الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضيّة المرأة بين مرحلتين من الدّفاع عن حقّ التّعليم إلى الدّفاع عن الحقوق الاجتماعيّة والسّياسيّة للمرأة

عبد الوهاب الشتيوي

2014 / 3 / 10
ملف - المرأة بين النص الديني والقانون المدني الحديث، قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ولغير المسلمين،بمناسبة 8 مارت -آذار عيد المرأة العالمي 2014


قضيّة المرأة بين مرحلتين
من الدّفاع عن حقّ التّعليم إلى الدّفاع عن الحقوق الاجتماعيّة والسّياسيّة للمرأة
تمهيد:
لم يزلْ وضع المرأة يمثّل قضيّة في بعض المجتمعات العربيّة رغم مرور سنوات عديدة على تحقيق الاستقلال الوطني عن الاستعمار الغربيّ، وبناء الدّولة الوطنيّة "المستقلّة"، ورغم انخراط أغلب الأقطار العربيّة في مسار الحداثة العالميّة طوعًا أو كرهًا، وبدرجات متفاوتة، ذلك أنّ المرأة العربيّة تمكّنت من افتكاك مجموعة من حقوقها الشّرعيّة، وتمكّنت من أنْ تكون إنسانًا تامّ الحقوق، كامل الواجبات، غير أنّ كثيرين مازالوا ينظرون إلى واقعها الحداثيّ بعين الرّيبة والتّوجّس، وكأنّ حنينًا يشدّه إلى وضعيّتها القديمة، أو كأنّ مكانتها في المجتمعات القديمة أفضل، بما أنّ بيتها ظلّ مصونًا من غزوات الحداثة المشوّهة، والعلمنة الآثمة، ويغيب عن أذهان هؤلاء أنْ "لا تقدّم لأمّة يظلّ بعض منها غير مواكب لمسار العلم والمعرفة والتّكنولوجيا، ومن هنا جاءت الفكرة بتذكير بعضنا بالمسارات التي قطعتها المرأة في سبيل التّحرّر من وضعيّتها القديمة البائسة، التي عطّلت مسار التّقدّم والتّمدّن في الأقطار العربيّة، لعلّنا ننزع عنّا بعض المسلّمات الخاطئة التي ترى في روّاد الإصلاح والحداثة مجرّد مغتربين استجابوا لدعوات الاستعمار الشّيطانيّ لتفتيت الأسرة العربيّة الإسلاميّة، والقضاء على أصالة ثقافتنا، وقداسة حضارتنا.
I. مرحلة تذكير قضيّة المرأة
ارتفعت في البيئة العربيّة أصوات تطالب بإخراج المرأة العربيّة من وضعيّتها المتدنّية مقارنة بمثيلتها الأوروبيّة، وتمكينها من حقوقها الإنسانيّة المشروعة في المجالين الاجتماعيّ والسّياسيّ، وتحقيق المساواة الطّبيعيّة بينها وبين الرّجل، وكانت هذه الأصوات في البداية رجاليّة، لأنّ الرّجال كانوا سبّاقين في التّعرّف على الثّقات الأوروبيّة الحديثة، إذْ سافروا إلى أوروبّا طالبي علم أو متجوّلين سائحين، أو اطّلعوا على الثّقافات الأوروبيّة الحديثة من خلال مطالعاتهم المختلفة، وقد تأثّروا بذلك، وآلمهم أنْ تبقى المرأة ـ التي تمثّل نصف المجتمع ـ في وضع متخلّف عن المرأة الأوروبيّة، وتبقى عاجزة عن المساهمة في حركة مجتمعها اجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، وتُحرم من الأخذ من العلوم والمعارف، ومثّلت هذه الأصوات الرّجاليّة روّاد الفكر الإصلاحيّ العربيّ الذين نادوا بوجوب نشر الوعي لتحقيق النّقلة النّوعيّة في وضعيّة المرأة من وضعيّة قائمة على التّمييز بين الذّكور والإناث، إلى وضعيّة تقوم على المساواة بينهما، واعتبروا أنّ هذا الوعي لنْ يتحقّق إلاّ بنشر التّعليم والمعرفة والعلم، وذلك من شأنه أنْ يسمح للمرأة بتنمية وعيها الفكريّ وقدراتها الذّهنيّة فتقبل على العلم، وتساهم في العمل، وتشارك الرّجل مسؤوليّاته الاجتماعيّة والسّياسيّة، مثلما يسمح للرّجل بالتّخلّص من ثقافته التّقليديّة التي توهمه أنّه أرفع درجة من المرأة، ويقبل المساواة بينهما باعتبار أنّ المرأة كائن إنسانيّ كامل الشّروط والصّفات، ويكون أيضًا كامل الحقوق.
