الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب جنون ولكنها تعقل المجانين احيانا !!

عمر الداوودي

2014 / 3 / 15
كتابات ساخرة


لا ادري لماذا اتعاطف بشدة مع كل من يتعرض لقصف مدفعي..في حياتي لم اخدم في الخدمة العسكرية ولم احمل السلاح لاحد ولم اطبل لطبول الحرب لاحد كما انني ضعيف في حفظ الاناشيد الوطنية,,مع ذلك رأيت وعشت في جبهات قتال حقيقية!!عام 1991 تعرضنا كباقي سكان كفري انذاك لقصف مدفعي شديد ولاسابيع..الحق يقال ,لم يكن مصدر القصف الجيش العراقي انذاك,,بل كانت من الميليشيات الايرانية المعارضة ,من جماعة (مجاهدي خلق)المعارضة ,,هي كانت لعبة من لعب المفاهيم السياسية المتخالطة في بعضها البعض والتي تثير الاستغراب احيانا ..القصف متفهم من الناحية السياسية ولكن من الناحية الانسانية وهي الاهم عندي ,,فأنها كانت جريمة غير مبررة,,بسرعة البرق انهزم سكان المدينة ,الذي يملك سيارة انهزم بها مع خواص اهله ومن ليست لديه اقترض رجلين اخريتين ليطلق لها العنان ,,واشرد,,شمال المدينة حيث الممر الضيق الذي صنعه غدير (بوغاز)قرب تلة باوشاسوار كان أامن المنافذ لمغادرة المدينة وفي غضون ساعة فرغت المدينة من ساكنيها ,,مشكلة سكان كفري القدامى والاصليين هي انهم يدمنون حب مدينة كفري ولهذا لم يصلوا الى ابعد من موقع خلف جبل باوه شاسوار,,تحصن عدد غير قليل واستتر بجبل باوه شاسوار وبقوا هناك لايام وليال غير قليلة وهم ينصتون للسعات وقع صوت سياط القذائف المدفعية الثقيلة على ظهر المدينة !! ولكن في الليلة الاولى ومن وراء الجبل وقرب الغدير وعلى ضؤ القمر فقط كنا نراقب ونختلس لحظات هدؤ كي نتسلل الى داخل المدينة لكي نختلس شيئا من الطعام من بيوتنا !! التي تركناها مرغمين ركضا في النهار وبقيت تحت رحمة القذائف الغير الرحيمة..اشتد القصف اكثر واكثروزادت القذائف المتساقطة..لمحنا في الظلام شبحا على هيئة ادمي يتحرك بتمايل وهدؤ وبخطوات متعثرة سائرا نحونا!!..اقترب اكثر فأكثر ومعه اقتربت القذائف المتساقطة لأنه كان يحمل مصباحا يدويا يستهدي بنوره في سيره!!..كانت القذائف تتساقط في امكنة قريبة منه وكانت على وشك تمزيقه ولكنه لم يصب ولو بشظية !!!وفوق كل ذلك كان سائر الظلام هذا غير مبال !! وكأنه لم يحدث شيء!! واقترب اكثر ووصل صوت غناءه قبله!!,,كان يغني!!,لازلت اتذكر كلمات اغنيته (هل رآى الحب سكارى)!!,,يسقط ثم ينهض ويتجشأ بقوة ويتفوه ب...سكارى وباللحن ايضا !! ويطيل الالف المقصورة في تقليد واضح لمؤدية الاغنية الحقيقية !!واقترب اكثر الى ان وصل الينا وسحبه المتربصون لما وراء الجبل ...كان غارقا في الثمالة والخيال ,بالكاد يستقيم واقفا في مكانه ...رائحة الخمر تزكم الانوف ...سألوه ..ما الذي تفعله في هذه الساعة ؟! ...واجاب بلكنة السكارى المعتادة وبلسان متعثر ,متعقد,ومتلعثم ...
-أنتم قولوا لي ما الذي تفعلونه في هذه الساعة ؟!!,,,,في هذا المكان ؟!...اكيد شاربين شي؟!!!
في مثل هكذا حالة لا يستطيع المرء تمالك نفسه وعدم الانفجار ضحكا ....وقبل ان تنتهي موجة الضحك الهستيري التي استبدت بالجميع,صاح احدهم بنا اسكتوا ...اسكتوا..صمتا...هناك اثنان اخران قادمين !!...انهما يركضان ويصرخان ...لابد ان هناك هجوم عسكري على المدينة؟...ويبدو ان هذين هم اخر سكان المدينة المنهزمين؟!,,,ووصلا وتبين انهما من مجانين المدينة المعروفين لدى الجميع ولكن الغريب كان في ان رائحة الخمر كانت ايضا تفوح منهما !!...تعرفا علينا جميعا !!..وعرفا جميع من كان وراء الجبل وبالاسم !!,,وتكلما بلهجة غريبة ,كانا يتكلمان وكأن العقل قد ارتد اليهما !! وكأنهما في كامل قواهما العقلية !!...احدهما قال...
-المكان هنا ليس آمن ,فلنذهب لمكان ابعد,,انها مسألة ايام وسينتهي القصف وستهدأ الاوضاع !!!..
لأول مرة في حياتي اراه يتكلم بدون تلعثم ,,,بدون جنون!! وكأنه استعاد عقله !!...اما الاخر فقد نصح احدى النسوة بضرؤرة الاعتناء بصغيرها وبضرؤرة تغطيته جيدا كي لا يمرض!!!...ثم بدأ يلعن الحروب وايضا تكلم بكل عقلانية!!!...صمت الجميع في هول المعجزة...بينما كان صاحب المصباح,,,السكير الاول يضحك بقوة ويصرخ في موجة ضحك وقهقهات !!...لقد صادفتهما قرب دارنا وكانا يرجواني اعطاءهما الماء !! كانا عطشين جدا وقد اعطيتهما شيئا من الماء !!...وبعدها اصبحا يتكلمان بغرابة !!
في تلك الليلة ادركت معنى ...ان الناقص في ناقص يساوي الزائد كما كان يقول مدرس الرياضيات لنا في المتوسطة!!!
الحروب مجنونة,,,وهي تجنن العقلاء ولكنها احيانا تعيد العقل للمجانين ايضا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة