الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد الجعفري.. قل الثقافة، وانسَ الرمح

علي شايع

2005 / 7 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بالأمس، شاهدت من على شاشة فضائية العراقية،محاضرة ألقاها السيد إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي في الجمعية الثقافية النسائية الكويتية،وسررت حدّ الألم! بما سمعته وشاهدته ؛سروري كان فيما ذهب إليه السيد الجعفري من اهتمام بدور المثقف،وما وضعه من إيضاح لمعنى الثقافة ومفهومها،رغم الغالب الديني الذي صبغ المحاضرة،وتعريفه"الرمحي" للثقافة. وحزنتُ، لسببين؛ الأول في غياب السيد الجعفري عن حضور حقيقي في وسط عراقي كالوسط الذي وجهت إليه كلمات المحاضرة، للحوار عن الشأن الثقافي الحالي،وسؤال الثقافة المغيّبة. فمؤتمر المثقفين العراقيين حين عقد في بغداد لم يحضره رئيس الوزراء العراقي،ولعلّنا حين نجد مبرراً يشفع له بسبب انهماكه أيامها بتشكيل الحكومة الجديدة، لا نجد تفسيرا لعدم تحقيق هكذا لقاءات في الوقت الذي تتم له لاحقاً في عواصم عربية.
أما السبب الثاني فهو الجدل الثقافي السياسي العراقي وتظاهر الزمان على المثقف العراقي في هذا الاتجاه بسبب أو دونما سبب. فقبل سقوط النظام الديكتاتوري بأشهر قليلة هرع الساسة عن بكرتهم لحضور اجتماع "مؤتمر لندن للمعارضة العراقية" -وقتذاك- الذي عقد منتصف كانون الأول 2002، تحت عنوان وشعار؛عمل جماعي موحد من أجل إنقاذ العراق،حيث لم يكن جماعيا،ولم يكن موحداً، لغياب واضح ومفتضح للمثقف العراقي عنه، حد دعوة بعض المثقفين العراقيين إلى قيام مؤتمر أعقبه بأيام قلائل،كردّة فعل منهم على التجاهل الكبير الذي تمّ. وكانت ردّة الفعل تلك مساوية بالمقدار للأصل والدافع السياسي الذي كان وراء هذا المحفل،ومخالفة باتجاه أخر،جعل أكثر المشاركين غير مقتنعين بما جري.. لأن بياناً،أو شيئاً هاما لم يطرح وقتها.

كلمات ومحاضرة السيد الجعفري في الجمعية النسوية الكويتية وتعريفه للثقافة"من الثِّقاف؛ الخشبة،أو الحديدة التي تسوَّى بها الرماح لتستقيم" ذكرتني برأي وكتابة نشرتها تلك الأيام عن ما حصل من تجاهل مرير للمثقف العراقي في مؤتمر لندن، حتى لكأن حال ثقافتنا العراقية الآن يصلح لها كل قول ونصيحة متشائمة،كنبوءات قديمة مؤجلة.
مما كتبت يوم 12 / 1 /2003:
يبدو إن تعريف "المثقف" سيبقى دائراً في إشكالية الرمح العربي التي عسكرته وعقّدت مصطلحه وأدواته. والقضية، عراقياً،اشدّ تعقيداً لما للمثقف العراقي من السمات الشخصية والنفسية الموروثة من تراكمات التجني والغبن التي رسخها الواقع السياسي وحولها إلى قناعات سياسية،أخذت من ارثها الغابر كل الحكومات والأحزاب، بل حتى معارضة الألفية الثالثة!، وبإمعان هائل في المرارة والإجحاف.
عراقياً، دور المثقف مفقود بالمعنى الحضاري للمصطلح في جوهره الفاعل في الحياة ، بعيداً عن التثكين القسري،إنه دور مغيّب عن جدواه الأصيلة؛فإما أن يكون سلطوياً يعيش يومه العسكري، أو يصلب فتأكل الطير من رأسه؛ طريّ أفكاره وأمانيه،أو يسجن ليتوهّموه من الصاغرين. ومن يسلم من كل اللعنات أعلاه ينبذ في عراء العزلة، ليخرج عن معناه العميق في وجوده النقدي والفاعل، الدور الذي تمقته التركيبة السياسية المؤسّساتية، وحتى المعارضة، فلم يعد المثقف؛الفاعل الحر في تعبيره عن الاختلاف في مواجهة الواقع و تجلياته، وعليه في أحسن أحوالهم الديموقراطية الخنوع والتبعية، أو أن يـُتجاوز إلى مجموعة وراقيين نفعيين يملي عليهم السياسي أمانيه وهذره".

تذكرت كلماتي هذه المنشورة قبل أكثر من سنتين،و ذكّرني تعريف السيد الجعفري للثقافة،المشهور صلةً بالرمح،بصفحات طويلة عن السيف والرمح النواهل من دمنا العراقي،وواقعنا الثقافي المرّ في بعث الأربعين سنة من التيه والحروب.فلـَـكم نتمنى في العراق حديثاً لرئيس وزراء مـُنتخب،وحواراً يبحث في دور المثقف وحضوره وفاعليته في الدولة العراقية الجديدة..
ربما كان لحديث السيد الجعفري في تلك المحاضرة-رغم مروره السريع على دور المثقف- أهمية كرؤية سياسية عراقية جديدة،ولكن..كان من الضروري أن تقال مثيلاتها في محافل على أرض الوطن نحتاجها الآن أكثر من أي وقت،للبحث في المشتركات الثقافية العراقية،والتشويه الهائل الذي أحدثته الديكتاتورية في المعنى الثقافي،والمركزية الثقافية الزائفة التي أبعدت المثقف الأصيل وأقصت نتاجه وحضوره،والدور الجديد لهذه النخب في الدولة الديموقراطية،بعيدا عن عسكرة الثقافة في التعريف"الرمحي" والواقع الدموي،والأخذ بتجارب الشعوب الحيّة في تمكين المثقف الحق.
أيضا،كان من الضروري لتلك الرؤية السياسية العاجلة للسيد الجعفري أن تـُحمل معانيها على كلمات بعيدة عن معنى الرمح في الثقافة والتثقيف،في زمن نحتاج فيه إلى السلم ولغته،حيث أشارت المعاجم العربية إلى معان أخرى كثيرة للتثقيف والمثاقفة تواكب تطلع السلم والوداعة،فهي تحمل معنى الحذق ِ،والضبط لما في اليد،وأفضل من هذا وذاك،معناها في الفطنة والذكاء وثبات المعرفة فيما يُحتاج إليه.. هذا المعنى يسعى إليه المثقف الحقيقي ويقول به،في وقت عصيب كزمن العراق الممتحن، قولاً يبتعد عن ترديد الإرهابيين لكلمات حق بباطل إيراد في العنف والقتل"حيث ثقفتموهم"،فما أحوجنا لغيرها لتجاوز أزمنة الرعب والقتل، ناسين فيها لغة الديكتاتور الحربية المعاركية بكل اتساع مسميات الثقافة الزائفة،ومحنة الظلم الإرهابي المستبد بنا منذ"غلام ثقيف"!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-