الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل الثاني من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر

سعدي عباس العبد

2014 / 3 / 13
الادب والفن


الرغبة الحارة الواخزة المفتوحة على آخرها ..كانت تنصت إلى زفيري اللاهث او صهيلي العقيم فوق السرير ..فيعتريها اليأس فتشعر بحصار مبكر من الجفاف ..
اسندت رأسي لحافة النافذة ... كان النهار ما يزال يمشي بخطى متباطئة يغمر الأطفال هناك في الشارع ..والنساء المتألقات في نثار الشمس ..الغاطسات بشعاع نهار يسيل واهنا ..فاحس برائحتهن تتسرب عبر النافذه وتكتظ في فضاء الغرفة !! فتعصف بي ذكريات تملاء رأسي بارتعاشات تتمزق غلى حافة مراهقة .......................
كان النهار في الخارج متماسكا يمرّ كبقية النهارات لا يترك غير آثار من الخوف والرعب ..
الرعب من النهارات القادمة ...نهارات زوجتي المحمولة على اجنحة النكد والكراهية ...
نهارات بيض تلقي ذيولها الفضّية المفعمة باليبوسة والخوف على مسافة مجفّفة من السرير المشغول بالخواء والغبار والصمت وصدى لهاث بات محض ذكرى شاحبة وما تزال بقاياه معرّشة تضوع رائحته المجفّفة من لدونة الوسادة التي ركدت بين طياتها رائحة الأيام وتجذرت في نعومتها ..ما زال السرير رابضا مركوزا منذ ايام الجفاء والصدود كبقايا حطام مركونا لصق الجدار القائم بمواجهة النافذة ..مزدحم بالخيبة والخواء ، الخواء الذي نبت في طرافه ! كأعشاب برّية متيبسة يقتلها الظمأ ..ما زالت بقايا نادرة من رائحتها تضوع طرّية من السرير تتصاعد بصمت غائم لتغرق في فيوضات النهار الطافية في ارجاء الغرفة ..اتنشق تلك الرائحة القديمة المتطايرة في الهواء ..كأنها تتدفق الآن طرّية ريانة رطبة ..تبعث على الدهشة ! فتضيق بي الذكريات وتقذفني الى متاهة من الأحلام المخيفة .. فأشعر إني انزلق إلى هاوية مروعة من القسوة والصمت واليأس ...
في بادىء الأمر لم اخذ انزوائها وعزوفها عني على محمل الجد ...كنت اظن انها مجرد رحلة نحو آفاق الكآبة وسرعان ما ستعود __ زوجتي __ وتستعيد ألقها القديم ... ولكن كانت الأيام اليابسة تمرّ متلاحقة بصمت ثقيل جاثم على احلامي دون ان يحدث ما ينبىء بشيء ما ...بقيت جامدة محنّطة متشبثة بمواقفها لا يمسها تبدل ما ... ترفل بثوبها الطويل وهي تخطر في المساحة المعشوشبة تبحلق في الفراغ الذي اشغله بكرسيي المتحرك كما لو انها تراني للمرة الأولى___ ** الفراغ الذي اشغله بكرسيّ المتحرك ..كما لو إنها تراني للمرة الأولى ..التقطت عشبة بريّة ومررتها أعلى شفتيها المزمومتين اسفل منخريها وجعلت تتنشق عبرها رائحة البراري المعشّبة في الذاكرة ! ..كانت خطواتها الناعمة تدوس العشب برفق . بينما وجهها مصوب ناحيتي ، وعيناها اللامعتان تومضان مثل نجوم بعيده مشّعة ، في ليلة من ليالي الصيف الحافلة بالتألق والصفاء وشعرها الفاحم الطويل مسدول للوراء ، منسفح على كتفيّها ، تعبث فيه الريح ..كان عليّ أنّ امتص كلّ ذلك البريق المشّع من عينيها الملّبد بغيوم من الكراهية .... كنت محمولا بكامل عوّقي وخيبتي واحزاني على الكرسي عند مدخل الباب المفتوح المطل على الحديقة مغمورا بنثار شعاع شمس عالقه في شعرها المحلول ..لم اكن اسمع غير حفيف الأغصان يتصاعد في الهواء يحمل رائحة العشب البليل ..شعرت برغبة ان اهتف باسمها فوجدتني احرك شفتيّ فتتدفق الكلمات متعثرة منهارة . مرتّده متجمدة على شفتيّ
فشعرت بالمسافة التي تفصل بيننا ملغومة بالرعب واللاجدوى لا يمكن ان اجتازها دون ان اشعر بالتعاسة تعصف بي ............. مسافة اقرب إلى جدار من الجفاء شيدته بأسوار منيعه من الكراهية ... كنت ارتعش وانا ارقبها من طرف خفي تذرع الحديقة بقامتها الفارعة وملامحها التي جعلت تكسوها آثار حزن تشّع من عينيها وتزداد قتامة في سحنتها المعتكرة..كم بدت في تلك اللحظة المشمسة بعيدة كما لو انها لم تكن في متناول يدي ذات وقت ما ...كانت تزداد بعدا يوما بعد اخر ..بعدا لم يتوقف او يمسك عن التوغل في متاهة موحشة من العزلة والتوحد حتى تحوّل البيت إلى مقاطعة من الجزر المهجورة ..تنبعث من فضاءه الموحش الكئيب رائحة عزلة نفاذّة تشبه رائحة التراب او تلك التي تفوح من القبور الرطبة ......... حتى لكأني لا اتذكّر إني رأيتها في يوم ما ..! او عشنا معا ..... كأننا هكذا اكتشف احدنا الأخر ...مخلوقان غريبان متكئان إلى حافات مخيفة من العزلة ...
كانت هناك شاخصة جوار الشجرة ، بكامل كراهيتها وجبروتها تحوم عندها رفيف اجنحة العصافير عندما لاحت قامة أمّها المشدودة وهي تشق طريقها الحافل بالضغائن عبر الرواقعبر الرواق ..متلمسة طريقها في نور النهار ، ناشرة جناحين من النميمة يخفقان في سماء البيت ترفل بعبأتها السوداء يحف بها نور اسود !! غير منظور ..يندلق من داخلها المغلق على اسرار مخيفة ، عصيّة على الأنفتاح ..
كنت اتنبأ بالتفاصيل المشؤمة التي سترد على لسانها وبذلك الهمس المرعب ..كما يحدث عادة في كلّ زيارة تقوم بها ....
ذلك الهمس الذي كان يسبب ليّ اضطرابا ويجعل الخوف يسيل من كل جهاتي ، من قلبي واطرافي السفلى العاطلة ..وهو يحمل معه قدري المكتوب ..الذي لا يد ليّ في صناعته والذي يتوجب عليّ أن اعيشه بكامل قسوته ومنغصاته... ___ القدر صناعة غيبية __ قدري جعل يتشكل كهالة رمادية او حبال لزجة تلتف على خاصرة ايامي منذ زيارتها الأولى ،بل منذ رايتها أول مرة عقب اصابتي ..كانت تعدني المسؤل المباشر عما يحدث لأبنتها ..وترفض باصرار وعناد عجيبين ان تستمر ابنتها على البقاء او التواصل معي ...غادرت زوجتي الحديقة في طريقها للأحتفاء بأمّها ، ازاحت هرم صغير من الأعشاب بقدميها ، كانت قد اجتثتها مساء البارحة ..وهي تلوّح بيديها في الهواء معبّرة عن احتفاءها بزيارة أمّها ... كان موكب الأستقبال ذاته الذي يحدث في المرات المريرة السابقة ذات الأنتقادات اللاذعة الخفّية وذات الهمس السري الخفيض المخيف ... امسكت بيد امّها في اطباقة حميمة وقادتها إلى الغرفة ، مرتا قبالتي ..تمشيان بخطوات ناعمة داخل المساحة المفضية للغرفة ...كانت الأمّ تردّد كلاما غامضا وهي تهز رأسها وتلوّح بيدها الأخرى السائبة في الهواء ...كان وقع خطواتها الناعمة تتناغم مع الأنين الفاتر المنتزع من بدنها والذي تطلقه إبان توجهها ناحية الغرفة ..قبل ان تدنو مني في اقتراب مخيف لمحت في عينيها المفتوحتين على اتساعهما نظرات مريعة تنم عن كراهية مذهلة ..سمرتني على الكرسي ، فشعرت بموجة من الكآبة تجتاحني وتغمرني بذلك الخوف الذي خامرني عند زيارتها الأولى ..وكدت اطلق صرخة متخمة بالذعر في وجهها ...وعندما اجتازتني وبلغت الجانب البعيد من باب الغرفة ،شعرت بطمأنينة مؤقته ،غائمة تنبثق من اعماق قصية كما لو ان نسيما منعشا هب في نهار قائظ ..احسست برعشة تنمو في داخلي حالما سمعت الباب يصفق بقوّة ويغلق عليهما ...ايقظ في ذاكرتي هذا الأنغلاق المخيف ذلك الشعور المرعب المفعم برائحة العزلة والشحوب والذي كان معرشا في تلافيف الذاكرة ...فلاحت طلائع الذكرى الأولى للأنغلاق تتخاطف في مخيلّتي .. فطفرت من عينيّ دمعتان انزلقتا على خدّي ، انسابت اثرهما عبر الرواق ..متلمسة طريقها في نور النهار ، ناشرة جناحين من النميمة يخفقان في سماء البيت ترفل بعبأتها السوداء يحف بها نور اسود !! غير منظور ..يندلق من داخلها المغلق على اسرار مخيفة ، عصيّة على الأنفتاح ..
كنت اتنبأ بالتفاصيل المشؤمة التي سترد على لسانها وبذلك الهمس المرعب ..كما يحدث عادة في كلّ زيارة تقوم بها ....
ذلك الهمس الذي كان يسبب ليّ اضطرابا ويجعل الخوف يسيل من كل جهاتي ، من قلبي واطرافي السفلى العاطلة ..وهو يحمل معه قدري المكتوب ..الذي لا يد ليّ في صناعته والذي يتوجب عليّ أن اعيشه بكامل قسوته ومنغصاته... ___ القدر صناعة غيبية __ قدري جعل يتشكل كهالة رمادية او حبال لزجة تلتف على خاصرة ايامي منذ زيارتها الأولى ،بل منذ رايتها أول مرة عقب اصابتي ..كانت تعدني المسؤل المباشر عما يحدث لأبنتها ..وترفض باصرار وعناد عجيبين ان تستمر ابنتها على البقاء او التواصل معي ...غادرت زوجتي الحديقة في طريقها للأحتفاء بأمّها ، ازاحت هرم صغير من الأعشاب بقدميها ، كانت قد اجتثتها مساء البارحة ..وهي تلوّح بيديها في الهواء معبّرة عن احتفاءها بزيارة أمّها ... كان موكب الأستقبال ذاته الذي يحدث في المرات المريرة السابقة ذات الأنتقادات اللاذعة الخفّية وذات الهمس السري الخفيض المخيف ... امسكت بيد امّها في اطباقة حميمة وقادتها إلى الغرفة ، مرتا قبالتي ..تمشيان بخطوات ناعمة داخل المساحة المفضية للغرفة ...كانت الأمّ تردّد كلاما غامضا وهي تهز رأسها وتلوّح بيدها الأخرى السائبة في الهواء ...كان وقع خطواتها الناعمة تتناغم مع الأنين الفاتر المنتزع من بدنها والذي تطلقه إبان توجهها ناحية الغرفة ..قبل ان تدنو مني في اقتراب مخيف لمحت في عينيها المفتوحتين على اتساعهما نظرات مريعة تنم عن كراهية مذهلة ..سمرتني على الكرسي ، فشعرت بموجة من الكآبة تجتاحني وتغمرني بذلك الخوف الذي خامرني عند زيارتها الأولى ..وكدت اطلق صرخة متخمة بالذعر في وجهها ...وعندما اجتازتني وبلغت الجانب البعيد من باب الغرفة ،شعرت بطمأنينة مؤقته ،غائمة تنبثق من اعماق قصية كما لو ان نسيما منعشا هب في نهار قائظ ..احسست برعشة تنمو في داخلي حالما سمعت الباب يصفق بقوّة ويغلق عليهما ...ايقظ في ذاكرتي هذا الأنغلاق المخيف ذلك الشعور المرعب المفعم برائحة العزلة والشحوب والذي كان معرشا في تلافيف الذاكرة ...فلاحت طلائع الذكرى الأولى للأنغلاق تتخاطف في مخيلّتي .. فطفرت من عينيّ دمعتان انزلقتا على خدّي ، انسابت اثرهما .------- ** كانت تتطلّع في وجهي كما لو انها تراني للمرة الأولى ..ترمقني ذاهلة مشدوهة ! وهي تمشي محاذاة حبل الغسيل ،تجر خطواتها على مهل كانها تخشى الأنزلاق الى هوة او الجنوح من على منحدر زلق ..كأنها نسيتني او نسيت نفسها ..حدث ذلك عقب الزيارة الأولى لأمّها ....... صحيح انها كانت تبدي تذمرها لما حدث ليّ في الحرب ..وتنتابها حالة من التوتر والقلق في السرير إلا انها لم ترق إلى حد الشعور بالكراهية ...كنا نتحادث دون جفاء او منغصات ..كانت ماتزال بقايا جسرا من المودة والألفة تصل بين ضفتينا ..كان خيطا واه من بقايا ذكريات ما يزال يشدنا
خيط رهيف ، رفيع من ذكريات على وشك التفتّت ..
اما الآن كأنها تحاول ان تتذكرني او تتذكر إني رأيتها ! ...كما لو انها لم تعرف عني شيئا ..
كنت أرى اليها وهي تحني رأسها لألتقاط ثوب هوي من على حبل الغسيل ..فألمح شعرها المحلول ينسفح في الهواء وعلى جانبيّ وجهها فيغمرها بغشاوة من السواد تغطي ملامحها.......... وانا انظر اليها في ذلك الوقت المفعم بالقلق كانت أولى معالم الكراهية قد شرعت تلوح في كلامها ونظراتها .. كانت تتطلع ليّ من وراء حبل الغسيل بنظرات مشّعة .. استشف في تموجات بريقها ما يشي بكراهية مبكّرة ..فأشعر ان شيئا ما انكسر في داخلي ..كانت وهي تنشر قميص على الحبل كما لو انها تنشر رائحة قديمة او ذكريات لم تعد لها رائحة .....كانها تنشر بقايا إنسان بليل تحت الشمس تجفّف بقاياه في شعاع النهار ..في النور الساطع ..كانت مسمرة عند الحبل . وكأنها تمشي واقفة بخطوات واسعة متلاحقة ! او هكذا خيّل ليّ ..كأنها تجري وهي تنزع جسدي النحيل عن القميص ..فيتبدى القميص عاريا بليلا يتأرجح في الريح ..كأنه يقطر دما لزجا ينساب من موضع الرقبة الراعشة ولما يسقط الى الارض ، يهوي من على الحبل تلتقطه وتمسح بيدها التراب الذي علق بكميه ...كأنها تلوي ذراعي فيرتعش القميص كلّه ...وكأني أرخي كتفيّ بين يديها ...ومن وسط يديها أراني كأني اخرج من فضاء القميص ..
انسحب منه كفراغ يحلّق في العدم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر