الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو ضم الهند و الصين إلى نادي الأغنياء

عبدالله المدني

2005 / 7 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تعقد الدول الصناعية الكبرى أو مجموعة الثمانية (جي-8) قمتها الحادية والثلاثين هذا الشهر في سكوتلنده وسط توقعات بقرب اتخاذ قرار حول توسعة عضوية هذا النادي النخبوي و تحويله إلى جي-10 أو ربما جي-11 ، أو على الأقل إرجاء البت فيه إلى القمة المقبلة في روسيا بعد عام.

والحقيقة أن فكرة قبول أعضاء جدد ليست طارئة، وان كان الحديث عنها قد تزايد في أعقاب انضمام روسيا إلى الدول السبع المؤسسة (الولايات المتحدة و بريطانيا وألمانيا و فرنسا و ايطاليا و كندا و اليابان) في عام 2002

فبعيد هذا الحدث الذي غير اسم المجموعة إلى جي-8 ، تساءل الكثيرون عن مغزاه وعما إذا كانت وراءه اعتبارات سياسية مثل احتواء أي تطلع روسي للعب دور مشابه لدور الاتحاد السوفياتي ضد الغرب، خاصة وان معايير الانضمام إلى النادي لم تكن منطبقة تماما على روسيا. إلى ذلك، تساءل آخرون لماذا لا تعطي المجموعة عضويتها للصين أو الهند أيضا ، لا سيما و أنهما تتمتعان ببعض ما تفتقده روسيا.

وكان أول من دعا إلى توسعة عضوية النادي بحيث تشمل ممثلين عن التكتلات الاقتصادية الإقليمية الأخرى غير الاتحاد الأوروبي الذي يشارك في قمم المجموعة منذ 1977 ، هو رئيس الحكومة البلجيكية غاي فيرهوفستاد و ذلك في عام 2001 ، حينما قال أن ذلك سيمكن المجموعة من العمل بطريقة أفضل و يعطيها مصداقية اكبر في سعيها إلى رسم اقتصاد العالم ووضع معايير عالمية لمسائل مثل حقوق الإنسان والحكم الصالح و حرية التجارة و حماية البيئة. غير أن هذا استعيض عنه كما يبدو بسن تقليد منذ قمة 2003 في ايفيان بفرنسا هو دعوة بعض زعماء القوى الإقليمية الصاعدة للتشاور على هامش القمة السنوية للمجموعة.

وبرصد ما حدث مذاك، يتضح وجود رغبة أوروبية للدفع باتجاه ضم الهند والصين وكذلك البرازيل إلى المجموعة مقابل عدم حماس واشنطون، الأمر الذي فسر بأنه محاولة من الأوروبيين لتحقيق التوازن مع الثقل الأمريكي. حيث كان رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو بيرلسكوني أول من دعا صراحة أثناء قمة 2004 في سي آيلاند بولاية جورجيا إلى ضرورة إشراك الهند و الصين، قائلا: أنه لمن غير المنطقي أن نبحث في التحولات الاقتصادية في العالم وآثارها دون إشراك قوتين اقتصاديتين صاعدتين ذاتي تأثير مستقبلي كبير على الاقتصاد العالمي. بعد هذه الدعوة، توالت التصريحات المشابهة. فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير قال بأن الفكرة مطروحة بالفعل ، و نظيره الروسي فلاديمير بوتين أكد على أن عضوية الدولتين ستعزز عمل المجموعة، والمستشار الألماني غيرهارد شرويدر أيد فكرة التوسعة مرشحا الصين فقط ، فيما اكتفى الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالحديث عن إمكانية ضم دول جديدة دون تحديد أسمائها.

وقتها ظهر أيضا تفسير آخر لهذه الدعوات مفاده أنها مناورة دبلوماسية لمجموعة الثماني لتحييد القوة المتزايدة لمجموعة العشرين النامية بقيادة الهند و الصين والبرازيل. حيث أن ضم هذه الأقطار الثلاثة إلى نادي الأغنياء يعني تلقائيا خروجها من مجموعة العشرين و بالتالي تراجع وزن الأخيرة. وهناك سوابق في هذا الشأن منها خروج المكسيك و كوريا الجنوبية من مجموعة الدول السبع و السبعين النامية بانضمامها إلى منظمة التنمية و التعاون الاقتصادي OECD في عامي 1994 و 1997 على التوالي .

لكن أيا كانت التفسيرات، فان ما لا يمكن إغفاله هو أن ما يجري ليس سوى انعكاس لتعاظم الدور الاقتصادي للصين و الهند في العقد الأخير و ما فرضه على الآخرين الكبار من تحديات. و كما قال وزير الخارجية البرازيلي سيلسو أموريم مؤخرا فان مجموعة الثمانية إذا ما دعت البرازيل و الهند و الصين للانضمام إليها فإنها بذلك "تخدم نفسها و لا تتفضل علينا".

وهذا صحيح. إذ كيف لأعضاء النادي مثلا بحث موضوع الارتفاع الحاد الحالي في أسعار النفط و سبل ترشيد استهلاك الطاقة في غياب الهند و الصين اللتين ينظر اليهما كسبب في حدوث الظاهرة من جراء طلبهما المتزايد على النفط العالمي وفاء لمتطلبات نموها الاقتصادي السريع. و بالمثل فان موضوعا مثل تحرير سعر صرف اليوان الصيني - أو رفعه من مستواه الحالي الذي يجعل صادرات الصين في وضع تنافسي كبير كما تطالب واشنطون و شريكاتها – لا يمكن التفاهم حوله في غياب الصين.

ويكفي المرء الإطلاع على المؤشرات و الأرقام الخاصة بالعملاقين الآسيويين ليقتنع بجدارتهما في اخذ مكان إلى جانب الكبار. فالصين ، بعيدا عن قوتها العسكرية و النووية ومساحتها و عدد سكانها الضخم، تحقق منذ عقدين معدلات نمو عالية تتراوح ما بين 9 – 10 بالمئة أي أكثر بكثير من معدلات نمو سائر الاقتصاديات الكبرى. وهي اليوم رابع اكبر دولة في التبادل التجاري و ثاني اكبر مستورد للنفط و ثالث اكبر سوق للمركبات في العالم وثاني اكبر مالك لاحتياطيات النقد الأجنبي إلى جانب اليابان. أضف إلى ذلك أن إنتاجها من الصلب يفوق إنتاج دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة بعشرين مرة، وانه من بين كل عشرة أكياس من الاسمنت ينتج في العالم تستهلك الصين منها أربعة أكياس. ولجهة جذب الاستثمارات الخارجية لا تتفوق عليها سوى الولايات المتحدة. و تشير التوقعات إلى انه لن يكتمل العقد الحالي إلا و الصين تحتل موقع ألمانيا الراهن كثالث اكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة و اليابان.

أما الهند فقد حققت منذ أوائل التسعينات ما لم تحققه دول كثيرة خلال عقود طويلة من الزمن. فهي إلى جانب تحقيقها للاكتفاء الذاتي في الطعام وتحولها إلى رابع اكبر تجمع بشري في العالم للمؤهلين فنيا وتقنيا ، صارت من بين أسرع الاقتصاديات نموا و بمعدلات تتراوح ما بين 6.5 – 8 بالمئة. كما أنها الأكبر في العالم لجهة إنتاج وتصدير البرمجيات و كوادرها المتخصصة، فضلا عن تقدمها المشهود في علوم الفضاء.

وحينما نقارن أرقام العام المنصرم الخاصة بالصين و الهند بتلك الخاصة ببعض دول مجموعة الثمانية ، نجد أن العملاقين الآسيويين في منزلة أفضل لجهة إجمالي الناتج المحلي (7.3 تريليون دولار للصين و 3.3 تريليون دولار للهند مقابل 1.4 و 1.6 و 1.7 و 1 تريليون دولار لروسيا و ايطاليا و فرنسا و كندا على التوالي) ولجهة احتياطات النقد الأجنبي (610 بليون دولار للصين و 140 بليون دولار للهند مقابل 124.5 و 61.5 و 70.8 و 36.3 بليون دولار لروسيا و ايطاليا و فرنسا و كندا على التوالي) ولجهة معدل نمو القطاع الصناعي ( 17 % في الصين و 7.4 % في الهند مقابل 6.4 في روسيا و 0.7 في ايطاليا و 1.7 في فرنسا و 2 في كندا) ناهيك عن حجم الديون الخارجية التي تبلغ في الصين 233 بليون دولار وفي الهند 117 بليون دولار مقابل 914 بليون دولار في ايطاليا و 570 بليون دولار في كندا.

بالنسبة للهنود قد يكون انضمامهم إلى نادي الأغنياء بمثابة عزاء جيد لهم في حالة عدم الاتفاق على منحهم العضوية الدائمة في مجلس الأمن ، لا سيما وان هذا النادي - يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1975 حينما وجه الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان الدعوة إلى الولايات المتحدة و بريطانيا و ألمانيا و ايطاليا و اليابان لعقد قمة لبحث المشاكل الاقتصادية و المالية في العالم على خلفية الأزمة النفطية العالمية وقتذاك - صار في السنوات الأخيرة يحتل أهمية اكبر من مجلس الأمن كمكان تقرر فيه مختلف شئون العالم السياسية و الاقتصادية و الأمنية و البيئية بعيدا عن بيروقراطية الأمم المتحدة و مماحكات بعض أعضائها البائسين.

ومما كتب في هذا السياق انه إذا كانت شمولية النظام هي احد العوائق المتبقية أمام انتقال الصين إلى صفوف الصناعيين الكبار ، فان الهند لم يعد ينقصها لكي تخلع رداء الدولة النامية نهائيا سوى مواصلة جهودها بوتيرة أسرع للقضاء على الفقر الذي لا يزال يهيمن على ربع السكان - رغم خروج نحو 100 مليون نسمة من دائرته خلال العقد الماضي – و إلا فإنها ستبدو كالغراب وسط بجعات بيضاء.

أحد الخبثاء علق على احتمال قبول الهند في نادي الأغنياء متسائلا عما إذا كان رئيس الحكومة مانموهان سينغ يجيد رياضة الغولف أو على استعداد لخلع عمامته السيخية و ارتداء قبعة البيسبول مثلما درج زعماء مجموعة الثمانية على فعله في قممهم السنوية.

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة : 3 يوليو/ تموز 2005
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