الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلجامش السوري

خالد قنوت

2014 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرة هي الصور و الشهادات التي نتابعها لحظة بلحظة لما يقوم به بقايا التتار و الهمجية الأولى.
في متاحف العالم ينسج عباقرة الفن لوحات و تماثيل من خيالهم الخصب و من قصص الملاحم الشعرية منذ الإلياذة و الأوديسا و حتى ثورة أوكرنيا المجيدة و لكنهم يغضون الطرف عن خزان هائل لخيالهم الجامح يرسمه كل يوم لوحات فنية حقيقية و ينحته تماثيل من لحم و دم, شعب رفض أن يستمر في عبوديته التي امتدت منذ نهايات القرن العشرين و ها هي تقترب من نهاية الربع الأول من القرن الحادي و العشرين, حيث عصور ما يسمى بحقوق الانسان و الحرية و حقوق الطفل و المرأة و الأقليات و حتى المثليين. لا شك بأن عظماء الفن كدافنشي و بيكاسو و مايكل أنجلو لو شاهدوا هذه الصورة لرسموا أروع لوحات و لنحتوا أعظم تماثيل و لكنهم سيكتبون في أسفلها بئساً و سحقاً لهذا العالم العاهر.
مالذي يربطنا بهذا العصر و هذا العالم الذي و منذ صرخات الحرية الأولى التي صدحت بها حناجر السوريين في سوق الحميدية و الحريقة و شوارع درعا, صم آذانه عنها و اغمض عيونه عن القتل و الرصاص و سد فتحات أنوفه عن رائحة الدم السوري الطاهر؟ معللاً و متواطئاً في المجزرة و ممهداً الطرق للقضاء على صرخات الحرية.
منذ ثلاث سنوات, يبحث السوري عن بقائه كما كان يبحث جلجامش عن خلوده و الحياة الأبدية. من بين الرصاص و القذائف و تحت ركام بيوته التي امطرها الخائن بصواريخ و براميل الموت و من داخل خيم اللجوء و أقيبة المعتقلات يجد السوريون و قد لا يجدون للحياة سبيلا.
عندما قتلَ جلجامش, الضخم القبيح خومبايا حارس غابة الأرز كان يعرف أنه سيغضب الآلهة و قبل الرهان ثم قتل الثور المقدس و لكنه خسر صديقه أنكيدو و لما أصابه من الحزن قرر أن يبحث عن الحياة الأبدية في عشبة سحرية في أعماق بحر الخلود, لكنه فقدها و عاد إلى أوراك ليدرك أن الخلود يكون بالأعمال العظيمة التي تخلد اسمه.
جلجامش السوري منذ ثلاث سنوات قبلَ تحدي العالم الآلهة له و اسقط خومبايا العصر منذ أن أطلق ذاك الأبله جيوشه و شبيحته نحو أنامل أطفال حوران و نساء بانياس و شباب دوما, لكن العالم مازال يرسل ثيرانه السوداء ليعاقب جلجامش السوري للتطاول على قوانينه و مصالحه و يتظاهر بالصداقة و الحرص و يتحجج بالتطرف و الارهاب و لكنه لا يريد أن يضيف لذاكرته صور و حكايا عن آلاف الضحايا السوريين كل يوم و لو دفاعاً عن قيمه التي يتبجح بها عن الانسانية و الأخلاق و الحق و العدالة.
جلجامش السوري عرف منذ أن خاض بحور الخلود أنه سيفقد أنكيدو و سيفقد معه مئات الألوف من الأحبة, قتلاً و تعذيباً و اغتصاباً و تنكيلاً و اعتقالاً و لجوءً, لكن من يعرف أن إصرار جلجامش السوري على الخلود كإصراره على البقاء؟ و من يراهن على رفض جلجامش السوري لاستمرار قدرعبوديته العابر؟.
جلجامش السوري, يؤمن بأن الخلود يكون بأعمال عظيمة تمجد اسمه و لكنه اليوم مازال في صراع مع خومبايا العصر و ثيران الألهة السوداء و الآلهة ذاتها, من أجل البقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحت غطاءِ نيرانٍ كثيفةٍ من الجو والبر الجيش الإسرائيلي يدخل


.. عبد اللهيان: إيران عازمة على تعميق التفاهم بين دول المنطقة




.. ما الذي يُخطط له حسن نصر الله؟ ولماذا لم يعد الورقة الرابحة


.. تشكيل حكومي جديد في الكويت يعقب حل مجلس الأمة وتعليق عدد من




.. النجمان فابريغاس وهنري يقودان فريق كومو الإيطالي للصعود إلى