الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة الأوكرانية: هل نحن في اتجاه حرب ساخنة بعد أن كانت باردة؟

توفيق عبد الصادق

2014 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


يترقب العالم بكثير من القلق والتوجس التطورات والمتغيرات المتسارعة للازمة الأوكرانية بعد دخولها منذ أسابيع في منعطفات خطيرة، نتيجة لدخول الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وروسيا وخلفها الصين من جهة ثانية على خط الأزمة، مما جعل من الساحة الأوكرانية ساحة جديدة من ساحات التنافس والصراع الجيوسياسي وورقة ضمن أوراق لعبة المصالح بين الأطراف، على غرار الأزمة السورية المشتعلة منذ ما يقرب الثلاثة سنوات وتذكيراً بالتدخل العسكري للناتو في ليبيا لإنهاء حكم معمر القذافي واسترجاعاً لمشاهد الأزمة الجورجية في العام 2008وكيف جاء الرد العسكري الروسي صاعقاً وسريعاً، خاصة ونحن نعلم الأهمية الحيوية والإستراتيجية لأوكرانيا للأمن القومي الروسي ولخططها المستقبلية في بناء "حلف أوراسي"( يضم دول أوربا الشرقية ودول في أسيا الوسطى) وتعزيز التعاون والتنسيق مع دول "محور البريكس" ( البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا) ولاستقرار وامن دول أوربا الشرقية التي كانت ضمن فلك الاتحاد السوفياتي سابقاً والتي انضم بعضها للاتحاد الأوربي ، و ما تشكله من تحدي جديد للزعامة والهيمنة الأمريكية الأخذة في الأفول بعد الأزمة الاقتصادية والمالية للعام 2008.
ومما لاشك فيه أن مخرجات وتداعيات هذه الأزمة والتي يصفها بعض الدارسين والباحثين بأخطر أزمة تواجه العالم منذ نهاية ما كان يعرف بالحرب الباردة، ستكون البداية والطريق لحل وحسم عدة نزاعات إقليمية ودولية، وحكماً بتراجع وتأكل الأطروحات والنظريات المهتمة بالعلاقات الدولية والقائلة بنهاية نظرية القوة للمدرسة الواقعية والواقعية الجديدة، مع "هانز مورغانتو" و"أيان بريمر"، لاسيما أمام عجز منظمة الأمم المتحدة عن تقديم حلول لهذه الأزمات ولعبها دور المتفرج وأحياناً دور المساعد عندما يكون أحد أطراف الأزمة من القوى العظمى، وقد يكون النزاع بين الصين واليابان على جزر في بحر الصين الجنوبي أبرز مثال على ذلك والنزاع المرشح ليطفى بدوره على الساحة الدولية، ذلك أن الصين بدورها تراقب عن كثب سياسة عض الأصابع بين موسكو وواشنطن، لتصفية حسابها التاريخي مع اليابان على هذه الجزر، وهي التي تبعث بإشارات بين الفينة والأخرى بإمكانية استعمال القوة العسكرية ضد اليابان حليفة واشنطن في المنطقة، وهي الدولة المعروفة بسياسة "الصعود والعمل بصمت"، والقوة المهددة لعرش الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا على الأقل في أفق العام 2020 .
في ظل هذه المتغيرات والتحولات التي يشهدها النظام الدولي والمتجهة نحو حالة التعدد في مراكز القوة، حيث أنه لم يعد بإمكان أي دولة كبرى أو تحالف دولي من مواجهة التبعات والتحديات اللازمة لقيادة العالم بشكل منفرد، تنبع أهمية طرح العديد من التساؤلات. هل ما نعيشه اليوم من عودة لروسيا كمركز للقوة وتطلعها للعب دور ريادي في رسم السياسة الدولية، ينذر باتجاه العالم نحو موجة جديدة من الحروب الساخنة هذه المرة؟ اتساقاً مع مقولة أن الحروب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وأن محركها في أغلب الأوقات هو المصالح الاقتصادية للأمم. كما أن التاريخ يقول أن بزوغ أي نظام دولي أو إقليمي جديد، وما يفرزه من إعادة بناء للتوازنات في القوة والنفوذ غالباً ما يكون منبعثاً من رماد الحروب بين القوى المتصارعة. أم أن الأحداث الدولية الجارية في سوريا وأوكرانيا وفنزويلا على الرغم من حدتها وتشابهها مع أزمات حقبة الحرب الباردة وإن انتفىت الخلفية الإيديولوجية المحركة لها، لا تعدوا أن تكون خلافاً في التقييم والنهج لحل الأزمات وفك شفرة لعبة المصالح ، سرعان ما تفضي لعقد تسويات وصفقات تحت أو فوق الطاولة ولن تصل إلى حرب ساخنة بين الغرب وروسيا؟ وذلك لعلمهما بتكلفة هذه الحرب وعدم رغبة الطرفين في الدفع بالأمور نحو حافة الهاوية فما يجمعهما من مصالح أكثر ما يفرقهما.
روسيا بين الأزمة الجورجية والسورية: الانتقال من الدفاع نحو الهجوم
يعد التدخل العسكري الروسي الحاسم في جورجيا في العام 2008، والذي أفضى إلى إعلان انفصال إقليم أوسيتيا الجنوبية، ووضعه تحت الحماية الروسية، بالنسبة للكثيرين التاريخ الرسمي لعودة القوة الروسية، وتقديم نفسها للعالم في نسختها الجديدة تحت قيادة الزعيم فلاديمير بوتين، روسيا القوية والناهضة من ركودها وضعفها وهامشيتها وهي تحت رئاسة الرئيس السابق بوري يلتسين، حيث أنها استفادت من العائدات الضخمة لقطاع الطاقة في لملمة اقتصادها المنهار وتحديث قوتها العسكرية الضخمة، لتحقق في العام 2012 مخزوناً من العملة الصعبة فاق 500 مليار دولار، ونسبة نمو تقارب 5 بالمئة، في ضل وضع اقتصادي دولي سمته الأبرز الكساد المالي ومعدل نمو لا يكاد يتجاوز 2 بالمئة في أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية ومخلفات الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق.
الرد الصاعق للقوات المسلحة الروسية على جورجيا والذي لم يتجاوز الأسبوع فاجأ الغرب وأمريكا، في مستواه وحزمه وبعث بإشارات واضحة بان روسيا لن تصمت على زحف وتحرش الناتو بمجالها الحيوي، وبأنها مستعدة للضرب بقوة عندما يتعلق الأمر بتهديد مصالحها القومية والإستراتيجية.
وإذا كانت الأزمة الجورجية نقطة البداية لبروز دور القوة والنفوذ الروسي، فان موقفها ودفاعها المستميت عن حليفتها سوريا في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، كبوابة ومعبر لأمنها الإقليمي في أسيا الوسطى وبحر قزوين، وهي التي أخرجت جميع أوراقها الدبلوماسية داخل أروقة مجلس الأمن، بل وحتى العسكرية عبر تزويدها النظام السوري بالسلاح وإرسالها للبوارج البحرية للمياه الإقليمية للبحر الأبيض المتوسط، وسط معلومات عن تواجد خبراء عسكريين روس يدعمون قوات بشار الأسد في قتاله مع الجماعات المقاتلة المسندة من طرف الغرب ودول الخليج، يمثل المرحلة والطور الثاني لانتقال الدب الروسي إلى سياسة الهجوم بدل الدفاع عبر مصارعة خصومه خارج مناطق نفوذه التقليدية والتاريخية على الحدود الروسية، في إطار التنافس وإعادة رسم التوازنات الجديدة إقليمياً ودولياً مع القوى الدولية خاصة أمريكا، وعدم سماحها بتكرار السيناريو العراقي والليبي، عندما قال بوتين وقتها "خاننا ضعفنا في العراق وخدعنا الغرب بليبيا ولكننا لن نسمح بتكرار السيناريو في سوريا".
في إطار هذا الصراع والتنافس الدولي بين القوى الكبرى يمكن فهم سياق الأزمة الأوكرانية ومعها الفنزويلية المشتعلة هي الأخرى هذه الأيام، بعد رحيل هوغو تشافيس ومحاولة أمريكا الإطاحة بخليفته وبرؤساء دول أمريكا الجنوبية المغردة خارج السرب الأمريكي، وحديث وزير الدفاع الروسي مؤخراً عن اتفاق مع فنزويلا وكوبا ونيكارغوا والفيتنام عن إقامة قواعد عسكرية روسية على أراضيها، وهذا ما ينذر بالتمدد الجغرافي للصراع والتنافس الدولي ومعه تبادل الضربات بين الطرفين في لعبة شد الحبل والعزم الواضح لروسيا ومعها الصين ودول البريكس على كسر الهيمنة الأمريكية على النظام الدولية، حيث أن دول البريكس تمثل أكثر من 40 بالمئة من حجم التجارة الدولية وتستحوذ على ما يفوق 324 مليار من الاستثمارات الأجنبية خلال العام 2012.
الأزمة الأوكرانية: لهيب النار الذي قد يحرق الجميع
تفجرت الأزمة في أوكرانيا بعد عزل الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكفيتش يوم 25 فبراير 2014، بعد احتجاجات دامت أسابيع في مدن غرب أوكرانيا وبالعاصمة كييف على وجه الخصوص، سقط على إثرها عشرات القتلى والجرحى. المحتجون ومن ورائهم الغرب والذين يصفون تحركهم بالثورة، يقولون بأنهم يريدون الانضمام إلى الاتحاد الأوربي وهم يعارضون توجه قيادتهم السابقة لعقد شراكة اقتصادية مع موسكو، في حين أن هذه الأخيرة ومعها السلطات السابقة ومناطق الشرق والجنوب وجزيرة القرم ذات الأغلبية من السكان ذوا الأصل الروسي يقولون بان الغرب والسلطات الجديدة في كييف تحاول الهيمنة على السلطة، مع ما يمكن أن يشكله هذا النهج من إقصائهم من المشاركة في الحكم والضرر بمصالحهم وبالعلاقات التاريخية والعرقية والدينية بينهم وبين روسيا، خاصة بعد قيام السلطات الجديدة بالتنصل من الاتفاق المبرم بين يانوكفيتش وقادة المعارضة الأوكرانية برعاية فرنسا وألمانيا وبولونيا يوم 22 من فبراير، والقاضي بحل الأزمة سياسياً عبر تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة مع تقليص لصلاحية الرئيس.
هذه التطورات دفعت بروسيا للرد عبر حشد قواتها العسكرية على الحدود مع أوكرانيا، ودفعها للموالين لها للسيطرة على جزيرة القرم بشكل كامل في أفق استفتاء تقرير المصير التي ستشهده الجزيرة في 15 من مارس الجاري بين الانضمام لروسيا أو البقاء ضمن الدولة الأوكرانية كخطوة أولى، في انتظار ما ستعرفه التطورات في الأقاليم الشرقية والجنوبية لأوكرانيا ووفق ما ستؤول إليه المساعي الدولية لحل الأزمة دبلوماسياً، ونحن لا يكاد يمر يوم أو ساعة إلا ونسمع عن تهديدات واتهامات متبادلة بين الغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى، وإن كانت لحدود اللحظة في حدود ما هو اقتصادي ودبلوماسي، ولكن هذا لا ينفي إمكانية انتقال الأزمة إلى المواجهة العسكرية، خاصة أمام ما يقال عن عبور ألاف الجنود الروس لجزيرة القرم وإرسال تعزيزات عسكرية بحرية وجوية لقاعدة الأسطول الروسي على البحر الأسود المتمركز بالجزيرة، وأنباء عن تحرك طائرات وسفن حربية أمريكية للمنطقة خاصة بالدول السوفياتية السابقة التي أنظمت لحلف الناتو ليتوانيا واستونيا، وحديث وزير الخارجية الأمريكي بأن انفصال جزيرة القرم عن أوكرانيا وانضمامها لروسيا سيغلق باب الدبلوماسية، وإن كان لا يوضح ما هو الباب الذي سيفتح بعد ذلك.
خاتمة
ونحن أمام هذا الوضع الدولي المشتعل في عديد المناطق، وأمام هذه التهديدات ولغة القوة العسكرية كطريق لحسم القضايا وضمان المصالح، يمكن أن نقول أنه إذا كانت الحرب العالمية الأولى جاءت نتيجة لنزعة الهيمنة والسيطرة التي أصابت القوى الامبريالية المتنافسة على تقسيم العالم، وجاءت الحرب العالمية الثانية نتيجة لسياسة ألمانيا محو أثار هزيمتها وإذلالها من قبل دول الحلفاء بعد استعادة عافيتها وقوتها تحت زعامة أدولف هتلر، وإذا كان عهد الثنائية القطبية وتقاسم العالم بين أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق في إطار الحرب الباردة لمدة نصف قرن من الزمن، جاء نتيجة لخروجهما منتصرين من الحرب العالمية الثانية وإن اختلفا في حجم الخسائر والمكاسب، فالأكيد أن روسيا اليوم ومعها مختلف القوى الكبرى الطامحة للسيطرة والنفوذ قد لا تخطيء قراءة التاريخ والحاضر، فحذاري من الاستفزاز والتمادي في القراءة المغلوطة للواقع.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن بدء مناورات تشمل أسلحة نووية تكتيكية قرب أوكرانيا


.. إسرائيل ترد على طلب الجنائية الدولية بهجوم على الضفة الغربية




.. السعودية وإسرائيل.. وداعأ للتطبيع في عهد نتنياهو؟ | #التاسعة


.. لماذا جددت كوريا الشمالية تهديداتها للولايات المتحدة؟




.. غريفيث: دبلوماسية قطر جعلتها قوة من أجل الخير في العالم