إنّ الدّعوات الإصلاحيّة الرّجاليّة انطلقت في البداية من مسائل محدودة تمثّلت أساسًا في السّماح للمرأة بمغادرة البيت لمزاولة التّعليم، للتّخلّص من الحالة السيّئة التي كانت عليها المرأة العربيّة خاصّة والأسرة بصفة عامّة، والتّخلّص من تصور اعتبارها كائنًا سلبيًّا لا دور له إلاّ الإنجاب والرّعاية وخدمة الأزواج والأبناء في البيوت، بل واعتبروا أنّ مهنة التّربية لا يمكن لها أنْ تكون سليمة طالما أنّها قائمة على امرأة جاهلة أميّة غير واعية وغير عالمة، ومن هنا كانت الدّعوة إلى تعليمها، وفتح عينيها على العلوم الحديثة، فالطّهطاوي مثلاً "أدرك أنّ التّعليم مسؤوليّة ضروريّة بالنّسبة إلى المرأة المسؤولة في البيت على تربية الأجيال الصّاعدة". ولتبرير دعوته لتعليم المرأة ودفاعًا عنها وتصدّيًا للرّافضين لهذا المطلب ربط الطّهطاوي بين دعوته التّجديديّة التّحريريّة والدّين الإسلاميّ من خلال تذكيره بكون الدّين الإسلاميّ دعا كلّ المسلمين إلى التّعلّم، والإقبال على العلوم من كلّ الثّقافات وفي كلّ المراحل العمريّة، ولقد تمكّن بهذه الحجّة من إقناع بعض التّقليديّين الرّافضين هذه المطالب الجديدة التي تصدّوا لها، لأنّهم اعتبروا أنّ الطّهطاوي وأمثاله يبشّرون بثقافة غربيّة غريبة عنهم، قادمة من بلاد الكافر. وأكّد الطّهطاويّ للخائفين على شرف المرأة والعائلة من خروج المرأة للتّعليم أنْ شرف المرأة والأسرة الحقيقيّ يكون بأخلاقها الرّفيعة، وتربيتها الأصيلة السّليمة، ووعيها الفكريّ المستنير، وليس بربطها بالمنزل ومنعها من مغادرته، فكان أنْ سُمح للمرأة في البداية بمزاولة التّعليم الابتدائيّ فقط، ثمّ سُمح في فترة لاحقة بمتابعة تعليمها الثّانويّ، لكنّ ذلك لم يمنع من إصدار بعض القوانين الجائرة مثل وجوب مغادرة الفتاة مدارج الدّراسة مباشرة إثر زواجها.
ومن المصلحين المدافعين عن حقوق المرأة قاسم أمين الذي بدأ دفاعه بنفي أنْ يكون الدّين الإسلاميّ مسؤولاً عن تخلّف المرأة مثلما يدّعي بعض مفكّري أوروبّا، بل أرجع ذلك إلى جهل المسلمين عقيدتهم، وممارستهم الخاطئة لتعاليم الإسلام، فالإسلام لم يبح التّعليم للرّجل ومنعه المرأة، بل إنّه في القرآن والسنّة يخاطب المسلمين بخطاب واحد مشترك، ولم يميّز بين الذّكور والإناث، وأكّد قاسم أمين أنّ تعليم المرأة يمثّل حجر الأساس لكلّ إصلاح منشود للأسرة والمجتمع، وأنّه من غير الممكن أنْ تكون أمّة العرب ذات شأن بين الأمم الرّاقية إنْ لم تكن البيوت والعائلات بيئة صالحة لإعداد الرّجال الصّالحين الذين يبنون مجتمعاتهم على أسس سليمة يكون التّعليم والعلم والمعرفة أسسها الأولى، ولنْ تنتج البيوت هؤلاء الرّجال إنْ لم تكن في البيوت نساء متعلّمات أخذن بالتّعليم العصريّ السّليم، واكتسبن من الوعي ما يؤهّلهنّ للقيام بهذه المهمّة الخطيرة، وصرن يشاركن الرّجال أفكارهم وآمالهم وآلامهم، ويبحثن معهنّ عن "أقوم المسالك للخروج من المهالك".
ولقد وجدت دعوة قاسم أمين منْ يدعمها من رجال الإصلاح، وحتّى من قبل أولئك الذين يوضعون في خانة الاتّجاه الدّينيّ المحافظ، ومنهم الشّيخ محمّد عبده مفتي الدّيار المصريّة في ذلك الزّمن، الذي نشر مقالاً في جريدة "الوقائع المصريّة" يهاجم فيه ظاهرة تعدّد الزّوجات عند المسلمين، مقدّمًا الحجج الدّينيّة التي تبرّئ الإسلام بالنّسبة إليه من هذه الظّاهرة، لكنّ الدّعوات الإصلاحيّة وجدت أيضًا معسكرًا مقابلاً رافضًا بشدّة الدّعوات المطالبة بتعليم المرأة معتبرين ذلك دعوة إلى إفساد المرأة والمجتمع، والتّعدّي على حرمات البيوت، ومن بين ممثّلي هذا المعسر الرّجعيّ مصطفى كمال صاحب الجريدة "اللّواء" وعضو حزب "مصر الفتاة" الذي اعتبر أنّ الموت أهون على الرّجل من رؤية إحدى نساء بيته فاسدة بدعوى التّعليم وطلب العلم، وأنّ الحرية التي تسقط الحجاب بين الرّجال والنّساء شرّ مطلق لا خير فيها.
ورغم هذه الاختلافات والصّراعات فإنّ دعوة الطّهطاويّ وقاسم أمين لتعليم المرأة كُلّلت بالنّجاح، وذلك بتأسيس أوّل مدرسة ابتدائيّة لتدريس البنات سنة 1830 سمّيت "مدرسة الحكيمات" والتي اختصّت بتكوين المولّدات، ثمّ أسّس الملك إسماعيل مدرستين ابتدائيّتين للبنات سمّيت الأولى "مدرسة السّيوفيّة"، والثّانية "مدرسة بنات الأشراف" وقد تحوّلت ابتداءً من سنة 1923 إلى مدرسة مختصّة في تكوين المعلّمات، ثمّ التحقت الفتاة المصريّة بالتّعليم الثانوي ابتداءً من سنة 1873 حين تأسّست مدرستان ثانويّتان للبنات، ثمّ تابعت المرأة المصريّة تقدّمها في طريق فرض حقّها في التّعليم بالتحاقها بالتّعليم العالي ابتداءً من سنة 1929 زمن ترأّس المفكّر المصلح أحمد لطفي السّيّد الجامعة المصريّة، وأيّد عميد كليّة الآداب آنذاك طه حسين هذا التّوجّه التّحريريّ.
II. مرحلة تأنيث قضيّة المرأة
إنّ الدّعوة إلى تعليم المرأة أثمرت نساء متعلّمات في المجتمع المصريّ مثلاً، وهنّ اللاّتي سيحملن مشعل تحرير المرأة، وسيدافعن عن كلّ القضايا النّسائيّة، وسيواصلن مسيرة الكفاح لا من أجل المرأة فحسب، بل من أجل المجتمع كلّه، وتعمّقت المطالب التّحرّريّة النّسائيّة بتحوّلها من المطالب بتمكين المرأة من حقّها في التّعليم، إلى المطالبة بتمكينها من حقوقها الاجتماعيّة والسّياسيّة، وتمكينها من تحقيق المساواة الحقيقيّة والفاعلة بينها وبين الرّجل، ووضعهما في مرتبة واحدة تمكّنهما معًا من خدمة مجتمعهما، والكفّ عن إعطاء الرّجل حقّ احتكار المجال الاجتماعيّ والسّياسيّ، ومن هؤلاء النّساء ملك حفني ناصف (بنت البادية) التي اتّجهت مباشرة إلى المطالبة بالحقوق الاجتماعيّة من خلال مقاومة الحيف المسلّط على المرأة في مؤسّسة الأسرة، وهيمنة الرّجل عليها، وتحكّمه في اختياراتها مثل تصرّف الأب فيها كالسّلعة المعروضة للبيع أثناء زواجها، وعدم مشاركة الزّوج لها في إدارة الشّأن الأسريّ كأنّها الخادمة، وقد تعمّق وعيها بهذه المأساة بعد زواجها وانتقالها لعيش في البادية، واطّلاعها عن قرب على وضعيّة المرأة الشّرقيّة البائسة سواءً في تجربتها الزّوجيّة، أو من خلال ما علمت من تجارب النّساء البدويّات اللاّتي عاشرتهنّ هناك، وقد اكتشفت بشاعة الرّجل الشّرقيّ البدويّ العنيد المستبدّ، فكتبت فصولاً من هذه المعاناة في صحيفة "الجريدة"، ولقد حاولت الدّفاع عن دعوتها هذه من خلال تأكيدها رفضها تقليد المرأة الغربيّة في كلّ شيء، ودفاعها عن المرأة المسلمة المعتدلة الحريصة على الحفاظ على أخلاقها الإسلاميّة الرّفيعة، وقد تقدّمت بمطلب إلى البرلمان المصريّ ينصّ على تعليم البنت الدّين الصّحيح، والاقتداء بنساء الأتراك في المحافظة على حجابهنّ.
