الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبدأ القانوني الدولي الجديد الذي ترسيه أميركا حول قضية شبه جزيرة القرم، وانعكاساته على تواجد اسرائيل؟

ميشيل حنا الحاج

2014 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


المبدأ القانوني الدولي الجديد الذي ترسيه أميركا حول قضية شبه جزيرة القرم، وانعكاساته على تواجد اسرائيل؟
تجرى يوم الأحد 16 آذار، عملية استفتاء في "شبه جزيرة القرم" تحدد مستقبل الجزيرة: هل تبقى جزءا من جمهورية "أوكرانيا"، أم تعود الى "روسيا الاتحادية" - الوطن الأم. وهذا الاستفتاء تعارضه بشدة "الولايات المتحدة" يؤازرها في ذلك تأييد أعمى من دول الاتحاد الأوروبي.
ولكن الولايات المتحدة سواء كانت تدري، او لا تدري بعد، وان كانت لا تدري فالمشكلة أعظم، أنها بهذه المعارضة، انما ترسي مبدأين جديدين في القانون الدولي هما: 1) رفض مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، 2) اسقاط أسس ما ادعي به من حق اليهود بالعودة الى فلسطين استنادا لكونها، كما يدعون، وطنهم الأم قبل ألفي عام، طالما ان مبدأ عودة "شبه جزيرة القرم" الى الوطن الأم، هو مبدأ بات مرفوضا في العرف الأميركي الجديد.
و"أوكرانيا" التي أثارت التقلبات السياسية الأخيرة فيها، احتمالات تجدد الحرب الباردة، ان لم تكن الساخنة بين الدول الكبرى، تقع بجوار"الاتحاد الروسي" الذي منحها، بصفته القطب الأكبر في "الاتحاد السوفياتي" السابق، هبة الولادة على الخارطة الجغرافية، ومن ثم السياسية، عندما انتزعها من قبضة "بولندا" في شهر أيلول عام 1939، ومنحها صفة الجمهورية المستقلة العضو في "الاتحاد السوفياتي". ثم وسعت من رقعتها في عام 1954، عندما قرر "الاتحاد السوفياتي"، اقتطاع"شبه جزيرة القرم" من "روسيا الاتحادية"، وضمها الى "أوكرانيا"، وهو الأمر الذي تم بدون اجراء استفتاء شعبي، حسب مقتضيات القانون الدولي الحديث، للاطلاع على رغبة شعوب "الاتحاد الروسي" بالموافقة على التنازل عن شبه جزيرة "القرم"، أو لاستكشاف رغبة سكان شبه الجزيرة بالانضمام الى "أوكرانيا"، أو بالبقاء ضمن "الاتحاد الروسي".
ويشكل سكان شبه جزيرة "القرم" المنوي اجراء الاستفتاء فيها 17،3 بالمائة من سكان "أوكرانيا" معظمهم من الروس مع وجود البعض من مواطني جمهورية "روسيا البيضاء"ونسبة قليلة من "التتار" – السكان الأصليين في "أوكرانيا". وهذه النسبة أوردتها صفحة "يوكيبيديا" للمعلومات، (وهي صفحة انسايكلوبيديا حرة) التي حددت أيضا أن نسبة الأوكرانيين في "أوكرانيا" هي 77،8 بالمائة، مع وجود 4،9 بالمائة من الاثنيات الأخرى. وهذه النسب المئوية تستند الى احصاءات قديمة، اذ يقدر عدد سكان شبه جزيرة "القرم" في الوقت الحالي بقرابة 20 بالمائة من سكان "أوكرانيا".
ف"روسيا الاتحادية" التي حرمت من ممارسة حقها في عام 1954 في اجراء استفتاء حول رغبتها من عدمه في اقتطاع شبه جزيرة "القرم" من أراضيها ، لا تغادر جادة الصواب، أو تخالف القانون الدولي (كما يقول فلاديمير بوتين) في ترحيبها باجراء استفتاء الآن في شبه الجزيرة. وسكان "القرم"، لا يغادرون جادة الصواب، او يخالفون القانون الدولي، عندما يطالبون الآن باجراء استفتاء شعبي ، يتماشى مع حق تقرير المصير المعترف به دوليا، يقررون فيه مصيرهم بموجب الحق الذي كان مقررا لهم استنادا للقوانين الدولية، منذ عام 1954، عندما انتزعوا من حضن الدولة الأم بدون استفتائهم حول هذا الأمر.
ولكن "الولايات المتحدة" لتي تعارض هذه الخطوة، لا يمكنها أن تكون مستندة الى أسس القانون الدولي. فهي في حقيقة الأمر تستند الى منطق القوة وما تقتضيه مصالحها. ولكنها تغامر في ذات الوقت، بالطعن بشرعية وجود ربيبتها "اسرائيل" على الأراضي الفلسطينية. فاليهود قد برروا تأسيس دولتهم على أرض الآخرين، بأنهم انما يعودون الى الوطن الأم بعد حرمانهم منه على مدى ألفي عام أو أكثر.
ومن هنا ينبغي التساؤل: بأي حق يصبح عودة اليهود الى الوطن الأم، بعد انقطاعهم عنه لألفي عام أو أكثر، حق مؤكد لا ينبغي على أحد أن يعترض عليه، ولا يحق في المقابل لقاطني شبه جزيرة "القرم" أن يطالبوا بالعودة الى وطنهم الأم بعد انقطاع قسري لم تتجاوز مدته الستين عاما مقابل ألفي عام أو أكثر بالنسبة "اليهود~".
وهناك مفارقة أخرى تطعن في صلب الحق اليهودي باستعادة ما سموه بالعودة للوطن الأم واستعادته من الآخرين (كما يقولون)، وهو أن عودتهم لما يسموه بالوطن الأم أو أرض الميعاد، تم بقوة السلاح، ولم يتم نتيجة استفتاء شعبي لسكان ذاك الوطن ليقرروا ترحيبهم أو رفضهم لتلك الخطوات القسرية. وهذا خلاف لما يجري في شبه جزيرة "القرم"، حيث تتم العودة نتيجة استفتاء شعبي يستند لمبدأ هام في القانون الدولي وهو حق تقرير المصير.
ان الأثر القانوني الآخر الهام الذي يقود اليه رفض "الولايات المتحدة" الاعتراف لمواطني شبه جزيرة "القرم" بحق تقرير المصير عبر استفتاء يجرونه، وهو أثر مرغوب فيه للأميركيين ولليهود، هو اسقاط حق أحفاد الفلسطينيين في المطالبة مستقبلا باستعادة "فلسطين" باعتبارها وطنهم الأم، وهو الحق الذي يحاولون اسقاطه بوسيلة أخرى أيضا، وهي انتزاع اعتراف من بعض الفلسطينيين عبر المفاوضات العقيمة بين طرفين غير متكافئين في القوة، بالتنازل عن حق العودة، مع اعتراف بيهودية دولة "اسرائيل".
ولكن الولايات المتحدة وربيبتها "اسرائيل" لا تدركان أنه مهما بدلوا في المفاهيم الدولية، ومهما حصلوا من تواقيع فلسطينية أو عربية بالاعتراف بدولة "اسرائيل" على أرض فلسطينية، يظل متناقضا مع المبدأ الهش الذي استند اليه اليهود في تأسيس دولة "اسرائيل" وهو عودتهم واستعادتهم للوطن الأم. فاذا كان ذلك هو المبدأ المتاح لهم بمباركة أميركية وغربية، كمبرر لتأسيس دولتهم على الأرض الفلسطينية، فانه سيظل مبدأ متاحا لأحفاد الفلسطينيين أيضا عندما يطالبون، (رغم ما قد يوقعه بعض الفلسطينيين من اتفاقات غير مباركة)، بعد مائة عام أو اقل، بالعودة الى الوطن الأم.. الى"فلسطين".
فما لم يسقط الاسرائيليون ادعاءهم بتأسيس دولة "اسرائيل" على أساس العودة للوطن الأم، والاعتراف بأن العودة استندت الى القوة، والى تحقيق مصالح دولية استعمارية هدفها انشاء قاعدة مضمونة الولاء للمصالح الغربية تقوم بحماية آبار النفط (التي باتت لعنة على الشعوب العربية)، لن يسقط الحق لأحفاد الفلسطينيين بالمطالبة بحقهم الدائم في العودة الى وطنهم الأم.. الى "فلسطين"، بعد مائة عام أو أقل، وليس بعد ألفي عام كما كان الحال بالنسبة للادعاء الاسرائيلي.
على الولايات المتحدة اذن، أن توضح موقفها النهائي من ثلاث قضايا هامة:
1) حق الشعوب في تقرير مصيرها. فلا تباركه في حالة، وترفضه في حالة أخرى. فالنصوص القانونية سواء وردت في القانون المدني، أو القانون الجنائي، أو القانون الدولي العام أو الخاص، ينبغي أن تتضمن نصوصا عامة ومجردة، لا نصوص تنطبق على حالات خاصة معينة (كما في حالة اليهود) ولا تنطبق على حالات أخرى كما في حالة الفلسطينيين وسكان شبه جزيرة "القرم". اذ يتوجب على الدوام، كما درسنا في كلية الحقوق، وجوب أن تكون النصوص القانونية عامة ومجردة تنطبق بشكل مطلق وعلى الجميع، وليس على حالة معينة دون حالة أخرى.
2) حق مواطني شبه جزيرة "القرم"، بالعودة الى وطنهم الأم "روسيا الاتحادية"، اذا أقر الاستفتاء ذلك، وهو الحق المقرر لهم أصلا، وكان ينبغي أن يمارسونه في عام 1954، ولم تتح لهم الفرصة في ممارسته في ذلك الوقت، ولكنهم يمارسونه الآن. فرفض "الولايات المتحدة"~ الاعتراف بشرعية هذه الخطوة، انما هو ما يمثل تنكرا للقانون الدولي، وليس اجراء الاستفتاء هو ما يجافي القانون الدولي. وأنا كرجل درس القانون وتخرج بدرجة جيد فيه، بل وبدرجة جيد جدا في عدة مواد من مواد القانون ومنها القانون الدولي، أود أن أنبه الرئيس "أوباما" (الذي أحترمه كثيرا ولكني أتمنى عليه ألا يستمع لنصائح مستشاريه الخاطئة)، بأنه يرتكب مخالفة قانونية واضحة اذا تمسك، استجابة لنصائح بعض مستشاريه، بهذا الموقف الخاطىء الذي سيؤدي بدون مبرر، لاشعال أو تأزيم خلاف دولي سيقود، في أدنى الحالات، لعودة الحرب الباردة.
3) درجت "الولايات المتحدة"، عن حق أو بدون وجه حق، على معادة "الاتحاد السوفياتي" السابق، ساعية بالعديد من الوسائل لاسقاطه. فنجحت في ذلك. ولم تكتف عندئذ بمجرد اسقاطه، بل سعت لانهاء الكثير من الآثار التي رتبها وهو في ذروة قوته. ومنها التحالف الذي كان قائما بين "الاتحاد السوفياتي" ودول أوروبا الشرقية، فسعت لابعاد تلك الدول عن التحالف أو مجرد الاحتفاظ بروابط قوية بينها وبين "روسيا الاتحادية" التي التزمت بتنفيذ كل تعهدات "الاتحاد السوفياتي"، باعتبارها خليفته فيما رتب من حقوق أو التزامات. فاذا كانت "أميركا" قد سعت، لا الى مجرد اسقاط "الاتحاد السوفياتي"، بل أيضا لاسقاط ما رتب من آثار، فلماذا لا تعترف "أميركا" الآن، بحق مواطني شبه جزيرة "القرم"، باجراء استفتاء يقرر مصيرهم بالبقاء في حاضنة "اوكرانيا"، أو العودة الى حضن الأم "روسيا الاتحادية"، باعتبار أن عدم اجراء ذاك الاستفتاء في حينه، في عام 1954، كان من الآثار الخاطئة التي رتبها السوفيات في الماضي. فهي اذن واحدة من الآثار التي ينبغي تصحيحها أسوة بالآثار الأخرى التي رتبها السوفيات سابقا وسعت أميركا لتصحيح الكثير منها.

فهل تستمع "الولايات المتحدة"، وعلى رأسها "اوباما"، الذي تخوف حتى الآن من الانزلاق نحو الصدامات المسلحة، تجنبا للأخطاء التي ارتكبها سلفه "جورج بوش الابن" لدى دخوله في حربين تسببا في كوارث اقتصادية لأميركا وللأميركيين... هل يستمع لصوت العقل والسلام، عوضا عن الاصغاء لدعاة الحروب، سواء بذريعة "أوكرانيا"، او بذريعة "سوريا".
ميشيل حنا الحاج.
عضو في جمعية الكتاب ألأليكترونيين الأردنيين.
عضو في لجنة الشعر في رابطة الكتاب الأردنيين.
عضو المجموعة الفلسطينية للدراسات الاستراتيجية Think Tank)).
عضو ديوان أصدقاء المغرب.
عضو رابطة الأخوة والصداقة اللبنانية المغربية.
عضو مجموعة مشاهير مصر - عضو منتدى العروبة.
عضو مركز حوار للدراسات الاستراتيجية الجديدة.
عضو في العديد من المجموعات الأخرى.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدم المنازل الفلسطينية وتوسيع المستوطنات.. استراتيجية إسرائي


.. مجدي شطة وا?غانيه ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. قتلى واقتحام للبرلمان.. ما أسباب الغضب والاحتجاجات في كينيا؟


.. الجنائية الدولية تدين إسلامياً متشدداً بارتكاب فظائع في تمبك




.. فرنسا.. أتال لبارديلا حول مزدوجي الجنسية: -أنت تقول نعم لتما