الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلاميين والعلمانيين ومستقبل العراق السياسي

محمد حسام الرشدي

2014 / 3 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ما من شك إنّ الساحة السياسية العراقية تشهد -في هذهِ الفترة- صراعاً -ستزيد حدته مع مرور الأيام- بين التيارات الدينية -على اختلافها- من جهة، وبين العلمانيين من جهة أخرى، حيث سيتحدد على أساسه المستقبل السياسي للعراق. وهذا الصراع يضاف إلى الصراعات الأخرى بين التيارات الدينية نفسها -سواء كان طائفياً أو فكرياً أو صراعاً من أجل المصالح- هو السمة البارزة بالسياسة العراقية اليوم.

وقبل أن نحلل طبيعة هذا الصراع، وعمَّ سيتمخض، علينا أن نسلط الضوء -بشكلٍ موجز- على هذين التيارين، ونقاط ضعف وقوة كلٍ منهما، ليكون تحليلنا واقعياً وبعيداً عن العواطف والآمال الكاذبة.

التيار الاسلامي
هناك مجوعة من الخصائص التي تميز الاسلام السياسي في العراق، وهذهِ الخصائص شاملة – أي تشمل جميع الاحزاب والحركات الإسلامية في العراق، وهي ما يمكن اعتبرها الأسس السياسية للاسلام، ونحن هنا سنركز على أهمها:
1- الحاكمية لله.
حيث تتبنى جميع الحركات والأحزاب الإسلامية شعار الحاكمية لله (أو توحيد الحاكمية) والتي تعني إفراد الله وحده في الحكم والتشريع.

2- غياب المشروع الوطني.
إن الفكر السياسي الإسلامي ينظر إلى الأمة الاسلامية كوحدة واحدة، وإن ما يربط الإسلاميين العراقيين -مثلاً- بالاسلاميين السعوديين هو الإسلام، بالمقابل إن ما يربط الإسلاميين العراقيين بالمسيحيين العراقيين هو الوطن، والوطن يأتي بمرتبة أقل من الإسلام، لهذا يكون المشروع الوطني معارضاً للمشروع الاسلامي. وقد عبر عراب الإسلام السياسي -سيد قطب- عن هذهِ الفكرة بقولهِ: "الوطن وثن والعلم صنم الوطن سكن وحفنة عفنة من التراب والولاء للجماعة فقط".

3- غياب الديمقراطية داخل الإسلام السياسي.
بعيداً عن الشواهد التاريخية التي تثبت أن الديمقراطية مفهوم غريب عن الاسلام السياسي، فإن ما يؤكد هذهِ الفكرة مفهوم "الحاكمية لله" السابق الذكر والذي يتعارض مع الديمقراطية التي تعني حكم الشعب لنفسه (1).

4- الاعتماد على عاطفة الناس.
أسهل طريق لتمرير ما تريد على الناس هو إيهامهم بقدسية ما تريد. وقد أثبتت التجارب -خصوصاً في عراق ما بعد صدام حسين- إن التيارات الدينية تعتمد بشكل كبير على عاطفة الناس، فمما أذكره بهذا الصدد إن الإسلاميين الشيعة في العراق أشاعوا بين أنصارهم ورجالهم -بغية تمرير الدستور- إن من يصوت بنعم على الدستور كأنما بايع الإمام علي بن أبي طالب في بيعة الغدير (2)، فكان أن صوت الناس بنعم على دستورٍ يعتبر الأسوأ بتاريخ العراق منذ حمرابي إلى اليوم.

هذهِ برأيي أهم خصائص الإسلام السياسي، وقد توجد الكثير غيرها، مما ليس له علاقة بموضوعنا. كما إن هناك بعض الخصائص للإسلام السياسي الشيعي ، وبعض الخصائص للإسلام السياسي السني، وكلا الأمرين لا يعنينا بحديثنا عن الصراع بين الإسلام السياسي والعلمانية.

التيارات العلمانية
هناك تشويه متعمد -من قبل الإسلاميين- لمفهوم العلمانية، فقد دأب الإسلاميون على نشر مفاهيم مغلوطة بين البسطاء -وحسب قاعدة الاعتماد على عاطفة الناس- مثل إن العلمانية "ضد الدين"، أو إنها كفر، أو إن العلمانية مفهوم غربي -ماسوني- هدفه القضاء على الإسلام ونشر الإباحية والتهتك بالمجتمع. لذا أرى من الضروري إعطاء نبذة مختصرة عن العلمانية.

العَلمانية -بفتح العين- هي مفهوم سياسي نشأ خلال عصر التنوير على يد عدد من المفكرين أمثال توماس جيفرسون (في أميركا) وفولتير (في فرنسا) وجون لوك (في إنكلترا) وسواهم، وهي -ببساطة- طريقة لتنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات ، فيما بينها وبين الدولة على أساس مبادئ وقوانين مستمدة من الواقع الاجتماعي، فهي تشترط على السلطة السياسية موقفاً محايداً من الدين، كما تشترط جملةً من الحريات -كحرية الاعتقاد، وحرية نشر الأفكار وتعلمها.

تعرف دائرة المعارف البريطانية العلمانية بكونها: "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الآخروية. وهي تعتبر جزءًا من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به بدلاً من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شؤون الحياة والتأمل في الله واليوم الأخير. وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المختلفة في عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلاً من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية" (3).

وتتسم العلمانية بالمرونة فهي تختلف من دولة لأخرى، ومرجع هذا الاختلاف يعود إلى اختلاف دول العالم من حيث ظروفها الإجتماعية والتاريخية والثقافية والاقتصادية، فمثلاً العلمانية في فرنسا تختلف عن العلمانية في إنكلترا، وتلك تختلف عن العلمانية أميركا.
على ضوء ما تقدم يمكننا تحديد أهم خصائص التيارات العلمانية:

1- التركيز على مشروع وطني:
إن الهدف من العلمانية هو تنظيم الحياة السياسية للدولة، وهذا يتطلب مشروعاً وطنياً، يسعى إلى المساواة بين الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبغياب هذا المشروع لن تكون هناك علمانية.

2- الحرية الفكرية
العلمانية ليست فكراً أو أيديولوجيا، وهي ليست ديناً أو معتقداً، هي طريقة لإدارة البلد لذا هي لا تفرض أي قيود فكرية على معتنقيها، فقد يكون العلماني متديناً، أو لا دينياً، مسلماً أو مسيحياً، سنياً أو شيعياً، ليس المهم في العلمانية ما تحمل من أفكار أو معتقدات، المهم عدم أدلجة الدولة بما تؤمن بهِ.

3- الديمقراطية كشرط أساسي.
بغياب الديمقراطية، لن تكون هناك علمانية، لأن التعددية والاعتراف بالآخر شرط أساس من شروط العلمانية.

هذهِ كانت أهم الخصائص للتيارات العلمانية في العراق، وقد يشذ البعض، أو قد يدعي العلمانية دون الأعتراف بهذهِ الخصائص، وهذا يخرجه من العلمانية وإن كان يدعو لها ويتبنها في خطابه.

وبالعودة إلى موضوعنا الرئيسي، وهو الصراع بين التيار الديني والتيار العلماني، علينا أن نسجل تفوق التيارات الدينية بعدة نقاط، فمثلاً السلطة اليوم بيد التيارات الدينية، الثروات بيدهم، الغالبية الساحقة من الناس مؤيدين لهم، بالإضافة إلى الدعم الخارجي -إيران بدعمها للإسلام السياسي الشيعي، والسعودية بدعمها للإسلام السياسي السني. كل هذا وغيره يجعل الكفة تميل لصالح الإسلام السياسي -بشطريه السني والشيعي، ولكن هناك ما يؤكد إن المستقبل السياسي للعراق سيكون لصالح التيارات العلمانية، وهنا سأذكر بعض ما يدعم هذا الرأي:

1- الصراعات داخل التيار الإسلامي نفسه، من صراع طائفي، إلى صراع على السلطة، إلى صراعاتٍ فكرية.

2- غياب الرؤية السياسية للإسلام السياسي، وهذا واضح لكل متتبع لما يدور داخل البرلمان العراقي، أو الحكومة العراقية.

3- زيادة الوعي الثقافي للشباب العراقيين، وهذا بفضل التكنلوجيا الحديثة التي ساهمت كثيراً بنشر مفاهيم كانت غائبة عن المجتمع العراقي.

4- خسارة الإسلام السياسي في سوريا، حيث ستكون سوريا للإسلاميين كما كانت النكسة للتيار القومي.

5- الانفتاح على الغرب، فكلما زاد الانفتاح العراقي على الغرب العلماني، كلما زاد بريق العلمانية بنظر العراقيين.

6- تحسن الوضع الأمني في العراق، والذي سيؤدي إلى عودة الكثير من العراقيين ممن عاشوا التجربة العلمانية في الدول المتقدمة.

7- نتيجة الفشل المتكرر للإسلاميين في إدارة العراق، ستتولد في نفوس بعض المؤيدين للتيار الديني، ردة فعل تجعلهم معادين للإسلام السياسي.

8- التعددية الدينية في العراق، والتي تحتم إيجاد بديل من خارج الوسط الديني، وهنا سيكون التيار العلماني هو البديل الأوحد.

هذهِ برأيي أهم الأسباب التي ستجعل كفة العلمانيين هي الراجحة في العراق، أما متى سيكون هذا، فأعتقد أن الوقت قد يطول للعشرة سنوات قادمة أو ربما أكثر.






الهوامش:
(1) مصطلح ديمقراطية مشتق من اليونانية وقد تمت صاغته من شقين ( ديموس ) " الشعب" و ( كراتوس ) "السلطة" أو " الحكم " في القرن الخامس قبل الميلاد للدلالة على النظام السياسي في دول المدن اليونانية.
(2) بيعة الغدير، وهي البيعة التي تمت في غدير خم -قرب مكة- حيث بايع المسلمون علي بن أبي طالب خليفة بأمرٍ من النبي محمد، وقد أختلف المسلمين حول دلالة هذهِ البيعة، للتوسع مراجع: عبد الحسين الأميني "الغدير بين الكتاب والسنة والأدب"، الجزء الأول.
(3) نقلاً عن موقع ويكي بيديا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج