الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الردّ على وصايا روبرت فورد السبع

مرح البقاعي

2014 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


"ما أحمله لكم اليوم أخبار غير جيدة عن سوريا حيث فصيل من القاعدة يواجه فصيلاً آخر من القاعدة أيضاً. الوضع منقسم إلى هذه الدرجة، شظية حادة مقابل شظية حادة أخرى".
هكذا استهل السفير الأميركي إلى سوريا روبرت فورد، والمتقاعد منذ أيام فقط، كلمته التي أوجز فيها تجربته خلال تولّيه الملف السوري في الخارجية الأميركية، سفيراً لبلاده في دمشق، ثم دبلوماسياً مفوّضاً للتعامل مباشرة مع الأطراف المعنية بالأزمة السورية.
وإذ أوجزت مجلة كريستيان ساينس مونيتر الأميركية كلمة السفير فورد في نقاط سبع، فسأحاول أن أنجز ردّاً مباشراً على هذه النقاط من خلال تجربتي، كسورية، في صفوف المعارضة منذ وضعتْ لبنتها الأولى في المجلس الوطني السوري من جهة، وفي ردهات الإدارة الأميركية من جهة أخرى، وقد عملت مع مسؤوليهاعن قرب، كأميركية سورية، وعلى امتداد سنوات الثورة الثلاث، لحثّهم على تقديم الدعم اللازم للثورة، ولنقل صورة الداخل بأمانة وموضوعية، وهي الصورة التي لا تخفى عن السفير فورد البتة. فقد شهدها بنفسه منذ بواكير الحراك الثوري السلمي الذي حضره شخصياً في ساحة العاصي بحماة، وتنقّل بنفسه بين المتظاهرين السلميين تحت أقواس السواعد العارية وأغصان الزيتون والأهازيج الثورية منادية برحيل الأسد. ومن هذا المنطلق أجد أنه من المستهجن أن يستهلّ السفير حديثاً له عن سوريا بتوصيف الوضع على أنه مجرد اقتتال بين شقّين من تنظيم القاعدة، وألا يبدأ كلمته بالحديث عن الثورة السلمية التي شهد فصل ربيعها الأول بنفسه في دمشق، والتي حوّلها النظام تدريجبياً إلى مواجهة مسلّحة مع شعب أعزل، وزجّ لاحقاً في صفوفها فئات مسلّحة متطرفة كان هو صانعها ومَن أرسلها إلى العراق بهدف تقويض مساعي قيام دولة ديمقراطية في الجوار السوري ستهدّد بقاء كيانه الاستبداديّ.
في الوصايا السبع:
1- حمّل السفير فورد مسؤولية فشل جولتين من مفاوضات جنيف2 إلى وفد النظام برئاسة بشار الجعفري مستنداً إلى تصريحات راعي المؤتمر، الأخضر الابراهيمي، في هذا الشأن. هنا أتساءل، هل كان السفير فورد والسيد اللابراهيمي يجهلان ما سيكون عليه موقف النظام في المفاوضات التي دفعا المعارضة دفعاً لحضورها، حتى أدى الضغط الذي مارسه فورد إلى صدع في جسمها قد لا يلتئم أبداً؟! فلو توفّرت الإرادة السياسية الجادّة لأميركا في جلب وفد النظام وهو بوضع أضعف ليسجّل موقفاً متجاوباً، لسهّلت عبور السلاح لمقاتلي المعارضة لتأمين التوازن العسكري على الأرض، والذي يؤدي بدوره إلى توازنات سياسية على طاولة المفاوضات. لكن السفير فورد وإدارته لم يفعلا. ووصل النظام السوري بنفَس متغطرس إثر اقتحام قواته لغير مدينة واستعادته العديد من المواقع من قبضة المعارضة.
2- اتهم السفير فورد المعارضة بأنها "غير قادرة على دعم قضيتها"! وأنا أقول، كيف للمعارضة أن تدعم قضيتها، وترّوج لها أميركياً ودولياً، في حين يشير حليفها الأميركي (بلهجة فورد التهكمية) إلى فصائل متطرفة تقاتل في صفوفها، متجاهلاً تنبيهنا له، إثر أول سابقة تفجير في حي القابون في العام 2011، أن هذه العملية هي من فبركة النظام وتنفيذ الخلايا النائمة التي شكّلها بشار الأسد حين دخول أميركا إلى العراق، وأنشا لها المعسكرات التدريبة على الأراضي السورية، ثم أرسلها إلى العراق لزعزعة استقراره؛ وهو يقوم اليوم باستعادتها، ويزجّها في عمليات إرهابية هنا وهناك من أجل خلط الأوراق، وتجريم المعارضة بتهمة رعاية الإرهاب، وتخيير العالم بين بقائه في الحكم أو تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة تشكّل ملاذاً لمقاتلي القاعدة كما في شمال أفغانستان.
السفير فورد يعلم تماماً أن تأخّر تسليح المعارضة ودعمها بما يلزمها لإسقاط الأسد هو الذي سمح لهذه الخلايا أن تطوّر أدواتها، وترسّخ وجودها على الأرض(على مرأى ومسمع من أميركا) وتستدعي المقاتلين الأجانب المتطرفين الذين لم يهاجموا يوماً هدفاً نظامياً واحداً، بل تركّز هدفهم العسكري على مهاجمة قوات المعارضة، بما فيها الكتائب الإسلامية المعتدلة. أما هدفهم العقائدي فاستعادة دولة "الخلافة" التي عنوانها السياسي: دولة الإسلام في العراق والشام. واختاروا لدولتهم موقعاً جغرافيا لم تبادر المعارضة بإشغاله حين تمّ تحريره من النظام، وسارعوا إلى زرع أوتادهم في محافظة الرقّة.
3- يعود السفير فورد ليناقض مقاله في قضية تميييز المعارضة نفسها عن الجهاديين حين يشير أن"الفصائل المقاتلة يجب أن تجلس إلى طاولة واحدة، بما فيهم (الجهاديون) منها". حتى أنه رأى ضرورة "مشاركة إيران وانضمام ميليشات حزب الله والحرس الثوري الإيراني إلى المفاوضات". وفي هذا الطرح تناقض صارخ ليس فقط مع القرار الأميركي بعدم جواز الجلوس ومفاوضة الإرهابيين بشكل مطلق، بل مع القرار الدولي في عدم دعوة إيران إلى المفاوضات ولو بصفة مراقب؛ ما أدّى إلى ألغاء الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة لطهران لحضور جلسات جنيف2، قبيل 24 من انعقاد جولته الأولى، وبضغط سعودي فرنسي مشترك.
4- في حين يؤكّد السفير فورد أن "تضمين إيران في المفاوضات لن يكون مفيداً بالدرجة المطلوبة" إلا أنه يرى في وجودها أمراً حتمياً لأنها "الدولة الأكثر تأثيراً في سوريا".
أقول: إن إيران أصبحت فعلاً "الأكثر تأثيراً" لسبب أساس وهو غياب التأثير الأميركي في الوضع السوري وابتعاد الإدارة الأميركية عن اتخاذ مواقف حاسمة في دعم الثورة السورية بما تحتاجه من عتاد وسلاح، ما كان سيمكّنها، وخلال فترة وجيزة، من إسقاط الأسد دون أن تدخل سوريا والمنطقة برمتها في هذا النفق المظلم نتيجة التراخي الأميركي في إدارة الأزمة، بل ومنع دول إقليمية من إمداد الجيش الحرّ بما يحتاجه لحسم المعركة.
5- في طرحه لقضية استخدام القوة المباشرة لإسقاط بشار الأسد ونظامه، أودّ لو أنعش ذاكرة السفير فورد وأسترجع الزيارة التي قمنا بها إلى مكتبه في شهر نيسان 2012 وقدّمنا له مذكرة قانونية لحماية المدنيين في سوريا تحت طائلة الفصل السابع، وبموافقة مجلس الأمن أو بعدمها( الحالة اليوغوسلافية نموذجاً). أذكر تماماً أنه لم يلقِ ولو نظرة سريعة على الأوراق، ورمى بها على سطح مكتبه وهو يبتسم ابتسامة صفراء، وتابع "نهش" التفاحة التي أخرجها من حافظة طعام غدائه بحضور أعضاء الوفد السوري الذي رافقني في تقديم المذكرة ودعمها! كان بإمكان المذكّرة ، لو أن الولايات المتحدة دفعت بها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن ترسل إشارة قوية من المجتمع الدولي إلى حلف الشمال الأطلسي (النيتو) للقيام بما يلزم من ضربات جراحية لإسقاط النظام دون أن تحمّل الولايات المتحدة ما لا تطيق من تدخّل عسكري أحادي قد يكون في نهاية الأمر الشرّ الذي لا بدّ منه.
(ما زلت أذكر تلك " الابتسامة الصفراء" كلما رأيت شهيداً يسقط، أو بيت يدمّر، أو بريء يذبح بسكين إرهابي داعشي لأنه لا يحفظ عدد ركعات الصلاة، أو بريئة تجلد بتهمة الزنى لامتلاكها حساباً على الفيس بوك).
6-وماذا لو مدّد بشار الأسد رئاسته ياسعادة السفير طالما أنه، كما أفدت، "سوريا ليست مستعدة نهائياً لإجراء انتخابات هذا الصيف مع تشرد 9ملايين من مواطنيها". أليس هذا سبباً رئيساً يمكن أن يستغلّه النظام ليلغي الانتخابات الرئاسية بسبب الوضع الأمني العام ويمدّد لنفسه إلى ما شاء الله وشاء حليفاه: داعش وحالش! وماذا سيكون موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في هذه الحالة؟!
7-في واحد من لقاءاتنا مع السفير فورد حدّثناه بصراحة عن توجّسنا من احتمال تقسيم سوريا في غياب الإرادة الدولية لحسم المعركة لصالح بقاء الدولة واجتثاث النظام. أذكر أنه قال ما مفاده أن "أميركا لن تسمح بتقسيم سوريا لأنها لا تستطيع أن تتعامل مع كانتونات متناقضة ومتحاربة فيما بينها في منطقة هي الأكثر حساسية في الشرق الأوسط". إلا أن سعادة السفير اختتم محاضرته بوصاياه السبع في جامعة تافت العريقة بمشهد قاتم لنهاية التراجيديا السورية "تنهار فيه الدولة وتتمزّق إلى دوليات بحيث لا تعود سوريا إلى ماكانت عليه حين وصلها سفيراً في العام 2010".

عزيزي روبرت فورد.. بمعزل عن تعاطيك المربك مع مجريات الملف السوري لأربع عجاف خلت، أريد أن ألفت إلى النقطة الأهم التي غابت عن وصاياك السبع: لم تلفظ، ولو لمرة واحدة، مصطلح "الثورة السورية" خلال خطابك الكئيب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا