الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزعة الإقصائية عند الليبراليين السوريين الجدد ..؟

عماد يوسف

2005 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تتميز طروحات بعض النشطاء السياسيين في سوريا، أو بعض النشطاء المعارضين مع بعض التيارات السياسية بالنزوع لإلغاء الآخر واقصاءه، وطرح مفاهيم يجدون فيها خلاصًا منشودًا لواقع ينبثق من تجربة مريرة عاناها هذا المجتمع، أو تيار سياسي أوفكري "ما" في هذا المجتمع، ويتحول هذا الغلـّو في الطرح الاقصائي إلى خطر حقيقي عندما يدّعي هؤلاء المغالون، إمتلاكهم للحقيقة المطلقة دون سواهم..؟؟!! ما يوقعهم في إنتكاسات تنعكس سلبًا على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم، من حيث فقدانهم للرؤية الموضوعية والتحليلية لذاك الواقع المعاش، ليخرجوا منه بتصورات هي في الغالب عملية نمذجة لمجتمعات أخرى تختلف في شرطها الاجتماعي والسياسي، وربما الاقتصادي أيضاً، والخطر الأكبر في ذلك يتجلّى في المفاهيم التي يطرحونها وذلك بحسب رؤيتهم، فالديمقراطية الليبرالية ( مثلاً )، هي الفرودس الموعود الذي يبشّرون به لحل أزمات البشر، و لكن سرعان ما يقعوا هم أنفسهم في منزلقات التطبيق اللاديمقراطي للمفاهيم التي يطرحونها في الديمقراطية ! فنجدهم يحاولون " بمغالاة واضحة " إلغاء كافة الطروحات المختلفة عن طروحاتهم، محاولين إقصاء منظّـريها ورواديها، وتكذيب مقولاتهم انطلاقًا من منظور ضيق في الرؤيا، ومنهج سلبي غير واقعي في القراءة والتحليل، وصولاً إلى محاولة تحييدهم كقوى وتيارات عن ساحة الفعل السياسي والمجتمعي .
يقع الكثيرون من عرّابي النهج الليبرالي في سوريا في هذا الإشكال العميق، منطلقين بحججهم من رؤية كونية معاصرة، ترى الكون والإنسان، والاقتصاد والسياسة، ومجتمعاتهم، من وجهة النظر الفكرية التي بدأت تحوّل هذا العالم لدخول النفق الليبرالي الأمريكي، بكل ارهاصاته وتجلياته، دون التأكد حتى إذا كان هذا النفق يتسع لهم، أو واسعًا كثيرًا على طروحاتهم، بحيث أنه من الممكن أن يضيعوا في قنوات الصرف الموجودة فيه .؟! وهم غالبًا ما يقعون في تبنّيهم لهذه الطروحات نفسها؛ " الديمقراطية الليبرالية، الاقتصاد الليبرالي، الانفتاح على العالم، نهاية كل أحزاب اليسار القومي والإشتراكي، موت الماركسية، إنتفاء مبررات الإنتماء الوطني والقومي، تسفيه القضايا القومية العربية، إنتفاء مفهوم الطبقات ... التماهي مع مفاهيم العولمة ومنظوماتها، ....الخ " في كل هذا نجدهم يقعون في نفس المغالطات التي يتهمون فيها التيارات المغايرة، وفي هذا الصدد يقدمون أفكارًا لا تتوافق مع تطلعات مجتمعاتهم ولا تركيبتها، لا سياسيًا، ولا اقتصاديًا، ولا ثقافيًأ..!
فهؤلاء الذين يطرحون الليبرالية كنهج سياسي واقتصادي، يتصدون لكل منادي بشكل آخر غير هذا النهج، ويتنطحون للهجوم عليهم وتفنيد مقولاتهم ولا يقبلون أية ديمقراطية إلاّ بمفهوم الإنضواء تحت عبائتهم في الإيمان بالديمقراطية الليبرالية وحتمية نهاية وإفلاس أي مشروع مغاير لهذا التوجه ، والرد حتى على مقالاتهم التي قد تحمل اختلافًا ولو جزئيًا عن تصوراتهم ، محاولين جر التجارب المماثلة من حياة الشعوب " في الأنظمة الشمولية، والاشتراكية وغيرها " التي ابتعدت بنظمها عن مفهوم العمل الديمقراطي، واقتلاعها من سياقها التاريخي ليسقطوها على مجتمعاتهم المختلفة كليًا عن تلك الشعوب وتلك التجارب، ويعيدون الخطأ القاتل الذي ارتكبته تلك المجتمعات( والمجتمع السوري أيضًا تحت حكم البعث) في التطبيق اللاديمقراطي لأنظمتها، إلى خطأ في النظرية والفكر والمناهج، وليس إلى خطأ في الممارسة والتطبيق ..!
لم تأت ِ الليبرالية في أوروبا نتيجة انقلاب لنظام شمولي،أو توجه جديد لحزب سياسي، ليتحول هذا المجتمع أو ذاك إلى نظام ليبرالي بين عشية وضحاها، لقد جاءت الليبرالية كنتيجة لعملية التبادل الاقتصادي وعلاقات الانتاج في أوروبا مع بداية الثورة الصناعية فيها، مع ما رافقه من قيم فكرية طرحها مفكرو عصر النهضة الأوروبي، والتي تقوم بجوهرها على إطلاق مفهوم الحريات الفردية في المستوى الاجتماعي، وتحقيق الحريات السياسية والاقتصادية، المبنية بالمطلق على الحق الطبيعي في تحرير الفرد من ارتباطاته المجتمعية الواسعة، ليبني على طاقاته الخاصة، وملكوته الفردية مشروعه الخاص، في المستوى السياسي والاقتصادي والمجتمعي، يؤطر ذلك كله دستور يمثل نموذجًا لعقد اجتماعي بين السلطة السياسية التي تحمي هذه الحرّيات وبين الفرد " الذات الحرّة المستقلّة " . ترافقت تلك القيم مع تراجع وانحسار كبير في دور الكنيسة، والانتماء الديني، والنظر إلى مفهوم الوجود الإنساني من منطق الحق الطبيعي، بعيدًا عن وعود الكتاب المقدس، وتعاليم الدين في العدالة والمساواة في السماء ، ساعد ذلك تطور الثورة الصناعية، مع ما يحمله هذا التطور من تغيرات ترافق البنى الفكرية والعقلية للطبيعة البشرية، الذين انتقلوا من نظم الانتاج وعلاقات الانتاج الاقطاعية إلى نظم وعلاقات الانتاج الصناعية، التي تفرض تطورًا وتغيرًا في آليات التفكير، وروابط الاجتماع الانساني، مع ما رافق ذلك من التأسيس لطبقات اجتماعية جديدة كليًا، شكلت قطيعة كبرى مع التاريخ القديم الاقطاعي، الكنسي، لأوروبا، وأهم هذه الطبقات، الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة ، فالمجتمع الرأسمالي هو شرط أساسي من شروط النظام الليبرالي، وهذا يعني بأن الليبرالية في أوروبا قد أوجدت حاملها الاجتماعي، قبل أن تجد طريقها إلى النظرية والتطبيق، وتثبت وجودها كمنهج ونظام سياسي واقتصادي، وخاصة بعد أن تزاوجت مع طروحات الثورة الفرنسية في الحريات وحقوق الإنسان، ثم انتقلت إلى وضع جذور مجتمعية لها بعيد ظهور وانتشار الفكر الاشتراكي في القرن التاسع عشر، ما حدا بها إلى مواجهة هذا المدّ الخطير من خلال تطوير نظريتها وايجاد مخارج لأزماتها التي بدأت تظهر مع اشتداد التناقضات والثغرات التي كانت تواجهها في الممارسة والتطبيق.
تشير الدراسات الفكرية إلى أن بذور الليبرالية تعود إلى نهايات القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الحين تعيش الليبرالية أزمات وتناقضات تسير بين مدّ وجذر، على جميع المستويات، اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا، وكانت دائمًا تنجح بفضل ديناميتها التي لا ’تنكر بالخروج من هذه الأزمات، على رغم الويلات الهائلة التي جلبتها للبشرية، من حروب واستعمار وقتل ودمار وغيرها، وهذه كلها من ارهاصات الرأسمالية العالمية، ولكن اللليبرالية كانت المنهج الفكري لهذه الرأسمالية، والتي بنت عليها مراحل تطورها وصولاً إلى العولمة التي تشهدها البشرية في أيامنا هذه . فمنطق الخلاص الفردي هو الجوهر الذي تقوم عليه فلسفة الليبرالية، مضافًا إليه، منطق التزاحم والتنافس والتحكم بعملية الانتاج الاقتصادي في السوق، فتخضع كل شيء إلى قانون العرض والطلب، وقد طال ذلك القانون حتى أنماط النظم السياسية الليبرالية، وأصبحت اللعبة السياسية خاضعة لهذا المعيار التنافسي في الاقتصاد العالمي، والسيطرة العسكرية والسياسية على القرار العالمي، فالانتخابات الرئاسية في أوروبا وأمريكا أصبحت تحدد من خلال سياسة هذه الدول الخارجية ومنظورها لجهة الاقتصاد العالمي وتفاعلاته، بالإضافة إلى مصادر الطاقة، أكثر ما هي لعبة تنافسية في تحقيق الخير والازدهار لبلدان ومجتمعات هؤلاء الرؤساء .
تنتمي سوريا إلى بلدان العالم الثالث، وتواجه الكثير من الأزمات في شتى مجالات الحياة، وقد تكون هذه الأزمات أكبر مما تبدو عليه، وأكثر عمقًا من أزمات بلدان كثيرة تتشابه مع سوريا، ويتحمل نظام الحكم مسؤولية كبيرة في توليد هذه الأزمات وتعميقها، لتتحول إلى أزمات بنيوية تشكل عائقًا أمام أي مشروع خلاص أو تغيير في البنى السياسية والاقتصادية والمجتمعية السورية، وتتميز سوريا بأنها تحوي نسيجًا بشريًا فسيفسائيًا تحكمه منظومة قيم ما قبل وطنية، تتجسد فيها روح الطائفة والجماعة والعشيرة والعائلة، مع ما يشكل هذا الإنتماء من قوانين حماية وصراع وجود وبقاء في كنف الإنتماءات السالفة الذكر، بعيدًا عن منطق الدولة ودورها في الرعاية والحماية، وعجزهم عن التماهي مع مفهوم المواطنة والإنتماء الوطني الذي أفتقد طويًلا في سوريا خلال الأربعين عامًا التي انقضت، وكذلك الإنتماء الديني الذي يصل إلى حالة التطرف لدى الكثير من الجماعات والشرائح السورية والذين يجدون الخلاص في جوهره،’يضاف إلى ذلك منظومة العلاقات التي تنتمي بطبيعتها إلى علاقات المجتمع الزراعي الريفي، مع ما يجسد هذا لطبيعة علاقات الانتاج وعلاقات الاجتماع الإنساني التي تحكم هذه الطبيعة من البشر وما يعزز هذا النوع من العلاقات من تناقضات تساهم في تكريس حالة رجعية متخلفة أكثر ما تساهم في التأسيس لحالة مجتمعية مدنية تنتمي إلى مفاهيم عصر الحداثة، في بلد مازال بعيدًا جدًا عن الإنتماء إلى شروط وتوصيف المجتمع الصناعي ونمط انتاجه وعلاقاته الاجتماعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا