الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تناقص الممانعة العربية للاحتلال

محمد سيد رصاص

2005 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في ثورة العشرين ضد الإنكليز, كانت النجف وكربلاء والكاظمية متحدة مع الفلوجة والموصل والأعظمية: في عام 2003, أثناء الغزو الأمريكي للعراق, لم يعد الأمر كذلك, وهو حالٌ مستمر كما أظهرته انتخابات 2005 التي جرت تحت الاحتلال.
رغم فرض البريطانيين للأسرة الهاشمية في العراق(آب 21), وما ولّده ذلك من أرجحية سنية في المناصب الحكومية وفي الإدارة والجيش, فإن تماسك السنة والشيعة ضد الأجنبي قد ظهر في أيار1941أثناء حرب حكومة رشيد علي الكيلاني ضد القوات البريطانية الغازية لبغداد ,وفي الشهر الأول من عام 1948 في " وثبة كانون " ضد اتفاقية بورتسماوث, وفي انتفاضة( تشرين الثاني 1952) التي قادتها جبهة واسعة من القوى السياسية ( الشيوعيون- حزب الاستقلال- الحزب الوطني الديمقراطي-الجبهة الشعبية المتحدة بزعامة رئيس الوزراء السابق طه الهاشمي)
تحت شعار: « اخرجوا من بلدنا أيها الإمبرياليون الأنكلو- أمريكيون » والتي اضطرت الحكومة أمام انتشارها الواسع في بغداد إلى إعلان الأحكام العرفية وإنزال الجيش.
كان الاصطفاف سياسياً وأيديولوجياً في المجتمع العراقي, ولم تنشأ الأحزاب الطائفية, أو المستندة إلى طائفة معينة مع استنباط لفكرها وأيديولوجيتها من المنابع العقيدية للطائفة,إلا بعد ثورة 1958, مع( حزب الدعوة ) و ( الحزب الإسلامي ) , مع ملاحظة أن قيامهما في عامي 1959 و1960 قد أنبنى على الكثير من الاتجاه إلى مواجهة الشيوعية سياسياً وفكرياً, وهو ما يلاحظ على السيد محمد باقر الصدر الذي قام كتابه " فلسفتنا " (1959) على روح سجالية فكرية مع الماركسية والشيوعيين الذين بان نفوذهم الواسع في فترة حكم قاسم, إلا أن ذلك لا يمكن أن يحجب بداية اندثار وأفول الأحزاب المستندة إلى الطيف الوطني الواسع ( الشيوعيون- الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة كامل الجاد رجي الذي كان بين الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية- حزب الاستقلال ذو التوجه القومي على الطراز الفيصلي وثورة 1916) لصالح أحزاب تستند إلى مكونات المجتمع العراقي الثلاثة, كالحزب الديمقراطي الكردستاني(1946) الذي بدأ نموه على حساب الشيوعيين بعد 1961, وحزب الدعوة , وحزب البعث الذي استند إلى قاعدة اجتماعية سنية أساسا, ولو مع شامات شيعية, والذي لم يحصل نموه الحقيقي إلا بعد انشقاق 1959 بين القوميين والشيوعيين وانحياز قاسم إلى الأخيرين, وعملياً فإن هذه الأحزاب الثلاثة كانت هي واجهة السياسة العراقية بعد عام 1970, وما زالت ( مع إضافة الطالباني والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية) إذا أخذنا بقايا حزب البعث أو نمو الحزب الإسلامي بعد سقوط الأخير, وحلوله محله, هو و"هيئة علماء المسلمين", في الطيف الاجتماعي السني العراقي.
لم يظهر الانكسار الاجتماعي العراقي أمام الأجنبي في الحرب العراقية الإيرانية (إذا استثنينا الأكراد الذين راهنوا على التحالف مع إيران) بين السنة والشيعة, بل أظهر الأخيرين تغليبهم الوطني والقومي على الديني والطائفي, برغم أن الكثيرين يعزون ذلك إلى قبضة صدام التي كانت جاثمةً آنذاك على صدور الجميع ,مع أن ذلك ليس كافياً لتفسير صمود جيش غالبية العددية من الشيعة, ومدن مثل البصرة وصل الإيرانيون إلى ضواحيها: في الحقيقة لم يبن هذا الانكسار إلا في شهر آذار 1991, عندما انتفض الأكراد عقب هزيمة الجيش العراقي في الكويت, والشيعة, الخائبين من عدم ملاقاة صدام لما قدموه في الحرب ضد إيران مع استمراره في طريقة حكمه السابقة بعد انتهاء الحرب, حيث وضحت المراهنات الخائبة لهم على الأمريكان الذين خذلوهم فيما لم تكن الأصابع الإيرانية خافية من تحرك الجنوب العراقي.
كانت هذه الصورة, التي تعود إرهاصاتها إلى ما بعد عام 1959, واضحة في مجتمع عراق التسعينات, حيث لم تكن سياسات المعارضة العراقية مبنية على عوامل داخلية, بل على مراهنات إقليمية ودولية من أجل إحداث التغيير الداخلي, إلا أن ذلك لم يكن كل الصورة, حيث انبنت مراهنات بعض قوى المعارضة على أن ما سيحدث هو ليس إسقاطاً لصدام حسين فقط, وإنما إسقاطاً لمعادلات ما بعد آب 1921.
كان ذلك مقرّراً للطريقة التي سقط فيها العراق وبغداد في عام 2003, حيث لا يمكن عزو ذلك إلى العوامل العسكرية وضعف النظام أو " تخاذل " و" خيانات " بعض ضباطه, وإنما يجب امتلاك شجاعة القول بأن ذلك كان حصيلة لانقسام مجتمع تجاه الأجنبي الغازي, حيث لم تكن مواقف الشيعة و الأكراد متطابقة مع مواقف السنّة حيال الدبابة الأمريكية الغازية للعراق, وهو ما شكّل وضعاً ملائماً للأمريكي من أجل المرور والنفاذ إلى الداخل العراقي لاحتلاله, في وضع ليس ببعيد عن الحالة السودانية عندما شكّلت قضايا الجنوب و دار فور ممرّات لإعادة صيغة السودان أمريكياً.
استمرّ هذا الوضع في الفترة اللاحقة لسقوط بغداد : كان الموقف من مستقبل العراق مرتبطاً عند مكونات المجتمع العراقي بالموقف من الاحتلال, حيث نرى عند الشيعة ( المقصود هنا, أغلب الجسم الاجتماعي للطائفة وهذا يشمل السنّة عند الإشارة إليهم أيضاً ) موقف اللامقاومة بل " التعاون الإيجابي " من أجل إيجاد وضع مع الأميركان شبيه بما كان عليه السنّة مع الإنكليز في عام 1921 الشيء الذي كان واضحاً في مواقف آية الله السيستاني و( المجلس الأعلى ) و( حزب الدعوة ) تجاه ظاهرة "مقتدى الصدر" الذي كانت مواقف هذه الشخصيات والقوى منه آتية من الخشية من أن يحرق السيد مقتدى تلك الطبخة, فيما كانت استراتيجية الأكراد الالتحاق بالأمريكي من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة, بينما نرى مقاومة السنّة, التي تستند إلى قاعدة اجتماعية واسعة في " المثلث " وبغداد والموصل, تسعى إما إلى تقويض الوضع الذي نتج عن الاحتلال من أجل تجاوزه أو إلى إثبات أن العراق لا يمكن " حكمه " عبر ثنائية الشيعة الأكراد.
كانت الانتخابات العراقية, في ظل هذا الانقسام الاجتماعي, مناسبةً لتبيان مدى هذا الانقسام وربما ممرّاً لتعزيزه, بخلاف ما هو الحال في فلسطين وانتخاباتها, وربما, في هذا الإطار, شكلت هذه الانتخابات, كصورة, تكثيفاً ملخصاً لعقود من مسار المجتمع العراقي باتجاه حالة من الانقسام الاجتماعي الذي لا يمكن تكثيفه في العنوان الذي اسمه (صدّام حسين) والموقف منه, وإنما هو أبعد بكثير,و إلا ما كان ذلك ليطال عناوين (الاحتلال) و(هوية العراق القومية) و(الفيدرالية) .
لم تكن التحاقية غالبية قوى المعارضة العراقية بالأميركان تعبيراً فقط عن عجزها على أحداث التغيير الداخلي بنفسها مما دفعها للمراهنة على العامل الخارجي الذي كان واضحاً أنه سيأخذ شكل الاحتلال (على الأقل بعد 11 أيلول) وإنما أيضاً وأساساً عن لا اندماجية مكونات المجتمع العراقي مع المستتبع الرئيسي لهذه اللا اندماجية متمثلاً في انقسام هذه المكونات حيال مسألة (الاحتلال) : هل يعبّر امتداد النزعة الالتحاقية بالأجنبي إلى بعض المعارضين بالبلدان العربية الأخرى عن حالة " لا اندماجية " مثل العراق, أم أن الأمر لا يعدو كون المعارضين المراهنين على الخارج مفتقدين إلى التمثيل الاجتماعي مما يدفعهم إلى الاستقواء بالأجنبي, في تجاهل صارخ للتجربة العراقية, التي أ̉حرق فيها اللحاف من أجل قتل البرغوث؟.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس