الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المساراتُ العربيةُ إلى أين؟

عبدالله خليفة

2014 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



يعودُ ارتباك الإصلاحاتِ العربية لكون القوى السياسية التي تقود العمليات هذه لا تحملُ المفاهيمَ الصحيحةَ للإصلاحات، ولا تعبرُ عن القوى الاجتماعية القادرة على إرساءِ مضامين الإصلاح في الواقع، فهي تعمل على نفس الأيديولوجية المحافظة القديمة التي لا ينتجُ عنها تحول نوعي.
فهناك أنظمة وحركات مذهبية تتصارع.
فقوى اليمين التقليدية هي التي لها الأنصبة الأكبر، وهي تختلفُ حسب تبايناتها الطائفية لا حسب برامج الإصلاح العالمية التحديثية.
إن القدومَ من العصر الوسيط، والإبقاء على سمات المجتمعات القديمة من هيمنةٍ كلية أو عامة على السلطات، إلى استمرار عبودية النساء المنزلية، إلى الإبقاءِ على بعض النصوصية الدينية في الدساتير والثقافة العامة وهي نصوصيةٌ غيرُ ديمقراطيةٍ وغيرُ عقلانيةٍ، هذه كلها تؤكد هزيمة مشروع الحداثة العربية وقيام التقليديين الطائفيين والمحافظين بالصراعات الحادة أو الدامية في البلدان العربية. لكن من القديم ينشأ جديد، وينبثق من رماد الثورات العربية فكرٌ مختلف في بلدان قليلة.
إن هزائم قوى التنوير واليسار والعسكر الشمولية قد أعادَ مرةً أخرى القوى التقليدية للنفوذ السياسي الواسع على الحياة العربية في بلدان متعددة ولكنها تمسك حطاماً أو كيانات مضطربة لا تملك قوى بناء كبيرة، وهي لا تأبهُ كثيراً بالصراعات التي جذّرتها في الواقع العربي المتعدد الدول ولا تعترف بمسئولياتها عن النتائج السلبية لتلك الصراعات.
فهناك تفككٌ واسعٌ للبُنى الاجتماعية بسبب مركزيةِ السلطات الطويلة، وسيرورةِ المدن العربية مراكز للهيمنة الاقتصادية بمشروعاتها غير الصناعية، سواءً كانت صناعةً ثقيلة أم خفيفة، وانتشار الاقتصاد الطفيلي وأشكال أخرى من الاقتصاد المعتمدة على فيوضِ الصناعات الاستخراجية الضعيفة التطور الصناعي العلمي الجماهيري الواسع المبدل للبنى العتيقة.
ولهذا فإن أشكالَ الأعمال التجارية وقوى العمل الشعبية تغدو متدنيةَ التأثير وسلبية على المدى الطويل، فنجدُ أن بلداناً تعتمد على فيوض كبيرة من العمالة المهاجرة لا تقدم سوى إنشاءات مادية مرحلية، فلا يكون لها تأثير كبير مفيد على تطور البُنى الاقتصادية الاجتماعية، بل هي توسعٌ للجوانب الطفيلية، فتغدو المهنُ الطفيليةُ هي السائدة، فتقوم فئاتٌ بتأجير مختلف أنواع المِلكيات إلى فئات أخرى وتحصل على إيجار وريع وفوائد، فيما هي لا تقومُ بأي عملٍ إنتاجي، ولهذا لا تجذر تصنيعاً.
وهذا يصلُ للتأجير الفكري والتأجير الثقافي والسياحي، فهنا فئاتٌ لا تنتجُ أعمالاً بقدر ما توظفُ الفندقَ أو المبنى، أو الخدمات أو الأشياء، أو الأشخاص، أو الذات الكاتبة والمغنية والمفكرة، للغير نظير فوائد وعمولات.
إن الدولَ بهياكلها ما قبل الحديثة والمعتمدة على النفوذ السياسي والعائدة للقرون الوسطى، عبر سيطرة الطوائف والقبائل والعائلات والبيروقراطيات هي بعيدةٌ عن الحكم الديمقراطي الحديث، فهي حتى غير قادرة على تصعيد برجوازية صناعية أو حديثة تستجيبُ لقوانين السوق، وقوانين الديمقراطية، وقوانين العقلانية.
إن أحجام التخلف في المجتمعات العربية هائلة، ولم تؤدِ الفيوضُ النقدية لتحولٍ جوهري في القواعد الاقتصادية، ولم تفعل ما فعله غاندي وسلفه، عبر التحول للصناعات الثقيلة والخفيفة وتوسع التصدير، وربط التطورُ التالي ذلك بالحداثة والعلمنة وهزيمة القومية العدوانية بعد الحرب العالمية الثانية، بل عاشت البُنى العربية على الفيوض النقدية السهلة وتوسع الاقتصاد الطفيلي.
ولهذا نلاحظُ من الناحية السياسية انتهاء سيطرات العسكر والبيروقراطيات القديمة المحتجزة على القطاعات العامة الفاسدة، نحو ولاياتِ الفقيه السنية والشيعية وغيرهما لتعيد إنتاج الماضي الاستبدادي.
إن ولايةَ الفقيه تعبيرٌ عن نشؤ طفيلياتٍ ودكتاتوريات على مستوى النصوصِ الدينية وعلى مستويات التفسيرات السطحية النفعية الخاصة بالقوى الاجتماعية البرجوازية الصغيرة الجديدة المتلاعبة بالأقوالِ الدينية نحو توظيفاتٍ طفيلية واسعة.
إن دكتاتوريات العسكر واليسار الانتهازي والقومي وغيرها هي طفيلياتٌ على مستوى النصوص العصرية المؤدلجة المُشذبة لصالح تلك الدكتاتوريات وبرفض قوانين الحداثة من ديمقراطيةٍ وعلمانيةٍ وعقلانية، فتقوم الطفيلياتُ الدينيةُ الجديدة بالحلول محلها، وتكرسُ أشكالَ الملكيات الخاصة الطفيلية تلك والتي انتشرت بأشكالٍ واسعة عبر المقاولات والصرافة والبنوك وغيرها.
فيما تتطلب الأبنيةُ العربيةُ جبهات واسعةً متعاونة للتصنيع والعلوم والتقنيات وعدم إهدار الفيوض النقدية بالنوم والتآكل في الغرب والشرق، والعيش على الصراعات السياسية والمسلحة بين القوى في كل بلد وبين البلدان العربية والإسلامية بعضها البعض.
إن لغات الاستحواذ على تفسير المذاهب وعلى الكراسي والعقار والشركات والأسواق هي لغاتٌ تضربُ السوقَ الحرة، وتتفرد بالهيمنة على الوزارات والعهود القديمة والجديدة، وعدم العقلانية برؤية مسارات الانحدار الراهنة المضعفة لكل القوى، وتصعيد لسيطرات الذكور على الحياة والبيوت بأشكال متشددة من جهة، وفتح الأبواب للحلال الكامل للجنس الخشن، واقتصاديات المتع والبذخ، وللفنون الحسية الهابطة من جهة أخرى.
إعادة النظر في أنماط التصنيع وربطها بتحولات السكان وإعادة الفوائض للاقتصاديات العربية بدلاً من شحنها للخارج، وتثوير العائلة الذكورية وجعلها ديمقراطية، ونشوء ولايةِ الشعب والبرلمان والسوق الحرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت