلسفة أو السياسية أو أي شيء لا يعرف اللغة الألمانية لن يجد له مكاناً في جامعة ألمانية تدرس باللغة الألمانية، ولكن حالة الانبهار تجاه الإنجليزية في بلادنا تتوسع لتصل مستوى أن توضع في مكانة فوق العربية، بحيث تصبح العربية هي اللغة الثانية. وبالمناسبة يظن الناس في بلادنا بسبب الحالة العجيبة الموصوفة أعلاه أن الناس جميعاً لديهم لغات ثانية: كنت ومجموعة من الأصدقاء نجلس مع أكاديمية ألمانية في سياق معين، وفي انسياب الحديث سأل أحد الأصدقاء الطيبين السيدة الألمانية عن اللغة الثانية في ألمانيا، فبدا عليها الدهشة، وقالت: لا يوجد لغات ثانية في ألمانيا، لا يوجد إلا الألمانية. أما أنا فأقول: لا يوجد لغات ثانية في رام الله، لا يوجد إلا الإنجليزية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد يختبران مدى التوافق بين عمار وريم ????


.. بحثا عن غذاء صحي.. هل المنتجات العضوية هي الحل؟ • فرانس 24 /




.. خروج مستشفى الأهلي المعمداني عن الخدمة بعد العملية الإسرائيل


.. إسرائيل قطعت خدمات الاتصالات على قطاع غزة منذ نهاية شهر أكتو




.. أمهات المحتجزين الإسرائيليين ينظمن مسيرة في الكنيست