ثمّ ظهرت نساء أخريات واصلن الكفاح النّسائيّ، لكنّهنّ خالفن "بنت البادية" في بعض المسالك، ومنهنّ هدى شعراويّ التي اقتدت بقاسم أمين في دعوته لرفع الحجاب، وربطت النّضال الاجتماعيّ بالنّضال السّياسيّ وكأنّها تعتبر أنْ لا تحرّر اجتماعيّ للمرأة في مصر دون تحرّر سياسيّ تامّ من هيمنة الملك والإقطاع والاستعمار، وركّزت على التّصديّ للظّلم المسلّط على المرأة في الزّواج والطّلاق، ثمّ جاءت السّيّدة منيرة ثابت التي طالبت بإلغاء القوانين الجائرة التي كانت مفروضة على المرأة العاملة والفتاة الطّالبة، وهي منع المدرّسة من الزّواج قبل قضاء مدّة في لعمل تتراوح بين خمس سنوات وسبع سنوات، وفصل الطّالبة من الدّراسة الثّانويّة بمجرّد إعلان زواجها، ثمّ ظهرت السيّدة دريّة شفيق التي منعت من التّدريس بالجامعة المصريّة بدعوى أنّها متحرّرة على الطّريقة الغربيّة، فعملت متفقّدة للّغة الفرنسيّة، لكنّها تفرّغت في ما بعد إلى العمل الصِّحفيّ، وركّزت مقالاتها على المطالبة بتمكين المرأة من حقوقها الاجتماعيّة مثل العمل الحرّ والمساواة مع الرّجل في الأجر، ونزع وصاية الرّجل عليها في مؤسّسة الزّواج، وإلغاء الطّلاق الفرديّ الذي يمتّع به الرّجل، وحقوقها السّياسيّة ومنها مشاركة المرأة في العمل السّياسيّ بالتّرشّح إلى الانتخابات ودخول البرلمان الذي ظلّ حكرًا على الرّجال، وتمكّنت أيضًا من تحويل نضالها من الكلمة إلى الفعل، وذلك بتنظيم مسيرات ومظاهرات تنادي بإسقاط "برلمان بدون نساء"، وخاضت إضراب جوع بعد منع المرأة من دخول المجلس الدّستوريّ الذي تأسّس سنة 1954، وأدّى ذلك إلى تحقيق مطلبها.
III. الخاتمة
نستنتج ممّا تقدّم أنّ معالجة قضيّة المرأة والدّفاع عنها، قد مرّت بمرحلتين، الأولى رجاليّة، والثّانية نسائيّة، أمّا الفارق الأساسيّ فيتمثّل في أنّ الرجال اكتفوا بالدّعوة إلى تمكين المرأة من حقّها الطّبيعيّ والإنسانيّ في التّعليم، ورفع بعض القيود الرّجاليّة عليها، أمّا النّساء فقد طلبن بكلّ الحقوق الاجتماعيّة والسّياسيّة، ومنها حقّ العمل، والتّخلّص من الحجاب، وحقّها في اختيار الزّوج، وطلب الطّلاق، والقضاء على سيطرة الرّجل على مسألة الطّلاق، والقضاء على ظاهرة تعدّد الزّوجات، ثمّ المطالبة بتمكين المرأة من المشاركة في الحياة السّياسيّة انتخابًا وترشّحًا، ودخول البرلمانات والمجالس الدّستوريّة.
وإنّ على المرأة العربيّة اليوم أنْ تقدّر هذه المسيرة الكفاحيّة الطّويلة التي خضها الرّجال والنّساء، وأنْ تحافظ على مكاسبها، وأنْ تدعمها بما ينفعها وينفع مجتمعها عامّة، وذلك بمواصلة الدّفاع عن المساواة في الحقوق والواجبات، وأنْ تساهم مساهمة فعليّة في الحياة السّياسيّة من أجل بناء مجتمع العدالة، ودولة الدّيمقراطيّة، وثقافة الحريّة.
ملاحظة: بعض الأفكار الواردة في المقال مستوحاة من كتاب " المرأة والكتابة ـ دار إفريقيا الشّرق، 2002"، لرشيدة بن مسعود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل